بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 14 سبتمبر 2017

مع القرآن

                
حسن ملاط
يتفق جميع الذين يتعاملون مع القرآن أنه لم يتبدل منذ الإتفاق على نشره بعد وفاة النبي، عليه الصلاة والسلام. ولكن، رغم هذا، فالتعامل مع القرآن يختلف من فئة إلى أخرى. سنحاول الإطلالة على هذه القراءات، وبعدها سندلي برأينا.
اولاً: يمكننا التأكيد بأن جميع الفرق الإسلامية أو المذاهب تعتبر بأن التفاسير التي صدرت عن علماء الفرق ترتدي نفس قدسية القرآن، إن لم يكن أكثر. لذلك نراهم يُخضعون النص لتأويل المفسر. وبذلك، تصبح الأولوية لما جاء به المفسر وليس للنص المقدس.
ثانياً: منذ عقود، صدرت قراءات جديدة للنص المقدس نبذت بطبيعة الحال التفاسير السائدة. ولا بأس بخطوة مثل هذه لولا أنها تميزت بعدة مزايا تجعلنا نرفض معظمها، مع تأكيدنا على ضرورة القراءات الجديدة للنص القرآني.
أ‌-              معظم هذه القراءات تتعامل مع النص القرآني وكأنه نص عادي كباقي النصوص. وهذا مرفوض لأن النص القرآني حسب رأينا هو نص مقدس من عند الله وليس نصاً بشرياً. هذا لا يعني مطلقاً أن أي الدارس لا يحق له التعامل مع القرآن على أنه نص بشري. ولكن هذه القراءات نعتقدها قاصرة لأنها سلبت النص أهم ما يميزه.
ب‌-       تعاملت مع النص على أن التعابير المستخدمة تدخل في ميدان اللغة التي تم تقعيدها استناداً إلى اللغة الجاهلية، علماً أن النص القرآني قد أتانا بلسان عربي مبين. أي أن كل ما يحويه النص هو أصيل وليس دخيلاً. أي أنه لا يجوز القول أن هذه الكلمة فارسية أو أعجمية... كما لا يجوز القول أن هذه الكلمة لم تكن معروفة... وإلا نكون قد اعتبرنا أن القرآن لم ينزل بلسان القوم الذين يفهمونه، وهذا سبب إنزاله بهذه التعابير والمفردات والتركيبات التي نزل فيها. والأهم لا يحق لنا القول "غريب القرآن" وإلا نكون قد اعتبرناه طلاسم وليس كتاب هداية كما أوضح تبارك وتعالى.
ت‌-       ما أثاره هؤلاء من مفهوم تاريخية النص. بمعنى أن النص القرآني مرتبط بزمان ومكان، وهذا ما يسلب الرسالة أبديتها وعموميتها. حتى أن البعض يقول بأن النداء الموجود في القرآن يختص بالشخص المنادى فقط. وبذلك، يتم إعفاء الناس من أكثر الأوامر والنواهي. وهذا ما يُعطل جزءاً كبيراً من الكتاب. نراهم يرفضون الناسخ والمنسوخ، وهم محقون بهذا الرفض، لأنه يلغي العديد من الآيات، ونراهم في المقابل يقولون بأن نداء "يا أيها النبي، يختص بالنبي وحده" وغيره من النداءات المشابهة. وفي هذا تعطيل لجزء كبير من النص القرآني. وهنا يحسُن الإشارة إلى الحديث النبوي بأن من له القرآن فله النبوة ولكن لا يوحى إليه.
ث‌-       القول بأن القرآن يفسر بعضه البعض، أو بصيغة أخرى أن القرآن يتم الدخول إليه من داخله. وهذا فيه تعطيل للتجربة الإنسانية التي يؤكد عليها القرآن نفسه.
لن نورد جميع الملاحظات، فمقالة لا تكفي، ولكن أعطينا إشارات لما حصل ويحصل في التعامل مع القرآن الكريم.
ثالثاً: كيف يتم التعامل مع القرآن؟
القرآن يتنزل يومياً على المؤمنين، فهو ليس تراثاً ولا تاريخا. من هنا يأتي معنى أنه لكل زمان ومكان. وهذا ما يوجب الدخول إلى القرآن من خارج. أي علينا أن نقرأ الخطاب الإلهي ونحن نحمل جميع التجارب التاريخية لمجتمعاتنا، ومحملين أيضاً بجميع ما اكتسبناه من علوم، سخرها الله لنا، ونحاول فهم ما الذي يريده الله منا في هذا الزمن وفي هذه البقعة من الكرة الأرضية. ليس هذا فحسب، بل ما الذي علينا فعله من أجل تأمين السعادة للناس في المجتمع الذي نعيش فيه لأن الله أرسل رسوله رحمة للعالمين.
وهل الدخول إلى القرآن من خارج يكون من غير ضوابط؟
بالطبع لا! إنه مسور بالتأسي برسول الله. الله تبارك في علاه يأمرنا بالتأسي في كل زمان ومكان، وهذا الخطاب ليس تاريخياً بل تعليمي. علينا دراسة العمليات العقلية وغيرها التي قام بها الرسول لأخذ قرار ما في ظروف معينة. التأسي هو بمعرفة الآليات وليس بالتكرار للعملية، أو بالمحاكاة... التأسي هو عملية علمية تتضمن استخدامنا للعلوم المكتسبة من أجل معرفة أسرار ممارسة النبي المتضمنة في الممارسة نفسها.
للحديث تتمات!

                             14 أيلول 2017

الخميس، 7 سبتمبر 2017

ماذا عن الإستقرار في لبنان

          
حسن ملاط
هناك مخاوف يومية تتردد على لسان السياسيين أو المحللين السياسيين في وسائل الإعلام على الإستقرار في الداخل اللبناني. هل هذه المخاوف لها ما يبررها، أم أنها بروباغندا يُراد مصالح معينة من وراء بثها؟
عوامل الإستقرار في لبنان
ما يجعل لبنان مستقراً في محيط متفجر هي الأسباب التالية. ومن خلال دراستها يمكننا الوصول إلى النتيجة المرجوة رداً على التساؤل في عنوان المقال.
1-        العامل الأهم هو أن حزب الله الذي يملك جميع أدوات خربطة الإستقرار القائم يريد الإستقرار. ولكن لا بد من الإشارة هنا بأن رغم امتلاكه هذه الأدوات لا يستطيع بمفرده تأمينه داخلياً. وهذا يعود إلى طبيعة الإجتماع اللبناني الذي يقوم على تآلف بين مختلف المذاهب والطوائف. وإذا أحببنا أن نحدد أكثر، نقول التوافق بين الشيعة والسنة والمسيحيين.
وبما أن التوافق بين الطوائف يقوم على الغلبة، لذلك نرى كل طائفة متربصة بالطوائف الأخرى من أجل الدخول في لعبة التناتش للمصالح. وهذا ما يجعلنا نقول بأن هذا التآلف لا يكون مستقراً إلا بصورة مؤقتة.
2-        العامل الثاني في الإستقرار اللبناني هو العدو الصهيوني. لقد أكد العدو مراراً أنه يتهيأ لشن عدوان على لبنان بقصد تدمير البنى التحتية للمجتمع اللبناني وذلك للقضاء على البيئة الحاضنة لحزب الله والمقاومة. وما يجعلنا نقول ذلك هو أن العدو ليس متأكداً من إمكانيته على الإنتصار على المقاومة. وبما أن استقرار المجتمع الصهيوني محوره الجيش، وبما أن هذا الجيش قد تلقى ثلاث هزائم متتالية من حزب الله، فقد أصبحت اللحمة في هذا المجتمع هشة، ولا شيء يمكنه إعادتها إلا هزيمة حزب الله التي تبدو مستحيلة في أعين العدو. وهذا ما سيجعله يستعيض عن ذلك بحرب تدميرية ضد المدنيين بحيث يشل القدرة المستقبلية للمقاومة، بزعمه.
أما عن توقيت العدوان، فهذا مرهون حسب قادة العدو، العسكريون منهم والأمنيون، بانتهاء الحرب البينية بين مختلف الأطراف التي يعتبرها العدو في دائرة الأعداء (جميع المتحاربين في سورية باستثناء الأطراف الدولية).
3-        المجتمع الدولي الذي لا يزال يرى ضرورة الإستقرار في لبنان، ليس إكراماً للبنانيين ولكن إكراماً للعدو.
هذه هي عوامل الإستقرار. ولكن الحفاظ على الإستقرار وتصليبه يتطلب أموراً أخرى. وهي على سبيل المثال لا الحصر:
أ‌-              إحياء العلاقات بين مختلف الأطراف الداخلية مشروطة باحترام متطلبات كل طرف من الأطراف الأخرى بحيث يبدو الإتفاق بينهم ممكناً مصحوباً بشعور كل طرف بالوصول إلى ما أراده من الحوار.
ب‌-       النقطة المركزية في الخلاف هي مشاركة الحزب في الحروب الإقليمية، وخاصة في سورية. وحيث أن وقف المشاركة يبدو مستحيلاً لأنه مرهون بقرار إقليمي، لذلك يمكن اللجوء إلى أمر آخر وهو الفصل بين المسار الداخلي للحزب والمسار الإقليمي.
هذا الفصل يجعل القرار الداخلي غير مرهون بالمسار الإقليمي بحيث يخفف من الإحتقان الداخلي.
مسار الحرب في سورية يُظهر وكأن الحسم أصبح قريباً. وهذا يجافي الحقيقة. فانتهاء الحرب مرهون بتوافق دولي إقليمي يُفرض على الأطراف الداخلية من دون النظر إلى نتيجة التذابح الداخلي. وهذا ما يجعل إمكانية عودة عسكر الحزب من سورية مستبعدة على المدى المنظور. من هنا ضرورة فصل المسارين يبدو مطلوباً. أما تأثير نتيجة الخارج على الداخل، فهذا لا بد منه. ولكن توافق الأطراف الداخلية يقلل من سلبيات هذا التأثير.
ومن تداعيات هذه الحرب مسألة الترابط بين الحزب وإيران وارتباط الحريري بالقيادة السعودية. فعدم إقحام هذه العلاقات في الصراع الداخلي سيكون له الكثير من النتائج الإيجابية.
ت‌-       القيام بهذا الأمر يتطلب من الأطراف الداخلية التي تنشد الإستقرار عدم التعامل مع بعضها البعض على أنهم أعداء ولكن على أنهم خصوم فقط. العدو يجب إزالته أو تغيير طبيعته، بينما الخصم، يكون التعامل معه من أجل تبديل الخصومة إلى صداقة أو تعايش.
هل ما طرحناه يمكن تحقيقه؟ جوابنا هو بالإيجاب، فهذا الأمر لا يؤثر سلباً على أي طرف، وبالأخص على الطرف المعني أكثر من غيره، وفي حالتنا الراهنة هو حزب الله. ومع ذلك فإن تحقيق هذا التوافق يتطلب الكثير من النقاشات التي تخفف الإحتقان في ساحتنا الداخلية.

                              7 أيلول 2017