بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 4 مايو 2017

حول وثيقة حماس

                 
حسن ملاط
1-        الحركات الثورية تتراجع خطوة لتتقدم خطوتين.
2-        ثوار فيتنام لم يسمحوا للسوفيات ولا للصينيين بالتدخل في مفاوضاتهم مع الغزاة الأمريكان.
يبدو أن هناك تفاعلاً مع الوثيقة التي أطلقتها حماس على لسان خالد مشعل. وكأن حماس أرادت أن تقول للناس: ضعوا وزر ما لا يعجبكم في هذه الوثيقة على أخينا خالد، فإنه مغادر!
ركزت معظم التعليقات على النقطة (20) من الوثيقة والتي تنص على قبول حماس بإقامة دولة فلسطينية على أراضي ال67 وتأكيدها عدم الإعتراف بالكيان الصهيوني.
كما وركزت تعليقات أخرى على فك ارتباط حماس بالإخوان المسلمين من أجل إقامة علاقات طبيعية مع مصر والسعودية والإمارات...
نحن نعتقد أن التركيز على هذه النقاط لا يأتي من خلفية رفض التنازل الذي قامت به حماس، لأن هؤلاء المعلقين لا يرفضون التفاوض مع العدو أساساً.
إن دراسة أي قرار تتخذه منظمة أو حزب ذو فعالية على الأرض يتطلب الإضاءة على تاريخية المسيرة التي أدت بهذه المنظمة أو الحزب للوصول إلى اتخاذ مثل هذا القرار.
بالنسبة لحماس يمكن ربط قبولها بإقامة دولة على حدود ال67 بقبولها السابق بالدخول في لعبة الإنتخابات التشريعية في ال2005. فالدخول في هذه اللعبة السلطوية جاء من ضمن إطار أوسلو، سواء أعلنت حماس عن رفضها أو قبولها به. فهي تقوم بممارسات "أوسلوية" حتى وإن لعنت أوسلو ليلاً ونهارا.
بعد خوضها للإنتخابات ونجاحها فيها، لم يكن تحليلها لنتائج الإنتخابات على المستوى المطلوب. فقد اعتبرت نجاحها في الإنتخابات نجاحاً تنظيمياً، ولم تعتبره نجاحاً لخط المقاومة الذي تخلت عنه جزئياً غريمتها "فتح" وأصرت هي على المناداة به. وكانت حماس تؤكد، يومها، على ضرورة الإستمرار بالمقاومة ضد كيان العدو. هذا الإصرار لم يكن للأسف حقيقياً (على المستوى الاستراتيجي) لأن ما قامت به حماس كان مخالفاً كلياً لما أعلنته عن استمرار المقاومة.
هذا الكلام لا يستدعي العجب، خاصة وأن حماس خاضت عدة حروب ضد كيان العدو بعد اعتداءاته المتكررة. كما وأجبرته على صفقة تبادل للأسرى أيضاً. إن هذه الحروب التي خاضتها حماس، خاضتها على قاعدة وجودها في السلطة في غزة والتي كانت نتاجاً لاتفاقية أوسلو.
نعود إلى تشكيل الحكومة بعد نجاحها في الإنتخابات. أصرت حماس على تشكيل الحكومة، وأصرت على تسلم وزارات "سيادية". فتسلم رئاسة الوزارة ووزارات سيادية في ظل الإحتلال يعني مباشرة التحدث مع العدو في الأمور السياسية وهذا يعني نقضاً لعدم اعترافها بدولة العدو. أما تسلم وزارات خدمية والإتصالات بالعدو لا ترتدي الطابع السياسي لأن العدو هو المسؤول عن الناس المحتلة أرضهم من قبله، حسب القوانين الدولية. وهذا لا يعني أي تنازل سياسي من قبل حماس لصالح العدو.
عند تسلمها رئاسة الحكومة، تعرضت السلطة والحكومة لضغوطات كبيرة من الإدارة الأمريكية والحكومات المانحة، ما أدى إلى خلاف كبير بين حماس وفتح أوصل إلى استيلاء حماس على السلطة في غزة. ولا زال الوضع على ما هو عليه حتى اللحظة: خلافات، تجاذبات، اتفاقات غير قابلة للتنفيذ، إهمال لكل قضايا الشعب الفلسطيني... ويعقب ذلك محاولات حثيثة من حماس للحصول على مقبولية من المجتمع الدولي. ومعروف أن الحصول على هذه المشروعية يتطلب الخضوع لمتطلبات هذه الدول والتي لا تنسجم مع مصالح الشعب الفلسطيني إن لم تتناقض معها.
ما قامت به حماس من إعلان لميثاقها الجديد هو ثمرة مسيرتها منذ 2005 وليس نتيجة الإغراءات التركية والقطرية والمصرية فقط.
نلخص فنقول: إن أسباب التراجع أو التكويعة التي قامت به حماس، تتلخص بما يلي:
1-        القدسية التنظيمية هي التي تعطي الأولوية لمصلحة التنظيم، ثم العمل على مماهاة مصالح الشعب الفلسطيني مع المصالح التنظيمية!
2-        مرجعية السلاح: إيران أعلنت على لسان مرشدها الأعلى عند اجتماعه بالأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، أن إيران تعمل على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وهذا التعبير مضمونه مفهوم. وحماس لا يمكنها تجاوز هذا السقف.
3-        مرجعية الدبلوماسية والمال: تركيا وقطر واللتان على علاقة جيدة بالكيان الصهيوني، تريدان من مساعدتهما حماس السيطرة على قرارها السياسي.
4-        العلاقة مع مصر، والتي لا يمكن إهمالها. وهذه العلاقة تحكمها الأجهزة الأمنية وليس الأطراف السياسية. وعلينا أن نتذكر أنه في عهد الرئيس المنتخب مرسي الذي قاد المفاوضات مع الكيان الصهيوني لإنهاء عدوانه على غزة، قال عنه نتنياهو معبراً عن إعجابه به، أنه قاد المفاوضات "بنزاهة"!
5-        تمسكها بالسلطة في الوقت الذي لا يمكنها فيه تأمين حاجيات سكان غزة، كما لا يمكنها التوفيق بين مقاومة العدو وقيامها بمتطلبات السلطة. من هنا كانت إراحة العدو من مسؤولياته عن الشعب المحاصر من قبله. وهكذا تراجعت أولوية مقاومة العدو لصالح تأمين حاجيات السكان المحاصرين...
وفي عودة إلى الوثيقة، تؤكد حماس أن:
أ‌-              "منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية".
ب‌-      تؤكد حماس على ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الوطنية الفلسطينية على أسس ديمقراطية سليمة وراسخة، في مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية، ووفق برنامج واستراتيجية واضحة المعالم، تتمسّك بالحقوق وبالمقاومة، وتلبّي تطلّعات الشعب الفلسطيني.
ت‌-      تؤكد حركة حماس على أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني.
ماذا تفيد هذه الصيغة "الإنشائية" في تحديد دور المنظمة ودور السلطة؟ "فتح" التي تقود السلطة والمنظمة يمكنها القول أنها تقوم بجميع المهام التي أوردتها "حماس" في وثيقتها.
هناك منظمة وهناك سلطة، إذا كانت المنظمة والسلطة تعيشان في ظل الإحتلال، فما فائدة وجود المنظمة والسلطة معاً؟ لا شيء طبعاً!
القراءة الجدية تتطلب تحديد المهام الموكولة للسلطة وتلك الموكولة للمنظمة. وهنا لا بد من التأكيد أن المسؤولين الفلسطينيين، في اجتماعاتهم المتكررة، لم يقبلوا توضيح دور كل من السلطة والمنظمة. والوثيقة الجديدة لم تحدد دور المنظمة ودور السلطة.
ومن أجل الوضوح وعدم الغرق في التعميم، نرى بأنه من الضروري الفصل بين قيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة. كما ويجب أن تكون مهمة السلطة تأمين متطلبات الحياة الكريمة للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الإحتلال. أما مهمة المنظمة والتي يجب أن تكون قيادتها خارج الأرض المحتلة، فهي تنظيم جميع أشكال مقاومة الإحتلال والقيادة السياسية للشعب الفلسطيني من أجل الوصول إلى التحرير الناجز لأرضه.
وهكذا، تكون مهمة المنظمة واضحة وكذلك مهمة السلطة. فالأولى مهمتها سياسية والثانية مهمتها إجتماعية.
ننهي فنقول، إن أخطر ما يمكن أن تؤدي إليه السياسات الجديدة لحركة "حماس"، تبعاً لهذه الوثيقة الجديدة، والتي لا تختلف عن السياسات التي تقوم بها "فتح" بوضوح يتطلبه إمساكها بالسلطة، هو أن تصبح هاتان المنظمتان بمثابة حزب السلطة وحزب المعارضة (عمال ومحافظين، أو جمهوري وديموقراطي)، واستبعاد جميع المكونات الفلسطينية الأخرى عن مسرح العمل السياسي، بما فيها المقاومة المسلحة.
أما الخطر الأهم، فهو الفصل النهائي بين غزة وسائر فلسطين واعتبارها الدولة الفلسطينية المرتقبة وإدخال الضفة الغربية والقدس ضمن "السيادة" الصهيونية وإعطاء التجمعات الفلسطينية وضعاً خاصاً ضمن الكيان الصهيوني.
                             4 أيار 2017