بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 26 أغسطس 2010

أحداث بيروت

قراءة مختلفة لأحداث "برج أبي حيدر" في بيروت

أحداث فردية على ما وصفها سواء مصادر "حزب الله" أو "جمعية المشاريع" المعروفة "ألأحباش". "صدر عن قيادتي جمعية المشاريع الاسلامية وحزب الله بيانا مشتركا جاء فيه:"على أثر الحادث الفردي المؤسف الذي وقع عصر هذا اليوم الثلاثاء بين شباب من حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية، تداعت قيادتا الطرفين لاجتماع عاجل في فرع مخابرات بيروت، وجرى التأكيد أن الحادث المؤسف هو فردي ولا خلفيات سياسية أو مذهبية وراءه، وقد تم الاتفاق على محاصرته وانهائه فورا ومنع أي ظهور مسلح بغية عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية كما كانت، ومعالجة كافة التداعيات الناجمة عنه. "كما تقرر فتح تحقيق عاجل من قبل قيادة الجيش اللبناني ورفع الغطاء عن كل من يحاول المس بمسيرة الأمن والاستقرار، الذي هو أولوية لدى الطرفين وكل الأطراف الوطنية. وتم الاتفاق على ابقاء الاجتماعات مفتوحة لتفويت الفرصة على كل المصطادين في الماء العكر.

وقد استدعت هذه الأحداث "الفردية" الكثير من ردود الفعل. اخترنا منها ما يلي، مع ملاحظة أن الإختيار كان عشوائياً.

"وصف النائب قاسم هاشم في تصريح اليوم، ما حدث في برج ابي حيدر امس بـ"الخطير"، وأسف "لسقوط الدماء في الوقت الذي مازال العدوالإسرائيلي يستهدف وطننا ويفتش عن كل الأساليب والثغرات لتخريب واقعنا الوطني"، لافتا الى أن "ما جرى يستدعي من الجميع الإرتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية والإبتعاد عن الخطاب السياسي المتشنج والتحريضي الذي يترك آثارا سلبية في كثير من الأحيان".
"واعتبر أن التطورات والتحديات التي تعصف بلبنان والمنطقة تتطلب مزيدا من الحكمة والوعي والعقلانية، بعيدا عن بعض الأصوات التي تجد فرصتها في الأزمات والملمات لتعبث مع العابثين والناعقين، لافتا الى أن "المصلحة الوطنية تتطلب توسيع مساحة التلاقي بين الأفرقاء اللبنانيين لحماية الوطن من كل خطر وتفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر داخليا وخارجيا".

"ألغى رئيس مجلس النواب نبيه بري مواعيده اليوم متابعا اتصالاته التي بدأها مساء امس لوأد الفتنة التي ظهرت بوادرها باستغلال حادثة الامس من اجل توسيعها، ولحصر الذي جرى ضمن اطاره الضيق. واكد "ضرورة اجراء تحقيق سريع وشفاف وتسليم المتسببين في ما جرى الى الجهات المعنية والقضاء".

"رأى رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص في تصريح اليوم باسم "منبر الوحدة الوطنية"، أن "ما وقع أمس من حوادث عنيفة مدمرة مرفوض رفضا قاطعا، ولقد لقي إدانة صارمة من الناس جميعا، وهم الذين يرون مصلحتهم الوطنية بطبيعة الحال في استتباب الهدوء وتوطيد أسباب العيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد". ورأى أنه "كان بمثابة الكفر بقيمة الانسان في هذا المجتمع، وبالقيم الخلقية والدينية التي آمن بها الشعب اللبناني منذ أن كان".
وقال: "إننا نضم صوتنا الى أصوات الذين دانوا ويدينون مثل هذه الاعمال التخريبية التي تنفذ على حساب أماني هذا الشعب النيبل وهنائه وسلامة حاضره ومستقبله".

"اسفت "جبهة العمل الاسلامي في لبنان" بسبب "الحوادث الاليمة التي جرت مساء امس في بعض مناطق العاصمة بيروت، وادت الى سقوط عدد من الضحايا بين قتيل وجريح". وحذرت في بيان، من "الوقوع في فخ وشباك الاستدراج الى الفتنة، ومن وجود طابور خامس يسعى الى توتير الاجواء عبر تأجيج الشحن والاحتقان المذهبي والطائفي، ونشر الفوضى والذعر بين المواطنين".
ودعت الجبهة المسؤولين والحكماء الى "التحلي بروح الوعي والحكمة والمسؤولية، والى وأد كل عوامل الفتنة في مهدها وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر"، مشيدة بـ"البيان المشترك الصادر عن "حزب الله" وجمعية المشاريع، الداعي الى التهدئة، وحصر الخلاف في اطاره الفردي، بعيدا عن اية خلفية سياسية او مذهبية، وكذلك في رفع الغطاء عن المخلين بالامن لاي جهة انتموا".

"ودعا الحريري إلى التهدئة، قائلاً «هذا الإشكال كان فرديا! هذا أخطر من الحقيقة. ألا نرى ما يحصل من مؤامرات حولنا؟». وأكد أن «هذا الاحتقان ناتج عن الخطاب السياسي الذي يصدر عن بعض الأقلام ومحطات التلفزة». وأشار إلى أن الكل ملام، من سياسيين أو إعلاميين أو محطات تلفزة. تصعيد الخطاب السياسي في البلد وتصرفات البعض تؤدي إلى ما حدث".

"رفض مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني «ظاهرة الشغب المسلح التي طالت الأحياء السكنية الآمنة في العاصمة بيروت». واعتبر «أن اللبنانيين الذين ينشدون قيام الدولة العادلة الآمنة القوية، ويتطلعون اليوم إلى تقوية الجيش اللبناني بتسليحه تحصينا للبنان في وجه العدو الإسرائيلي، قد ضاقوا ذرعا من تقديم الضحايا من المدنيين الأبرياء في الأحياء الداخلية لبيروت ثمنا لخصومة الأفراد الذين يستقوون خلف سلاح الأحزاب التي ينتمون إليها".

"كان لافتا للانتباه قول رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد إن «الحادثة كشفت سيناريوهات وبروفات»، مشيراً إلى أن «الله أراد على ما يبدو أن ينبّه الناس جميعا إلى مخاطر الاستدراج والاندفاع".

**********

إن ما حصل في بيروت مؤسف حقاً وخطير أيضاً، ولكن المؤسف أكثر، والأخطر أكثر أنما حصل هو مرشح للحصول مرات أخرى، نتيجة للشحن المذهبي الذي لا يتوقف، ونتيجة عدم التصدي لهذا الشحن من أولئك المنوط بهم التصدي لهذا الشحن. وللبيان أؤكد أنني لا أبرىء أحداً.

أتساءل أحياناً أن الكثير من الذين كانوا يعملون في الأحزاب أو التجمعات القومية أو الماركسية أصبحوا من الناشطين ضمن الحركات المقاومة أو المؤيدة للمقاومة. كانوا علمانيين، أي أن المذهبية كانت بعيدة عنهم. هل أنهم أصبحوا مذهبيين بعد أن أصبحوا مسلمين أي بعد أن أصبحوا مأمورين بأن يعقلوا الكون. هل أصبحوا عاجزين عن استيعاب الوضع اللبناني؟ شيء لا يصدق!

إن العلاقات ما بين "حزب الله" والقوى المؤيدة للمقاومة في الساحة السنية، عمرها من عمر الحزب. وجميعنا يعلم أن الفوارق المذهبية لم تكن يوماً فاقعة كما هي منذ مدة. وهذه المدة ليست مرتبطة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. إن حادثة الإغتيال قد أضافت عاملاً إلى عوامل أخرى. كما أن التحريض المذهبي أصبح من المستويات المتدنية جداً لأن من يقوم به لا يتصف بأي نوع من الأخلاقية، وهذه الصفة المميزة لمن يتخلق بأخلاق الغرب أو توابعه. ما أردت أن أقوله أن الفوارق المذهبية التي ظهرت قبل اغتيال الرئيس الحريري لم يكن لها وظيفة، إنما كانت رواسب فقط. أما ما يقوم به المكلفون بالتحريض المذهبي هو تحريض وظيفي fonctionnel . تحريض يريدون استثماره بعدة أهداف منها:

1 - انقسام جمهور المقاومة على بعضه البعض.

2 – إرتداد الجمهور السني عن تأييده للمقاومة، خاصة وأن تأييد السنة للمقاومة كان طبيعياً، أي أن المقاومة لم تحتج يوماً للدعاية في المناطق السنية.

3 – تحويل العداء لإسرائيل إلى عداء ما بين الجمهور السني والجمهور الشيعي. هذا ما تريده إسرائيل والإدارة الأمريكية.

4 – الفتنة ما بين السنة والشيعة. وهذا ما يعمل عليه بوتيرة متسارعة. ولكن ما منع الفتنة السنية الشيعية حتى الآن هو تمنع حزب الله عن الدخول في هذه الفتنة، حيث أن عملاء الأمريكان قد تمكنوا من تحضير الأرضية المؤاتية لهذه الفتنة. ونحن عندما نقول أن هذه الفتنة لن تقع، لمعرفتنا بأن الحزب لن ينجر لها.

5 – نزع سلاح حزب الله. وهذا من الأهداف الرئيسية لهذا التحريض.

نحن لا ندعي أن هذه هي جميع الوظائف للتحريض المذهبي. فربما هناك أهداف أخرى غابت عن أذهاننا.

إن أخطر أمر بالنسبة للموضوع المذهبي مضافاً إليه التحريض المذهبي، أن القوى المنوط بها التصدي لهذا الخطر لا تملك تصوراً واضحاً لكيفية التصدي له. لا يكفي عدم قبول حزب الله الدخول بالفتنة. لأنه بإمكان الأعداء التفتيش عن قوى أخرى. صحيح أنها ليست موجودة على الساحة حتى الآن، ولكن لا يوجد مانع نظري لعدم وجودها. من هنا لا تكفي المقاومة السلبية.

إن عدم استجابة حزب الله للفتنة تستدعي وجود قوة موازية له في الساحة السنية لها القدرة على التصدي لهذه الفتنة. هل هذه القوة موجودة؟ كلا حتى الآن. هل هناك من مانع سياسي أو نظري لوجودها ؟ كلا! إذن، هناك تقصير.

إن أسوأ ميزة لأحداث بيروت أنها بين أصدقاء! نحن جميعاً نحزن لكل قطرة دم تراق خارج القتال مع إسرائيل أو حلفائها، فكيف بين أصدقاء. أصدقاء بالسياسة، أي أنهم متفقون على أن العدو هي إسرائيل وحلفاؤها.

أن هذا الأمر يستدعي وقفة موضوعية للحدث.

نحن مع السيد حسن نصر الله أن حزب الله غير مخترق أمنياً. ولكن ما حدث في بيروت يبين أن هناك إختراق من نوع آخر سواء عند الحزب أو عند جمعية المشاريع الإسلامية. وهذا لا تتحمل مسؤوليته، سابقاً، لا الجمعية ولا الحزب. أما لاحقاً فسوف يتحملان المسؤولية. الإختراق الذي أتحدث عنه هو ذاك الإختراق الذي سمح للحزب والجمعية أن يتقاتلا بهذا الشكل العنيف، والعنيف جداً. أي أن لحظة القتال قد أنست الطرفين أنهما كانا أصدقاء وسيعودان أصدقاء لأنه ما من أحد منهما يؤيد العدو الصهيوني أو أتباعه.

إن العصبية المذهبية هي نوع من الإنتماء الغريزي. إنها تمنع العقل والمنطق من العمل. هذا العامل الهام لم يتنبه له الحزب في علاقاته الداخلية ولم تتنبه له الجمعية أيضاً. إن الخطورة تأتي من حيث أن الساحة مخترقة من قوى عديدة مهمتها التحريض الطائفي مع أي كان ولأي جهة انتمى.

إن حساسية الأمر تأتي من أن المعادلات العقلية لا تكفي وحدها حتى تمنع إمكانية الغريزة المذهبية عن العمل. إن التصدي للتحريض الطائفي مسألة ممارسة عملية. وهذه الممارسة العملية لا تكون على صعيد الفكر فقط، إنما تكون ايضاً على الصعيد العملي. هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تساعد في التصدي للتحريض المذهبي، وأهميتها أنه لا يمكن إهمالها. بل يجب أن تكون حية باستمرار. يقول تبارك وتعالى في الكتاب الكريم: "إعملوا آل داوود شكراً". فالشكر عند الله تبارك وتعالى هو عمل. وكذلك التصدي للمرض المذهبي هو عمل، عمل مستمر. لنتخيل أن شباب المشاريع والحزب يتدربون على الألعاب الرياضية سوية، أو ألفوا فريقاً مشتركاً، أو قاموا برحلات مشتركة، أو تزاوجا فيما بينهم، أو قاتلوا العدو في خندق واحد، أو قاموا بعمليات مقاومة مشتركة...الخ، هل بإمكان أي منهم أن يطلق النار على الآخر؟ سيكون الجواب بالنفي.

إن العدو يملك الحرية التامة في التحريض في جميع الساحات لأننا لانأخذ هذا الموضوع بالأهمية التي يملكها. لذلك لا نتصدى لهذا الموضوع بالشكل الجدي الذي يمكن أن يعطي النتائج المتوخاة.

إن ما حصل في بيروت مرشح للحصول في كل آن إذا لم نعمل منذ اللحظة للتصدي لهذه الظاهرة. وليس التصدي الإعلامي (التبويس والضحكات..) إنما بالعمل الجدي للحياة المشتركة بين الذين يتبنون الإتجاه السياسي الواحد. إن إسرائيل وأمريكا تريد أن تنزع سلاح المقاومة من هذا الطريق: فتنة طائفية تجعل من سلاح حزب الله سلاح مذهبي أي سلاح الفتنة.

من هنا يجب أن يكون كلام المسؤولين كلام واضح لا يتحمل التأويل. إن تصريح الحاج محمد رعد أبرزه الإعلام لأنه يحتمل التأويل. لذلك نرى بأن التصريح الجيد هو الذي يعبر بوضوح عما نريد. حزب الله لا يريد الفتنة أولاً و يريد التصدي لها ثانياً وبجميع الوسائل، التربوية والعملية. نحن على ثقة من ذلك وهذا ما نراهن عليه لدرء الفتنة. أما اللجان والتحقيق وغيره من الخطوات التي لا تساهم في تغيير الواقع القائم فلا أعتقد بأنها سوف تكون منتجة.

إن التصدي للفتنة المذهبية هي مسألة حياة. دعونا نحياها. تستدعي التضحية نعم ولكن تكاليفها أقل من الفتنة بكثير. ونتيجتها النصر على العدو.

26 آب 2010 حسن ملاط

الأحد، 22 أغسطس 2010

التغيير الحكومي في لبنان

هل تتحمل الساحة السنية التغيير الحكومي؟

منذ مدة تلوح في الأفق ملامح عمل على تغيير حكومي مرتقب. علماً أن الخطوات التي جرت في هذا المضمار لم تكن، في أحسن الأحوال، أكثر من تهديد بالإمكانية للاتجاه إلى إجراء تغيير حكومي. والدليل على ذلك أن الطرف المعني بهذا الموضوع لم يغير نمط تعاطيه مع المواضيع المطروحة التي تعتبر الذريعة للتغيير الحكومي نتيجة الكيفية في التعاطي معها.

ما هو الدافع إلى هذا النمط من التعاطي؟

الإجابة على هذا السؤال تستدعي العودة إلى الوراء. ففي العام 2000 ، بعد الإنتصار الذي حققته المقاومة الإسلامية على العدو الصهيوني، لم تطلب المقاومة ترجمة انتصارها على صعيد السلطة في لبنان. ويمكن تبرير ذلك بأن الرئيس رفيق الحريري كان يحسن التعاطي مع المقاومة، نتيجة العلاقات التي كانت تربطه بسيد المقاومة، السيد حسن نصر الله. فالعلاقات ما بين الشخصين لم تصل يوماً إلى القطيعة حتى في ذروة توترها. وهذا ما ساهم بالحفاظ على نوع من التعاطي يرضي الطرفين في معظم الأحيان. ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 ، وتبوء السفارة الأمريكية قيادة "العمل الوطني" في لبنان تغيرت العلاقات التي كانت تربط سيد المقاومة برئيس حكومة لبنان. وهذا ما كان يتطلب التغيير في نمط التعاطي مع الرئيس الجديد. فالرئيس رفيق الحريري كان زعيماً شعبياً محبوباً، وهذا الوصف لا ينطبق على الرئيس فؤاد السنيورة. فهذا الأخير ليس زعيماً شعبياً، ولم يكن يوماً رئيساً أصيلاً لمجلس الوزراء. فالنظرة إليه كانت على أنه رئيس مؤقت ريثما يتهيأ الأصيل (سعد الحريري) لتبوء هذا المنصب. لذلك فالحسابات التي كان يقوم بها الرئيس السنيورة تختلف عن تلك التي كان يقوم بها الرئيس الأصيل الأول رفيق الحريري. فالرئيس السنيورة كان عليه أرضاء المايسترو الموجود في عوكر مضافاً إلى جوقة المطبلين لهذا المايسترو، نعني أطراف 14 آذار. ولم يكن في حسبانه إرضاء الناس، لأنه لا شيء يربطه بالناس. والمقاومة لم تأخذ هذا التغير في الحسبان.

بعد انتصار تموز 2006 ، والذي كان له وقع الزلزال في الكيان الصهيوني، كان هم أطراف 14 آذار البرهان على أن المقاومة الإسلامية لم تنتصر على إسرائيل، وكان هم الرئيس السنيورة العمل على ترجمة ما ذهبت إليه أطراف 14 آذار وذلك بطرحه النقاط السبع التي تنص في إحدى موادها على نزع سلاح المقاومة. حتى القرار 1701 والذي كان نسخة معدلة عن النقاط السبع كان يرمي بشكل أو بآخر إلى نزع سلاح المقاومة. ما نريد أن نقوله أن تعاطي الرئيس فؤاد السنيورة مع المقاومة لم يكن تعاطي الصديق الذي كانه تعاطي الرئيس رفيق الحريري مع المقاومة. ودعونا نستذكر اتفاق ال96 الذي شرعن عمل المقاومة المسلح ومنع إسرائيل من ضرب المدنيين.

هل تعاطت المقاومة مع الحكومة اللبنانية بشكل يؤمن حمايتها(حماية المقاومة) بعد انتصارها في آب 2006 ؟ الجواب هو كلا! لم تطلب المقاومة أن ينعكس انتصارها على العدو الصهيوني على صعيد السلطة السياسية في لبنان. وكان أهم انعكاس على هذا الوضع هو وصول المقاومة إلى أزمة 2008 في السابع من أيار. إن ما مكن أطراف الرابع عشر من آذار من التطاول على المقاومة هو زهد المقاومة بالسلطة السياسية وكأن المقاومة جمعية خيرية تتخلى عن انتصارها للآخرين. فعندما أهدي الانتصار للبنانيين، كانت ترجمته انتصاراً لأطراف 14 آذار. والدليل على ذلك هو القرارين التصفويين بحق المقاومة اللذين صدرا في الخامس من أيار 2008 . دعونا نتخيل أن المقاومة قد استثمرت انتصار 2006 على صعيد السلطة السياسية في لبنان، هل كان بإمكان الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة أو غير السنيورة أخذ القرارات التي أُخذت في 5 أيار 2008. الجواب كلا!

هل استفادت المقاومة من عدم تعاطيها المتقن في 2006 ؟ نقول كلا!

أحبطت المقاومة الإسلامية المؤامرة التصفوية التي دبرتها أطراف 14 آذار مع المايسترو القائد، في السابع من أيار 2008 نتيجة تحركها السريع. لن نتحدث عن جميع انعكاسات هذا الحدث. ولكننا سوف نشير فقط إلى كيفية استثمار المقاومة لهذا الحدث على صعيد السلطة السياسية.

بعد إحباط المؤامرة التصفوية، دعت الأطراف العربية إلى إجتماع الدوحة. وكان الطرف الوحيد في هذه الجمهرة من الناس الذي بإمكانه استخدام حق النقض (الفيتو) هو المقاومة، لأنها الوحيدة التي انتصرت بإحباطها للمؤامرة التصفوية. هل استعملت المقاومة هذا الحق في اختيار الأطراف التي سوف تشارك في إجتماع الدوحة؟ إن مجرد تمثيل الطرف السني بالرئيس السنيورة وبالرئيس سعد الحريري(الذي لم يكن رئيساً بعد) هو دليل على أن المقاومة لم تستخدم أوراقها المنتصرة في تسمية أطراف الحوار. إن الطرف الوحيد الذي تضرر من تحرك السابع من أيار 2008 هي المعارضة السنية. والطرف الوحيد الذي كان خارج الحوار في الدوحة هو المعارضة السنية المؤيدة لحزب الله. فعندما يكون هناك طرفان حليفان، فانتصار أحدهما يكون انتصاراً للآخر. ولكن هذه المعادلة لم تترجم في الدوحة. حتى في هذه المعركة التي كانت أخطر من العدوان الصهيوني في ال2006 ، آثرت المقاومة التخلي عن انتصارها للأطراف اللبنانية حتى المعادية لها!!

ما هو الوضع الراهن؟

إن التغير الذي طرأ داخل الساحة السنية لا يمكن اعتباره انتصاراً للطرف المعارض لتيار المستقبل بجناحيه المتغرب والمتطرف بقيادة الرئيس السنيورة ومن أبرز رموزه النائب الحالي والوزيرالسابق أحمد فتفت الذي افتخر منذ يومين، في حديث إذاعي، لاستضافته جنود الاحتلال الاسرائيلي في 2006 ، والنائب السابق مصطفى علوش. أما الاتجاه الآخر هو ذاك الذي يمثله الرئيس سعد الحريري والذي يفضل الارتباط بمحيطه العربي (السعودي والسوري) على الارتباط بالمايسترو الأمريكي، ومن أبرز رموزه النائب الحالي والوزير السابق الأستاذ سمير الجسر. إن البلديات التي نجحت كانت تتبارى للتحرر من المستقبليين المسيطرين على الساحات المحلية وليس للتحرر من الرئيس سعد الحريري. والمتابع يعرف صحة ما نذهب إليه في هذا التحليل.

أما ظاهرة الاختلاف ما بين الوزير الحالي محمد الصفدي و تيار المستقبل، لن تخلق انقساماً ضمن الساحة السنية، ذلك أن الناس المرتبطين بالوزير الصفدي يرتبطون في نفس الوقت بالرئيس الحريري، أعني الشريحة الكبرى من هؤلاء. أي أن الاستقطاب هنا ليس بالاتجاه المعاكس لتيار الرئيس الحريري. وأعتقد أن نفس الكلام، وإن كان بنسبة أقل يصح على جمهور الرئيس نجيب ميقاتي. فالرئيس ميقاتي قد عمل معظم وقته على استقطاب مستقل عن تيار المستقبل، وليس كما فعل الوزير الصفدي. ومع ذلك فهو لا يملك قاعدة يمكنها أن تنافس قاعدة الرئيس الحريري.

نعتقد أنه لا منافس جدي للرئيس الحريري خارج الساحة الطرابلسية، اي أنه لايمكن طرح الأستاذ عبد الرحيم مراد كرئيس للحكومة في هذه الظروف.

إن عدم طرحنا للرئيس عمر كرامي كخيار للتغيير الحكومي هو لاعتقادنا أن الرئيس عمر كرامي لن يقدم على خطوة كهذه من دون تفاهم مع الرئيس الحريري نفسه.

إن الخطورة في طرح التغيير الحكومي في الظروف الحالية يحمل محاذير منها أن تكون الحكومة الجديدة كتلك التي ألفها الرئيس أمين الحافظ وأجبر على الاستقالة لأنها لم تملك تغطية شعبية سنية. فإذا حصل ذلك فإن خطة التغيير الحكومي تصبح خطوة ناقصة. وربما تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها. كما أن التغيير الحكومي لن يحظى بتأييد سعودي، كما أنني أزعم أنه لن يلقى تأييداً سورياً، مع التأييد الجدي السوري للمقاومة. ولكن هذا لا يمنع من رؤية سورية مختلفة للوضع الحكومي اللبناني عن تلك التي ترى ضرورة للتغيير الحكومي. لأنني أعتقد أن الرئيس الحريري لا يغرد وليس على استعداد للتغريد خارج السرب السوري وخاصة في الظروف الحالية والتي ترتدي قدراً كبيراً من الحساسية.

أما الأخطر من ذلك جميعاً هو أن يؤدي العمل على التغيير الحكومي إلى النتائج التالية

1 - اصطفاف مذهبي أخطر من كل ما حصل حتى الآن. وهذا يحمل أخطر المحاذير. فإعادة اللحمة إلى الساحة السنية سوف يكون على حساب الاتجاه المؤيد للمقاومة والاتجاه المعارض ضمن الساحة السنية.

2 – إزدياد قوة الاتجاه التغريبي داخل تيار المستقبل.

3 – انكسار الجرة ما بين حزب الله والرئيس سعد الحريري.

هل وصلت الأمور بين حزب الله والرئيس الحريري إلى طريق مسدود؟

صحيح أن الأمور شديدة الحساسية ولكنها لم تصل حتى الآن إلى طريق مسدود. لقد تحمس الوزير الصفدي كثيراً، عندما وجد تلميحات للتغير الحكومي وراح يصرح من دون تحفظ. علماً أن التلويح بالتغيير لا يعني بالضرورة تغييراً. لم يتدخل السوري في هذه الأزمة القائمة مابين حزب الله والرئيس الحريري والسوري لديه القدرة على حلها من دون تدخل السعودي. ومن الممكن أن يتمكن الطرفان المعنيان من حلها حتى من دون تدخل الأصدقاء المشتركين. إن الحفاظ على الاستقرار الداخلي هو مطلب حريري بقدر ما هو ضرورة لحزب الله وخاصة في ظروف التهديدات الاسرائيلية اليومية. ولكن ليس من العدل أن يضغط الرئيس الحريري في هذه الورقة لأنها ورقة العدو المشترك. أما بالنسبة للمحكمة الدولية فالرئيس الحريري يعلم حق المعرفة أنه لن يكون فاعلاً فيها إذا تناقضت رغباته مع المتطلبات التي يريدها المجتمع الدولي من خلال المحكمة الدولية. هذا يعني أن التفاهم الداخلي سوف يحمل الكثير من الايجابيات للرئيس الحريري أكثر من تلك التي يستجلبها الخضوع للمتطلبات التي يريدها المجتمع الدولي وأقلها القضاء على الاستقرار التي تنعم به بلادنا. فالتفاهم إذن ممكن ولكن لايمكن الوصول إليه من غير تواصل على مستويات رفيعة.

إذا لم يكن التغيير الحكومي ممكناً الآن فما هو المطلوب؟

إن الساحة السنية حبلى بالإمكانات الجدية للعمل الوطني، فاغترابها عن العمل المقاوم كان استثناء ولم يكن يوماً من بنيتها. ولكنها ساحة متروكة للتجارب. فالمعارضة لم تخلق يوماً عملاً جاداً يمكن أن يتصدى لأولئك الذين عملوا على نقل الساحة من المعسكر الوطني إلى المعسكر المضاد. وقيادات العمل الوطني لا تقوم بأي ممارسة جدية. إن الولائم لا تخلق عملاً، إنما تعطي انطباعاً أن اتجاهات الرياح قد تغيرت. أما الساحة فهي بحاجة إلى عمل جدي. إن معيار النجاح في هذه الساحة هو انقسامها العمودي بين الاتجاه الوطني والمؤيد للمقاومة من جهة والاتجاه المعادي لكل ما هو وطني والذي يعمل للارتباط بالغرب وتلقي الأوامر من السفارات.

عندما يصبح الأمر كذلك تنتفي المحاذير لأي طرح يبدو ضرورياً وفي مختلف الظروف.

22 آب 2010 حسن ملاط

الأحد، 15 أغسطس 2010

المسألة مسألة وقت

المسألة مسألة وقت

الكل في لبنان يريد معرفة الحقيقة في مسألة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فالجواب على هذا السؤال يرتدي نفس الأهمية عند "حزب الله" كما التي يرتديها عند الرئيس سعد الحريري، إن لم يكن أكثر. إن الإتهام الذي تسوقه الأوساط الموالية لتيار المستقبل بالنسبة للإغتيال والتي تربط الحدث بحزب الله كما تفعل إسرائيل، وكما فعلت مجلة دير شبيغل الألمانية أو الفيغارو الفرنسية، يجعل المرء يحار بالنسبة للموقف الحقيقي للرئيس الحريري. وحيث أن هذا الموضوع له من الأهمية بمكان، من حيث المفاعيل التي يمكن أن تنتج عن سوق الإتهام إلى "حزب الله"، لا بد إذن من وضع حد لهذا الموضوع.

صحيح أن موضوع المحكمة الدولية ليس بيد الرئيس سعد الحريري، ولكن الموقف الذي يصدره الرئيس الحريري بالنسبة للمحكمة الدولية يلعب دور الإطفائي لكل ما يمكن أن ينتج عن اتهام ظالم لحزب الله يصدر عن المحكمة الدولية بموضوع إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

إن اللعبة الممجوجة التي يقوم بها تيار المستقبل بالنسبة للمحكمة الدولية لا تخدع أحداً. إن التزام موقف الأوساط الدولية، بما فيها إسرائيل، بتوجيه الإتهام لحزب الله، من غير قرينة، هو موافقة ضمنية من هذا التيار على ضرورة نزع السلاح الذي حرر الأرض اللبنانية من رجس الإحتلال الإسرائيلي. كما وأنه خدمة مجانية تُقدم لإسرائيل لا يوافق عليها الشعب اللبناني ولا أحد من أحرار العالم.

هل الرئيس الحريري خارج اللعبة التي يديرها تيار المستقبل؟

حزب الله يتوجه إلى الرئيس سعد الحريري بصفتين اثنتين. أولاها أنه ولي الدم، وأخراها أنه رئيس حكومة لبنان. فالصفة الأولى هي التي تجعل من الرئيس الحريري على معرفة أكيدة بما كان يربط الرئيس رفيق الحريري بالمقاومة الإسلامية وبأمينها العام من روابط قوية جعلت الرئيس والحزب يخوضان معاً معركة المقاومة المسلحة والمقاومة الديبلوماسية ضد الإحتلال الإسرائيلي. أما بصفته كرئيس لحكومة لبنان، فتفرض عليه أن يحافظ على السلم الأهلي وحماية لبنان من كل ما يهدد هذا السلم. "حزب الله" لا يقايض بين السلم الأهلي وبين معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن ما يقوم به هو أن لا يسمح لقادة ما يسمى بالمجتمع الدولي (خدم العدو الصهيوني) أن يقيضوا السلم الأهلي في بلدنا، بإصرارهم الظالم على إتهامه بجريمة لم يرتكبها ولا يملك الدافع لارتكابها.

ما يقوم به تيار المستقبل هو عكس ما يجب القيام به. إنه جزء من أوركسترا تضمه إلى جانب المجتمع الدولي وإسرائيل. فهو لا يريد معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إنما يريد "نحن مقتنعون بأن استقرار الدولة لا يتحقق إلا بعد زوال السلاح غير الشرعي من أيدي بعض اللبنانيين". هذا ما ورد على لسان مصطفى علوش أحد رموز تيار المستقبل. فالمعركة التي يخوضها تيار المستقبل هي نزع سلاح المقاومة وليس معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الوسيلة التي ينتهجها فهي طريق المحكمة الدولية.

صحيح أنه لم ترد لفظة المحكمة الدولية على لسان الرئيس سعد الحريري في أول إطلالة رمضانية له، وصحيح أنه أراد أن يفتح الباب على إجتماع يضمه إلى جانب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولكن صحيح أيضاً أنه ترك جميع الأمور يظللها الغمام. إذا كانت الأمور متوترة وتستدعي هذا الاجتماع، لكن لا بأس من توضيح بعض الأمور وخاصة تلك التوترات التي يفتعلها رموز تيار المستقبل. إليكم ما قاله الرئيس سعد الحريري: " وما سأقوله هو ان سعد الحريري وكل اللبنانيين يريدون الحقيقة ولا شيء اكثر من ذلك، ونريد ايضاً الاستقرار وان نعرف من اغتال والدي وسائر الشهداء. نريد معرفة الحقيقة والاستقرار. ان الفوضى وعدم الاستقرار أمر من صناعة يد وليس أمراً يأتي من المجهول، ونحن المسؤولين في هذا البلد في استطاعتنا ان نتصدى لأشنع الهجمات اياً تكن، اسرائيلية او غيرها، إذا تصرفنا بحكمة في ما بيننا وبروية. لقد صمتّ عن الكلام طوال المرحلة الماضية وسأبقى كذلك لأنني اريد الهدوء. فبالهدوء نتكلم ونسمع بعضنا بعضاً، اما بالصراخ فلا يعود لأحد منا ان يسمع الآخر. نحن نريد ان نتكلم بهدوء في كل امر نتعاطاه في هذا البلد".

هذا الكلام لا يمكن إلا أن يكون إيجابياً ولكن شريطة عدم ربطه بما يقوم به رموز تيار المستقبل. إذا كنا نريد أن نفصل ما بين يقوله الرئيس سعد الحريري وما يقوله موظفوه، يصبح الأمر بحاجة إلى إيضاحات خاصة وأن الأوضاع في لبنان يشوبها الكثير من التوتر نتيجة ما يقوم به رموز اليمين اللبناني، بما فيهم تيار المستقبل من توتير لهذه الأوضاع نتيجة للشحن الإعلامي ضد حزب الله والمقاومة الإسلامية.

هل بإمكان "حزب الله" أن ينتظر إلى ما لانهاية هذه اللعبة الممجوجة؟

المجتمع الدولي وإسرائيل يريدان رأس المقاومة. ولعبة الوقت هي لصالحهما، لذلك يمكنهما المماطلة ما أرادوا. لذلك لا بد من القيام بخطوات ثلاث:

الأولى: المطالبة بقيام محكمة فورية لمحاكمة شهود الزور ومن وراءهم. هذه الخطوة هي مساهمة أولى في معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

الثانية: قيام القضاء اللبناني بالتحقيق بما قدمه الأمين العام لحزب الله من وثائق. إن تسليم هذه الوثائق إلى المحكمة الدولية من دون متابعة من القضاء اللبناني تعني إهمال هذه الوثائق، لأنه لا يمكن الوثوق بالمحكمة الدولية.

الثالثة: تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الجواسيس لأن خطوة كهذه سوف تلجم إنفتاح المجتمع اللبناني أمام العدو الإسرائيلي. لا يمكن أن تكون عملية خدمة العدو الصهيوني وجهة نظر في لبنان حيث توجد المقاومة الإسلامية.

إن اجتماعاً بين الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تصدر عنه القرارات السابقة الذكر سوف ينقل المجتمع اللبناني من حال التوتر إلى حال الإرتخاء التي تبشر بالإستقرار الذي تحدث عنه الرئيس سعد الحريري في خطابه الرمضاني الأول.

القلمون في 15 آب 2010 حسن ملاط

الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

عن حركة التوحيد

عن حركة التوحيد الإسلامي

لقد لعبت "حركة التوحيد الإسلامي" دوراً هاماً على صعيد مدينة طرابلس في ثمانينات القرن الماضي. والمهم أنها لم تتعرض للفناء ككثير من الحركات السياسية التي لم تعش المديد من العمر. صحيح أن التجربة التي خاضتها في طرابلس- لبنان لم تكن خالية من المشاكل، ولكن رغم ذلك تمكنت من الاستمرار بسبب عوامل كثيرة، منها حسن قيادة الشيخ سعيد شعبان، رحمه الله، لها في ظروف مفصلية مكنته من استثمار صداقته للنظام الإيراني بأن يلعب هذا الأخير دور صمام الأمان للعلاقات المتوترة غالباً ما بين النظام السوري والحركة.

والحركة ليست تنظيماً حزبياً. فهي قد تشكلت من ائتلاف عدة مجموعات إسلامية لا يجمعها تصور سياسي موحد ولا تصور تنظيمي واحد، حتى أن التصور الديني كانت تشوبه الكثير من التناقضات. ولكن مجرد الإتفاق فيما بينهم كانت خطوة جبارة، أظهرت أنه بإمكان الحركات الإسلامية أن تعمل بشكل تحالفي فيما بينها. كانت إحدى المجموعات بقيادة الشيخ سعيد شعبان الذي تسلم إمارة الحركة، والثانية كانت بقيادة الشهيد خليل عكاوي والثالثة بقيادة الشيخ هاشم منقارة والرابعة بقيادة الدكتور عصمت المراد رحمه الله. هذه الحركات لم تعمل يوماً بشكل موحد، إذ أن كلاً منهم كان يعمل ما يراه صواباً وأحياناً من دون الرجوع إلى أمير الحركة الذي تبوأ هذه المسؤولية برضىً من الجميع.

إن غياب أكثر قيادات حركة التوحيد الاسلامي أدى إلى بقاء تنظيمين من هذه الحركة فقط، ويعملان للمصادفة تحت نفس الاسم "حركة التوحيد الإسلامي"، أحدهما يقوده الشيخ بلال سعيد شعبان والآخر يقوده الشيخ هاشم منقارة. كما وأن التنظيمين ينتميان إلى جبهة العمل الإسلامي، وينظمان علاقات جيدة مع المقاومة الاسلامية في لبنان.

إن أول ما يتبادر إلى ذهن المراقب السؤال لماذا هذان التنظيمان اللذان يعملان تحت إسم واحد، وكانا ينتميان إلى نفس الحركة يعملان بشكل منفصل؟ صحيح أن السؤال يحمل الكثير من المشروعية، ولكننا نعتقد أن الإجابة عليه لن يكون له جدوى مطلقاً. إن المهم بالأمر الذي نعمل عليه أو بالأحرى علينا العمل عليه هو "أكل العنب وليس قتل الناطور" كما يقول المثل الشعبي.

نطرح السؤال التالي: هل من جدوى من توحيد حركة التوحيد الإسلامي؟

إن الفراغ السياسي الذي تعيشه الساحة الشمالية يفرض إيجاد عامل بإمكانه أن يصدم الوعي السياسي (تجاوزاً) لأولئك الذين آثروا النوم (الموت) على الحياة نظراً لما أصابهم من الصدمات نتيجة الممارسة الغير جادة لمعظم التنظيمات الإسلامية والوطنية والقومية. إن غياب الممارسة السياسية للجماعة الإسلامية التي آثرت أن تكون تابعاً لتيار المستقبل، قد أثر سلباً على الساحة الشمالية خاصة وعلى الساحة الإسلامية في لبنان بشكل عام. لقد أصيب جمهور الجماعة الإسلامية بصدمة لم يتمكن من الشفاء منها حتى الآن نتيجة الممارسة اللامسؤولة لقيادة الجماعة الإسلامية. هذه القيادة التي جعلت من التنظيم الأعرق في الساحة الإسلامية تابعاً لتجمع من النفعيين والتجار لا يهمهم من الساحة الإسلامية إلا تجييشها من أجل مصالحهم الخاصة. نحن نعتقد أن تطور العلاقة ما بين تيار المستقبل والجماعة الإسلامية سوف يجبر الجماعة، إما على التنحي وتطليق العمل السياسي، إما إلى رفض الإستمرار في هذا التحالف الغير طبيعي، والذي يسيء إلى جميع الشعارات التاريخية التي كانت ترفعها الجماعة الإسلامية والتي كانت تعبر عن ارتباطها بواقعها الإسلامي. إن خطوة كهذه سوف يكون لها الكثير من الإيجابيات في الساحة الشمالية والساحة اللبنانية، كما وأنها سوف تعيد الجماعة إلى وعيها، بعد هذه السكرة التي استمرت عدة سنوات.

وحيث أن ما ذهبنا إليه هو في رحم المستقبل. وحيث أننا نتحدث عن حركة التوحيد الإسلامي. وحيث أننا طرحنا سؤالاً لا بد من الإجابة عليه، نحن نرى أن توحيد التوحيد هو خطوة إيجابية سوف يكون لها انعكاسات إيجابية على الساحة الإسلامية، حيث أنه لا مبرر لوجود حركتين باسم حركة التوحيد الإسلامي كما قال لنا قائد إحدى الحركتين. (كان بودي ذكر اسمه لأن ذلك يحمل منحى إيجابياً، ولكنني لم أستاذنه بهذا). إذن العمل على توحيد جماعتي التوحيد الإسلامي عمل لا بد من القيام به لأنه يخدم الساحة الإسلامية. هذه الساحة التي علينا تنشيطها وخاصة في هذه الظروف المصيرية التي تمر فيها أمتنا وخاصة الساحة اللبنانية.

إذا كان توحيد التوحيدين ضرورياً، فهل هناك إمكانية واقعية لتحقيقه؟

لا بد من الإشارة مجدداً إلى أن الجماعات المكونة لحركة التوحيد الإسلامي لم تكن يوماً موحدة تنظيمياً، ولا حتى سياسياً. ولكن الحديث عن التوحد الآن سوف يحمل مع الناس الذين يريدون أن يتوحدوا جميع المشاكل التي مرت معهم خلال عملهم في الحركة وخاصة تلك التي تحمل اتجاهات سلبية. من هنا نرى أن التوحيد لا يمكن أن يتم إلا ضمن تصور سياسي مختلف عما هو قائم الآن . وحيث أن الشكل سوف يتأثر بالمضمون، لذلك، لا بد من العمل على توحيد الرؤية السياسية أولاً، حتى نتمكن من الكلام عن التنظيم. رب قائل يذكرنا أن التوحيدين هما في إطار سياسي عام هو جبهة العمل الإسلامي. من هنا لا مبرر لعدم توحدهما. نعتقد أن هذا الكلام ينحو منحىً تبسيطياً للأمور. فجبهة العمل الإسلامي نفسها لم تفرض وجودها في الساحة الإسلامية، علماً أنها كانت ولا تزال تضم عدداً من الوجوه اللامعة في ساحة العمل الإسلامي.

ما العمل إذن؟

نعتقد أنه لابد من خطوات توحيدية يُراعى فيها عدم حمل العناصر أياً من سلبيات الممارسات السابقة. عناصر يتم بناؤهم السياسي والنظري تبعاً للرؤية التوحيدية الجديدة والتي لا يمكن للإطار القديم أن يحملها لأنها تتناقض مع بنيته البالية. لابد لنا من مراعاة العلاقة ما بين الشكل والمضمون حتى لا تفشل التجربة الرائدة التي يجب القيام بها أو لنقل لا بد من القيام بها، هذا إذا كنا أوفياء لطرحنا بضرورة خدمة أمتنا وحماية مقاومتها وحماية مجتمعاتنا الاسلامية من الإختراق الصهيوني أو الأمريكاني كما كانت تفعل سيسون في مختلف انحاء لبنان، موهمة الناس أن الإدارة الأمريكية التي تقتل الناس في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وفي لبنان، تساعد أبناء شعبنا.

القلمون في 10 آب 2010 حسن ملاط

الخميس، 5 أغسطس 2010

رسالة مفتوحة

رسالة مفتوحة

جانب رئيس مجلس الوزراء السابق والنائب الحالي، فؤاد السنيورة،
جانب الوزير السابق والنائب الحالي أحمد فتفت،
جانب النائب السابق مصطفى علوش،
نحيطكم علما،ً أنتم ومن تتشبهون بهم أو يتشبهون بكم، بما يلي:
1 – إن الشعب اللبناني لن يقبل رئيساً لحكومته من يتوسل المجتمع الدولي لنزع سلاح مقاومته التي حررت أرض الوطن من رجس الاحتلال.
2 – إن الشعب اللبناني لن يقبل في عداد وزراء حكومته وزيراً يسمح لمرؤوسيه باستضافة جنود من الجيش الذي يحتل أرضه.
3 – إن الشعب اللبناني لن يقبل في برلمانه من لا يحسن احترام مقامات رجالاته الذين رفعوا عالياً جبين وطنهم.
كما ونشير أخيراً بأن الانسان يهوي به عمله بأسفل سافلين، أو يرفعه عمله في أعلى عليين، والله أعلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فيا فوز المستغفرين.
حسن ملاط

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

سعد الحريري يكتشف رفيق الحريري

هل اكتشف سعد الحريري رفيق الحريري؟
ما من أحد إلا ويعلم أن الرئيس فؤاد السنيورة كان وكيلاً في رئاسة الحكومة اللبنانية ولم يكن أصيلاً. فهو في رئاسته كان يحضر لتسلم الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية. ولكن من المهم الاشارة إلى أن الرئيس السنيورة، رغم معرفته العميقة بالرئيس رفيق الحريري، لم يمارس السياسة على الطريقة الحريرية. من هنا كان يتجه إلى أن يكون له أصالة ما في هذه الممارسة. إن الرئيس السنيورة تم اختياره كرئيس لمجلس الوزراء اللبناني من قبل فريق الرابع عشر من آذار ومستشار هذا الفريق السفير الأمريكي. وحيث أن الرئيس السنيورة لا يملك من الحيثية الشعبية التي تجعله مسؤولاً أمام شعبيته، لذلك كان لزاماً عليه إرضاء من أتى به إلى سدة الرئاسة، ألأمريكي وحليفه الأوروبي وفريق الرابع عشر من آذار.
ما هو الفرق بين الرئيس السنيورة والرئيس رفيق الحريري؟
كان الرئيس رفيق الحريري صديقاً للأمريكان والأوروبيين لأسباب عديدة وأهمها على الإطلاق موقعه الاقتصادي الاجتماعي وما يمثل من رأسمال معولم. فهو في ممارسته السياسية كان عليه أن يرضي أكثر من طرف وأهم هذه الأطراف قاعدته الشعبية المتمثلة بالجماهير الواسعة للطائفة السنية. ومن المعروف تاريخياً أن هذه القاعدة كانت ولا تزال معادية للوجود الصهيوني في أرضنا العربية. وهي تؤيد من دون تحفظ كل من يعلن عداءه لإسرائيل. فالقاعدة السنية المؤيدة للرئيس رفيق الحريري هي نفسها التي كانت تؤيد السيد حسن نصر الله كممثل للمقاومة الإسلامية التي تجاهد العدو الصهيوني. الرئيس رفيق الحريري كان يعلم ما ذكرناه لذلك اتسمت علاقته بالمقاومة الاسلامية بالصداقة والمحافظة عليها.
ففي عدوان 1996 جند الرئيس رفيق الحريري جميع صداقاته الدولية لشرعنة عمل المقاومة الاسلامية المسلحة ضد العدو الصهيوني. كما وأن الاتفاق منع العدو الاسرائيلي من العدوان على المدنيين. أما في سنة 2000 فقد كان نصر المقاومة نصراً للرئيس الحريري أيضاً. من هنا كانت الصدمة كبيرة وغير محتملة بالنسبة للسيد نصر الله عندما فبركت إسرائيل والمحكمة الدولية إتهاماً للحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
كيف تصرف الرئيس السنيورة في ظروف مشابهة؟
في عدوان 2006 تمكنت المقاومة من الصمود الغير مسبوق أمام آلة الدمار الأميريكو-إسرائيلية. كيف فاوض الرئيس السنيورة المجتمع الدولي. لقد اقترح الرئيس السنيورة وفريقه المدعوم من السفير الأمريكي النقاط السبع والتي ينص أحد بنودها على نزع سلاح المقاومة الذي مرغ أنف العدو الإسرائيلي بالتراب (الرئيس رفيق الحريري شرعن سلاح المقاومة). ثم كان القرار 1701 الذي ينوي نزع سلاح المقاومة بشكل أو بآخر. أليست ممارسة الرئيس فؤاد السنيورة مناقضة تماماً لممارسة الرئيس الحريري؟
في أيار 2008 أصدرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة القرارات المشهورة والتي تنص على إزالة شبكة الإتصالات الخاصة بالمقاومة، وهذا ما يجعلها مكشوفة أمام العدو. أليست هذه الممارسة متناقضة مع ممارسة الرئيس الحريري. إن ما مكن السنيورة من القيام بذلك هو ضرورة إرضاء السفير الأمريكي والأوروبيين الذين كانوا يدعمون وجوده بالحكم إلى جانب فريق الرابع عشر من آذار. وليس لديه قاعدة شعبية مجبر على إرضائها.
هل الرئيس سعد الحريري يمثل امتداداً للرئيس رفيق الحريري أم للرئيس فؤاد السنيورة؟
نحن نرى بأن الرئيس سعد الحريري يريد أن يبني تجربته الخاصة في الحكم لأنه لو أراد أن يكون امتداداً لنهج السنيورة، ما كان هناك من ضرورة أن يأتي رئيساً لمجلس الوزراء. إن الدلائل تشير إلى أنه بدأ يخط نهجاً يبتعد قليلاً قليلاً عن فريق الرابع عشر من آذار. فصياغة علاقة حميمية مع الرئيس بشار الأسد وصياغة علاقة مقوننة مع الحكومة السورية تشير إلى هذا النهج. أما على صعيد المحكمة الدولية، فجميع الأنباء المسربة تقول بأنه طلب من حلفائه عدم التحدث عن موضوع المحكمة الدولية. وبذلك يخفف الاحتقان ويحضر القاعدة الضرورية لامكانية أخذ قرار جديد فيما يخص كيفية التعامل مع تلفيقات المحكمة الدولية.
ليس هذا فحسب، فالرئيس الحريري يعلم حق العلم ان حكم لبنان يتطلب التفاهم مع الجانب السوري أولا،ً كما ويتطلب التفاهم مع المقاومة ثانياً. ومهمة الحكومة هي أولاً وقبل كل شيء المحافظة على السلم الأهلي وتلبية مطالب الناس بالحياة الحرة والكريمة. والرئيس سعد الحريري لم يأت إلى الحكم هاوياً، إنما أصيلاً فهو يملك قاعدة شعبية لا يستهان بها. من هنا تكبر المسؤولية الملقاة على عاتقه والتي لا يقوم بها إلا رجل الدولة. واعتقادنا أن الرئيس سعد الحريري منذ تسلمه مقاليد الحكم والتجارب التي مر بها خلال تشكيل الحكومة وبعد تشكيلها، قد مكنته من اكتساب تجربة غنية مكنته من اكتشاف الرئيس رفيق الحريري. الرئيس رفيق الحريري الذي تمكن من حكم لبنان في أكثر الظروف حراجة. فتصورنا أن الرئيس سعد الحريري سوف يظهر لكل الناس أنه رجل دولة من الطراز الأول، رجل دولة يحافظ على استقرار بلده وعلى تماسك أبنائه.
كيف سيتصرف الرئيس الحريري اتجاه موضوع المحكمة الدولية؟
لن يقبل الرئيس الحريري أن تكون المحكمة الدولية التي لا يمكنه التحكم بها سبباً لاهتزاز السلم الأهلي. وهذا ما دفعنا للقول أن الرئيس سعد الحريري بدأ يكتشف الرئيس رفيق الحريري.
القلمون في 3 آب 2010 حسن ملاط