بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 6 مايو 2021

التصور الاستراتيجي للنضال ضد العولمة النيوليبيرالية

 

    

الدكتور جوزيف عبد الله

الشيخ إبراهيم الصالح

حسن ملاط

 

لا يوجد في إقليمنا حركة شعبية معادية للعولمة النيوليبيرالية التي تسبب جميع المآسي التي تعيشها شعوبنا.

مقدمة

في بدايات القرن الماضي جرت نقاشات كثيرة حول إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد. ولم يتم الوصول الى نتيجة حاسمة على المستوى النظري.

ولكن انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة دول الكوميكون برهنت بما لا يترك أي مجال للشك أن بناء الاشتراكية في بلد واحد هي مهمة مستحيلة.

وما علاقة هذا الاستنتاج بموضوع النضال ضد العولمة النيوليبيرالية؟

العولمة النيوليبيرالية هي نظام عالمي، أي أن الاقتصادات في جميع البلاد تخضع لمقتضياته. فلا وجود لرأسمال وطني ولا وجود لعملة وطنية ولا وجود لمصانع يمكن إعطاؤها صفة الوطنية...

توظف الشركات المتعددة الجنسية أموالها في البلد الذي يملك طبقة عاملة ذات أجور منخفضة. فالرأسمال الأمريكي يوظف في الصين وسنغافورة واندونيسيا وفي مختلف دول جنوب شرق آسيا أو فيما بات يسمى النمور الأسيوية. وثورة ترامب الرئيس الأمريكي الذي انتهت ولايته كانت تستند لهذا الموضوع بالذات. فقد أقام حملة شعواء على الرأسمال المعولم الذي هجر المصانع في أمريكا وأعاد بناءها في الدول ذات الأجور المنخفضة...

من هنا يتبين لنا أن النظام النيوليبيرالي لا هوية له، إنما يملك مركزاً. فالمركز اليوم هو الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هناك عمل جدي من قبل الصين حتى تصبح هي المركز الذي يتمحور حوله باقي الأطراف. ووجوده في الصين أو في نيويورك أو برلين لا يغير من طبيعة العولمة النيوليبيرالية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يوجد امكانية لنضال قطري ضد العولمة. أو بصيغة أخرى هل يمكن لقطر واحد أن يجابه العولمة النيوليبيرالية التي تستعبد العالم بالاقتصاد وبحاملات الطائرات؟

في الحقيقة، لا يوجد نضال فعلي ضد العولمة القائمة حالياً. خرجت بعض المظاهرات التي خفت وهجها في فرنسا ولم تلق صدىً فعلياً في مختلف دول الاتحاد الأوروبي مع أن الظروف متشابهة. صحيح أنه لم يتم القضاء عليها نهائياً ولكنها ضعفت كثيراً.

النتيجة: النظام المعولم يجب مجابهته عالمياً. أما اذا لم يكن للمجابهة العالمية إمكان، فهناك امكانية لمجابهته من خلال نظام الكتل العالمية.

الاتحاد الأوروبي الذي قام في الأصل من أجل استقلال أوروبة عن تبعيتها لأمريكا، لم يتمكن من ذلك بسبب استبعاده روسيا من هذا الاتحاد. روسيا التي تملك ترسانة عسكرية تمكنها من الدفاع عن اليورو ازاء الدولار.

نفس الاستنتاج بالنسبة لدول معاهدة شنغهاي التي لم تجروء على استبدال الدولار بالعملات المحلية في التقييم علماً أنها دول متجاورة أي لها حدود مشتركة فيما بينها.
هذا ما يتطابق مع دول أمريكا اللاتينية المتجاورة التي عقدت معاهدة فيما بينها (ميركوسور)، ولم تتقدم خطوة الى الأمام، أو بالأحرى ما لبثت أن اختلفت فيما بينها.

هذه التجارب غير المكتملة لا تنفي إمكانية الكتل على مجابهة العولمة النيوليبيرالية. لذا، لا بد من اللجوء الى الكتلة كخيار وحيد حالياً.

إقليمنا بامكانه أن يشكل كتلة. فالتاريخ المشترك الذي يمتد لآلاف السنين يسهل هذا الأمر.

إيران، تركيا (قبل أن تصبح تركيا) والدول العربية تاريخهم مشترك يمتد لآلاف السنين ومن دون أية مبالغات.

هذا الاقليم يملك امكانية الحياة والازدهار من حيث عدد السكان واتساع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة إضافة للثروات الكامنة مثل النفط والحديد ووو...

والأهم هو امكانيته الاستقلال عن أمريكا، مركز العولمة النيوليبيرالية حالياً.

ما الذي يتطلبه هذا التصور؟

في الفترة الراهنة، لا يمكن لأي دولة أن تلعب دوراً خارج حدودها إلا برضىً من دولة المركز، عنينا الولايات المتحدة الأمريكية. والأمثلة على هذا المبدأ عديدة. فايران التي أرادت الاستقلال عن التبعية للمركز الأمريكي، حاولت انتهاج سياسة مستقلة ما لبثت أن تراجعت عنها عندما خبرت عجزها ازاء تبعيتها الاقتصادية للمركز المعولم.

لجأت ايران الى لعبة مزدوجة، ولكنها لم تنجح حتى الآن. فقد واكبت الادارة الأمريكية في عدوانها على أفغانستان. ولكن أمريكا لم تُكافئها على هذه المواكبة مما جعل ايران تستقبل قيادات القاعدة على أراضيها.

في العدوان على العراق، رفضت القيادة الايرانية النداء الذي وجهه الرئيس العراقي صدام حسين لمجابهة العدوان الأمريكي سوية وتحت قيادة ايرانية.

أما في العدوان الثاني على العراق، فقد دخلت الميليشيات التي أنشأتها ايران ودربتها، دخلت على الدبابات الأمريكية لاحتلال بلادها لصالح عدو الشعوب: الادارة الأمريكية.

ورغم ذلك، لم تعترف الادارة الأمريكية لايران بدور مستقل في العراق أو في أي قطر عربي آخر.

جميع هذه التجارب لم تُثن الادارة الايرانية عن نهجها الفاشل وانتهاج اتجاه آخر يقوم على التضامن بين شعوب المنطقة لمجابهة أعدائها من الصهاينة أو من حلفائهم في الادارة الأمريكية.

كان تركيز ايران على التضامن المذهبي. فبدلاً من توحيد الشعب العراقي ضد أعدائه من المحتلين الأمريكيين، تحالفت ايران وميليشياتها مع الجيش الأمريكي ضد ما يُسمى داعش التي تمت هزيمتها. أما انعكاس هذه الهزيمة فقد كان تهجير جميع السكان الذين لا ينتمون الى المذهب الايراني الرسمي ولا يزالون حتى الآن يعيشون في مخيمات اللجوء لأسباب أمنية كما تقول ميليشيات الحشد الشعبي.

أضف الى ذلك أن القيادة الايرانية لم تتجه نحو ايجاد نوع من التكامل الاقتصادي بينها وبين العراق. ما فعلته ايران هو اعتبار العراق سوقاً لمنتجاتها. الكهرباء التي كانت مؤمنة في عهد الرئيس السابق لم يتمكن الحكم الموالي لايران من اصلاحها بعد مرور أكثر من عشرين سنة على "التحرير".

ايران تبيع العراق الكهرباء بالعملة الأمريكية. كما وتبيع العراق الغاز الذي تشعله الحكومة العراقية في حقول النفط ولا تستفيد منه. كما وأن الحكومة العراقية تستورد من ايران المشتقات النفطية والخضار والفواكه والحبوب... جميع هذه المنتجات كانت عراقية قبل التحرير المزعوم (الغزو الأمريكي).

هذا ما جعل العديد من العراقيين يعتبرون أن ايران كرست العراق سوقاً استهلاكية لمنتجاتها. وهؤلاء هم الذين قادوا انتفاضة ضد تبعية الحكومة العراقية لايران وطالبوا بفك الارتباط غير الأخوي مع الحكومة الايرانية.
هؤلاء جابهتهم الميليشيات التابعة لايران بالقتل.

العراق الحالي أصبح عصياً على توحيد شعبه، حتى من المنتمين الى نفس الطائفة.

في سورية، لم تختلف الممارسات الايرانية عما فعلته في العراق. فقد بادرت الى شراء العقارات التي أصبح من المستحيل على مالكيها العودة اليها وأسكنت فيها ميليشيات من نوع مذهبي معين. ليس هذا فحسب، بل دفعت الأموال لزعماء القبائل حتى ينتموا الى مذهبها وتسليمها أولادهم لتعليمهم المذهب...

أما في اليمن، فقد بادرت الى دفع الحوثيين الى التخلي عن المذهب الزيدي وتبني المذهب الاثني عشري. وكان ثمن ذلك الأموال ومختلف أنواع الأسلحة والتدريبات... الى الحرب الأهلية التي لم تنته بعد، إضافة إلى حرب السعودية والامارات على الشعب اليمني.

هذه الممارسات أفقدت العديد من الناس الثقة بالشعارات التي ترفعها ايران بالعداء للأمريكي أو للكيان الصهيوني. وهذا ما يعني استدامة التبعية للأمريكي البشع.

أما تركيا، فلم تختلف ممارساتها عن جارتها وحليفتها ايران.

الحرب على الأكراد التي أعلنها النظام التركي بعد أن توصل الى اتفاقات مع اوجلان لانهاء الحرب، كانت من أجل تغيير نمط النظام الى نظام رئاسي. وهو لا يزال يخوض هذه الحرب الظالمة التي أدت الى تخريب المدن والقرى التي يسكنها الأتراك الأكراد. وحربه هذه تمتد الى تدمير بعض القرى العراقية. وهناك قوات تركية تتمركز في العراق من دون موافقة الحكومة العراقية، بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني. وهي بصدد بناء قاعدة عسكرية في الشمال العراقي من دون موافقة الجانب العراقي.
أما في سورية، فقد احتلت القوات التركية الشريط الحدودي المجاور لتركيا. وللتذكير فقط أن الحدود التركية السورية المشتركة تمتد لحوالي 950 كيلومتراً. وقامت ببناء مساكن للسوريين المهجرين وإقامة المدارس التي تعلم اللغة التركية وسهلت اعطاء الهوية التركية للمهجرين السوريين وخاصة ذوي الاختصاصات أو أصحاب رؤوس الأموال...

إيران تشيع وتركيا تترك!

هذه الممارسات أفقدت الشعوب العربية الثقة بالحكومتين التركية والايرانية.

وحيث لا بد من مجابهة العولمة النيوليبيرالية حتى تتمكن شعوبنا من التمتع بحريتها الثقافية والاقتصادية والسياسية، لا بد من طرح معين يساعد على الوصول الى تشكيل هذه الكتلة من دون أن تشكل أذىً لأي من شعوب اقليمنا.

ما العمل؟

عدد سكان الاقليم حوالي 600 مليون انسان. كما أن هذا الإقليم يملك القاعدة المادية لامكانية الحياة والازدهار من دون الحاجة الفعلية لأي من الدول الكبرى.

النفط والغاز والمعادن والأرض الزراعية ورؤوس الأموال والمياه موجودة. لا ينقص الا وجود حركة شعبية في مختلف بلدان الإقليم تطرح موضوع التكامل الاقتصادي بصرف النظر عن طبيعة الأنظمة القائمة. أو بلغة أخرى، إجبار الأنظمة على بناء القاعدة المادية الاقتصادية لهذا التكامل.

أما التكامل، وحتى يكون جدياً، يتطلب تخصص كل بلد بإنتاج السلعة الضرورية ما يكفي الإقليم. واذا لم يكن هذا ممكناً فلا بأس من تخصيص عدة بلدان. فانتاج القمح والشعير والذرة يمكن أن تتخصص به السودان وتركيا وسورية. أما البتروكيماويات فيمكن أن يعود انتاجها الى دول الخليج... الحديد في ايران...الخ
وهكذا تكون هذه الدول منفتحة على بعضها البعض ولا تستورد من الخارج الا المادة الضرورية التي لا يمكن انتاجها في اقليمنا.

هكذا تبدو الصورة جميلة لأنها تشبه الحلم. ولكن تحقيق هذا الحلم لا يبدو مستحيلاً في حال وجود حركة شعبية منفتحة على جميع دول الإقليم تُطالب بالتكامل بدلاً من التبعية للمركز الأمريكي، أو بدلاً من تدمير بلادنا بحجج واهية لا تنطلي على أحد.

هذه الطروحات تفيد منها شعوب الإقليم ولا تحمل جاذبية للحكام الذين يستمرون باستنزاف خيرات بلادنا باستثمارهم خلافات الشعوب، شعوب الإقليم، من أجل استمرار التباعد بينها وعدم إيجاد مشروع يوحدها فيما بينها.

لقد سبق وعُقد في بيروت مؤتمراً يدعو الى التكامل بين دول هذا الإقليم. أي أن ما ندعو اليه ليس غائباً عن أذهان أبناء شعوبنا الذين يحملون هم التغيير بما فيه مصالح الشعوب بالحياة السعيدة والتحرر من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والتحرر من التبعية والخضوع للنظام النيوليبيرالي المعولم.