بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

الحرب على لبنان

                             
حسن ملاط
السؤال المطروح حالياً هو "متى تقع الحرب على لبنان"، وليس "هل ستقع الحرب على لبنان".
الحرب على لبنان من قبل العدو الصهيوني لا بد حاصلة وذلك لأسباب عديدة أهمها:
1-   يتميز الكيان الصهيوني عن غيره من الكيانات القائمة أن محوره هو الجيش. فيما الدول الأخرى تكون المؤسسات. أما سبب محورية الجيش هو أن هذا الكيان هو كيان عدواني، لا يمكنه أن يعيش إلا بالعدوان. ولا يمكنه أن يستمر أيضاً إلا بالعدوان. وما هذا بحاجة إلى برهان. فحرب إقامة الكيان، ثم حرب السويس، وبعدها حرب الأيام الستة وحرب تشرين... إلخ. حتى بعد احتلال كامل الأراضي الفلسطينية، تستمر الحرب بأشكال أخرى، تقوم إما على الإغتيالات المتكررة للمناضلين الفلسطينيين ومن ثم هدم بيوت عائلاتهم أو تهجيرهم...إلخ وجميع هذه الممارسات أبطالها القوى العسكرية بتسمياتها المختلفة.
2-   إنتصار ال2000 الذي حققه حزب الله على جيش الكيان الصهيوني، والذي أعقبه بانتصار آخر في 2006، كان لهما وقع الكارثة على الكيان الغاصب. فقد بينت استفتاءات الرأي أن التأييد لرئيس وزراء العدو حينها كان 2%، ورغم ذلك لم يتجرأ أي من الأحزاب على التقدم بسحب الثقة من الحكومة. هذا الكلام يساوي انعدام الحياة السياسية في الكيان الصهيوني. كل ذلك لا يمكن تفسيره إلا بسبب ضعف المحور الذي يقوم عليه كيان العدو، أعني الجيش.
3-   إن المتابع لما يجري في الأرض المحتلة يرى وبوضوح أن اليد الأمنية للأجهزة المتعددة أصبحت واهنة. الطبقة السياسية لا تقود، إنما يقودها الرعاع. تكاد جميع القرارات الحكومية والكنيست الصهيونية، تكون ترجمة لما تقوم به قطعان "المستعمرين". السياسيون الذين كان يؤمن الجيش حرية أخذهم القرار، أصبح غير قادر على ذلك. فالكتلة الكبرى من الصهاينة لم تعد لها ثقة بجيشها، لذلك رأت هذه الكتلة أن مهمتها هي حماية نفسها بسياسات تقررها بنفسها، بمعزل عن الطبقة السياسية التي تُضطر لترجمتها بقرارات حكومية أو بقوانين في الكنيست الصهيونية.
4-   إصلاح الوضع الراهن في الكيان الصهيوني يستوجب إعاد الثقة بالمحور الذي يقوم عليه هذا الكيان، أعني الجيش. هذه الثقة لن تعود حتى يتمكن هذا الجيش من تسجيل انتصار فعلي على حزب الله، وإعادة المقولة التي دمرها حزب الله: "الجيش الذي لا يُقهر".
هذه هي أهم الأسباب التي تجعل من الحرب على حزب الله في لبنان حتمية الحدوث وليست ضرورية فقط.
ما هي الشروط التي يجب توافرها للقيام بهذه الحرب العدوانية؟
لقد صرح الكثير من القادة العسكريين السابقين والحاليين أن الحرب لن تقع على حزب الله طالما أن "جنوده يُقتلون في سوريا"، على حد تعبيرهم. كما وأن التوصيات في التقرير الاستراتيجي الذي صدر حديثاً تقول وبالنص: "التهديد العسكري الرئيسي على "إسرائيل" في هذا الوقت هو حزب الله، حيث يواصل الحزب تعزيز قوته بالأسلحة الهجومية والدفاعية من إنتاج كل من روسيا وإيران وسوريا. ومدى الصواريخ الموجودة لدى حزب الله، على اختلاف أنواعها، تغطي مختلف أنحاء "إسرائيل". والدقة والقوة التدميرية لهذه الصواريخ هي في ازدياد. حتى أن حزب الله يقوم بتطوير قدرات هجومية والتي يخطط في إطارها للسيطرة على أراض داخل "إسرائيل". وعلى "إسرائيل" أن تتأكد أن لديها الرد الدفاعي والهجومي، والردع الحاسم، في مواجهة حزب الله. وعليها أن تنظر إلى حزب الله ولبنان ككيان سياسي واحد يقوم بالإعتداء على "إسرائيل"  والقيام بضرب أهداف البنى التحتية الوطنية اللبنانية كجزء من المعركة الشاملة". (وهذا يعني أن الصهاينة يريدون إشراك اللبنانيين بقتال الحزب، حفاظاً على مؤسسات الدولة).
أما نتنياهو فقد حدد من هم أعداء كيانه العدواني: قال نتنياهو إن «لدينا داعش خلف السياج الحدودي هنا، وحزب الله خلف السياج الحدودي هنا وهناك، وعندنا حماس والجهاد الإسلامي في غزة والجهاد العالمي وداعش في سيناء". أما عن كيفية التخلص من هؤلاء الأعداء، فقد قال نتنياهو "وإذا تطلب الأمر الدخول في معركة، وهذا خيار يواجهنا، فإن ذلك يعود إلى كوننا لم نتمكن من منع المخاطر على دولة إسرائيل بطرق أخرى".
أما التقرير الاستراتيجي الذي سيغطي السنوات الخمس القادمة، فيقول ما هو أخطر مما قاله نتنياهو، إذ يتعلق بالبنية المجتمعية الصهيونية التي استجدت بعد هزائم الجيش المتكررة: "إن التصريحات المتطرفة من اليمين ومن اليسار، والإرهاب اليهودي، والمظاهر العنصرية الذي يأخذ بعضها طابعاً عنيفاً (ظاهرة "جبي الثمن" وقتل الفتى أبو خضير في القدس وقتل عائلة الدوابشة في دوما)، ومبادرة سن التشريعات المثيرة للجدل، بالإضافة إلى انضمام جهات يسارية للتحريض على "إسرائيل"، كل هذه الأمور تؤدي إلى الإصطفافات الطائفية المتزايدة التي من شأنها أن تقود إلى تآكل المناعة القومية. وهي تؤثر بشكل سيء على المكانة الدولية ل"إسرائيل"، لأن صورة "إسرائيل" كدولة ديموقراطية غربية تصون حقوق الإنسان وتمثل القيم الأساسية للحضارة اليهودية-المسيحية، تشكل قاعدة التأييد لها".
بالإضافة إلى ما تقدم هناك خطر آخر، يُعتبر وجودياً بالنسبة للكيان الصهيوني، هو التحركات الفلسطينية في الداخل المحتل. يقول التقرير الاستراتيجي: "و"إسرائيل" تمسكت بالوضع الراهن آملة في إدارة الصراع بكلفة متدنية، اكتشفت أن الصراع هو الذي يديرها ووجدت نفسها في مواجهة انتفاضة مختلفة عن سابقاتها، إلا أنها من النوع الذي يتم "على نار هادئة". هذا ليس إرهاباً منظماً، بل مبادرات يقوم بها أشخاص منفردون مدفوعين من الإحساس باليأس والإحباط من القيادة، وكذلك من مشاعر الإنتقام التي تشكل أرضية خصبة لتلقي التحريض. وهؤلاء الأشخاص مستعدون للقيام بعمليات قتل من خلال استخدام السلاح الأبيض أو السيارات...".
ورغم الخدمات التي يقدمها رئيس السلطة الفلسطينية والتي عددها في مقابلته مع القناة الثانية الصهيونية، وأهمها تفتيش الفتيان والفتيات الذاهبين إلى مدارسهم وتمكن شرطته من مصادرة سبعين سكيناً، ورغم ضمور الإنتفاضة نسبياً نتيجة النشاط المتزايد للشرطة الفلسطينية ضدها، إلا أن الكيان الصهيوني لم يبد أي استعداد للتعاون مع عباس وسلطته.
انطلاقاً من المحفزات التي سبق ذكرها للحرب على حزب الله، يبدو أن الشروط التي يجب توافرها هي التالية:
1-   الشرط الأول هو الإنتصار البين. فثمن عدم النصر هو انهيار الكيان بسبب تمحوره على الجيش.
2-   ضمور الإنتفاضة أو القضاء عليها. فاستمرار الحرب في ظل الإنتفاضة يؤدي إلى تطورها بشكل لا يمكن السيطرة عليه، خاصة بعد التمرين الذي امتد لستة أشهر.
3-   ضمان القضاء على بنية المخيمات الفلسطينية المسلحة في لبنان. فعدم إمكانية الجيش الصهيوني على ضبط حركة أطفال وفتيان داخل الأرض المحتلة، لن يكون بإمكانه ضبط السلاح الفلسطيني في ظل التحفز القائم نتيجة الانعكاسات التي تتركها انتفاضة الأطفال والفتيان على مشاعر الشعب الفلسطيني المسلح.
إن ما يحصل في مخيم عين الحلوة منذ فترة وحتى الآن، ما هو إلا تحضير لحصول العدوان الصهيوني، سواء كان عن وعي أو عدم وعي من النافخين في كير الفتنة. مخيمات سورية تم القضاء على فاعليتها، وكذلك نهر البارد، ولم يبق إلا عين الحلوة كرمز لحق العودة الفلسطيني. من هنا فالقضاء عليه، هوتحويل للفلسطينيين إلى شتات من دون هوية أو إطار لقضية وخدمة كبيرة للعدو الصهيوني، خدمة غير مدفوعة الثمن!
4-   منع حزب الله من ترجمة توسع دوره الإقليمي توسعاً لدوره على صعيد السلطة اللبنانية. وهذا يبدو واضحاً مما تقوم به الإدارة الأمريكية من محاصرة الحزب مالياً وسياسياً من خلال ما يفرض عليه من نعوت، رغم سكوت هذه الإدارة عن دوره في سوريا. وقد كان لافتاً في هذا المجال تصريح الرئيس الحريري: "اذا كان حزب الله يريد فعلا طرح السلة فنحن نريد ان تشمل هذه السلة سلاح الحزب تحديداً وعليه ان يعرف في النهاية انه مكون كسائر مكونات البلد". وهذا مدلول التسليح المستمر للجيش من قبل الإدارة الأمريكية، بمعنى عدم قبولها إلا بسلاح الجيش اللبناني في الداخل اللبناني. أما سلاح الحزب في سوريا فلا يعنيها. حتى أنها لا تربط بينه وبين الإرهاب. فإرهاب حزب الله بالنسبة للإدارة الأميركية هو قتاله للكيان الصهيوني.
هذه هي أهم الشروط التي يجب توفرها للعدوان على لبنان. من هنا، فالتحريض المذهبي المستمر والتحريض على المخيمات والمساعدة في تخريب بيئتها هو تسريع لتوفر الشروط للعدوان الصهيوني.
إن تحصين الساحة الداخلية بإعادة إنتاج للسلطة بشكل عادل يؤمن تكافؤ الفرص لجميع اللبنانيين يساهم مساهمة فعالة بمنع العدوان.
                                                             12 نيسان 2016