قراءة في وثيقة "حزب الله" السياسية
هذه الوثيقة ترتدي أهمية كبيرة نظراً لصدورها عن حزب تتسم ممارسته بالجدية المطلقة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالوثيقة تعتبر متقدمة على ما عداها من وثائق صدرت عن أحزاب يمكن اعتبارها هرمة بالنسبة لشباب "حزب الله".
وفي هذه العجالة سوف نتحدث عن بعض النقاط فقط.
في الفصل الثاني وتحت عنوان "الوطن" تقول الوثيقة: "ونريده واحداً موحَّداً (الوطن اللبناني)، أرضاً وشعباً ودولةً ومؤسسات، ونرفض أي شكل من أشكال التقسيم أو "الفدرلة" الصريحة أو المقنَّعة. ونريده سيداً حراً مستقلاً عزيزاً كريماً منيعاً قوياً قادراً، حاضراً في معادلات المنطقة، ومساهماً أساسياً في صنع الحاضر والمستقبل كما كان حاضراً دائماً في صنع التاريخ".
"ومن أهم الشروط لقيام وطن من هذا النوع واستمراره أن تكون له دولةٌ عادلةٌ وقادرةٌ وقويةٌ، ونظامٌ سياسيٌ يمثّل بحق إرادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والأمن والإستقرار والرفاه والكرامة، وهذا ما ينشده كل اللبنانيين ويعملون من أجل تحقيقه ونحن منهم".
نقول بأن ما تقدم لا ينشده جميع اللبنانيين. إن من يريد أن يحافظ على الطائفية السياسية من أجل مصالحه الضيقة لا يريد لهذه الدولة أن تكون موحدة. كما وأن من يريد أن يتآمر على سلاح المقاومة التي حررت الأرض، أرض الوطن، ويقضي على التوازن مع العدو لصالح العدو وضد مصلحة الوطن، لا يريد للبنان لا الحرية ولا الأمن... وهؤلاء معروفون ويمكننا أن نعددهم، فهم غير مستورين ولا يستحيون من انتمائهم المعادي للوطن.
تحت عنوان "المقاومة" تقول الوثيقة: " فانتهاج خيار المقاومة حقّق للبنان تحريراً للأرض واستعادةً لمؤسسات الدولة وحمايةً للسيادة وإنجازاً للإستقلال الحقيقي. في هذا الإطار فإنّ اللبنانيين بقواهم السياسية وشرائحِهم الإجتماعية ونُخَبِهم الثقافية وهيئاتِهم الإقتصادية، معنيون بالحفاظ على هذه الصيغة والإنخراط فيها، لأنّ الخطر الإسرائيلي يتهدّد لبنان بكل مكوناته ومقوماته، وهذا ما يتطلّب أوسع مشاركة لبنانية في تحمّل مسؤوليات الدفاع عن الوطن وتوفير سبل الحماية له".
هذا الكلام مهم جداً، ففيه دعوة صريحة للانخراط بالمقاومة لأي كان. إن حماية المقاومة تكمن بتجاوزها للحدود المذهبية والطائفية. وهذا ما يسعى إليه كل من يريد مصلحة هذا الوطن ومقاومته.
تحت عنوان "الدولة والنظام السياسي" تقول الوثيقة: " وإلى أن يتمكن اللبنانيون ومن خلال حوارهم الوطني من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي والحساس - نعني إلغاء الطائفية السياسية - وطالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية فإنّ الديمقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك".
نقول: 1 – لا وجود لحوار بين اللبنانيين، إنما الحوار هو بين الذين تحميهم الصيغة الطائفية القائمة. وهؤلاء لايمكن أن يتخلوا عن سبب قوتهم.
2 – الديموقراطية التوافقية تعني إعادة انتاج الصيغة الطائفية القائمة. ولا يكمن فيها أية مصلحة للفئات الشعبية. إن التمسك بهذه الصيغة يعني التمسك بالرموز التي تؤمن الاستغلال والفقر للشعب اللبناني.
و"حزب الله" لا يحتاج الى التمسك بهذه الصيغة لأن وجوده في السلطة السياسية يؤمنه امتداده الشعبي الحقيقي، وليس الصيغة التي تؤمن وجود أعداء الشعب اللبناني في مؤسسات السلطة السياسية.
ثم تضيف الوثيقة: " إنّ الديمقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من قِبَل الجميع، وعامل ثقة مطَمْئِن لمكونات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطَمْئِنة التي يشعر كل مواطنيها أنها قائمة من أجلهم".
كلمة "الجميع" هنا تؤدي إلى التعمية. عندما يتحرك الناس على أنهم "مواطنون" يختلف عن تحركهم بانتمائهم الطائفي والمذهبي. فالصيغة التي تتحدث عنها الوثيقة هي التي تنزع عن اللبناني صفته المواطنية وتعطيه الصفة المذهبية والطائفية وهذا ما لا يريده الحزب. فالحزب يريد الانسان الذي ينخرط في ورشة بناء الوطن على أنه مواطن أو مقاوم.
هناك تناقض بيِّن بين السياق العام للوثيقة والصيغة المتخلفة "للديموقراطية التوافقية".
أما الصفات التي توردها الوثيقة للدولة التي يريدها الحزب فهي صفات تستأهل النضال من أجل تحقيقها.
ثم تتحدث الوثيقة عن العلاقات العربية والاسلامية. نسجل هنا الملاحظة التالية: في ظل العولمة النيو ليبيرالية التي تفرض وجودها عبر الاقتصاد والسياسة والعسكر، كما تورد الوثيقة محقة، لا إمكانية للتحرر إلا بالتكتلات الكبرى. فالعلاقات العربية أو الاسلامية لا معنى للتحدث عنها إن لم تقرن بروزنامة تعبر عن علاقات مختلفة عما هو قائم اليوم. إن العرب والمسلمين بامكانهم إقامة تكتل يمكنه أن يتحرر من التبعية في هذا العصر الذي لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تكون قطباً منفرداً في هذا العالم. وهذا ما أشارت إليه الوثيقة. من هنا ضرورة التحدث عن علاقات اقتصادية بينية ليس لها أية علاقة بالخلافات السياسية أو العقائدية ما بين الدول العربية أو الاسلامية. إن الخطاب العقائدي له أهمية ولكن ليس بإمكانه وحده أن يغير الواقع.
هذه الوثيقة تستدعي دراسة متأنية فهي أهم وثيقة تصدر عن حزب فاعل في وطننا العربي وفي لبنان أيضاً. هذه الوثيقة تثبت بأن "حزب الله" قد قفز خطوة كبيرة إلى الأمام، نتمنى أن تكون ناجحة. إن اقتران نجاح الحزب بتبنيه لخيار المقاومة هو ما يجعلنا نطمئن إلى مستقبل الحزب والمقاومات.
حسن ملاط
بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية
حسن ملاط
- فكر وتربية
- القلمون, طرابلس, Lebanon
- كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.
الاثنين، 30 نوفمبر 2009
الاثنين، 23 نوفمبر 2009
حول اليسار وحزب الله والمقاومة
حول "االيسار وحزب الله والمقاومة"
كتب السيد "سلامة كيلة" في "السفير" تاريخ 21 – 11 – 2009 مقالة رد فيها على مقالة كتبها صديقه قاسم عز الدين. وحيث أن هذه المقالة قد نشرت فقد أصبحت ملك القارئين مما يسمح لنا بالتعليق عليها من غير حرج.
سوف أبدأ من حيث انتهى الأستاذ "سلامة" حيث يقول: "ربما كانت هناك مشكلات كثيرة يعاني منها اليسار، وهو يعيش أزمة عميقة، لكن سنلمس بأن أحد أسباب أزماته هو هذه النظرة التي لا زال الصديق قاسم يتمسك بها، لا أقصد طبعاً دعم المقاومة بل أقصد الانسياق إلى الدعم المطلق، ورفض كل نقد، وتبرير كل سياسة. فقدسية المقاومة لا يجب أن تحجب كل المشكلات التي تعيشها القوى التي تمارس المقاومة".
ليت أن مشكلة اليسار هي كما عبر عنها الأستاذ"سلامة"، ولكن مشكلته الحقيقية أنه يعيش في عالم صاغه لنفسه وراح يقنع الناس أن هذا العالم هو العالم الواقعي. وهذا يذكرنا بكلام جميل ل"فريد زكريا" في أحد مقالاته حيث يتساءل "ما العمل؟ فيجيب: العالم الجديد يملي علينا خياراتنا". محق "فريد زكريا" فيما قاله ولكن اليسار لم يفقه أن العالم قد تغير وأن تغيره يفرض علينا خياراتنا.
يقول السيد "كيلة": "ثم إن كل الأمور المطروحة الآن في مواجهة حزب الله لم تكن مطروحة من قبل اليسار قبل سنة 2000، وحتى 2004 ربما، حيث كانت المقاومة هي الممارسة الأساس للحزب، وكانت مؤيدة من قبل هذا اليسار. لكن اختلف الأمر بعد أن بات الحزب يشارك في السلطة، ولديه أجندة داخلية، وهو الأمر الذي فرض تناول البرنامج الاقتصادي للحزب. وهنا كانت سياسته تقوم على دعم البرنامج الليبرالي للحريري الأب، وفي الحكومات التي شارك فيها. وهذا ليس مستغرباً على حزب يتبنى أيديولوجية شيعية تلتزم ولاية الفقيه، لأن السياسة الاقتصادية التي تمارس في إيران هي سياسة ليبرالية بامتياز، وهي ككل الليبراليات التي نعرفها في الوطن العربي. وهذا أمر طبيعي لأن تلك الأيديولوجية تنطلق من التحرر الاقتصادي".
ثم يضيف: "هذه مسائل هي جزء من تكوين الحزب، ولا نقولها من موقع الإدانة، فهو حق وتعبير عن مصالح طبقية لفئات اجتماعية، وبالتالي لا ينتقص من الدور المقاوم للحزب. وما دامت المقاومة مستمرة فمن الضروري أن تكون أساس العلاقة تنسيق نشاط المقاومة. لكن حين يصبح النشاط هو الصراع في إطار الدولة اللبنانية، ومن أجل خيارات مختلفة، لا يعود التوافق على المقاومة هو محدِّد العلاقة، لأننا هنا إزاء تناقضات طبقية، وخيارات طبقية، لا يلغيها التوافق على المقاومة ضد الاحتلال. وهذا أمر «طبيعي» كذلك، حيث أن القوى المتوافقة على المقاومة هي مختلفة حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وحول طبيعة السلطة".
فهمنا مما تقدم أن ما يضير اليسار هو الفئات الطبقية التي يمثلها "حزب الله". فاليسار يؤيد مقاومة الحزب ويلوم الحزب على أنه يؤيد ولاية الفقيه التي تتبع برنامجاً ليبيرالياً في ايران.
من هنا فان الصراع الطبقي يحتم علينا أن نتخذ موقفاً طبقياً من حزب الله. وحيث أن الشيء بالشيء يذكر أنا لم أجد في مقالة قاسم عز الدين ما يوحي بضرورة تأييد موقف حزب الله الاقتصادي الاجتماعي لأن الحزب لم يبلور برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً متكاملاً.
أما الحديث عن الصراع الطبقي فهو حديث ليس له علاقة في الواقع الذي تعيشه بلادنا. السيد كارل ماركس يتحدث عن التناقضات ويحدد أن هناك دائماً تناقضاً رئيسياً تخضع له (لمقتضياته) التناقضات الثانوية. ففي مرحلة التحرر الوطني رأينا الحزب الشيوعي الصيني يتحالف مع الكيومنتانغ لمحاربة الاستعمار الياباني مع علم ماو تسي تونغ أن هذا الحزب يمثل الرأسمالية المعادية للحزب الشيوعي ومن يمثل. فهو اعتبر أن التناقض مع الرأسمالية الوطنية هو ثانوي إزاء الاستعمار الياباني المفروض محاربته. وفي لبنان يعتبر حزب الله أن التناقض مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني هو التناقض الرئيسي. لذلك يُخضع جميع التناقضات الأخرى لهذا التناقض. وهو محق في هذه النظرة.
أما إذا أحببنا أن ننظر إلى بلادنا وهي تعيش في ظل العولمة الليبيرالية أو النيوليبيرالية فالنظرة تختلف نسبياً. ففي ظل هذه العولمة لا حياة إلا للكتل الكبرى. فالتحدث عن المجتمع اللبناني أو المجتمع المصري أو الايراني هو كما التحدث عن نقطة في بحر. من هنا ضرورة التحدث عن التحرر من الخضوع لهذه العولمة بصيغة تتناسب مع مقتضيات النضال ضد هذه العولمة. أي أن من شروط التحرر هو الاتجاه نحو تشكيل كتلة كبرى تملك إمكانية الحياة في هذا العالم: كتلة تتألف من الدول العربية وتركيا وايران، كتلة تملك جميع مقومات الحياة بمعزل عن العالم بأسره. كتلة تفكر بمقايضة الطاقة بالتقنية وليس بالدولار. فالعولمة تخضعك إما بالدولار وإما بالسلاح. لذلك نحن لانرى بأن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يشكل كتلة من دون روسيا. فروسيا تملك الطاقة والقوة والاتحاد الأوروبي يملك التقنية والمال... كما ويمكننا أن نتصور أن العالم لن يكون آحادي القطبية، بل هناك امكانية لتشكل عدة كتل كبرى: أمريكا، الصين واليابان، الهند، أمريكا الجنوبية والوسطى، الاتحاد الأوروبي وروسيا والبلاد العربية والاسلامية...
في ظل العولمة النيو ليبرالية هناك أمم مضطهدة بجميع طبقاتها. سوف نجد بعض الأفراد في الطبقات البورجوازية من يخدم العولمة لارتباطه بها ولكن ليس الطبقة بمجموعها. من هنا فالصراع الطبقي يأخذ مظهراً آخر، مظهر شبيه بذلك الذي تحدثنا عنه في مرحلة التحرر الوطني.
تبعاً لما تقدم نرى أن من الضرورة بمكان أن نولي حزب الله كامل دعمنا لمحاربته إسرائيل بالنيابة عن اليسار وبالنيابة عن الأمة العربية والاسلامية، ونناضل بالاشتراك معه لبلورة مشتركة لبرنامج اقتصادي اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار جميع ما تقدم. ونقول للأستاذ "كيلة" أن الممارسة هي التي تفيد وليس إملاء الدروس مهما كانت بليغة. يُروى أنه في صلح الحديبية الذي أمضاه النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين، طلب النبي من الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم، فلم يستجيبوا له. راح محزوناً إلى زوجه أم سلمة وروى لها ما حصل. قالت له أخرج واحلق أمامهم. فما أن فعل حتى فعلوا جميعاً.
حسن ملاط
كتب السيد "سلامة كيلة" في "السفير" تاريخ 21 – 11 – 2009 مقالة رد فيها على مقالة كتبها صديقه قاسم عز الدين. وحيث أن هذه المقالة قد نشرت فقد أصبحت ملك القارئين مما يسمح لنا بالتعليق عليها من غير حرج.
سوف أبدأ من حيث انتهى الأستاذ "سلامة" حيث يقول: "ربما كانت هناك مشكلات كثيرة يعاني منها اليسار، وهو يعيش أزمة عميقة، لكن سنلمس بأن أحد أسباب أزماته هو هذه النظرة التي لا زال الصديق قاسم يتمسك بها، لا أقصد طبعاً دعم المقاومة بل أقصد الانسياق إلى الدعم المطلق، ورفض كل نقد، وتبرير كل سياسة. فقدسية المقاومة لا يجب أن تحجب كل المشكلات التي تعيشها القوى التي تمارس المقاومة".
ليت أن مشكلة اليسار هي كما عبر عنها الأستاذ"سلامة"، ولكن مشكلته الحقيقية أنه يعيش في عالم صاغه لنفسه وراح يقنع الناس أن هذا العالم هو العالم الواقعي. وهذا يذكرنا بكلام جميل ل"فريد زكريا" في أحد مقالاته حيث يتساءل "ما العمل؟ فيجيب: العالم الجديد يملي علينا خياراتنا". محق "فريد زكريا" فيما قاله ولكن اليسار لم يفقه أن العالم قد تغير وأن تغيره يفرض علينا خياراتنا.
يقول السيد "كيلة": "ثم إن كل الأمور المطروحة الآن في مواجهة حزب الله لم تكن مطروحة من قبل اليسار قبل سنة 2000، وحتى 2004 ربما، حيث كانت المقاومة هي الممارسة الأساس للحزب، وكانت مؤيدة من قبل هذا اليسار. لكن اختلف الأمر بعد أن بات الحزب يشارك في السلطة، ولديه أجندة داخلية، وهو الأمر الذي فرض تناول البرنامج الاقتصادي للحزب. وهنا كانت سياسته تقوم على دعم البرنامج الليبرالي للحريري الأب، وفي الحكومات التي شارك فيها. وهذا ليس مستغرباً على حزب يتبنى أيديولوجية شيعية تلتزم ولاية الفقيه، لأن السياسة الاقتصادية التي تمارس في إيران هي سياسة ليبرالية بامتياز، وهي ككل الليبراليات التي نعرفها في الوطن العربي. وهذا أمر طبيعي لأن تلك الأيديولوجية تنطلق من التحرر الاقتصادي".
ثم يضيف: "هذه مسائل هي جزء من تكوين الحزب، ولا نقولها من موقع الإدانة، فهو حق وتعبير عن مصالح طبقية لفئات اجتماعية، وبالتالي لا ينتقص من الدور المقاوم للحزب. وما دامت المقاومة مستمرة فمن الضروري أن تكون أساس العلاقة تنسيق نشاط المقاومة. لكن حين يصبح النشاط هو الصراع في إطار الدولة اللبنانية، ومن أجل خيارات مختلفة، لا يعود التوافق على المقاومة هو محدِّد العلاقة، لأننا هنا إزاء تناقضات طبقية، وخيارات طبقية، لا يلغيها التوافق على المقاومة ضد الاحتلال. وهذا أمر «طبيعي» كذلك، حيث أن القوى المتوافقة على المقاومة هي مختلفة حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وحول طبيعة السلطة".
فهمنا مما تقدم أن ما يضير اليسار هو الفئات الطبقية التي يمثلها "حزب الله". فاليسار يؤيد مقاومة الحزب ويلوم الحزب على أنه يؤيد ولاية الفقيه التي تتبع برنامجاً ليبيرالياً في ايران.
من هنا فان الصراع الطبقي يحتم علينا أن نتخذ موقفاً طبقياً من حزب الله. وحيث أن الشيء بالشيء يذكر أنا لم أجد في مقالة قاسم عز الدين ما يوحي بضرورة تأييد موقف حزب الله الاقتصادي الاجتماعي لأن الحزب لم يبلور برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً متكاملاً.
أما الحديث عن الصراع الطبقي فهو حديث ليس له علاقة في الواقع الذي تعيشه بلادنا. السيد كارل ماركس يتحدث عن التناقضات ويحدد أن هناك دائماً تناقضاً رئيسياً تخضع له (لمقتضياته) التناقضات الثانوية. ففي مرحلة التحرر الوطني رأينا الحزب الشيوعي الصيني يتحالف مع الكيومنتانغ لمحاربة الاستعمار الياباني مع علم ماو تسي تونغ أن هذا الحزب يمثل الرأسمالية المعادية للحزب الشيوعي ومن يمثل. فهو اعتبر أن التناقض مع الرأسمالية الوطنية هو ثانوي إزاء الاستعمار الياباني المفروض محاربته. وفي لبنان يعتبر حزب الله أن التناقض مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني هو التناقض الرئيسي. لذلك يُخضع جميع التناقضات الأخرى لهذا التناقض. وهو محق في هذه النظرة.
أما إذا أحببنا أن ننظر إلى بلادنا وهي تعيش في ظل العولمة الليبيرالية أو النيوليبيرالية فالنظرة تختلف نسبياً. ففي ظل هذه العولمة لا حياة إلا للكتل الكبرى. فالتحدث عن المجتمع اللبناني أو المجتمع المصري أو الايراني هو كما التحدث عن نقطة في بحر. من هنا ضرورة التحدث عن التحرر من الخضوع لهذه العولمة بصيغة تتناسب مع مقتضيات النضال ضد هذه العولمة. أي أن من شروط التحرر هو الاتجاه نحو تشكيل كتلة كبرى تملك إمكانية الحياة في هذا العالم: كتلة تتألف من الدول العربية وتركيا وايران، كتلة تملك جميع مقومات الحياة بمعزل عن العالم بأسره. كتلة تفكر بمقايضة الطاقة بالتقنية وليس بالدولار. فالعولمة تخضعك إما بالدولار وإما بالسلاح. لذلك نحن لانرى بأن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يشكل كتلة من دون روسيا. فروسيا تملك الطاقة والقوة والاتحاد الأوروبي يملك التقنية والمال... كما ويمكننا أن نتصور أن العالم لن يكون آحادي القطبية، بل هناك امكانية لتشكل عدة كتل كبرى: أمريكا، الصين واليابان، الهند، أمريكا الجنوبية والوسطى، الاتحاد الأوروبي وروسيا والبلاد العربية والاسلامية...
في ظل العولمة النيو ليبرالية هناك أمم مضطهدة بجميع طبقاتها. سوف نجد بعض الأفراد في الطبقات البورجوازية من يخدم العولمة لارتباطه بها ولكن ليس الطبقة بمجموعها. من هنا فالصراع الطبقي يأخذ مظهراً آخر، مظهر شبيه بذلك الذي تحدثنا عنه في مرحلة التحرر الوطني.
تبعاً لما تقدم نرى أن من الضرورة بمكان أن نولي حزب الله كامل دعمنا لمحاربته إسرائيل بالنيابة عن اليسار وبالنيابة عن الأمة العربية والاسلامية، ونناضل بالاشتراك معه لبلورة مشتركة لبرنامج اقتصادي اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار جميع ما تقدم. ونقول للأستاذ "كيلة" أن الممارسة هي التي تفيد وليس إملاء الدروس مهما كانت بليغة. يُروى أنه في صلح الحديبية الذي أمضاه النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين، طلب النبي من الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم، فلم يستجيبوا له. راح محزوناً إلى زوجه أم سلمة وروى لها ما حصل. قالت له أخرج واحلق أمامهم. فما أن فعل حتى فعلوا جميعاً.
حسن ملاط
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)