بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 26 فبراير 2012

مؤتمر تونس ومؤشرات الوضع السوري

لقد كانت الحماسة كبيرة من عدد من الدول العربية لانعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس. ولكن لم نعلم لم هذه الحماسة، لاسيما وأن جميع المجتمعين لا يملكون حرية القرار في أي أمر سواء كان يخص سوريا، ونكاد نقول دولهم. ألقوا خطاباتهم قبل أن يعرفوا مضمون التعليمات الأمريكية الجديدة. لذلك جاءت خطاباتهم غير متطابقة مع المزمع القيام به من قبل الأمريكان. وكان اللافت محاولة انسحاب وزير الخارجية السعودي لأنه يريد قرارات عملية. فكان انسحابه هزلياً أكثر من كونه جاداً. فهو مجبر على الإلتزام بتعليمات المايسترو (كلينتون). من هنا كانت المقررات التي صدرت عن هذا المؤتمر لا تختلف عن تلك التي خرجت عن مؤتمر الأمم المتحدة.

"وعقد وزير الخارجية التونسي بعد ذلك مؤتمرا صحفيا إستعرض فيه نتائج هذا المؤتمر ، حيث أكد أن هذا المؤتمر وجه رسالة قوية للتضامن مع الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية".

"وشدد على ضرورة معالجة الأوضاع الإنسانية في سوريا التي وصفها بالخطيرة،ولكنه أكد في المقابل رفضه لإعادة تجارب فاشلة إرتكزت على التدخل العسكري".

وقال " إننا نريد ضمان إنتقال ديمقراطي سلس في سوريا،وحماية السيادة السورية،ووحدة آراضيها،ولا ندعو إلى التدخل العسكري".

ولكن الفرق بين المؤتمرين أن مؤتمر الأمم المتحدة كان بأكثرية 137 دولة، بينما مؤتمر تونس كان ممثلاً ب70 دولة. إذن يمكننا الإستنتاج أن مؤتمر تونس هو لزوم ما لا يلزم. فمسيرة التأييد بدلاً من أخذها منحىً تصاعدياً أخذت منحىً تنازلياً. أضف إلى ذلك أن الإعتراف ب"المجلس الوطني السوري" لم يكن قيمة مضافة، حيث أن هذا المجلس ليس الأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية، خاصة تلك الفاعلة على أرض الواقع، اي في الداخل السوري. من أجل ذلك استنتج البعض أن هذا الإعتراف كان بسبب من تشكيل هذا المجلس، حيث أن تشكيله كان بموافقات غربية عربية، وكذلك المؤتمر.

أما ما هو أهم من المؤتمر هو تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية بعد نهايته. "ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، في تصريحات أدلت بها في مؤتمر صحفي عقب مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي عقد في تونس مساء الجمعة، ذكرت أن الرئيس السوري بشار الأسد "ما زال قادراً على الاختيار بين إنقاذ بلده وشعبه وبين الانزلاق نحو الدمار". و"استبعدت أي عمل عسكري ضد النظام السوري، وقالت إن المؤتمر اتفق على تعزيز الضغط على الحكومة السورية، وفرض مزيد من العقوبات على دمشق لوضع نهاية لسفك الدماء".

"وأعربت وزيرة الخارجية الأمريكية عن ثقتها في "انهيار النظام السوري من الداخل نتيجة لانقلاب عسكري"، مشيرة إلى أن العام الماضي "شهد تدخل قادة عسكريين لإزاحة زعماء غير مرغوب فيهم بالمنطقة كما حدث في تونس ومصر".

ما الذي تعنيه هذه التصريحات؟ وما الذي يعنيه توقيتها؟

أما من حيث التوقيت، أي في نهاية المؤتمر التصعيدي، من حيث التحضير لانعقاده، فهذا يعني أن التصعيد أو عدمه مرهون بالموقف الأمريكي وحده.

أما التصريحات فهي تعني أن هناك مفاوضات تجري تحت الطاولة بمعزل عن جميع المؤتمرين، حيث أن المؤتمر في مكان والقرارات في مكان آخر. واعتقادنا أن هذه المفاوضات تتم بين الولايات المتحدة وروسيا، كما أن النظام السوري طرفاً فيها، وربما إيران. كما وأن تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية يعني أن هذه المفاوضات تتقدم. من أجل ذلك نرى بأن الحل في سوريا بات قريباً.

أما عن الربح والخسارة، فمن الحتمي أن القوى التي أفاضت في تأييد أحد الطرفين سوف تكون الخاسر الأكبر. أما استمرار النظام السوري فلن يكون بالشكل الذي هو عليه الآن.

26 شباط 2012 حسن ملاط

الثلاثاء، 14 فبراير 2012

أما الغرب؟

أما الغرب؟

عندما تحدثنا عن روسيا والصين، كان ذلك بسبب حملهما شبهة الصداقة للشعوب، خاصة عندما كانت روسيا قائدة للمعسكر السوفياتي، وعندما كانت الصين تلتزم بالشعارات الشيوعية التقليدية، ومنها الصداقة بين الشعوب. ولكن عندما أصبحت الصين تحت حكم المالوقراط وأصبحت روسيا تحت حكم الرأسماليين والمالوقراط، وأصبحت هاتان الدولتان تلتزمان بقواعد العولمة النيوليبيرالية، أصبح من الضروري إعادة تقييم العلاقة التي تربطهما بالشعوب، ومنها العلاقة مع الشعوب العربية.

أما الغرب فهو لا يحمل شبهة العلاقة الطيبة مع الشعوب. فهو منذ تبوئه قيادة الرأسمالية العالمية، لم يكن يوماً إلا العدو الأول للشعوب.

الولايات المتحدة الأميركية، لم تقبل ببناء دولتها إلا على جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، أهالي أمريكا الأصليين. كما وأن الشعب الفيتنامي قد ذاق طعم الديموقراطية الأمريكية على مدار عدة عشرات من السنين. أما اليابان، فلا يزال شعبها يعاني حتى الآمن من جريمة ضرب القنبلتين النوويتين على المدن اليابانية. أما إذا عرجنا على العراق وأفغانستان فلا تزال جرائم أمريكا ماثلة للعيان. ومن المستحيل أن ترى بلداً لم يألم من علاقة الأمريكي به. هذا لأن أمريكا هي قائدة العولمة النيوليبيرالية.

أما فرنسا، فقد بدأت، أول ما بدأت باضطهاد شعبها عندما بنى أول حكم عمالي في التاريخ، نعني كومونة باريس. فقد تآمرت السلطة الفرنسية مع أعدائها الألمان من أجل تقتيل العمال في باريس. فقد تناسوا أحقادهم من أجل القضاء على الكومونة. لأن عداوة الشعوب متأصلة عند الرأسماليين. وقد قتل أحفاد هؤلاء الفرنسيين خمسون ألف جزائري في يوم واحد.

كما أن من مآثر فرنسا بالإشتراك مع بريطانيا اتفاق سايكس بيكو الذي فتت الدول العربية إلى دويلات متخاصمة، مما مكن الغرب من خلق الكيان الصهيوني الغاصب وتشريد الفلسطينيين من أرضهم.

أما مآثر بريطانيا فهي لاتحصى ولا تعد سواء في الهند أو في أفريقيا أو في بلاد العرب. وكل ما عمله الغرب هو حتى يسهل عليه حكم بلادنا والسيطرة على ثرواتها.

أما ما يريده الغرب في الوقت الحالي فهو إجهاض الربيع العربي، سواء في تونس أو مصر أو اليمن. أما في سوريا، فهو يريد الوصول إلى تسوية مع الحكم القائم على أن يتخلى النظام الحالي عن علاقته مع إيران وعن علاقته مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية. ولايهمه حرية الشعب السوري أو مطالبه المعيشية أو الديموقراطية. إن ما يهم الغرب، وعلى رأسه أمريكا، استمرار تدفق النفط، والحفاظ على الإقتصاد الريعي في بلادنا، والحفاظ على المصالح الإسرائيلية، وكل ما عدا ذلك تفاصيل.

14 شباط 2012 حسن ملاط

الأحد، 12 فبراير 2012

رأسمالية القرن الواحد والعشرين (معدلة)

رأسمالية القرن الواحد والعشرين

لم تمر فترة من التاريخ لم يدفع فيها الإنسان ضريبة تطوره من تشكيلة أدنى إلى تشكيلة إجتماعية أعلى بالمفهوم التاريخي. فالضريبة التي دفعها الأوروبيون نتيجة انتقالهم من الإقطاع إلى المجتمع البورجوازي كانت تخريب الأراضي الزراعية وانتقال مئات الآلاف من الفلاحين إلى المدن حيث تعرضوا للإذلال والعوز. أما في بريطانيا فقد تعرض جزء غير بسيط منهم للتصفية الجسدية.

أما استقرار النظام الجديد فقد دفعت ضريبته الطبقة العاملة بالدرجة الأولى، حيث كان يوم العمل حوالي ست عشرة ساعة في اليوم. ثم كانت النضالات العمالية والتضحيات التي أجبرت الطبقة الرأسمالية الأوروبية على التنازل عن جزء من حقوق الطبقة العاملة. أما ما جعل الرأسمالي يتنازل للعامل الأوروبي هو الكمية الكبيرة التي كان ينهبها من العالم الثالث، بحيث يصبح تأثير التقديمات على أرباحه غير ذي بال.

هذه أوضاع الرأسمالية في القرن العشرين. فهي تجعل الإنسان يعتقد وكأنه يعيش مجتمع الرفاه، وخاصة في الدول الأوروبية ما قبل الأزمة الحالية. أما الذين تعرضوا للظلم أكثر من غيرهم فهم الأطفال والنساء، حيث كان يوم عملهم يتجاوز يوم العمل بالنسبة للرجال وبأجر أقل.

ولكن نضالات الطبقة العاملة في القرن التاسع عشر وردحاً من القرن العشرين أدى إلى إجبار الطبقة الرأسمالية إلى التنازل أمام إصرار العمال وتضامنهم وتضحياتهم، حيث أدى ذلك إلى حصول العمال على الكثير من المكاسب: تحديد يوم العمل بثماني ساعات أو أقل، ضمانات صحية وإجتماعية، بطالة...إلخ. ومن الجدير ذكره أن العامل الأمريكي لا يحصل على نفس التقديمات التي يتمتع بها العامل الأوروبي.

فهل استمر الإستقرار على ما هو عليه؟

إن القيم الرأسمالية تقوم على مضاعفة الربح وضرورة النهب، نعني مد اليد على جيبة الغير. هذه أخلاقية المجتمع الإستهلاكي الذي نعيش في كنفه نتيجة تطور الرأسمالية إلى ما يسمى العولمة النيوليبيرالية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحالي.

فما هي أهم ملامح هذا التطور؟ نؤكد على النهب من غير أي قيم أخلاقية، القيم المتعارف عليها. وهذا ما أدى إلى أزمة 2008. ومن الجدير ذكره أنه لم ينكر أحد أن النهب والسرقة هي أسباب الأزمة.

ومن ملامح هذا التطور هو كيفية حل الأزمات. فالأزمة أدت إلى إفقار الناس. أما كيفية حل الأزمة هو بتقديم يد المعونة إلى النهابين وليس إلى الذين تعرضوا للجوع والطرد من منازلهم. فقد قدمت أمريكا وأوروبا مئات المليارات من الدولارات إلى أصحاب البنوك التي نهبت الناس. أما ما فعلته بالعمال والمستخدمين فكان أن بدأت بنزع التقديمات الإجتماعية التي حصلوا عليها بتضحيات ملايين العمال بأنفسهم. وأصبح الوضع على الشكل التالي:

جاء في جريدة "الباييس" الإسبانية، بتاريخ الأول من شباط ،2012 بقلم الكاتبة "ماريا أنتونيا سانشيز فالييو": إن ارتفاع معدل البطالة يهدد بدفع نحو ربع الأوروبيين من أولئك الذين يعسشون بمستوى لابأس به، بالإستبعاد الإجتماعي. وهذا ما يوجب النضال ضد الفقر في الإتحاد الأوروبي.

أضافت:"إليكم ضحايا الأزمة: شرائح المجتمع اللائي كن منذ وقت قليل يشكلون جزءاً من الطبقة المتوسطة، أصبحن الآن من الفقراء الجدد".

"في 2007 كان 85 مليون من الأوروبيين (17%من الشعوب الأوريبية) يعيشون تحت خط الفقرالنسبي. من بين الدول المعنية، نجد اليونان واسبانيا وإيرلندا؛ ولكن أيضاً فرنسا وألمانيا والنمسا يقول مندوب كاريتاس أوروبا".

"الفقراء يفتقرون والمطاعم الشعبية المجانية تستقطب أناس لم يفكروا يوماً الوصول إلى هذا المستوى. إن أرقام الفقر ازدادت بشكل لافت عند الأطفال (طفل من أربعة أطفال إسبان يواجه الفقر) ونفس النسبة عند المهاجرين والشباب. هذا ما قاله "بول ماري كلوز"، عالم اجتماع في المجلس الأعلى للبحوث العلمية".

"في اسبانيا كما في اليونان والبرتغال وإيطاليا، تفاقم الفقر، بل يمكن القول أنه تعمم ويستهدف مجموعات خاصة".

"في إيسلندا تزايد الفقر بشكل لافت وخاصة عند الشباب" أضاف العالم نفسه.

"الأولاد والمسنون، النساء والمهاجرون هم تقليدياً المجموعات المهددون بالفقر. كما وأن العمر والجنس وكذلك الإتنية هي من العوامل الهامة بالفقر".

جاء في جريدة "غازيتا ويبورشا":"إن عدد الأوروبيين من غير وظيفة قد ازداد بحوالي مليون خلال السنة الأخيرة حتى وصل إلى 24 مليون إنسان. في منطقة الأورو، وصلت البطالة إلى حدود 10,4%".

"الوضع هو أكثر صعوبة في جنوب أوروبا، خاصة في اسبانيا واليونان حيث يوجد شاب من اثنين من دون وظيفة، وحيث شروط السوق كارثية". "الهوة بين الشمال الذي يعيش برخاء والجنوب المأزوم لاتفتأ تزداد. أما إذا نظرت إلى سوق العمل فأنت في عالمين مختلفين".

جاء في جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية بتاريخ 1 شباط 2012، وبقلم "ماريا مالاغارديس" :" بينما تتتابع مباحثات شطب الديون اليونانية، تقوم مختارية أثينا بتقديم وجبتبن مجانيتين يومياً للعمال المعتبرين "ضحايا مخطط التقشف" ومهددين بالمجاعة. الوضع الذي لا يتردد بعض اليونانيين من تشبيهه بأيام الإحتلال النازي". "كم عددهم؟ مئة؟ أكثر بكثير؟" "في المساء يتضاعف العدد مرتين أو ثلاث مرات". "كما وترى جماعات من المواطنين لم يتعودوا حتى الآن على إستعطاء الغذاء". "الأكثرية منهم يرفضون التحدث للصحافة. إنهم يستحيون، يقول أحدهم الذي وجد نفسه من دون عمل بعد عشرين سنة من العمل في شركة تأمين. ففي اليونان يقبض العاطل عن العمل مدة سنة فقط".

"إن مخطط التقشف يصيب حسب الأولوية الأجراء والمتقاعدين، الذين يروا دخولهم تتناقص، أو بالأحرى تختفي، عندما تتضاعف الضرائب بشكل غير اعتيادي. والنتيجة أن من لايملكون منزلاً ثابتاً تضاعف خلال سنتين حتى وصل إلى 25%، والجوع أصبح الشغل اليومي لبعضهم".

يقول أحد الأطباء المجانيين: "لقد اضطربت عندما عاينت عشرات من الأطفال الذين لم يتذوقوا طعاماً في الصباح". ويضيف: أنه كان يعاين أناس من الطبقة الوسطى الذين خسروا تقديماتهم الإجتماعية، كما وأنه كان يوزع الطعام عليهم كما في العالم الثالث".

" إن عودة الجوع هي بسب إملاءات بروكسيل (مركز الإتحاد الأوروبي) أو بالأحرى برلين. كل ثلاثة أشهر يهددونا بانهيار مفاجىء، ويأمروننا بخنق الفقراء أكثر وأكثر. أما الأموال الموعودة فهي تذهب إلى أصحاب رؤوس الأموال". "نحن نعيش تحت ديكتاتورية اقتصادية. واليونان هي المختبر الذي يقيس قدرة الشعب على التحمل. وبعد اليونان يأتي دور الدول الأوروبية الأخرى. لا طبقة وسطى بعد الآن".

وجاء في صحف 7 شباط 2012 أن اليونا نيين أضربوا وتظاهروا. " وتحت لافتات تقول "لا لصرف موظفي القطاع العام" و"لا لخفض الحد الادنى للاجور" و"لا لتقليص رواتب التقاعد الاضافية" واصل المتظاهرون احتجاجهم على الاصلاحات التي طلبها الدائنون الثلاثة وهم منطقة اليورو والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي".

"فمقابل تعهد اليونان بتطبيق تلك الاجراءات اكد هؤلاء استعدادهم لتقديم قرض ثان بقيمة 130 مليار يورو على الاقل بعد 110 مليارات منحت في ايار/مايو 2010."

جاء في جريدة "الحياة" اللندنية، بتاريخ 3 شباط 2012 : "بلغ معدل البطالة في إسبانيا أعلى مستوى له منذ 16 سنة، إذ خسر 4.6 مليون شخص وظائفهم. وأفاد موقع «تيبيكلي سبانيش» الأسباني، بأن «عدد العاطلين من العمل ارتفع بنسبة 4 في المئة في كانون الثاني (يناير) الماضي مقارنة بالشهر السابق».

وقدّر عدد الذين خسروا وظائفهم بـ177 ألفاً و470، وسُجلت الزيادة الأكبر في أوساط من هم في سن 25 من العمر وما فوق والعاملين في قطاع الخدمات في كل المناطق الأسبانية.

وأظهرت الأرقام التي وزّعتها وزارة العمل والضمان الاجتماعي، أن في أسبانيا «4 ملايين و599 ألف و829 عاطلاً من العمل».

يقول إد ميليباند، نائب بريطاني عمالي: وحري بنا ألا نغفل أسباب أزمة تعثر النمو وأزمة الدين العام في السعي الى ارساء الاقتصاد على أسس أمتن. والولايات المتحدة وبريطانيا تعثرتا جراء المغالاة في ربط الاقتصاد بالقطاع المالي وأرباحه الزائفة. وتدهورت ظروف عيش شطر راجح من الناس واحتكر 1 في المئة (من الشعب) الارباح. فالنموذج الرأسمالي حضّ على اتخاذ قرارات قصيرة الأمد تتجه الى جني أرباح فصلية عوض الاستقرار البعيد الأمد، وغلّب كفة امتيازات المصارف العملاقة وأقطاب الميديا على المصلحة العامة".(الحياة 1 شباط 2012)

ويضيف ميليباند: "وأوباما محق في قوله أن دفع البليونير نسبة من الضرائب توازي النسبة التي تدفعها السكرتيرة العاملة لديه لا يجافي المنطق. وتغيير قواعد الرأسمالية يفترض تغيير ما ينتظره المواطنون من السياسة. وليست القضية مناسبة رأسمالية القرن العشرين مجتمع القرن الواحد والعشرين أم لا. فالتحدي الفعلي هو إمكان تصدي السياسات لعيوب النموذج الاقتصادي ومشكلاته".

من الطبيعي أننا لانوافق أوباما على الحل ولكن إيرادنا لهذا المثل هو فقط لإظهار مدى الشعور بالمسؤولية عند الحكام الرأسماليين حيث يرون الناس تموت جوعاً وهذا لا يهمها بشيء لأن قيم الرأسمالية تقوم على تأمين الأرباح وتكديسها.

وهناك ميزة لرأسمالية القرن الواحد والعشرين، وهي تراجع الديموقراطية التي يرفع شعارها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. فنتيجة الأزمة التي سببتها هذه الرأسمالية لليونان، أجبرت الدول الدائنة اليونان على تغيير حكومي. واللافت أن رئيس الحكومة الحالي لوكاس باباديموس لا ينتمي لا للبرلمان ولا للأكثرية البرلمانية. كما أنه لم يأت تبعاً لاستفتاء شعبي، إنما أنزل بالباراشوت اللاديموقراطي ليكون رئيساً للوزراء، رضي من رضي وأبى من أبى.

وهذه الظاهرة ليست فريدة، إنما تكررت في إيطاليا، ثالث إقتصاد أوروبي، حيث نزل ماريو مونتي بالباراشوت أيضاً كرئيس لوزراء إيطاليا من غير أن يكون منتم للأكثرية البرلمانية أو حتى للبرلمان.

الجميع، أو على الأصح، جميع الديموقراطيين يقبلون بديكتاتورية رأسالمال. وربما لجهلنا لا نعرف أن ديكتاتورية رأسالمال هي الوجه الآخر للديموقراطية الغربية.

أما في عالمنا فما هو تأثير رأسمالية القرن الواحد والعشرين، نعني العولمة النيو ليبيرالية؟ فهي تعمل على محافظة بلادنا على الإقتصاد الريعي حتى تؤمن النهب بطرق مختلفة. فالفائض يوظف في الخزينة الأمريكية أو الخزائن الأوروبية، عوضاً من ادخاره للأجيال القادمة التي لن تعيش في ظل إنتاج النفط. والفائض الآخر يوظف في شراء الأسلحة من أجل قتل شعوبها أو رميها في القمامة. أما الإقتصاد الحقيقي فلا مكان له في أذهان حكام منطقتنا.

إن البناء للمستقبل يتطلب الإنفتاح على المحيط الأكثر تطوراً، نعني تركيا وإيران. ففي تركيا هناك إقتصاد زراعي وصناعي وفي إيران صناعة أسلحة متقدمة وتقنية متقدمة لا تعتمد على الخارج، وهذا ما يؤمن الإستقلالية. إن التخطيط الإقتصادي الذي يغطي سوقاً تعد عدة مئات من الملايين هو الذي يعطي مردودية إقتصادية... ومن الجدير ذكره أن ما نصبو إليه يتطلب نضالات جماهيرية لاتفتر...

3 شباط 2012 حسن ملاط


روسيا الصديقة!

روسيا الصديقة!

قبل البدء بالكلام عن الصداقة الروسية العربية أو الصداقة الروسية لسوريا، لابد من التحدث عن تاريخية هذه الصداقة وظروفها.

كانت علاقة جميع الدول العربية مع الإتحاد السوفياتي، حيث كانت روسيا تقوده، سيئة ولا تتسم بالصداقة، وذلك لارتباط جميع هذه الدول بالغرب الإستعماري. بدأت علاقة الإتحاد السوفياتي مع الدول العربية بعد "ثورة 23 يوليو" المصرية بقيادة جمال عبد الناصر، حيث بدأت العلاقة بصفقة بيع الأسلحة السوفياتية التي عقدتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا التي كانت من دول الكتلة السوفياتية. كانت هذه الصفقة بسبب امتناع الدول الغربية عن بيع مصر السلاح خوفاً من أن تستخدمه ضد الكيان الصهيوني.

وهكذا بدأت علاقة جديدة مع قطب عالمي يضاهي بقوته العالم الغربي المتحد بحلف الأطلسي الذي يضاهيه حلف وارسو بقيادة الإتحاد السوفياتي. وكانت المرة الأولى في التاريخ تشتري فيها دولة عربية سلاحاً غير مشروط بعدم استخدامه ضد إسرائيل.

أما الظروف التي مكنت مصر من شراء سلاح غير مشروط هي ظروف الحرب الباردة ما بين المعسكر الغربي (العالم الحر) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي (الشيوعي أو الستار الحديدي) بقيادة الإتحاد السوفياتي، والذي تقوده روسيا. وبالإضافة إلى هذه الظروف، نضيف عاملاً لا يقل أهمية عن العامل الأول، هو العامل الإيديولوجي. حيث أن الإتحاد السوفييتي كان يرفع شعار صداقته لشعوب الدول المستضعفة والمستعمرة (بفتح الميم). فالمصالح كانت مزدوجة، أي إلى جانب المصالح الإقتصادية، لابد من التحدث عن العامل الإيديولوجي (صداقة الشعوب).

وحيث أن ظروف الحرب الباردة قد تغيرت حالياً، فهل لا زال بإمكاننا التحدث عن صداقة ما بين الدول؟ نحن نميل إلى استحالة التحدث عن صداقة مابين دول تقوم على النهب. إن ما يهم الولايات المتحدة من علاقتها مع الدول الأخرى هو نهبها خيرات شعوب هذه الدول. وتشترك في هذه الغايات دول الإتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، وكذلك الروسيا والصين. وأضفنا الصين بالرغم من وجود حزب لازال يُسمى الحزب الشيوعي الصيني والذي يحمل تراث التحرر الوطني. أما سبب هذه الإضافة فيعود إلى انكشاف حقيقة الدول التي كانت تنهج النهج السوفياتي في إدارة الدولة. حيث أن البيروقراط، سواء من الحزب أو من كبار الموظفين قد تحولوا إلى مالوقراط حيث كانوا يستولون على أموال الدولة والمجتمع بسبب سيطرتهم على شؤون الدولة أو قربهم من الحكام. وهذا هو نفس ما هو حاصل في الصين. أما بالنسبة لكوبا وكوريا الديموقراطية فلا يمكننا التأكيد أو النفي لضآلة المعلومات التي نملكها عن هذين البلدين.

إذن، روسيا التي تمد يد العون للنظام السوري إنما تفعل ذلك ليس لأنها صديقة للشعب السوري، ولكنها تفعل ذلك لمصالح علينا استكشافها، ولا يدخل ضمنها أي شبهة صداقة للشعب السوري.

فما هي الأسباب التي دفعت الروسيا إلى التمرد على الإجماع الدولي، مع الصين واستخدامهما حق النقض (الفيتو) لعرقلة القرار الأممي العربي – الغربي؟

هناك مجموعة من الأسباب. سنتحدث عن السبب الذي جمع الصين وروسيا من أجله. إنه الضعف الذي أصاب الولايات المتحدة الأمريكية وأدى إلى اضطرارها إلى ترك العراق من دون الوصول إلى الإتفاقات التي كانت تزمع إقامتها مع الحكومة العراقية قبل إتمام انسحابها من العراق. وحيث أننا رأينا أنها قد انسحبت من دون هذه الإتفاقات، فهو دليل على ضعفها، لعدم تمكنها من إجبار الحكومة العراقية على الرضوخ لمطالبها. فأرادت الصين وروسيا أن لا تمدا يد المعونة للأمريكان، لذلك كانتا في الجانب المعاكس للتموضع الأمريكي.

نضيف إلى هذا العامل إعلانها (أمريكا) الإنسحاب المبكر من أفغانستان واضطرارها للتفاوض مع طالبان من أجل الإنسحاب المخزي من هذا البلد.

أما السبب الذي يجعل الصين تؤكد هذا الأمر هو إعلان الولايات المتحدة أنها سوف تتفرغ للمحيط الهادي، أي المنطقة الحيوية بالنسبة للصين، والتي يهمها أن تأتي أميركا وهي ضعيفة وليست وهي قوية. هذا من دون الإشارة إلى الضعف الإقتصادي التي تعاني منه الولايات المتحدة منذ أزمة 2008. ولا داعي للتذكير أن الصين هي المستثمر الأكبر في الميزانية الأمريكية( 4،1 تريليون دولار).

أما العامل الثاني الذي يجعل روسيا تتمسك بدفاعها عن النظام السوري هو وجود القاعدة البحرية في طرطوس واستعدادها لتفعيل قاعدة قاسيون للتنصت على الغرب.

كما وعلينا التنبه إلى أن سوريا هي المكان الوحيد في البحر المتوسط الذي لايزال على علاقة طيبة مع روسيا. نضيف إلى هذه العوامل 5،4 مليار دولار ثمن فاتورة الأسلحة من سوريا إلى روسيا. وما دخول الخبراء الروس إلى الأراضي السورية إلا لتأمين القواعد التي تحدثنا عنها.

ما تقدم يبين بوضوح أنه لا مكان لأي عامل إيديولوجي في موقف روسيا من الأحداث الجارية في سوريا، إنما لعبة مصالح فقط.

هل بإمكان أحد تأمين هذه المصالح لروسيا حتى تستجيب لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية؟ أي تتخلى عن دعمها للنظام السوري؟

التقارير الأمريكية تزعم بأن الإدارة الأمريكية لم تتخذ حتى الآن قراراً يفيد بأنها تريد أن تتخلى عن إدارة الرئيس بشار الأسد لسوريا. لذلك لم تعمد إلى مفاوضة الروس من أجل التوصل إلى اتفاقات ترضي الطرفين. فأمريكا لا تريد أن تعترف بأن روسيا هي دولة كبرى (قطب دولي) لها مصالحها المستقلة عن مصالح أمريكا. لذلك لم تعمد إلى تعديل الدرع الصاروخي الذي يحاصر روسيا. أي أنها لا تعتبر أن لروسيا الحق بالإعتراض على محاصرتها عسكرياً من قبل الحلف الأطلسي. فهذه الدرع موجودة في أوروبا الشرقية وتركيا أي أن روسيا أصبحت محاصرة من قبل الحلف الأطلسي. ومن المنطقي أن يكون لها حق الدفاع عن نفسها. من هنا جاء دفاع الروس عن النظام السوري وكذلك عن إيران. ومن أجل إضعاف أمريكا كان تأييد الصين للموقف الروسي.

أين الصداقة بين الشعوب في الموقف الروسي، أو الصيني؟ إنها لعبة المصالح. المصالح التي لا دخل لها بالقيم. فلا داعي أن يتشدق البعض بالصداقة الروسية للعرب حتى لا يُصدموا كما كانوا يُصدموا دائماً في رهاناتهم على الخارج. إن من يريد الحرية عليه أن يعتمد على نفسه وعلى نفسه فقط.

12 شباط 2012 حسن ملاط

الجمعة، 3 فبراير 2012

رأسمالية القرن الواحد والعشرين

لم تمر فترة من التاريخ لم يدفع فيها الإنسان ضريبة تطوره من تشكيلة أدنى إلى تشكيلة إجتماعية أعلى بالمفهوم التاريخي. فالضريبة التي دفعها الأوروبيون نتيجة انتقالهم من الإقطاع إلى المجتمع البورجوازي كانت تخريب الأراضي الزراعية وانتقال مئات الآلاف من الفلاحين إلى المدن حيث تعرضوا للإذلال والعوز. أما في بريطانيا فقد تعرض جزء غير بسيط منهم للتصفية الجسدية.

أما استقرار النظام الجديد فقد دفعت ضريبته الطبقة العاملة بالدرجة الأولى، حيث كان يوم العمل حوالي ست عشرة ساعة في اليوم. ثم كانت النضالات العمالية والتضحيات التي أجبرت الطبقة الرأسمالية الأوروبية على التنازل عن جزء من حقوق الطبقة العاملة. أما ما جعل الرأسمالي يتنازل للعامل الأوروبي هو الكمية الكبيرة التي كان ينهبها من العالم الثالث، بحيث يصبح تأثير التقديمات على أرباحه غير ذي بال.

هذه أوضاع الرأسمالية في القرن العشرين. فهي تجعل الإنسان يعتقد وكأنه يعيش مجتمع الرفاه، وخاصة في الدول الأوروبية ما قبل الأزمة الحالية. أما الذين تعرضوا للظلم أكثر من غيرهم فهم الأطفال والنساء، حيث كان يوم عملهم يتجاوز يوم العمل بالنسبة للرجال وبأجر أقل.

ولكن نضالات الطبقة العاملة في القرن التاسع عشر وردحاً من القرن العشرين أدى إلى إجبار الطبقة الرأسمالية إلى التنازل أمام إصرار العمال وتضامنهم وتضحياتهم، حيث أدى ذلك إلى حصول العمال على الكثير من المكاسب: تحديد يوم العمل بثماني ساعات أو أقل، ضمانات صحية وإجتماعية، بطالة...إلخ. ومن الجدير ذكره أن العامل الأمريكي لا يحصل على نفس التقديمات التي يتمتع بها العامل الأوروبي.

فهل استمر الإستقرار على ما هو عليه؟

إن القيم الرأسمالية تقوم على مضاعفة الربح وضرورة النهب، نعني مد اليد على جيبة الغير. هذه أخلاقية المجتمع الإستهلاكي الذي نعيش في كنفه نتيجة تطور الرأسمالية إلى ما يسمى العولمة النيوليبيرالية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحالي.

فما هي أهم ملامح هذا التطور؟ نؤكد على النهب من غير أي قيم أخلاقية، القيم المتعارف عليها. وهذا ما أدى إلى أزمة 2008. ومن الجدير ذكره أنه لم ينكر أحد أن النهب والسرقة هي أسباب الأزمة.

ومن ملامح هذا التطور هو كيفية حل الأزمات. فالأزمة أدت إلى إفقار الناس. أما كيفية حل الأزمة هو بتقديم يد المعونة إلى النهابين وليس إلى الذين تعرضوا للجوع والطرد من منازلهم. فقد قدمت أمريكا وأوروبا مئات المليارات من الدولارات إلى أصحاب البنوك التي نهبت الناس. أما ما فعلته بالعمال والمستخدمين فكان أن بدأت بنزع التقديمات الإجتماعية التي حصلوا عليها بتضحيات ملايين العمال بأنفسهم. وأصبح الوضع على الشكل التالي:

جاء في جريدة "الباييس" الإسبانية، بتاريخ الأول من شباط ،2012 بقلم الكاتبة "ماريا أنتونيا سانشيز فالييو": إن ارتفاع معدل البطالة يهدد بدفع نحو ربع الأوروبيين من أولئك الذين يعسشون بمستوى لابأس به، بالإستبعاد الإجتماعي. وهذا ما يوجب النضال ضد الفقر في الإتحاد الأوروبي.

أضافت:"إليكم ضحايا الأزمة: شرائح المجتمع اللائي كن منذ وقت قليل يشكلون جزءاً من الطبقة المتوسطة، أصبحن الآن من الفقراء الجدد".

"في 2007 كان 85 مليون من الأوروبيين (17%من الشعوب الأوريبية) يعيشون تحت خط الفقرالنسبي. من بين الدول المعنية، نجد اليونان واسبانيا وإيرلندا؛ ولكن أيضاً فرنسا وألمانيا والنمسا يقول مندوب كاريتاس أوروبا".

"الفقراء يفتقرون والمطاعم الشعبية المجانية تستقطب أناس لم يفكروا يوماً الوصول إلى هذا المستوى. إن أرقام الفقر ازدادت بشكل لافت عند الأطفال (طفل من أربعة أطفال إسبان يواجه الفقر) ونفس النسبة عند المهاجرين والشباب. هذا ما قاله "بول ماري كلوز"، عالم اجتماع في المجلس الأعلى للبحوث العلمية".

"في اسبانيا كما في اليونان والبرتغال وإيطاليا، تفاقم الفقر، بل يمكن القول أنه تعمم ويستهدف مجموعات خاصة".

"في إيسلندا تزايد الفقر بشكل لافت وخاصة عند الشباب" أضاف العالم نفسه.

"الأولاد والمسنون، النساء والمهاجرون هم تقليدياً المجموعات المهددون بالفقر. كما وأن العمر والجنس وكذلك الإتنية هي من العوامل الهامة بالفقر".

جاء في جريدة "غازيتا ويبورشا":"إن عدد الأوروبيين من غير وظيفة قد ازداد بحوالي مليون خلال السنة الأخيرة حتى وصل إلى 24 مليون إنسان. في منطقة الأورو، وصلت البطالة إلى حدود 10,4%".

"الوضع هو أكثر صعوبة في جنوب أوروبا، خاصة في اسبانيا واليونان حيث يوجد شاب من اثنين من دون وظيفة، وحيث شروط السوق كارثية". "الهوة بين الشمال الذي يعيش برخاء والجنوب المأزوم لاتفتأ تزداد. أما إذا نظرت إلى سوق العمل فأنت في عالمين مختلفين".

جاء في جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية بتاريخ 1 شباط 2012، وبقلم "ماريا مالاغارديس" :" بينما تتتابع مباحثات شطب الديون اليونانية، تقوم مختارية أثينا بتقديم وجبتبن مجانيتين يومياً للعمال المعتبرين "ضحايا مخطط التقشف" ومهددين بالمجاعة. الوضع الذي لا يتردد بعض اليونانيين من تشبيهه بأيام الإحتلال النازي". "كم عددهم؟ مئة؟ أكثر بكثير؟" "في المساء يتضاعف العدد مرتين أو ثلاث مرات". "كما وترى جماعات من المواطنين لم يتعودوا حتى الآن على إستعطاء الغذاء". "الأكثرية منهم يرفضون التحدث للصحافة. إنهم يستحيون، يقول أحدهم الذي وجد نفسه من دون عمل بعد عشرين سنة من العمل في شركة تأمين. ففي اليونان يقبض العاطل عن العمل مدة سنة فقط".

"إن مخطط التقشف يصيب حسب الأولوية الأجراء والمتقاعدين، الذين يروا دخولهم تتناقص، أو بالأحرى تختفي، عندما تتضاعف الضرائب بشكل غير اعتيادي. والنتيجة أن من لايملكون منزلاً ثابتاً تضاعف خلال سنتين حتى وصل إلى 25%، والجوع أصبح الشغل اليومي لبعضهم".

يقول أحد الأطباء المجانيين: "لقد اضطربت عندما عاينت عشرات من الأطفال الذين لم يتذوقوا طعاماً في الصباح". ويضيف: أنه كان يعاين أناس من الطبقة الوسطى الذين خسروا تقديماتهم الإجتماعية، كما وأنه كان يوزع الطعام عليهم كما في العالم الثالث".

" إن عودة الجوع هي بسب إملاءات بروكسيل (مركز الإتحاد الأوروبي) أو بالأحرى برلين. كل ثلاثة أشهر يهددونا بانهيار مفاجىء، ويأمروننا بخنق الفقراء أكثر وأكثر. أما الأموال الموعودة فهي تذهب إلى أصحاب رؤوس الأموال". "نحن نعيش تحت ديكتاتورية اقتصادية. واليونان هي المختبر الذي يقيس قدرة الشعب على التحمل. وبعد اليونان يأتي دور الدول الأوروبية الأخرى. لا طبقة وسطى بعد الآن".

جاء في جريدة "الحياة" اللندنية، بتاريخ 3 شباط 2012 : "بلغ معدل البطالة في إسبانيا أعلى مستوى له منذ 16 سنة، إذ خسر 4.6 مليون شخص وظائفهم. وأفاد موقع «تيبيكلي سبانيش» الأسباني، بأن «عدد العاطلين من العمل ارتفع بنسبة 4 في المئة في كانون الثاني (يناير) الماضي مقارنة بالشهر السابق».

وقدّر عدد الذين خسروا وظائفهم بـ177 ألفاً و470، وسُجلت الزيادة الأكبر في أوساط من هم في سن 25 من العمر وما فوق والعاملين في قطاع الخدمات في كل المناطق الأسبانية.

وأظهرت الأرقام التي وزّعتها وزارة العمل والضمان الاجتماعي، أن في أسبانيا «4 ملايين و599 ألف و829 عاطلاً من العمل».

يقول إد ميليباند، نائب بريطاني عمالي: وحري بنا ألا نغفل أسباب أزمة تعثر النمو وأزمة الدين العام في السعي الى ارساء الاقتصاد على أسس أمتن. والولايات المتحدة وبريطانيا تعثرتا جراء المغالاة في ربط الاقتصاد بالقطاع المالي وأرباحه الزائفة. وتدهورت ظروف عيش شطر راجح من الناس واحتكر 1 في المئة (من الشعب) الارباح. فالنموذج الرأسمالي حضّ على اتخاذ قرارات قصيرة الأمد تتجه الى جني أرباح فصلية عوض الاستقرار البعيد الأمد، وغلّب كفة امتيازات المصارف العملاقة وأقطاب الميديا على المصلحة العامة".(الحياة 1 شباط 2012)

ويضيف ميليباند: "وأوباما محق في قوله أن دفع البليونير نسبة من الضرائب توازي النسبة التي تدفعها السكرتيرة العاملة لديه لا يجافي المنطق. وتغيير قواعد الرأسمالية يفترض تغيير ما ينتظره المواطنون من السياسة. وليست القضية مناسبة رأسمالية القرن العشرين مجتمع القرن الواحد والعشرين أم لا. فالتحدي الفعلي هو إمكان تصدي السياسات لعيوب النموذج الاقتصادي ومشكلاته".

من الطبيعي أننا لانوافق أوباما على الحل ولكن إيرادنا لهذا المثل هو فقط لإظهار مدى الشعور بالمسؤولية عند الحكام الرأسماليين حيث يرون الناس تموت جوعاً وهذا لا يهمها بشيء لأن قيم الرأسمالية تقوم على تأمين الأرباح وتكديسها.

أما في عالمنا فما هو تأثير رأسمالية القرن الواحد والعشرين، نعني العولمة النيو ليبيرالية؟ فهي تعمل على محافظة بلادنا على الإقتصاد الريعي حتى تؤمن النهب بطرق مختلفة. فالفائض يوظف في الخزينة الأمريكية أو الخزائن الأوروبية، عوضاً من ادخاره للأجيال القادمة التي لن تعيش في ظل إنتاج النفط. والفائض الآخر يوظف في شراء الأسلحة من أجل قتل شعوبها أو رميها في القمامة. أما الإقتصاد الحقيقي فلا مكان له في أذهان حكام منطقتنا.

إن البناء للمستقبل يتطلب الإنفتاح على المحيط الأكثر تطوراً، نعني تركيا وإيران. ففي تركيا هناك إقتصاد زراعي وصناعي وفي إيران صناعة أسلحة متقدمة وتقنية متقدمة لا تعتمد على الخارج، وهذا ما يؤمن الإستقلالية. إن التخطيط الإقتصادي الذي يغطي سوقاً تعد عدة مئات من الملايين هو الذي يعطي مردودية إقتصادية... ومن الجدير ذكره أن ما نصبو إليه يتطلب نضالات جماهيرية لاتفتر...

3 شباط 2012 حسن ملاط