بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 30 أكتوبر 2008

مقدمة في تعليم القراءة للمبتدئين

مقدمة في تعليم القراءة للمبتدئين

مسألة تعليم القراءة ليست مستجدة، فتعليم القراءة ابتدأ منذ اختراع الحرف. ولكن تطور العلوم هو الذي أدى الى تطور النظر الى تعلم أو تعليم القراءة.
سوف نتحدث أولاً عن تأثير علم النفس في تعليم القراءة للمبتدئين. وما نتحدث عنه هو ما قام به فرع من علم النفس وهو فرع التحليل النفسي.
من المعروف تقليدياً أن ارتباط التعليم بعلم النفس يمر بعلم النفس التربوي (البيداغوجي) Psychopédagogie، أو علم النفس المعرفي،Psychologie cognitive ولكن أن نتحدث عن التحليل النفسي Psychanalyse فهذا أمر مستجد. ولكن يمكنني أن أؤكد أن الأفكار التي اكتسبناها من هذه الأبحاث ترتدي أهمية كبيرة في ميدان تعليم القراءة للمبتدئين. وأهم هذه الأبحاث تلك التي قام بها المحلل النفسي، Jacques Lacan . وقد ساعدت أبحاثه في تطوير الأفكار التربوية الهامة عند Françoise Dolto أيضا. وسوف نستعرض الآن وعلى وجه السرعة أهم هذه الأفكار.

1 – حتى يتعلم الطفل يجب أن يكبر. فتعلم القراءة مرتبط ارتباطاً يكاد يكون شرطياً بالنضوج النفسي Maturité عند الطفل ( وهذا هو المقصود بضرورة أن يكبر). فبقدر ما يتأمن النضوج عند الطفل بقدر ما يكون هذا الطفل مستعداً للتعلم.
2 – حتى يتعلم الطفل يجب أن يكون لديه أي (الطفل) الرغبة بالتعلم. ما من أحد يمكنه أن يعلم انساناً لا يرغب في التعلم. لذا على المعلم أن يوجد جواً تعلمياً يساعد على خلق الرغبة بالتعلم عند الطفل.
3 – المسافة الرمزية Distance symbolique: اذا ظل الطفل مرتبطاً بأمه (أو بمن يقوم مقامها) فسوف يعيق نضوجه. لذا يجب ايجاد مسافة (مسافة رمزية) بين الطفل وأمه حتى يتمكن الطفل من الانفتاح على القراءة. أو بصيغة أخرى، حتى تصبح القراءة حاجة له، عليه تأمينها حتى تقوم بالتالي أي القراءة بتأمين ما يتطلبه الطفل. ان وجود هذه المسافة هو الذي يجعل الطفل يتخلى تدريجيا عن أمه. أمه التي تؤمن له جميع متطلباته. الانفتاح على القراءة يتطلب جهدا يقوم به الطفل ، كما و يتطلب استقلالية نسبية Autonomie. أما الرمزية فهي التي ستجعل الطفل ينفتح مستقبلا على الرموز: رموز اللغة Symboles .
4 – الفرق أو لنقل التباين la différence على الطفل أن يعي أن هناك فرقا بينه وبين أمه، أو لنقل تباينا فهو ليس أمه وأمه ليست هو. أي أنه ليس هناك تماهيا بينه وبين أمه. هذا الشعور أو الوعي أو القبول من الطفل هو الشرط الأول لاستقلاله عن أمه أي لقبوله القيام بجهد ما حتى ينفتح على أي نوع من النشاط ومن ضمنها الجهد الذي عليه القيام به للتعلم. علينا أن نكون على يقين أن بعد الطفل عن أمه سوف يسبب له الأسى. ان الدور الذي تقوم به الأم بالنسبة للطفل لا يمكن استبداله ولا الاستغناء عنه، أضف الى ذلك أن البعد عن الأم أو القبول بالتباين يعني حتما الانفتاح على عالم مجهول من الطفل عالم سوف يسبب له الأسى لأنه يجهله.
5 – القبول بوجود الآخر la présence du tiers ان أول آخر يتعرف عليه الطفل هو الأب. من هنا على الأب أن يعلم أن عليه لعب دور الآخر. الآخر يعني بالنسبة للطفل أن هناك عالما آخر لا يقتصر عليه هو وأمه. فاذا تمكن الأب أن يلعب هذا الدور فسوف يجد الطفل سهولة بالانفتاح على العالم الخارجي، أي البعد عن أمه، أي القيام بجهد لتأمين متطلباته ، تلك المتطلبات التي تقوم الأم عادة بتأمينها من غير طلب من الطفل. الاستقلال عن الأم يكلف الطفل جهدا، وكذلك الانفتاح على القراءة وتعلم رموزها.
5 – التخلص من هيمنة التخيلي L’imaginaire : التخيلي يجعل الطفل يعتقد أنه بلمسة واحدة يمكنه تغيير العالم، كما تفعل الجنية أو الساحرة. فهي تحرك عصاها السحرية فتحصل على قصر أشبه ما يكون بقصور الملوك. وهيمنة التخيلي عند الطفل تجعله يعتقد أنه بامكانه أن يقرأ ساعة يشاء وأن يقرأ أيضا ما يشاء. ومن من المعلمين لم يصادف هذا النوع من الأطفال الذي يمسك بالكتاب ويبدأ بالقراءة. ولكن ماذا يقرأ؟ انه يقرأ من خياله وليس من الكتاب.
معرفة ما تقدم ضروري بالنسبة للمعلم لأنه يساعده على معرفة الطفل بشكل أفضل كما وأنه يساعد المعلم على التعامل الأفضل مع الطفل، التعامل الذي لايؤدي بالطفل الى أخذ فكرة سلبية عن المدرسة أو أي مؤسسة تعليمية أخرى.
بعد التزود بهذه المعارف يأتي دور اختيار الطريقة التي على المعلم أن يوصل من خلالها المعارف الى المتعلم. من المعروف أن هناك طريقتين لتعليم القراءة: الطريقة المجملة والطريقة التركيبية.
1- الطريقة المجملة ويندرج تحتها الطرق التي تبدأ بتعليم الطفل الجملة، أو الكلمة، أو الصورة أو القصة. ولا يظنن أحد أن الطريقة المختلطة لا تندرج تحت خانة الطرق المجملة. فجميع الطرق التي تعتمد التحليل للوصول الى الحرف هي في المحصلة طريقة مجملة، لأن انطلاقتها مجملة. واذا أحببنا أن نختصر فنقول أن كل طريقة تسمح للطفل بقراءة كلمة لا يعرف جميع مكوناتها تعتبر طريقة مجملة.
2- الطريقة التركيبية ويندرج تحتها الطريقة الهجائية والطريقة المقطعية والطريقة الصوتمية. وهذه الطرق يمكننا أن نطلق عليها اسم الطرق الطبيعية، ذلك أن الطرق المجملة لم يمر على استخدامها قرن من الزمان. وقد جاء استخدامها بناء لنظرية الجشطالت في علم النفس. وعندما نقول نظرية فهذا يعني أنها تحتمل الخطأ والصواب، أما عندما نقول أنها حقيقة علمية فهذا يعني أنه بامكاننا الفركون الى صحتها.
ها قد تعرفنا على طرق تعليم القراءة المستخدمة، فكيف لنا أن نختار الطريقة الفضلى؟ أو بصيغة أخرى هل هناك طرق صحيحة لتعليم القراءة وطرق خاطئة؟
ما المستجد على صعيد تعليم القراءة؟

 المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية في الولايات المتحدة NICHD (وهذا يعتبر أهم مركز في العالم في مجاله) وهو يعمل في مجال محاربة الأمية، وبالتالي التفتيش عن الطريقة المثلى في تعليم القراءة، توصل علماؤه الى الحقيقة التالية: ان الخيارات البيداغوجية تتحكم بمورفولوجية Morphologie الدماغ وبنيته structure، وتضغط أيضا وبشكل سلبي على نوعية المعارف، كما وتؤثر سلبا أيضا على نمو وتطور العملية المعرفية والذكاء.
كما وأن أهم ما توصل اليه هذا المركز هو الانتقال بعملية تعليم القراءة من مجال علم النفس الى مجال علم الأعصاب. كما وأنه نتيجة الأبحاث التي قام بها الحائز على جائزة نوبل R.W. SPERRY فقد تم البرهان على أنه يوجد في الدماغ مركزان الجزء الأيسر من الدماغ هو مركز التحليل وتشريح المعطيات و الجزء الأيمن الذي يأخذ الصورة ويتعرف عليها من خلال المقارنة. كما وأنه تم البرهان على أن الدماغ لا يقبل الكلمة كصورة، فهو يحللها الى عناصرها. وعناصر الكلمة هي أحرفها لذا علينا معرفة عناصرها. فمن المعروف أن هناك نوعين من اللغات: اللغة الألفبائية واللغة الرسموية وهي اللغة الصينية واليابانية القديمة، حيث أن هناك محاولة جادة لتحويل هذه اللغات الى ألفبائية.
ما أهمية ما تقدم بالنسبة لاختيارنا طريقة تعليم القراءة؟
عندما نعلم الطفل الكلمة على أنها "صورة" أي من دون أن نعلمه مكوناتها أي أحرفها نطلب منه قراءتها وتذهب الكلمة الى الدماغ الأيمن لأنه مسؤول عن معرفة الصور بالمقارنة أو بالتذكر ويجد (أي الدماغ الأيمن) أن هذه ليست صورة انما لها مكونات صوتمية يرفضها ويبعث بها الى الدماغ الأيسر المسؤول عن التحليل وحيث أنه (أي الدماغ الأيسر) لا يعرف مكوناتها تقع المشكلة أي مشكلة ايقاع الدماغ في التعثر وعدم امكانيته على القراءة. وحيث أن مهمتنا هي تعليم الطفل القراءة وليس مرافقته الى التعثر في القراءة من هنا تأتي أهمية معرفتنا بكيفة عمل الدماغ أو آلية عمله حتى نتمكن من اختيار الطريقة التي تسهل عمل الدماغ على تعلم القراءة، واختيارها.
 الدكتور Michèle Mazeau عالم نفس وأعصاب يقول: من وجهة نظر الكفايات الدماغية، لا نتعلم القراءة كما نتعلم الكلام، اللغة المكتوبة لا يمكن تعلمها الا بواسطة المبدأ الألفبائي الذي يصل كل شكل بصوت. فمن الضروري أن نعطي المفتاح للطفل منذ بداية التعلم.
 اذا كنا لا نعرف العمليات processus العقلية التي تتيح لنا أن نقرأ، فهذا لا يعني مطلقا عدم وجود هذه العمليات.
 التهجئة و المخزون اللغوي هما اللذان يتيحان للطفل أن يقرأ قراءة واعية.
 اذا أردنا مساعدة الطفل على بناء معرفته فلا خيار لنا الا باعطائه المفاتيح التي تمكن من ذلك: الأحرف والمؤالفة Combinatoire.
ويمكننا أن نستمر في السياق نفسه حتى تتضح الأفكار بشكل أفضل. اليكم ما يقوله العالم التالي: البروفيسور Lucien Israël لم يتردد بالكتابة أن المقاربة الاجمالية globale هي تفسير معكوس بالمطلق. لقد تم البرهان على أن مركز اللغة هو الجزء الأيسر من الدماغ : انه مركز التحليل وتشريح المعطيات.
من هنا فان الطريقة الكلية لا تعلم الطفل القراءة لأنها مخالفة لآلية عمل الدماغ.
 و اليكم هذه التجربة التي قامت بها "اليز تامبل" أجرت IRM f لعشرين طفلا عاديين وعشرين طفلا يعانون من الديسليكسيا قبل وبعد العلاج التعلمي الذي يرتكز على التمييز السمعي وعلى عمل من النمط المقطعي (syllabique ).
بعد العلاج أصبحت أدمغة الأطفال المرضى متقاربة مع أدمغة الأصحاء.
النتيجة:
ان تعلما للقراءة بشكل سيئ يساعد على تثبيت آلية للدماغ من النمط الديسلكسي.

من هنا ما نريد قوله هو التالي:
آن الأوان للانتقال بالتربية من الفرضيات الى الحقائق!!
 علماء النفس يضعون فرضيات عن العلاقة بين انتاج الأفكار وعمل الدماغ. هذه ليست حقائق.
 F. GRICK الحائز على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا قال أنه يمكننا أن نعرف كيف يعمل الدماغ لانتاج الأفكار من خلال IRM f و SCANNER أي الوصول الى حقائق.
 و نضيف الى ما تقدم لقد برهن Noam CHOMSKY وSteven PINKER على الخاصية الفطرية للغة.
 كما وأن Sally SCHAUWITZ برهنت أن المعلومة الناتجة عن عدة صواتم (يكون المقياس الصوتي الدماغي قد حللها) تكون مدموجة في وحدة صوتية واحدة. أي من يقرأ عليه أن يحول الاشارات المكتوبة الى اشارات لغوية، أي تحويل الروسم graphème الى صوتم phonème.
 إن كثيرا من الأخطاء التربوية ذات النتائج الكارثية وُجدت نتيجة الجهل بهذه الحقيقة العصبية التي لا يمكن تجنبها. القارئ الجيد يحتاج الى 20 ملليثانية لتمييز الصوت بينما الآخرون يحتاجون الى 300 ميلليثانية.
 التمييز بين الأصوات لا يتحسن مع العمر، بل مع التعلم بشكل جيد.
 معرفة الرموز المكتوبة هي التي تحدد سرعة الانتقال من كلمة الى أخرى.
 بعد تمييز الدماغ للأشكال الكتابية، تصبح هذه الأشكال مدركات نظرية. إنها رموز كتابية وليست صوراً. لا بد إذن من تحليلها.

 لكن!! كيف يتم تحويل هذه المدركات النظرية الى لغة شفهية؟

في جميع اللغات: القراءة هي أن ينجح القارئ في ربط الرموز الشكلية بعناصر اللغة المحكية التي تمثلها هذه الرموز وأن يعطي معنىً لهذا المجموع من المعطيات الموجودة في الذاكرة ومن ثم تتكامل مع المجموعات الدلالية الأكثر تعقيداً والتي تشكل الكلمة ومن ثم مجموعات الكلام: الجمل والنصوص.
وهكذا يكون المتعلم قد قرأ.
سوف نقوم من دون أدنى شك بعرض مراحل تعلم القراءة من قبل الطفل على من يريد أن يعرف هذه الآلية، أما معلمو ومعلمات الروضات والحلقة الأولى فعليهم معرفة هذه المراحل بشكل مفصل حتى يعلموا مدى الخطورة التي يشكلها الخيار السيء في طريقة التعليم على الطفل ودماغ الطفل.

حسن ملاط
القلمون في 30 تشرين الأول أوكتوبر 2008

الخميس، 16 أكتوبر 2008

اطلالة على الأزمة الراهنة

اطلالة على الأزمة الراهنة

منذ حوالي الف ومايتي سنة وقف هارون الرشيد على شرفة قصره ونظر الى الغيمة التي أبت أن ترسل ما تحمل من خير فوق بغداد، عاصمة ملكه، وقال لها "اذهبي أنى شئت فان خراجك سيعود الي".
وما أشبه اليوم بالبارحة، ولكن مع تغير الشخصيات. فبوش يقف وقفة الأسد فوق فريسته ويتحدث الى العالم بأجمعه (فريسته)، عربه وعجمه، اوروبييه وأفريقييه وجيرانه الأميركيين أيضا، ويقول لهم: سوف أظل أستهلك على هواي وأوهمكم أنني أسدد ثمن ما أستهلكه وسوف تظلون تدفعون بدل استهلاكي موهمين أنفسكم أنكم لا تدفعون ثمن ما أستهلكه. ثم يضيف متحدياً وافعلوا ما شئتم.
يومياً يدبج الكثير من المقالات واصفة هذه الأزمة وامكانية حلها. والملفت للانتباه هو أنني لم أر مقالاً أو دراسةً تقول لنا لماذا اذا تأزمت في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يحصد العالم أجمع ارتدادات الأخطاء الأمريكية. تأزمت في أمريكا فبدأ انخفاض اليورو مقابل الدولار. ومن المعروف أنه عندما تكون أزمة اقتصادية في احدى الدول، يكون انعكاس هذه الأزمة انخفاض قيمة نقدها. أما الدولار فقد تحسن سعر صرفه مقابل اليورو. وعندما بدأ ارتفاع السعر الجنوني للنفط، كان التبرير أنه ناتج عن انخفاض سعر الدولار مقابل اليورو والين و... فما بال البترول ذاهب الآن، الى الانخفاض بوتيرة أسرع من وتيرة ارتفاعه عندما كان سعر الدولار منخفضا؟ هل بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي. وبذلك يكون الجواب نفسه: اذا ارتفع سعر البترول أو انخفض سعر البترول يكون بسبب ضعف الدولار. أنا لا أتحدث للتسلية انما أنقل ما يكتبه "الخبراء".
طالعتنا وسائل الاعلام اليوم بالنبأ التالي: انخفاض كبير في البورصات الأسيوية (المقصود اليابان والصين وتايوان وهونغ كونغ والهند...) وانخفاض في سعر البورصات في أوروبا والدول الخليجية وذلك ناتج عن انهيار البورصة في وول ستريت في نيويورك. تغيم في أمريكا وتمطر في كل القارات! ألا يعني هذا بصيغة أخرى أن هنا سوقاً واحدةً لها استقلالية وجميع الأسواق الأخرى تابعة؟ من الأكيد أن ديغول سعيد في قبره حيث أنه لا يرى أن جميع جهوده التي قام بها من أجل ايجاد أوروبا مستقلة عن التبعية لأمريكا قد باءت في الفشل. على الصعيد العسكري وعقب الحرب الأمريكية على صربيا أعلن وزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي أن آلتهم العسكرية متخلفة أي أنها غير مهيئة لخوض حرب والانتصار. أما على الصعيد الاقتصادي فما علينا الا أن نتفرج على انهيار جميع الاقتصاديات في العالم بسبب تبعيتها للاقتصاد الأمريكي. اذن في هذا العالم يوجد دولة واحدة مستقلة هي الولايات المتحدة الأمريكية.
العالم أجمع يعلم أن حجم الانتاج الأمريكي يساوي حوالي خمسة عشر تريليون دولار. و العالم أجمع يعلم أن الكتلة النقدية التي يتعامل فيها الأمريكان في بلادهم هي عشرين ضعف حجم انتاجهم القومي، رغم الاحتيال في حسابهم لحجم الانتاج القومي كما قال أحد الخبراء الآقتصاديين. أي هناك 285 تريليون دولارا ورقيا من غير قيمةً. لماذا السكوت عن هذا الأمر الذي يهم العالم بأجمعه؟ هناك أجوبة مباشرة. منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – لأن مصالح الطبقات المسيطرة على صعيد العالم الرأسمالي واحدة.
2 – لأن الاقتصادات في الدول الأخرى تابعة للاقتصاد الأمريكي.
3 – لأن الانهيار في الاقتصاد الأمريكي سوف يؤدي حتماً الى انهيار الاقتصاديات الأخرى...
ولكن الأنكى من جميع ما تقدم هو عندما ترى توصيفاً للأزمة من خبراء تابعين للدول المنتجة للنفط. يتحدثون وكأنهم محقون بتبعيتهم لأمريكا. انهم يقدمون الطاقة للأمريكان ويأخذون بدل هذه الطاقة أرقاماً وهمية لاقيمة لها. وأضف الى ذلك أنهم حتى هذه الأرقام الوهمية قد خسروها. نتعامل مع أمريكا باقتصاد حقيقي وتتعامل معنا باقتصاد وهمي ونقبل بذلك. هل يعقل ذلك؟ وكيف يمكن تفسيره الا بالتيعية المطلقة. أي التخلي عن مصالح أمتنا واعطائها لأمريكا من غير بدل الا حماية العروش المنهارة.
نصل الى السؤال التقليدي، هل من خروج من هذه الأزمة؟ هناك الكثير ممن تحدث أن هذه الأزمة بنيوية ولا يمكن للنظام الرأسمالي الخروج منها، علماً أن أزمة 1929 كانت أكبر منها بكثير فقد كان هناك كساد امتد لأكثر من أربع سنوات. ولما يصل الاقتصاد الأمريكي الى الكساد في أزمته الراهنة. لا تزال الأزمة مالية ولم تتحول بعد الى أزمة اقتصادية. وعلينا أن نضيف بأن العالم بأجمعه يتكاتف للدفاع عن استغلال الأمريكي له، وكلنا يرى مئات المليارات التي ضخت من أجل حماية استمتاع الأمريكي بخيرات العالم من غير مقابل. أي يمكننا القول أن النظام المعولم سوف يتمكن من تجاوز هذه الأزمة وبصعوبة كبيرة لأنه لا وجود لقوى حية منظمة يمكنها من أن تكون بديلا لهذا النظام الظالم. وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فلا بديل لهذا النظام الا هذا النظام ويا للأسف!
قبل أن أختم أود أن أشير الى أن السبب الحقيقي لهذه الأزمة هو أن الأمريكي أراد أن يعطي قيمة لما ليس له قيمة حقيقية، فأبت الطبيعة ذلك. 285 تريليون دولار من غير تغطية أي من غير قيمة حقيقية يتعامل فيها الأمريكي يعطيها للناس بدل قوة عملهم، يكتشفون أنها من غير قيمة. ألم نقل في بداية المقالة أننا نوهم أنفسنا بأن الأمريكي يدفع ثمن استهلاكه. التوازن الحقيقي يحصل عندما تصبح الكتلة النقدية في العالم موازية لقيمتها الحقيقية من الانتاج. أما التغيير فلا يتم تلقائيا، انما هو بحاجة الى قوى حية.
حسن ملاط

الخميس، 2 أكتوبر 2008

تعليم القراءة للبتدئين

حول تعلم القراءة للمبتدئين

مارست التعليم أكثر من ثلاثة عقود ولكن لم أوفق مرة في الدخول الى الصفوف الصغيرة. كنت أعاني مع تلاميذي ضعفهم اللغوي. كنت أعتقد أنه ناتج عن أن اللغة التي أستخدمها هي اللغة الأجنبية. وأنا على يقين الآن أنني كنت مخطئاً في تقديري. فالضعف في اللغة ينسحب على اللغة الأم وعلى اللغة الأجنبية في نفس الآن. هذا الاستنتاج لم أتمكن من الوصول اليه الا بعد أن مارست الاشراف التربوي. وكان الاشراف من الروضات حتى الصفوف العليا. الضعف في اللغة مرض تعاني منه المدرسة في أي مكان. وهذا هو العامل الذي جعلني أعتبر التفتيش عن ضعف اللغة هو الهم الأساسي بالنسبة لي. لقد تمكنت بتوفيق من الله عز وجل الى اليقين بأن الضعف في اللغة يعود الى الطريقة المتبعة في تعليمها. وهذه الدراسة هي مساهمة في ايضاح ما توصلت اليه.

من المعروف أن الطريقة المتبعة في تعليم القراءة للمبتدئين في بلادنا العربية هي الطريقة المختلطة ( اجمالية – تركيبية) ولكنها تبدأ على أنها مجملة. أعني بأنها لا تبدأ بتعليم الصوتم- الروسم، انما تبدأ من الجملة أو الكلمة أو الصورة. وجميع هذه البدايات متشابهة على صعيد تصرف الدماغ معها.
لقد تمكن العلم الحديث نتيجة الثورة التقنية التي لا مثيل لها، تمكن من تصوير دماغ الانسان وهو يتعلم القراءة. فبواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي تمكن هؤلاء العلماء من معرفة المناطق الدماغية التي تتأثر بتعلم كل نوع من أنواع التعلم. مثال ذلك أن الانسان عندما يتعرف على صورة ما فالمنطقة الدماغية التي تنشط هي المنطقة الدماغية اليمنى، أما المنطقة الدماغية اليسرى فلا يعنيها هذا الموضوع.
نطرح السؤال: وما يعنينا هذا الموضوع نحن الذين نتحدث عن تعلم القراءة؟
التعليم بالطريقة المجملة، أي البدء بتعلم الكلمة، يعني أن المتعلم يعتبر هذه الكلمة وكأنها صورة لأنه لا يعرف الأحرف التي تتألف منها هذه الكلمة، فهو يتعرف عليها كما يتعرف على صورة الجمل مثلاً، أو صورة قلعة... ولكن القدرة الالهية التي قدرت كل شيء تجعل الدماغ يتصرف بطريقة مختلفة عما نريد نحن. يأخذ الدماغ الكلمة الى المنطقة الدماغية اليمنى لمعالجتها على أنها صورة ولكنه لا يتقبلها لأنها مؤلفة من مكونات، من أحرف. فيحولها الى المنطقة الدماغية اليسرى المولجة بالتحليل، فان كانت تعرف مكونات الكلمة ( الأحرف) يتمكن المتعلم من قراءتها. أما اذا لم يكن يعرف مكوناتها فيبدأ ببث الاحتمالات نتيجة ما يتذكر من أشكال مشابهة للشكل (الكلمة) الموجود أمامه. وربما يصل الى قراءة الكلمة.
ما تقدم ليس قصصاً من الخيال العلمي، انما هي حقائق علمية، سوف أنقل صورها في مرة قادمة ان شاء المولى عز وجل. والجدير ذكره في هذا المقام أن جل الذين قاموا بهذه التجارب هم من الحائزين على جائزة نوبل. ومنهم أيضاً من هو حائز على الكثير من الجوائز العالمية.
المهم في هذا المجال أن نصل الى الاستنتاج التالي: ان الطريقة الصحيحة لتعليم القراءة للمبتدئين هي الطريقة التي تسهل عمل الدماغ وليست الطريقة التي تتعارض مع آلية عمله.
ما تقدم هو العامل الأهم في اختيارنا للطريقة المثلى في تعليم المبتدئين للقراءة. هناك عوامل أخرى واليكموها:
1 – الفشل في تعلم القراءة يعود بالدرجة الأولى للمتعلم.
2 – المقاربة البيداغوجية تؤثر على تقبل المتعلم للتعلم.
3 – على الطريقة التربوية أن تأخذ بكثير من الاعتبار عملية النضج السيكولوجي للطفل.
4 – تعلم القراءة يفرض أن يكون الطفل ناضجاً بشكل أو بآخر.

ما هي التبدلات التي يجب أن تتدخل في بناء شخصية الطفل حتى يتمن من تعلم القراءة في الصف الأول؟
* يرتبط الطفل بعلاقة ثنائية مميزة مع أمه. ففي مخيلة الطفل أنه هو وأمه شيء واحد، مندمجان. الاختلاف طفيف. هنا يأتي دور الأب (أعني ضرورة تكريس الاختلاف).
* تطور علاقة الطفل مع أمه ارتقائياً باتجاه التميز: وهذا ما يسمى النضج. وهو العامل الحاسم في تعلم الطفل الكلام وبالتالي تعلم القراءة.
* حتى يقرأ الطفل عليه أن يكبر.
حتى يكبر، على الطفل أن يقبل عدداً من الحقائق و التي تُعتبر الباعث الى البؤس لدى الطفل.

الحقائق التي لا بد منها لتعلم الطفل القراءة:
1 – المسافة الرمزية:
لا بد من وجود مسافة رمزية بين الطفل وأمه حتى يتمكن من أن ينبني. الروضة هي مرحلة أولى لايجاد هذه المسافة. الروضة قريبة من الأم ولكن الصف الأول بعيد نسبيا.
2 – الفرق:
حتى يكبر، على الطفل أن يقبل التباين بينه وبين أمه. ليسا متشابهين (الطفل وأمه).
- هذا التباين يسبب القلق للطفل، فالمعلوم يوحي بالأمان أما المجهول فلا. بعده عن أمه يشعره بعدم الأمان.
- ما من أحد يعرف كل شيء، ما من أحد الا وينقصه أشياء. من هنا يريد الطفل أن يظل ملتصقاً بأمه.
- القبول بالتباين هو الطريق الأول لصياغة الطفل لنفسه: فرق بين الداخل والخارج، بينه وبين الآخر، بين الحقيقي والمتوهم، بين الفتى والفتاة، بين الشرعي والغير شرعي... بين الألف والباء!
3 – الموضع الرمزي للآخر:
- حتى يكبر على الطفل التخلي عن العلاقة بين اثنين فقط (هو وأمه) و القبول بالعلاقة الرمزية مع ثالث.
- للأم دور حاسم في هذا الأمر من حيث تشجيع الطفل على الانفتاح على الآخر. والا فمن الصعب جداً أن يقبل الطفل بالمدرسة.
- يكون الأب هو أول ثالث، أول آخر... وبذلك تفتح الطريق على الآخرين: المدرسة ...... القراءة!
- الآخر يتيح الانفتاح على النظام الرمزي الذي يؤسس الحدود والقواعد (النسق). الرمزية هي التي تؤسس العلاقات.
- الرمزية تساعد الطفل على الانتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الثقافية.
4 – العدول عن سيطرة التخيلي:
- كل منا بحاجة الى جانب خيالي أو تخيلي. ولكن عل الطفل التخلي عن هيمنة الجانب التخيلي.
- وجود الآخر يساعد الطفل على عدم الاستغراق في التخيل.
- التخيلي مثل قصص الجنيات التي تحقق الرغبات بلمسة عصا.
- الواقع مختلف: تحقيق الرغبة لا يكون مباشرة انما هو بحاجة الى عمل الى نشاط. يوجد فرح ويوجد حزن، هناك معارضة وأشياء يصعب قبولها من الطفل...

ليس هذا فحسب بل هناك الكثير في هذا الموضوع. ولكن نكتفي بهذا القدر الذي وضح موضوع الدراسات المعمقة في هذا الموضوع للوصول الى الطريقة المثلى المقبولة لتعلم القراءة للمبتدئين.
والجدير ذكره أن البرنامج التدريبي للقراءة قد راعى جميع الجوانب العلمية وأعطى نتائج باهرة في التطبيق العملي.

حسن ملاط

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

فوز حماس في الانتخابات

الاتفاق الفلسطيني
أبو أيمن

بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، كتبنا تعليقا حول هذا الفوز، وقلنا يومها أن الشعب الفلسطيني بانتخابه لحماس إنما كان يؤيد خيار المقاومة. حيث أن الفصيل الوحيد المؤيد لاستمرار المقاومة الذي شارك في الانتخابات هو حماس. فمنظمة الجهاد الاسلامي عزفت عن المشاركة. (وليت أن حماس قد فعلت الشيء نفسه). وهكذا كان فوز حماس الذي فاجأ الجميع، بداية لطريق لا يعرف قادته كيفية التعامل معه. وقد أثبتت الأحداث صحة هذا الكلام.

وقلنا يومها أنه اذا كانت حماس جادة في شعاراتها من حيث الاستمرار في المقاومة وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وعدم التفاوض معه، فما عليها الا أن تعزف عن تشكيل الحكومة الفلسطيسنية وتترك أمر السلطة لأهلها الذين تفاوضوا مع العدو وعقدوا الاتفاقات معه. وما عليها إلا أن تراقب عمل السلطة وتصححه حيث يمكنها ذلك وترفضه حيث يجب رفضه. وتصلب علاقتها مع شعبها وجمهورها حتى تتمكن من قيادة الشعب في صراعه الطويل مع العدو الصهيوني ودحره وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تراب الوطن.

وقلنا يومها أنه اذا كانت حماس مصرة على المشاركة في الحكم، حيث أنه لم يخطر في بالنا أنها ستتفرد بالحكم، فما عليها الا أن تبتعد عن كل الوزارات ذات الطابع السياسي حتى لا تضطر للتخلي عن شعاراتها بعدم التعامل مع الكيان الغاصب. أما الوزارات الخدماتية فلا تضطر الوزراء "الحماسيين" الى الحديث السياسي مع نظرائهم الصهاينة اذ أن الاسرائيليين كمحتلين عليهم واجب القيام بهذه الخدمات حسب شرعة الأمم المتحدة. وهذا النمط من التعامل ليس له أي طابع سياسي.

وقلنا يومها أنه اذا لم يرغبوا القبول بهذا الطرح، فيمكن رفع شعار حق المواطنة كشعار سياسي فيه هجوم سلمي على دولة الكيان الغاصب (كما قال الدكتور الداعية فتحي يكن في مقابلة صحافية تعليقا على فوز حماس والخيارات التي تملكها). أي أن لكل مواطن فلسطيني حق الحصول على الاقامة في فلسطين أي عودة جميع الفلسطينيين الى أرضهم وعندها، فليختاروا النظام الذي يريدون. المهم أن يعودوا، لا أن يتركوا ذلك الجدار الذي يقطع أوصال أرضهم وعوائلهم.

ولكن ما حصل هو أن حماس قد شكلت الحكومة التي رفضها المجتمع الدولي المؤيد للكيان الصهيوني العنصري الغاصب. وقد مُنعت عن الفلسطينيين جميع أنواع المساعدات، بخطوة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. شعب بكامله يعرض للتجويع لأنه اختار ممثليه في السلطة، اختيار تم على النحو الذي تريده الادارة الأمريكية. ولكن الخطأ الذي وقع فيه هذا الشعب أنه لم يختر من تريده أمريكا وإسرائيل. وقد صمد هذا الشعب مع حكومته وقدم الكثير من التضحيات حتى يصون حكومته من الانزلاق إلى الخضوع لمشيئة الصهاينة والأمريكان. ولكن حيث أن اللعبة الداخلية الفلسطينية كان يلعبها من هم مارسوها سنوات عدة أدت في النهاية الى تحويل المعركة من صراع ضد الصهاينة الى صراع داخلي لم تكن حماس لتربح فيه لأنه يتناقض مع كل الشعارات التي أسست لوجودها في الساحة الفلسطينية من خلالها.

وهكذا بدا أنه لا جدوى من الاستمرار في هذه الدوامة التي لن تؤدي الا الى التقاتل الداخلي خدمة للعدو الصهيوني حتى وإن كان عن غير قصد من أحد. لماذا الصمود إذن؟ لتستمر حماس في السلطة؟ وما الفائدة التي يجنيها الشعب الفلسطيني من استمرارها في السلطة؟ أسئلة عديدة لا جواب لها، لأنه لا ضرورة للتفتيش عن اجابة لها.

وتراجع التناقض مع العدو الصهيوني لصالح الصراع الداخلي ما بين فتح وحماس. صراع من أجل سلطة محكومة في حدها الأدنى والأعلى من الكيان الصهيوني أي من العدو.
وحصد الصراع العشرات من الضحايا، من الشهداء، من الأطفال والمقاتلين المجاهدين. والجميع يعلم أن هذا الصراع محكوم بضرورة الاتفاق. فلماذا الاستمرار في هذه اللعبة الشيطانية؟

المهم أن القتال سوف يتوقف. وعلى كل طرف من أطراف القتال أن يعيد تقويم التجربة التي خاضها في التقاتل الداخلي، والمعني بهذا الكلام في الدرجة الأولى حماس. فالاتفاق بينها وبين فتح ينص على أن الوزارات التي ستتسلمها حماس ليست وزارات ذات طابع سيادي (أين السيادة؟!)، أي أنها وزارات خدماتية. عشرات الضحايا من أجل العودة الى هذا الخيار؟
وأخيرا لا بد لفتح وحماس على السواء أن يطلبوا الصفح من شعبهم لأنهما أدخلوه في متاهة لا مصلحة له فيها. لقد كانت التضحيات التي قدمها من أجل الوصول الى تقاسم للسلطة. وأي سلطة؟!

إن إكسير العمل السياسي هو النقد والنقد الذاتي. أللهم اذا كنا نريد مصلحة شعبنا وقضيته ومصلحة الأمة جمعاء.

حسن ملاط
العرب والعولمة آذار - مارس 2007

حول قانون الانتخاب اللبناني

رأي في قانون الانتخاب اللبناني

حسن ملاط
مؤسسة "آراء" الثقافية – طرابلس


حسنا فعل معالي وزير الداخلية عندما طلب إلى الأحزاب والجمعيات والشخصيات إيداعه اقتراحاتهم في قانون انتخابي جديد. ولكن الأفضل هو طرح هذه الآراء على الناس، أصحاب المصلحة في التغيير، وإقامة حوارات جدية حول التعديلات المزمع القيام بها.

وحيث أن مجمل المقترحات التي طرحت كانت مفصلة على قياس من اقترحها أو من يمثل، لذلك وجدنا من المفيد إيراد رأينا عبر وسائل الإعلام حتى تحقق الغاية من طرحها. علما أننا على استعداد تام للدفاع عن وجهة نظرنا في التعديلات إذا أخذت طريقها للنقاش الجدي.

هذه خطوط عامة لقانون انتخابي نعتقد بأنه يساهم في إزالة الإجحاف اللاحق بكثير من الفئات اللبنانية نتيجة القانون القائم اليوم.
- يتم انتخاب المجلس الجديد بطريقتين مختلفتين.
أ‌- على صعيد القضاء كدائرة انتخابية.
ب‌- على صعيد لبنان كدائرة انتخابية.

على صعيد القضاء
1- يكون الترشيح إفراديا طائفيا و مذهبيا. إذ يجب تحديد عدد مقاعد كل قضاء والتوزيع الطائفي والمذهبي.
2- المرشح في القضاء لا يحق له الترشح على صعيد لبنان.
3- يكون عدد المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

على صعيد لبنان
1- الترشيح على صعيد لبنان يكون من خلال حزب أو جمعية ولا يكون فرديا. ولا يحق لهذا المرشح الترشح في القضاء.
2- على كل جمعية أو حزب يريد تقديم لائحة انتخابية أن يجمع عددا من التواقيع يساوي خمسة بالمئة من عدد الناخبين اللبنانيين.
3- يجب أن تكون اللائحة مرقمة حسب الأولوية.
4- يراعى التوزيع الطائفي في اللوائح الحزبية من حيث الاختلاط ومن حيث الأولوية. أي إذا كان الرقم واحد مسلما يكون الرقم الذي يليه مسيحيا وهكذا.
5- لا تقبل أي لائحة لا تراعي الاختلاط الطائفي.
6- يحق للحزب أو الجمعية تقديم لائحة مكتملة أو غير مكتملة.

أحكام أخرى
1- يصبح سن الانتخاب 18سنة.
2- يحق للناخب أن يصوت لمرشح واحد ولائحة واحدة.
3- ينتخب نصف المجلس على صعيد الأقضية والنصف الآخر على صعيد لبنان.
4- الأقضية تبقى كما كانت عليه تاريخيا.
5- لا يدخل المجلس الحزب أو الجمعية التي لا تجمع خمسة بالمئة من عدد المقترعين.
6- ينجح المرشح الذي يجمع العدد الأكبر من الأصوات في القضاء.
7- النجاح على صعيد لبنان يكون نسبيا. أي كل لائحة يكون لها عدد من النواب يساوي نسبة الأصوات التي حصلت عليها.
8- يحدد سقف للإنفاق الانتخابي سواء على صعيد القضاء أو لبنان.
9- يصبح بدل الترشيح للانتخابات النيابية مثلها مثل الانتخابات البلدية.
10- يمكن إجراء الانتخابات في جميع الأراضي اللبنانية في نفس اليوم.

ولا بد من الإشارة إلى أن اللبناني يتحول، وفقا لهذه التعديلات، من رقم أو صوت يشترى ويباع أو يجير، إلى مواطن يقترع لمرشح ملتصق به على صعيد القضاء و ممثل لخطه السياسي على صعيد الوطن.

أهمية هذه التعديلات
1- المحافظة على النسيج الطائفي.
2- يخطو خطى حقيقية في اتجاه القضاء على الطائفية.
3- يقضي على المحادل والبوسطات.
4- يجعل المرشح ملتصقا بالناخب وبشكل عضوي.
5- التمثيل يكون صحيحا وفعليا.
6- يخط الاتجاه نحو انتخابات نسبية في المستقبل عندما يصبح الجو ملائما.
7- يعطي الحرية للناخب بالانتخاب طائفيا ووطنيا.
8- لا يجبر المواطن على التخلي عن معتقداته وأفكاره.
9- يقلل الارتهان السياسي إن لم نقل أنه يقضي عليه.
10- تصبح العملية الانتخابية معقدة جدا بالنسبة للسياسيين التقليديين أرباب المحادل، بحيث تمنع إمكانية تجيير الأصوات.

حسن ملاط
مؤسسة "آراء" الثقافية – طرابلس
كانون الثاني - يناير 2005 - العرب و العولمة

الانتماء والتموضع

الانتماء والتموضع
سبتمبر 24th, 2008

حسن ملاط ـ لبنان

هناك الكثير من الظواهر التي تحصل في مجتمعاتنا تُفسر بطريقة تبسيطية تفقد الظاهرة معها معناها ومدلولها الحقيقي. من هذه الظواهر الاختلافات والانقسامات في التنظيمات التي تنتمي الى نفس الاتجاه الفكري والتنظيمي أحيانا. ومن هذه الظواهر أيضاً الاعلان عن مواقف سياسية لا تنسجم مع الموقع الفكري والسياسي وحتى التنظيمي لمن أعلن عن هذا الموقف. أما التفسيرات التي تعودنا على اعطائها فهي اما العمالة أو الخيانة أو التراجع …. ومن الممكن أو لنقل من الأكيد أحياناً أن هذه التفسيرات تفتقر الى المصداقية، انما يكون الموقف المتخذ ينسجم كل الانسجام مع انتماء الشخص أو الفريق وتموضعه. وهذا ما جعلني ألجأ الى هذين المفهومين: الانتماء والتموضع، حيث أنني رأيت أنهما يعبران وبصدق عن الظواهر التي نتحدث عنها. مضافاً الى ذلك أنهما ليسا مفهومين أخلاقيين انما يمكننا القول أنهما ينتميان الى ما يسمى بعلم الاجتماع السياسي، وهذا ما نحن بحاجة اليه.
الانتماء في اللغة هو الارتقاء على ما جاء في “لسان العرب” لابن منظور، وأضاف “المعجم الوسيط” لمجمع اللغة العربية في القاهرة أن الانتماء هو الى جانب الارتفاع الانتساب ، وهو المعنى الذي يناسبنا في هذا المقام.
والانتماء درجات أو أنواع. فهناك انتماء عاطفي وانتماء عصبي وانتماء سياسي وانتماء فكري وانتماء ديني… أما نحن فسوف نتحدث عن الانتماء البراني والانتماء الجواني، وسوف نترك التحدث عن الانواع الأخرى لتأصيل أكثر لهذه المفاهيم يمكن لأي مهتم القيام به.
فالانتماء بالنسبة للانسان العربي أو المسلم عو انتماء “براني”. فهو لا يفعل فعله في هذا الانسان. ولو أنه كذلك لأصبحت حركاته وسكناته تنطلق من فعل انتمائه. ودليلنا على ذلك واضح وضوح الشمس اذا ما أخذنا مثالا عليه ممارسة الأحزاب القومية أو الحركات القومية منها والاسلامية. فحزب البعث كان يسيطر على الحكم في سوريا والعراق وأعدى كيانان لبعضهما البعض كانا سوريا والعراق. واذا أخذنا بعين الاعتبار بأنهما ينطلقان من نفس المنطلقات العقائدية ويطرحان نفس الشعارات القومية فلا نجد امكانية للخلاف بينهما. فكيف لتا أن نفسر هذا الخلاف؟ نقول بأن الانتماء ليس حقيقيا. هذا اذا لم نعرج على الانقسامات بين الحركات التي تطرح نفس الشعارات ولها نفس المنطلقات. حركة القوميين العرب التي انقسمت أكثر من مرة على نفسها ؛ وأنتجت على المستوى الفلسطيني الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية والقيادة العامة. ولا يمكن تفسير ذلك الا بما رحنا الى تسميته الانتماء البراني. أما التفسيرات الايديولوجية التي استخدمتها الأطراف المختلفة تبريرا لانقساماتها فلا تساوي، حسب اعتقادي ثمن الورق الذي صرف لتأكيد هذه التبريرات.
نأتي على الجبهة الاسلامية، وعلينا أن نتنبه هنا الى أن الكلام يتناول الاعتقادات ذات الطابع السياسي والالتزام على صعيد السياسة العملية وليس على صعيد طاعة الله عز وجل من وجهة نظر عقائدية أو ايمانية، “فانما الأعمال بالنيات، وانما لكل امرىء ما نوى….”. نقول بأن هناك العديد من الحركات الاسلامية التي تنطلق من نفس المنطلقات وتعود فقهيا الى نفس العلماء ومع ذلك نراهم على صعيد الممارسة السياسية أو الدعوية مختلفين أو متعادين ، ولا نرتكب معصية ان قلنا متحاربين. الام يعود هذا؟ لا يمكن تفسير ذلك الا بأن الالتزام لم يفعل فعله بعد في النفوس حتى يتمكن هؤلاء من ممارسة عقيدتهم بالشكل الذي يحقق أهدافهم ويقربهم الى الله عز وعلا أكثر؛ وهذا نتيجة لما أسميته الانتماء البراني . فالانتماء الحقيقي يجعل امكانية التناقض في الوحدة ممكنة أو متيسرة. فالتناقض على ما نعلم، يمكن أن يختلف كميا ونوعيا . فتناقضنا مع اسرائيل هو تناقض عدائي لا يمكن حله الا بازالة أحد طرفي التناقض أو بتغيير فعلي للصفة المميزة لأحد طرفي هذا التناقض. فهذا النوع من التناقض هو تناقض نوعي. أما التناقض بين الحركات الاسلامية فهو تناقض من نوع آخر، لنسمه كميا، وحله لا يكمن بازالة أحد طرفي التناقض كما في حالة اسرائيل والأمة الاسلامية، انما يتم بالتفاهم فيما بين هذه الحركات على حل التناقض فيما بينها ، حبيا، أي بالتفاهم وايجاد نقاط اتفاق يمكن العمل عليها وتكبير مساحة العلاقة المشتركة والعمل المشترك؛ وذلك يساهم مساهمة فعالة في القضاء على مثل هذا التناقض. أما في حال عدم التمكن من ايجاد الوحدة ضمن التناقض ، فانما يدل ذلك على ما قلناه آنفا : أعني ضعف الانتماء الجواني، الذي يمكن أن يفعل فعله في تغيير النفوس وبالتالي ترشيد الممارسة الايمانية. لن أطيل في هذا المجال ، انما سوف أضرب مثلا واحدا يليق بهذا المقام (الانتماء الحقيقي الجواني). ورد في السيرة المشرفة أن أبا سفيان بن حرب وأبا سفيان بن الحارث قد أشهرا اسلامهما في نفس اليوم، عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة يريد أن يفتحها. وبعد فتح مكة بعدة أيام كانت غزوة حنين، حيث مني المسلمون بهزيمة في بدايتها. وقد صمد مع النبي عليه السلام قلة من المسلمين ومن بينهم أبو سفيان بن الحارث، بينما كان زميله أبو سفيان الآخر يدعو على النبي ويتمنى له الهزيمة. هكذا ورد في السيرة. نقول أن انتماء أحدهما كان برانيا وشكليا بينما انتماء الآخر كان جوانيا . أو كما قال تبارك وتعالى “انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون “.
أما بالنسبة لمسألة الموضعة أو التموضع، فهو أخذ المكان أو الموقف أو الموقع أو الوضع الذي ينسجم مع انتمائه، وهذا الأخذ أو الاختيار يكون عن سابق تصور وتصميم تبعاً للغة القانونية، أي اختيار عن ارادة. والتموضع من هذه الوجهة النظر يكتسب أهمية كبيرة وخاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار، وعلينا أخذه، الالتفاتة القرآنية لهذا الموضوع. يقول رب العزة:” واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين”. ويقول تبارك وتعالى في مكان آخر”واذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين“.
ما تقدم يوحي، ان لم يكن يعني بأن هناك علاقة ما بين الشكل والمضمون وليس من الممكن تجاهلها. من هنا فالتموضع أو الموضعة تشير أو تعبر أوتوضح الانتماء، لذلك طلب الله تبارك وتعالى منا عدم الجلوس مع الذين لا يشابهونا من حيث الانتماء. أو دعوني أقول أمرنا بعدم التموضع مع هؤلاء…
لعل المثال التالي يوضح عملية التموضع أو الموضعة على الصعيد السياسي: (كيف اختار أتاتورك أن تكون موضعته غربية الهوى والممارسة مما دفعه للتخلي عن عثمانية الدولة التركية). وفي المناسبة فالموضعة كما جاء في المعجم الوسيط من تأليف مجمع اللغة العربية في مصر، ما يلي: الموضعة اسم لمكان؛ ونقول في قلبي موضعة لفلان أي محبة.
أقام مصطفى كمال الملقب “أتاتورك” الجمهورية التركية. وكان لابد له أن يعطي هذه الجمهورية الوليدة صفات تميزها عن الدولة التي أقيمت على أنقاضها (الدولة العثمانية). راح يفتش عن هوية جديدة غير هويتها الاسلامية. ودعا الى التتريك. هذه الخطوة كانت قفزة كبيرة قام بها الحاكم الجديد، ولكنها لم تكن مدروسة ما يكفي. فالتتريك كان الخطوة الأولى لانبثاق مشاكل كثيرة لم يُقم لها مصطفى كمال حسابا. فالأكراد الذين قبلوا بالانضواء تحت راية الدولة العثمانية، قد قبلوا ذلك انطلاقا من أنها دولة اسلامية وليست دولة قومية تركية. وهذا هو العامل الأساس والحاسم الذي جعل تركيا لا تعاني من هذه المشكلات ابان عثمانيتها. المهم أن أتاتورك أخذ قرارا حاسما بالتوجه غربا. ونفذ ما وعد به. غير الحرف التركي من العربي الى اللاتيني، وخفف علاقاته مع جيرانه المسلمين ما أمكنه ذلك . وكان لما قام به انعكاسات سلبية في الجوار العربي. علما أنه لا يمكننا انكار انبثاق طبقة بورجوازية وطنية (أي من الأتراك) ساهمت في بناء اقتصاد تركي. ولكن القضايا الخلافية التي أثارها انتقال أتاتورك الى الغرب على البنية الداخلية التركية على الصعيد الايديولوجي كانت كبيرة، وكذلك الأمور التي ظهرت ولم يكن لها وجود سابقا، منها قضية لواء الاسكندرون بين سوريا وتركيا، قضية اقتسام مياه دجلة والفرات والعاصي ما بين تركيا ، سوريا والعراق وجزئيا لبنان، القضية الكردية التي تتوزعها تركيا، العراق، سوريا وايران….
كما وأنه أثار قضية ذات طابع أوروبي أيضا هي العلمانية. وهذه قضية ليس لها مكان في عالمنا اذ أنه ليس عندنا كنيسة تتدخل في السياسة وليس “لرجال الدين” أن يحكموا. حيث أنه لم يمر في تاريخ الدول الاسلامية أن حكم الفقهاء أو من يسمون برجال الدين، علماً أن الشريعة لا تفرض وجود طبقة رجال دين كما في الدين المسيحي. ومع أنها ليست قضية فعلية، ولكن التركيز عليها من قبل أتاتورك قد زاد الطين بلة بالنسبة للقضايا التي أشرنا اليها سابقا، وجعلها قضية فعلية. فالجيش التركي اضطر للقيام بعدة انقلابات للحفاظ على ما يسميه علمانية الدولة التركية. علماً أن ما يقوم به لا ينسجم مع ما يسمى مبادىء العلمانية. فالتعدي على الحرية الفردية لا ينسجم مع العلمانية، رغم ذلك نرى الدولة الأتاتوركية تمنع الدراسة على الأنثى التي تختار الحجاب، ويطرد من الجيش كل من يمارس معتقداته الدينية، اذا كانت اسلامية.
ان ما قام به أتاتورك يدخل ضمن نطاق ما أسميته” الموضعة والانتماء”. فأتاتورك هذا كان خياره الغرب “الموضعة” مع الغرب وصارت نظرته، وخلفاؤه، نظرة غربية. لذلك لم يجد الحكام الأتراك غضاضة في الاعتراف باسرائيل. علما أنها قامت على أرض اسلامية، كل مسلم مأمور بالدفاع عنها والجهاد من أجل الدفاع عن حياضها. وكانت تركيا “المنتمية” و”المموضعة” مع الغرب الكيان المسلم الوحيد الذي اعترف باسرائيل؛ الى أن قررت بعض الدول “الاسلامية” الالتحاق بالغرب واعترفت باسرائيل أيضا مثال مصر والأردن وما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية.

أدرج في المنظور الحضاري |
موقع مالك بن نبي
www.binnabi.net

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

التحاق اوروبا بامريكا

أسباب التحاق أوروبا القديمة في ركب أمريكا

حسن ملاط

سوف يجتمع الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي بالرئيس الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة تسودها الحميمية ، و ذلك لعظم اعجاب الرئيس الفرنسي برئيس الولايات المتحدة و بسياساته الخلاقة. و لا أعلم ان كان سيقدم له فروض الطاعة تكفيرا عن ذنب سلفه ، جاك شيراك، الذي لم يرض أن يسانده في حربه على الشعب العراقي.

و للمصادفة ، ربما ، تأتي هذه الزيارة عشية الاحتفال التقليدي بذكرى انتصار الثورة البلشقية الروسية على الرأسمالية في بلدها . و هي الثورة الشيوعية الأولى في التاريخ الحديث. و نقولها فقط للذكرى لأن الرأسمالية تمكنت من الانتصار مجددا على هذه الثورة و عات الرأسمالية الى روسيا، و ان كانت بشكل مختلف عن نظيراتها في الدول الغربية.

و للمصادفة أيضا فقد ذكرني وجود الرئيس الفرنسي الذي جاء يساند الطاغوت الأكبر بكاتب الخرافات الفرنسي المشهور "لافونتين" و بخرافته الشهيرة " الذبابة و العربة" ( La mouche et la charrue ). و هذه الخرافة تتحدث عن تعثر العربة عندما كان يجرها ثوران عظيمان ، و قد لاحظت الذبابة ذلك و جاءت لتساند هذين الثورين فراحت تقرص الأول و تقرص الآخر و تتفرج ثانية على نتاج جهودها الجبارة في مساعدة هذه الحيوانات. اذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية و آلتها العسكرية التي لم يشهد التاريخ مثالا لها لم تتمكن من الانتصار على الشعب العراقي و مقاومته البطلة، و ان كان هذا الطاغوت لم يتمكن من الانتصار على الشعب الأفغاني و مقاومته المظفرة، و الذي يملك من القوة ما يمكنه من تدمير الكرة الأرضية عدة مرات ، فأين سيجد الرئيس الفرنسي له مكانا في هذه المعمعة ؟ و للذكرى نقول أنه بعد حرب أمريكا و حليفها الاتحاد الأوروبي على يوغوسلافيا السابقة (صربيا) و بعد الانتصار، اجتمع وزراء الحرب في الاتحاد الأوروبي و درسوا الحرب و نتائجها و توصلوا الى النتيجة التالية: انهم متخلفون عسكريا و ليس بامكانهم خوض حرب حديثة. فعليهم ، ان كانوا يبغون وجودا مستقلا عن الولايات المتحدة أن يطوروا صناعتهم العسكرية و الا فسوف يظلون معتمدين على قوة أمريكا. و حيث أنهم لم يقوموا بتطوير هذه الصناعة ، يمكننا فهم السبب الذي يجعل ساركوزي و حليفته و (عدوته ) التقليدية ألمانيا تتجه نفس الاتجاه. أوروبا القديمة ، شيراك و شرويدرو اسبانيا، التي وقفت ضد الولايات المتحدة في غزوها للعراق، عادت على عهد ميركل و ساركوزي لتقدم فروض الطاعة لحامية استغلالهما للشعوب ، أعني الولايات المتحدة الأمريكية.

و حيث أن الشيء بالشيء يذكر ، نسأل ما الذي بامكان بوش أن يتذكره من حليفته الجديدة القديمة فرنسا ؟ اليكم هذا الشريط من الذكريات: قبل أن تستقل الهند الصينية (فييتنام، لاوس و كمبوديا ) و تتخلص من جنود الاحتلال الأمريكي ، كانت مستعمرة فرنسية. و أبت هذه الشعوب الذل و انتفضت على الاستعمار الفرنسي و بدأت حرب هذه الشعوب التي لم تهدأ الا بعد أن أجبرت الجنود الفرنسيين على الانسحاب المذل بعد معركة "ديان بيان فو" الشهيرة و التي انسحب بعدها آلاف الجنود الفرنسيين مطأطئي الرؤوس أمام الحفاة العراة من المقاومين الفييتناميين رافعي الهامات الفرحين بالنصر على المستكبرين. و حيث أن الأمريكان الحاليين هم حفدة الفرنسيين و البريطانيين فقد حملوا هذه الذكرى و أعادوا انتاجها بشكل أكثر اذلال من جدودهم . دخل الأميركيون الى فييتنام بمئات الآلاف من الجنود ، ظانين بأن كثرة العدد ربما ستحقق لهم النصر الذي لم يتمكن أسلافهم الفرنسيون من تحقيقه. و كانت النتيجة معركة سايغون ( هو شي منه ) الشهيرة أيضا و التي على اثرها انسحب مئات الآلاف من الجنود الأمريكان ذليلون ، مطأطئو الرؤوس كما أسلافهم الفرنسيين.

دعونا نترك بوش يتذكر كيف انسحب جنوده أمام الصوماليين أو غيرهم من الأفارقة. أو دعونا نأتي الى لبنان فكما انسحب الفرنسيون انسحب بعدهم جنود المارينز الأمريكان ، جنود النخبة. اذن علينا أن نستنتج أن ذكريات الأمريكان مع الفرنسيين ذكريات مذلة فهل يا ترى سوف يفرح بوش بهذه الزيارة أم أنها ستفجر لديه هذه الذكريات المأسوية؟

على كل فان نجاح ساركوزي في الانتخابات الفرنسية ، أعطت المعلقين في الصحف مادة دسمة . و لكن الملاحظ أن جميع التعليقات كانت بنفس الاتجاه . تقول ليندا هيرد ما يلي : نيكولا ساركوزي المناصر بقوة لسياسات إدارة بوش الخارجية والذي وصفه المراقبون بأنه "محافظ جديد أمريكي بجواز سفر فرنسي" والذي يلقبه العامة بأنه "ساركو الأمريكي."
ثم تضيف قائلة : وقال حينها ( ساركوزي): "لا داعي لأن أؤكد على الارتباط العضوي لكل يهودي بإسرائيل باعتبارها وطناً ثانياً له. ليس هناك ما يضير في هذا الأمر. إن في داخل كل يهودي خوفاً يتوارثه جيلاً بعد جيل، وهم يعرفون أنهم إن فقدوا الإحساس بالأمان في يوم من الأيام في البلاد التي يعيشون فيها فإن هناك على الدوام مكاناً مستعداً لأن يستقبلهم. وهذا المكان هو إسرائيل." ( نفس الاتجاه البوشي بالنسبة لتأييد اسرائيل).

و تقول أيضا : هذه القدرة على التعاطف مع اليهود التي لساركوزي ربما يزيد من قوتها حقيقة نسبه اليهودي. فجده لأمه، آرون ملاح، الذي كان ساركوزي شديد التعلق به في طفولته كان يهودياً يونانياً من سالونيكا ومنها هاجر إلى فرنسا عام 1917. أما باقي أفراد العائلة فكانوا ناشطين بارزين في الحركة الصهيونية.
أولاً، يقال إن ساركوزي صديق مقرب جداً من بنيامين نتنياهو، السياسي الإسرائيلي اليميني ورئيس الوزراء السابق الذي يريد خلافة إيهود أولمرت بعد الفضيحة التي تسببت له بها حرب إسرائيل الأخيرة في لبنان.

ثانياً، شأن معظم الساسة الأمريكيين الراغبين في خلافة الرؤساء، فقد قدم ساركوزي فروض الطاعة للإيباك، اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل، وزار القدس واعتبر أن زيارته لنصب فاد فاشيم للمحرقة اليهودية مثلت نقطة انعطاف في حياته. أما وعوده بزيارة الضفة الغربية وقطاع غزة فلم تتحقق حتى الآن....

نهاية مايو الماضي أعلن ساركوزي عن تشكيلة حكومته الجديدة والتي تضمنت السياسي الاشتراكي بيرنار كوشنير المناصر بقوة للولايات المتحدة وغزو العراق ليكون وزيراً للخارجية. كما عين وزيرة الدفاع السابقة ميشيل أليو ماري العازمة على استعادة العلاقات القوية مع الولايات المتحدة في منصب وزيرة الداخلية. كما عين ساركوزي صديقه بريس هورتفيو وزيراً للهجرة والهوية الوطنية.

وكان هورتفيو عقب أحداث الشغب في 2005 قد ألقى باللائمة عنها على عدم قدرة المهاجرين من دول المغرب العربي على الانسجام مع المجتمع الفرنسي. وقال حينها إن "السياسة الحضرية الفرنسية منذ 20 عاماً وهي تعمل على رتق الشقوق غير أنها لم تتمكن حتى الآن من حل المشكلات الجوهرية التي تخص استيعاب المهاجرين من شمال إفريقيا وأبنائهم في المجتمع الفرنسي" كما تعهد "بإيجاد طريقة للخروج من هذه الحالة بالتصميم والعزم."

على قمة أولويات السياسة الخارجية لساركوزي تأتي قضية تعزيز العلاقات بين باريس وواشنطن التي اعتراها التوتر نتيجة غزو العراق. وقال في خطابه لأنصاره بعد فوزه بالانتخابات: "أريد أن اتصل بأصدقائنا الأمريكيين لأقول لهم إن بمقدورهم الاعتماد على صداقتنا."
ولم ينتظر ساركوزي طويلاً قبل أن تأتيه مكالمات التهنئة من بوش وبلير، فيما قال السيناتور الديمقراطي تشارلز سكامر لسي إن إن: "أتمنى أن يكون لفرنسا رئيس لا يتصف بمواقف مسبقة ضد الولايات المتحدة."

وكان ساركوزي قد عبر عن تضامنه مع الرئيس جورج بوش بخصوص العراق خلال زيارته للرئيس الأمريكي في سبتمبر الماضي. وهناك في واشنطن انتقد ساركوزي بشدة مواقف بعض وزراء حكومته لمواقفهم المعارضة للحرب وقال لمضيفيه: "إنه ليحق لكم أن تشعروا بالقرف منا على هذه المواقف."

و جاء في أحد المواقع الاخبارية المغربية مايلي : مقتطفات من مقالة بعنوان الوجه الخفي لساركوزي


هل هناك وجه خفي لنيكولا ساركوزي؟ هل للرجل توجهات يمينية محافظة تقترب من خط "المسيحية الصهيونية"؟ وبماذا يفسر ساركوزي كل هذا الحرص على حماية "أمن إسرائيل"؟ هل لجذور "ساركوزي" ووزير خارجيته "كوشنير" اليهودية تأثير في السياسة الخارجية المساندة للإسرائيليين؟ هذه أسئلة أصبحت تتردد في الساحة السياسية الفرنسية مع بروز المواقف المتشددة لساركوزي ولوزير خارجيته "برنار كوشنير" إزاء الملف الإيراني؛ الأمر الذي وصل بالخارجية الفرنسية إلى تبني خيار "احتمال الحرب".
في مسألة مساندة نيكولا ساركوزي لإسرائيل بالذات فجّر النائب الاشتراكي "جورج فريش" والمعروف بانتصاره لإسرائيل قنبلةً صامتة أهملتها وسائل الإعلام الفرنسية، وكانت عقب انتخاب ساركوزي رئيسًا لفرنسا مباشرة؛ ففي حفل نظّمه المركز الثقافي اليهودي بمدينة مونبلييه جنوب غرب فرنسا يوم 24/6/2007، خاطب فريش الحضور قائلاً: "أنا فخور بأن فرنسا قد انتخبت بالانتخاب المباشر والعام رجلاً يهوديًّا رئيسًا للجمهورية"، وأضاف فريش: "لقد كان لنا (أي اليهود) ليون بلوم رئيس وزراء، وكان لنا منداس فرونس رئيس وزراء كذلك، ولكن لم يكن لنا أبدًا يهودي رئيسًا للجمهورية"، وختم فريش قائلاً: "والآن لكم كذلك كوشنير وزيرًا للخارجية (يهودي) فماذا تريدون أكثر؟".

خطاب فريش الذي لم تتناقله وسائل الإعلام الفرنسية -التي تهمل تقليديًّا كل المعلومات الشخصية المتعلقة بالانتماء الديني بحكم طابع الدولة للعلمانية الفرنسية- تضمّن عبارة مثيرة للاهتمام أيضًا، وهي أنه تعرّف على نيكولا ساركوزي على ضفاف بحيرة طبرية قرب الجولان على الحدود السورية الإسرائيلية في حزيران/ يونيو 1967 بعد أيام قليلة من احتلال إسرائيل لقطاعات كبيرة من الأراضي العربية، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو "النصر" الذي اعتبره العديد من ساسة إسرائيل "نصرًا إلهيًّا لشعب الله المختار".
ماذا كان نيكولا ساركوزي يفعل على ضفاف بحيرة طبرية على تخوم الجولان المحتل حديثًا، في فترة أدان فيها العالم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية؟ هذا سؤال لم يجب عنه جورج فريش.

أوليفيا زامور، منسقة منظمة "أورو فلسطين" الفرنسية المساندة لحقوق الشعب الفلسطيني، ترى أن السياسة الفرنسية الخارجية تجاه القضية الفلسطينية تغيرت منذ انتخاب ساركوزي، وتقول: "إن ساركوزي ووزير خارجيته أخذا مكان توني بلير في الولاء للولايات المتحدة".
في الساحة السياسة الفرنسية بدأت ملامح الانتقادات تظهر إزاء التغيير الجديد في السياسة الخارجية الفرنسية، أول الانتقادات جاء من الحزب الحاكم نفسه، حيث انتقد دومينيك دوفيلبان الوزير الأول السابق ووزير الخارجية الأسبق والذي ألقى خطاب فرنسا الشهير المناهض لغزو العراق سنة 2003.. انتقد ما اعتبره "انحرافًا" في سياسة فرنسا الخارجية.
بينما انتقدت الجبهة الوطنية اليمينية سياسة وزير الخارجية وأصدرت بيانًا تعجبت فيه من حادثة غريبة وقعت في مقر الخارجية الإسرائيلية يوم 11 أيلول/ سبتمبر 2007، حينما حضر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ندوة صحفية جمعته مع نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني؛ فيومها -يقول بيان الجبهة- وجّه صحفي إسرائيلي سؤالاً لوزير الخارجية الفرنسي حول موقف فرنسا من الاختراق الجوي الإسرائيلي للأراضي السورية، والغريب كما يقول الحضور أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية كتبت في الوقت ذاته ورقة صغيرة وضعتها أمام برنار كوشنير الذي قرأها وقال "إن فرنسا ليس لها علم بما وقع"، وعلّق بيان حزب الجبهة الوطنية قائلاً: "برنار كوشنير وزير خارجية من؟"، أي بعبارة أخرى: هل أصبح برنار كوشنير وزير خارجية إسرائيل؟.

و كتب محمد صلاح : وعندما تسلّم ساركوزي مقاليد الحكم في بلاده بدأت إرهاصات هذه السياسة تتبلور؛ فقد استبعد استئناف الحوار على مستوى رفيع مع سوريا بحجة عدم توفر الظروف الملائمة لذلك, وقال في لقاء مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس: "إنه في الوقت الراهن الظروف لاستئناف الحوار على مستوى رفيع مع السلطة السورية غير متوافرة". وهي السياسة نفسها التي تسير عليها الولايات المتحدة.

كما دعا ساركوزي المجتمع الدولي إلى إبداء المزيد من الشدة إزاء السودان، في حال رفضها التعاون بشأن إقليم دارفور... كما سار ساركوزي على الخطى الأمريكية في الشأن الفلسطيني وانحاز لعباس في خلافه مع حماس.

و كتب محمد بوبوش : انه لشرف لهوبير فيدرين أنه رفض هذا المنصب (منصب وزير الخارجية) الذي عرض عليه قبل كوشنير، أو قل إنه وضع شروطاً للقبول به. نقول ذلك ونحن نعلم أن فيدرين الذي كان وزيراً للخارجية لمدة خمس سنوات في عهد جوسبان يرفض التبعية لأميركا على عكس كوشنير وساركوزي. وعلى الرغم من ان هذا الأخير قال له بأنه ليس أطلسياً، أي بوشياً، الى الحد الذي يصورونه، إلا أن الجميع يعلم أن السياسة الخارجية الفرنسية ستكون متناغمة تماماً مع واشنطن هذه المرة.

وهكذا فلتت حقيبة الخارجية من يد فيدرين وذهبت الى كوشنير الذي يتمتع بخبرة طويلة عريضة أيضا في مجال السياسة الخارجية. وهو صاحب شعار حق التدخل في شؤون الدول الأخرى اذا ما اضطهدت شعوبها أو إحدى فئاتها أو اذا ما داست على مبدأ حقوق الإنسان. وهذا يشبه شعار الحرب الوقائية لبوش. أما فيدرين فيرى في هذا المصطلح الذي اخترعه كوشنير نوعاً من العودة إلى زمن الاستعمار.. وعموماً فإن الرجلين يختلفان على معظم ملفات السياسة الخارجية الفرنسية، سواء أكان الأمر يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أم بالعلاقة مع الولايات المتحدة، أم بقضايا أخرى.

ثم يضيف قائلا : وفي ما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي لم يعد لديغول من وجود. فالتطابق أصبح الآن كاملا بين السياسة الخارجية الفرنسية والسياسة الخارجية الأميركية والإسرائيلية.

و بالنسبة للحريات يقول بوبوش : بقيت مسألة الحريات الداخلية في فرنسا. الكثيرون قلقون بسبب هيمنة النظام الجديد على كل وسائل الإعلام الفرنسية تقريبا.

قالت صحيفة لوفيغارو إن القلق الروسي والارتباك الصيني والمخاوف العربية والتململ التركي من التوجهات الدبلوماسية للرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي وما يقابل ذلك من ترحيب أميركي وتحمس بريطاني (وسرور إسرائيلي) كلها مؤشرات على مدى اختلاف ردات الفعل العالمية على السياسة الخارجية المرتقبة لهذا القادم الجديد على الساحة الدولية.

لكن لوفيغارو لاحظت هوة كبيرة بين الأحكام الخارجية على هذه التوجهات وبين تحليل خبراء السياسة الخارجية في باريس, مشيرة إلى تقليل هؤلاء الخبراء من أهمية فكرة "القطيعة" الدبلوماسية التي يجري الحديث عنها.

ونقلت الصحيفة عن عدد من المحللين السياسيين الفرنسيين ذهابهم إلى الاعتقاد أنه سيفضل الخيار الواقعي في تعامله مع السياسة الخارجية, مشيرين إلى أن ورقة "القيم" التي لوح بها ساركوزي مساء الأحد الماضي أمام العالم لا بد أن تتماشى مع الحقائق الصعبة على الأرض, ومع ميزان القوى الدولية, ومع المصالح الاقتصادية.

وحسب هؤلاء المحللين فإن التقلبات الكبيرة التي توقعها بعض الناس في الخارج وخشيها بعض آخر لن تكون بتلك الحدة بسبب براغماتية القادم الجديد على الساحة الدولية, الحريص على إبراز اختلافه عن سلفه دون أن يعني ذلك استعداده للتضحية من أجل أيديولوجية جديدة.

أما صحيفة لاكروا فذكرت أن ساركوزي حاول في السنوات الأخيرة اكتساب تجربة على الساحة الدولية, ففضلا عن أوروبا التي يعرفها جيدا سافر الرئيس الفرنسي الجديد خلال هذه السنوات إلى أفريقيا والصين والولايات المتحدة وإسرائيل, وفي كل مرة كان يحظى باستقبال على أعلى المستويات.

وحرصا منه على الحصول على مكانة دولية لم يترك ساركوزي إبان توليه وزارة الداخلية أو وزارة المالية فرصة سفر إلى الخارج إلا اغتنمها, مشيرة إلى أنه حاول في كل مرة إبراز اختلافه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك.

وقالت الصحيفة إنه بدأ تلك الجهود منذ 2002 بزيارة لبريطانيا ثم للصين ثم للسنغال فمالي وبنين... إلخ.

ونبهت إلى أنه لم يترك خلال تنقلاته تلك فرصة مقابلة زعيم أية دولة يزورها إلا قابله, بل وصل ذلك إلى إبرام صداقات حميمة مع بعض الرؤساء كالرئيس الغابوني عمر بونغو.

ويتوقع المحللون أن لا يحدث تغير كبير لسياسة فرنسا تجاه روسيا والصين بسبب تنسيق فرنسا لمواقفها مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي فيما يخص هاتين الدولتين, لكنهم رجحوا تناقص ما كان يطبع تلك العلاقات من حميمية.

أما الولايات المتحدة فتنقل لوفيغارو عن المحللين قولهم إنهم يرون أن هناك عائقين أساسيين أمام مصالحة ساركوزي معها, أولهما النية المعلنة لساركوزي في مراجعة الوجود الفرنسي بأفغانستان الأمر الذي لن يكون مصدر ارتياح لدى الأميركيين, وثانيهما الالتزام القوي الذي قطعه الرئيس الفرنسي الجديد على نفسه يوم الأحد الماضي بشأن معاهدة كيوتو والاحتباس الحراري.

أما موقفه من قضية الشرق الأوسط, فإن لاكروا تؤكد أن ساركوزي مناضل لا يمل ضد ما يسمى "معاداة السامية" وأنه بذلك يعتبر في إسرائيل صديقا قويا.

أما لبنان فإن ساركوزي -حسب لاكروا- لا يشاطر شيراك الأهمية التي يوليها له, لكنه قال بعيد مقابلة له مع الرئيس المصري حسني مبارك يوم 18 أبريل/نيسان الماضي إنه لن يهمل لبنان, بل يعتبره "مهما جدا", لكنه "ليس الوحيد..".

أما المغرب العربي فإن الصحيفة ذكرت أن ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية عقد مع دوله علاقات, فزار المغرب أربع مرات والجزائر ثلاث مرات وتونس مرتين.

وأضافت أنه يود ضم تلك الدول وإسرائيل ودول أخرى على البحر الأبيض المتوسط إلى "الوحدة المتوسطية" التي يرغب في أن ترى النور.

وقال بيرل في مقابلة له اليوم مع لوفيغارو إنه يرحب بمقدم رئيس فرنسي متحرر من الهوس الديغولي بالتميز عن خط السياسة الأميركية, رئيس لا يأتي من الأوساط التي تنظر إلى فرنسا كمعارض للولايات المتحدة.

وأكد أن "السياسة العربية" لفرنسا كانت من أسوأ وأفشل السياسات الخارجية في العالم الحديث.

وتساءل بيرل عن ما جنته فرنسا من تلك السياسة, قائلا "أوجدوا لي أي فائدة في سياسة فرنسا المحابية للدكتاتوريات العربية".

وقال إن فرنسا في ظل شيراك لم تعارض غزو أميركا للعراق فحسب, بل عملت ما في وسعها لتعقيد المهمة الأميركية هناك, الأمر الذي قال إنه يخالف روح الصداقة.

هذا بشأن السياسة الخارجية الفرنسية ، أما بالنسبة لسياسة ميركل الخارجية فانه مع علمنا بأنها لا ترتدي تلك الأهمية الا اننا علينا أن نشير انها أصبحت أكثر نشاطا مما كانت عليه في السابق و أنها باتجاه السير في ركاب الولايات المتحدة .

جاء في جريدة القبس الكويتية مايلي : تاريخ الطباعة: 18/10/2007

أما على صعيد السياسة الخارجية وبالخصوص ملف الشرق الأوسط، فيرى الصحفي اللبناني أن ألمانيا لم تستطع تحقيق نجاحات ملموسة. يعزوغسان أبو حمد ذلك إلى ثلاثة أسباب، وهي ارتباط السياسة الخارجية الألمانية بالسياسة الخارجية الأمريكية، و طبيعة قضايا الشرق الأوسط الشائكة والمعقدة، كما أن فترة الرئاسة قصيرة ومن ثم من الصعب تحقيق أي نجاحات خلالها.

و كتب باتريك سيل في، ديلي تلغراف، 8 يناير



وكانت المستشارة الألمانية ميركل، قد سجلت زيارة قريبة لواشنطن، حيث جمعتها مأدبة عشاء عمل مشتركة مع الرئيس جورج بوش. هذا ويعرف عن ميركل عمق إيمانها وشدة حماسها لضرورة بناء علاقات تحالف وطيدة بين أوروبا والولايات المتحدة، مع العلم بأن هذه العلاقات كانت قد شرختها وصدعت جدرانها حرب بوش الأخيرة على العراق.

وفي عمق رؤية ميركل، إنشاء سوق عبر أطلسية عملاقة مشتركة بين جانبي المحيط الأطلسي، أي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وكندا. وفي اعتقاد ميركل أن في وسع سوق كهذه أن تعزز تدفقات التجارة والاستثمارات بين أكبر معسكرين اقتصاديين عالميين.

ومن قناعات ميركل أنه ليس في مقدور أوروبا وحدها أن تلعب دوراً في الشرق الأوسط، دون شراكة فاعلة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

و كتبت مراسلة جريدة عكاظ عهود مكرم : وقالت منسقة العلاقات الامريكية الالمانية كارستين فوجت لـ «عكاظ» ان التوجه الالماني الجديد يهدف الى اعادة الدفء للعلاقات بين البلدين واعادة التوافق حول الاوضاع في البلقان وافغانستان مع ان برلين تفضل الحلول الدبلوماسية للازمة الايرانية.

و من الجدير ذكره أن ساركوزي و ميركل كانا قد أعلنا عن القيام بمهام تخفف الضغط عن الولايات المتحدة : برلين 10 سبتمبر 2007 (وا ت) أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاثنين في ختام قمة غير رسمية في ميزيبرغ في ألمانيا أن البلدين سيعززان التعاون بينهما في أفغانستان من خلال تدريب جنود وكوادر.

وقالت ميركل لقد التزمنا معا في مكافحة الارهاب واعادة الاعمار مضيفة ان البلدين سيعملان معا على تدريب جنود افغان في اطار لوجستية مشتركة بينهما.

من جهته قال ساركوزى نريد العمل مع اصدقائنا الالمان للمساعدة على اعادة اعمار افغانستان وعلى تدريب مسؤولين في الدولة الافغانية واحلال بعض السلام والامن في بلد بامس الحاجة اليهما.

ويقوم خمسين مدربا فرنسيا حاليا بتدريب الجيش الافغاني ومن المقرر رفع عددهم الى مئتين بحلول نهاية السنة.

وذكرت صحيفة سودويتشي تسايتونغ ان 186 جنديا المانيا من اصل حوالى ثلاثة الاف ينتشرون في افغانستان يتولون تدريب القوات الافغانية كما تقود المانيا قوة اوروبية من 160 شرطيا وخبيرا مكلفة تدريب الشرطة الافغانية.

و أخيرا لا بد من طرح السؤال التالي : لماذا تريد فرنسا و ألمانيا أن تنتهجا في السياسة الخارجية نهجا محابيا للولايات المتحدة و ليس نهجا مستقلا؟

أعتقد أنه في السياسة الدولية لا مكان للعواطف و المحاباة، انما المصالح هي التي تلعب الدور الرئيس في اختيار السياسات. لقد مر معنا في سياق هذه المقالة أن وزراء الدفاع في الاتحاد الوروبي قد توصلوا الى نتيجة تقول بأن الاتحاد الأوروبي متخلف عسكريا. و بعد أن تبين واضحا بأن المال بحاجة لمن يحميه لذلك لا بد للاتحاد الأوروبي من حام له و قوي . و هذا الدور ليس بامكان سوى الولايات المتحدة أن تلعبه. خاصة و أن العولمة الليبيرالية هي ليبيرالية بقدر ما تحقق مصالح المستثمرين التابعين للمركزأي للولايات المتحدة. فآلية رأسمال الخاصة ليس لها أن تفعل الا من ضمن مصالح الأقوى. أما الآلية الخاصة للرأسمال و المستقلة عن السياسة ليس لها وجود الا في كتب الاقتصاد و الاقتصاد السياسي . اليكم هذا المثال : فقد كسبت احدى شركات ادارة الموانىء في دبي عقدا لاستثمار ميناء نيويورك. ماذا جرى . لم تقبل الولايات المتحدة بهذه الصفقة علما أنه لا مشاكل قانونية بالنسبة لها ، الا أن الادارة الأمريكية ، حتى تجبر هذه الشركة العربية التخلي عن هذا الاستثمار اعتبرت أن ادارة الشركة الاماراتية لميناء نيويورك يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي . و النتيجة أن هذه الشركة أجبرت على التخلي عن هذا الاستثمار المربح. أين الآلية الخاصة للرأسمال و التي يبشر بها الرأسماليون القابضون على زمام السلطة؟

اعتقادي أن الاتجاه الفرنسي و اللماني في السياسة الخارجية و الذي يتجه للتبعية للولايات المتحدة المريكية و بصرف النظر عن هوية القابضين على السلطة في واشنطن، ان كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين /ا هو الا لتأمين الحماية العسكرية لنهبهم للعالم الثالث، حيث أنهم غير قادرين على تأمين مثل هذه الحماية لأنفسهم . علما أن هناك سببا أقل أهمية و هو عدم السماح بهزيمة الولايات المتحدة على أيدي الشعوب المستضعفة سواء في العراق أو افغانستان او الصومال أو فلسطين... و علينا أن لا ننسى أن سلف ساركوزي ، جاك شيراك كان قد صرح في قمة الخلاف مع الولايات المتحدة أن مايجمعه بأمريكا هو ما نسبته 97% . و بعد أن تعثرت مهمة الولايات المتحدة في دمقرطة العراق و لاحت في الأفق هزيمة الولايات المتحدة ، انبرى شيراك و بصوت عال للقول أنه لن يقبل لا هو و لا العالم الحر بهزيمة الولايات المتحدة . أي على جميع دول الاستكبار التجمع و الاتحاد للانقضاض على الشعوب المستضعفة. قديما قيل ملة الكفر واحدة.
العرب والعولمة تشرين الثاني - نوفمبر 2007

التقوى

التقوى

حسن ملاط (لبنان)

hassanmallat@yahoo.fr



مع إطلالة رمضان لا بد لنا من التحدث في موضوع من وحي هذا الشهر الفضيل. فهذا الشهر يحمل ذكريات وذكريات: يوم الفرقان (يوم بدر)، فتح مكة، تحرير القدس أيام صلاح الدين، الحرب الوحيدة التي حققت فيها الجيوش العربية اختراقا للعدو الصهيوني كانت في رمضان. انه رمضان الخير.

يقول تبارك وتعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". فالصيام إنما للتقوى! سوف يكون حديثنا عن التقوى.

يقول تعالى في محكم آياته: "وتزودوا فان خير الزاد التقوى".

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحسن قال: أتقاكم.

التقوى في اللغة كما جاء في "لسان العرب" لابن منظور عن أبي بكر أنها الاسم من فعل توقى أو اتقى والمعنى أنه موق نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح.

أما المدلول الديني للتقوى فمخافة الله وطاعته والعمل لوجهه تبارك وتعالى. أي أن عمل المؤمن لا يكون من أجل منفعة دنيوية يتوخاها في الأصل إنما لمرضاة الله عز وجل. فالمسلم الذي يذهب إلى الحرب للحصول على مغانم لا يكون عمله لإعلاء كلمة الله فلا يؤجر بالتالي على مشاركته في الحرب. وإلا ما الذي دفع مجاهدي المقاومة الإسلامية لمحاربة أعتى قوة في المشرق، أعني الكيان الصهيوني الغاصب، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار لولا طمعهم في مرضاة الله وطمعا في جنته. أحبوا الشهادة بحبهم لله. وكذلك يفعل أقرانهم في المقاومة الإسلامية في العراق الذين يقاتلون أشرس وأبغى قوة عرفتها البشرية حتى الآن، غير آبهين بهذا العدو مسطرين أروع ملاحم البطولة ضد هذا العدو الباغي.

ما هو شرط التقوى؟ لا تقوى من دون التوحيد. إن الإيمان بلا اله إلا الله هو الشرط المطلق لوجود التقوى. وهذا الإيمان يكون مطلقا أيضا. بمعنى أن الإنسان الذي يؤمن بالتوحيد يعلم أن الله هو الخالق والعالم والمالك والقدير والرزاق ...الخ

يقول تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله... أي عدم عبادة القوة المادية أو الاقتصادية أو القنبلة الذرية، أو أميركا أو إسرائيل كما يحصل اليوم في ساحتنا اللبنانية حيث نرى البعض ممن ينتمون إلى شعبنا يتبارون في التقرب من مختلف أنواع الأعداء تآمرا على إخوانهم في الدين والوطن. كما ويتبارون أيضا بالتآمر على السلاح الذي حقق الانتصارات المتتالية على العدو الإسرائيلي، مستخدمين أسف أنواع التحريض المذهبي والطائفي، عوض أن تكون المباراة مع هؤلاء المجاهدين في: من بإمكانه أكثر من الآخر تحقيق الانتصارات على هذا العدو الغاصب.

عدم اتخاذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله تعني أيضا عدم طاعة الزعيم كطاعتنا لله أو أشد من ذلك. وعدم خوفنا منه وخشيته أكثر من خشيتنا لله كما جاء في الكتاب الكريم. إن الانقياد وراء الزعماء السياسيين بما لا يرضي الله إنما هو نوع من أنواع الشرك. ومن كان كذلك لا يمكنه أن يكون من المتقين المبشرين بأحسن الثواب من رب العالمين. نعبد الزعيم من أجل حصة غذائية، أو من أجل قطعة سلاح نقتل فيها أبناء جلدتنا وليس أعداء الأمة وأعداء الشعب وأعداء الله. نلتحق بالزعيم كالأنعام يأخذنا حيث يشاء ويقاتل فينا منافسيه من غير أن ندري لماذا نصاحب فلانا أو لماذا نعادي فلانا. يقول تعالى مخاطبا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم: "وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله". لا زعيم معصوم ولا زعيم يشاور محازبيه. ألله تبارك وتعالى يحترم عباده أما الزعيم فيحتقر عباده ورغم هذا يتبعونه كتلك الأغنام التي تلحق براعيها كيفما ذهب. وقانا الله. إن المتقين هم الذين يعبدون الله وحده لأنه الوحيد أهل للعبادة ولا يشاركه أحد في هذا الأمر:

يحيي ويميت.

والله يرزق من يشاء بغير حساب.

والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها.

فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير.

والله يؤيد بنصره من يشاء. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.

إن الإنسان الذي ينبع إيمانه بالتوحيد مما تقدم من الآيات الكريمة وغيرها الكثير مما يراه ويلمسه يوميا، هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يخاف الله كأنه يراه. هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يجابه الطواغيت من غير وجل ولا فزع. لأن الطواغيت مهما علوا هم لا شيء أمام عظمة الله عز وجل. إن من رأى عظم قوة العدو الإسرائيلي أبان عدوان تموز الأخير يتيقن كل اليقين أن النصر التي حققه مجاهدو المقاومة الإسلامية إنما هو نصر الهي وبكل ما للكلمة من معنى. إنها رمية إلهية رماها هؤلاء المقاومون: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.



أما شرطية التوحيد لوجود التقوى فهي ظاهرة وواضحة من الآيات الكريمة التالية:

يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون– الذين آمنوا وكانوا يتقون– وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالتقوى إذن كما ترون تأتي دائما مع الإيمان.

أسباب التقوى:

يقول تبارك وتعالى: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا".

أن الإيمان بالله لا يكون لمصلحة آنية للمؤمن؛ علما أن الله لم يطلب من الإنسان الإيمان هكذا ومن دون تفكر في خلق الله وآياته، لأنه يعلم أن الإنسان أكثر شيء جدلا، فهو خالقه. لذلك يعطي الإنسان أسبابا وعللا لإيمانه، فكيف لتقواه؟ فالتقوى تكون لأسباب أوردها الله عز وجل حتى يفهم الإنسان ويعي وتكون تقواه عن دراية ومعرفة وتدبر. يقول تبارك وتعالى:

واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.

واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب.

واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.

واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

هذه من الأسباب وغيرها الكثير تجعل الإنسان الذي يملك أدنى درجة من الوعي يعلم مدى ضرورة التقوى له حتى يكون أولا من الناجين مما أعد للكافرين ويبشَر بما أعد للمتقين.

آثار التقوى:

للتقوى آثار تظهر عند المتقين. وقد بينها الله في كتابه الكريم سوف نذكر بعضا منها، على سبيل المثال لا الحصر.

الهدى: يقول تعالى: "ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". كلام واضح ومنير. الكتاب كتاب الله هدى للمتقين. فالهدى يكون للمتقين لأن التقوى هي أسبق من الهدى. ولا يهتدي إلا المتقون. فالإيمان بوحدانية الخالق أولا والتقوى ثانيا وبعدها الهدى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين". فالبيان للناس جميعا ولكن الهدى والموعظة هي للمتقين فقط.

الفرائض: يمكن لكل إنسان أن يقوم بالفرائض التي أوجبها الله تبارك وتعالى على المسلمين ولكن القيام بالفريضة ليس تقليدا مفروضا ولكنه تقوى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" أي أن الفريضة يجب أن تترك آثارها على سلوك المسلم. لذلك نرى القيام بالفرائض مربوطاً بالتقوى:

الصيام: كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.

الزكاة: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة.

الصلاة: واتقوه وأقيموا الصلاة.

الحج: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.

الجهاد: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

السلوك: يقول تبارك وتعالى: "ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".

من هذه الآية الكريمة يظهر بوضوح أثر التقوى على سلوك المؤمن وذلك:

1- الوفاء بالعهد: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين.

2- الصبر: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا- من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

3- الصدق: فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.

4- الأمانة: فليؤد الذي اؤتمِن أمانته وليتق الله ربه.

5- الإحسان والعطاء: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى- للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم- إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

6- الإصلاح: وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما- فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

7- العمل ومحاسبة النفس: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.

8- عدم أكل الربا: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تشكرون.

من الصعب علينا إحصاء جميع آثار التقوى على سلوك الإنسان المؤمن ولكنه لا بأس من الاكتفاء بذكر هذه الصفات عسى أن يجعلنا الله من المتقين.


المقالات تعبر عن آراء كاتبيها
المصدر: مجلة العرب والعولمة
تشرين الأول - اوكتوبر 2007

الاندماج في المجتمعات الغربية

الاندماج في المجتمعات الغربية

مقدمة :

مسألة الاندماج في المجتمعات الغربية ، و نعني اندماج المهاجرين من المستعمرات السابقة في دول المركز، هي مسألة مطروحة منذ بدء حركة الهجرة و لما تنته. كما و يمكننا أن نؤكد أن امكانية حلها صعب جدا. و أهم الأسباب هو أن المجتمعات الغربية لا تريد تقبل اندماج هؤلاء. و قد تحدث الكثير في هذا الموضوع و تمت دراسته من وجهات متعددة ، و رغم ذلك لم نتقدم الى الأمام.
أما الاندماج فهو : سعي المهاجر إلى التأقلم مع المجتمع، الذي يحيا فيه، وذلك دون أن يفقد هويته الخاصة.

رؤى حول المشكلة:
المعلق السياسي بيتر فيليب يرى "بأنه يجب تقليل الخطر (خطر المهاجرين ح.م) بأن تعطى كل الأقليات بما فيها الأقلية المسلمة الشعور بأنها تنتمي إلى المجتمع وبذا تتم مساعده هذه الأقليات وتتم مساعدة المجتمع كافة أيضا". و هذا السياق يدلل بأن السيد فيليب يرى بأن المجتمعات الغربية هي التي تتحمل وزر عدم الاندماج و ليس المهاجرين انفسهم. و هل يمكن أن يتحمل المهاجرون مسؤولية عدم اندماجهم؟ نعم فاليهود هم الذين لا يريدون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، علما ان هذه المجتمعات لا نقول أنها تتقبل اندماجهم بل يمكننا القول بأنها تريد اندماجهم . فالمطلعون على الفكر السياسي ، يعلمون أن الكثير من المفكرين السياسيين قد تحدثوا عن عنوان هو "المسألة اليهودية"، و طبعا المسألة اليهودية في المجتمعات الغربية (أوروبا الشرقية و الغربية). و منهم على سبيل المثال لا الحصر :" قبل ظهور الفكر الصهيوني الذي تمثل في تأسيس الحركة الصهيوينة، كانت هناك كتابات وضعت حلولاً للمشكلة، فمن الكتاب الذين كتبوا حول المسألة اليهودية: كارل ماركس، جان بول سارتر، سيجموند فرويد، مارتن بوبر، ويل ديورانت، تشمبر لين، فيودور دوستويفسكي، فمنهم من رأى الحل في تخلي اليهودي عن ديانته واعتناق المسيحية وأديان الشعوب التي يحيون بينها، وآخرون رأوا أن الاندماج في المجتمعات القائمة هو الحل، وغيرهم رأوا أن المشكلة لها جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية وطبقية". (المسـألة اليهودية والحل الصهيوني : ناهض زقوت).
و المسألة المطروحة كانت : عدم تقبل اليهود الاندماج في هذه المجتمعات!!
نابليون بونابارت حاول حل هذه المسألة (المسألة اليهودية) بأن توصل الى عقد مع اليهود في سنة 1807 اذ جمع في بلدية باريس المؤسسة الدينية ليهود فرنسا السانهدرين Sanhedrin لتحويل يهود فرنسا إلى "مواطنين صالحين"، وذلك عبر تكييف أحكام الشريعة اليهودية مع القيم الفرنسية العلمانية، ليصبح اليهود جزءًا من الأمة الفرنسية بعد أن كانوا في العهد البائد مجموعة دينية منطوية على نفسها. ردّ السانهدرين بالإيجاب على مطلب نابليون وقامت سنة 1808 مؤسسة الكونسيستوار (الجالية في consistoire) وأعلنت أنّ المظاهر السياسية للتوراة لم تعد صالحة (valides)، لأنّ اليهود لم يعودوا يشكلون أمة (nation). لذلك تمّ التخلّي عن كل شكل من الاستقلال الشرعي اليهودي.(العفيف الأخضر).
و من الجدير ذكره أن ماركس و الآخرين قد أصدروا كتبهم عن "المسألة اليهودية" بعد هذا التاريخ بكثير و هذا دليل أن هذا الاتفاق لم يدفع اليهود الى القبول بالاندماج في المجتمع الفرنسي.
و لكن بعد تأسيس دولة اسرائيل على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي طرد من أرضه بفضل الديموقراطية الغربية ( التي تساعد اللبنانيين على الخروج من أزمتهم في هذه الأيام !!) ، و بعد أن تبين لليهود أن تأسيس دولة اسرائيل لم يكن الترياق الذي يوصل الى السعادة ، أعادوا النظر في مسألة اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . فمنهم الآن من يعيش في هذه المجتمعات كمواطن عادي لأنه تقبل العيش في هذا المجتمع( ليس كما المواطن العربي أو المسلم أو الأفريقي يمنع من الاندماج في هذه المجتمعات).
في حوار مع القسم العربي بموقع دويتشه فيلّه أكد الدكتور ديتر جراومان، عضو رئاسة المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، على أهمية تأقلم المهاجرين المقيمين في ألمانيا مع المجتمع، لكن دون فقدان هويتهم الخاصة. "لا أحد من المهاجرين سيصبح مواطناً ألمانياً بصورة أفضل عندما ينسى هويته اليهودية. ولا غرو أن الإقرار بالهوية الخاصة والحفاظ عليها لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع كون المرء مواطناً ألمانياً مقدراً لواجباته. هذا الأمر لا ينطبق على المهاجرين اليهود فحسب، وإنما ينطبق على كافة المهاجرين المقيمين في ألمانيا (هذا ليس صحيحا. ح.م).الدين بحد ذاته لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني (على أن لا يكون الاسلام ح.م) ، كما أنه لا يساعد على الاندماج.لا أريد أن ألقن أحداً درساً ولكن اليهود في ألمانيا لديهم تجربة على هذا الصعيد تتلخص في أنه من المفيد ألا نشتت قوانا وأن نوحد صفوفنا. من يوحد صوته وقواه يؤخذ مأخذ الجد ويحظى بثقل سياسي،( و هذا ما يسمى اللوبي الصهيوني. ح.م) على عكس ما هو عليه الحال عندما تقوم عدة منظمات متفرقة بتمثيل مجموعة واحدة من المهاجرين. المحافظة على وحدة الموقف السياسي لا تعدو أمراً سهلاً بالنسبة لنا دائماً، لذالك فإننا نبذل باستمرار قصارى الجهد للحفاظ على وحدة الصف".
هذا من حيث عدم تقبل المهاجر للاندماج، أما القضية التي نناقشها فهي خلاف ذلك : عدم قبول المجتمعات بالوافدين اليهم رغم حاجتهم الماسة لهم.
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد في مدينة سراييفو / البوسنة والهرسك ناقش عملية الاندماج الى جانب مسائل أخرى تهم المهاجرين المسلمين و أهل البلاد من المسلمين الذين يصيبهم بعض شظايا التمييز.
في الفترة من: 28 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق لـ 15-19 أيار (مايو) 2007 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ
ناقش المؤتمر ما يلي:
المحور الأول: الإطار الشرعي للمواطنة والاندماج.
واستعرض فيه البحثان التاليان:
- 1 – الإطار العقدي والمقاصدي للمواطنة والاندماج. للدكتور يوسف القرضاوي.
- 2 – الولاء بين الدين والمواطنة. للشيخ عبدالله بن بية.
وانتهت خلاصة البحثين إلى أن مواطنة المسلمين في المجتمع الأوروبي واندماجَهم فيه أمر مشروع من حيث المبدأ، تسعه مقاصد هذا الدين، إذ هذه المواطنة تمثل جسراً بين العالم الأوروبي والعالم الإسلامي مما يعود على العلاقة بين الطرفين بالخير. ولا يتعارض اندماج المسلمين مع مبدأ الولاء والبراء، فهذا إذا ما أعيد إلى معناه الأصلي الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإنه لا يكون معارِضاً لمواطنة المسلمين وتفاعلهم مع المجتمع الأوروبي.
وقد أكدت المناقشات والتعقيبات على أن اندماج المسلمين ينبغي أن يكون اندماجاً فاعلاً، يقدمون لمجتمعهم الخير المادي والمعنوي، ولكن سُجلت مداخلاتٌ كثيرة تُظهر قصور المسلمين إلى حد الآن في هذا الشأن، وغفلتهم عن هذا الهدف الذي هو أحد المداخل المهمة للاندماج.
المواطنة ومقتضياتها:
تم استعراض ومناقشة عدد من البحوث العلمية في قضية المواطنة، وحيث إن المجلس قد أصدر قراراً سابقاً (قرار 3/16)، فإنه خلص إلى توكيده، مع إضافة ما يلي:
الصواب صحة المواطنة في غير ديار الإسلام سواءٌ للمسلم الأصلي أم المتجنس، وأدلة المانعين إما صحيحة لا تدل على المنع أو أحاديث غير صحيحة لا يعتد بها في الاستدلال الفقهي.
ورأى أن المواطنة لا تخالف الولاء الشرعي، إذ لا يلزم من وجود المسلم في غير ديار الإسلام الالتزام بما يخالف دينه من مقتضيات المواطنة، كالدفاع عنها إذا اعتدي عليها، والأصل أن يكون المسلمون في مقدمة من يدفع الضرر عن بلده (الأصلي أو الذي يعيش فيه ، و هذا ما يقتضيه السياق ح.م)، كما لا يحل له (للمسلم) أن يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على أي بلد آخر سواء كان إسلامياً أم لا.
ومن واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.
قرار 2/17
تحديد مفهوم الاندماج ومقتضياته
مما تحصَّل من الأبحاث والمناقشات التي تناولت موضوعات الدورة، قرر المجلس ما يلي:
إن سياسات "الاندماج" المتبعة في الدول الأوروبية تتراوح بين اتجاهين:
اتجاه يغلّب جانب الانصهار في المجتمع ولو أدّى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة.
واتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية.
ويرى المجلس أن الاتجاه الثاني هو الذي يعبّر عن الاندماج الإيجابي، الذي يجب أن تحدد مقتضياته بوضوح: أن مقتضيات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية مسؤولية مشتركة بين المسلمين أفراداً ومؤسسات من جانب، وبقية المجتمع الأوروبي أفراداً ومؤسسات من جانب آخر. وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي تُطلب من المسلمين، التي لا حرج فيها عليهم، بل إن الإسلام يحث عليها، ما يلي:
أ - ضرورة معرفة لغة المجتمع الأوروبي وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعاً لذلك بالقوانين العامة، في ضوء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1
ب - المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)[الحج: 77].
ج - العمل على الخروج من وضع البطالة؛ ليكون المسلم فاعلاً منتجاً يكفي نفسه وينفع غيره، عملاً بالهدي النبوي الشريف: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" (متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما).
وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي نرجو أن يحققها المجتمع:
أ - العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها حق العمل وضمان تكافؤ الفرص.
ب - مقاومة مظاهر العنصرية والحدّ من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام، وخصوصاً في مجال الإعلام.
ج - تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.
ولتحقيق الاندماج الإيجابي المتوازن:
ـ يدعو المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.
ـ ويدعو المجتمعات الأوروبية، وخصوصاً الهيئات المعنية بقضية الاندماج، إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير السبل المحققة له، بما يفيد المجتمع ويدعم استقراره وازدهاره، وبما يمكّن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوروبية. انتهى.
لا أعلم ان كان من الضروري أن أضيف أن جميع هذه التوجيهات ، بالرغم من أهميتها و وجاهتها ، لم تساعد أهل البلاد على تقبل الوافدين اليهم .
و قد دخل فوكوياما على خط الحديث عن الاندماج و دراسة الظاهرة : "كما عبَّر فوكوياما عن اعتقاده بأن الفرضية التي تقوم عليها الحرب الأمريكية على الإرهاب والتي تسعى لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط للقضاء على الإرهاب هي فرضية خاطئة، حيث رأى فوكوياما أن مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجمات مدريد ولندن هم بالأساس مجموعة من الأفراد الذين عانوا الاغتراب داخل المجتمعات الأوروبية والغربية بسبب صدمتهم مع الحداثة التي تعيشها تلك المجتمعات. لذا أكد فوكوياما في مقاله - المنشور بعد أبريل 2006 من دورية جرنال الديمقراطية - أن الإسراع بعجلة الديمقراطية والحداثة بالمجتمعات المسلمة التقليدية سوف يزيد من شعور الجماعات المسلمة المتشددة بالاغتراب مما قد يدفعها لاتجاه أكثر تشدداً. في المقابل رأى فوكوياما أن الأجدر بالدول الغربية التركيز على دمج الأقليات المسلمة التي تعيش على أراضيها كأسلوب أفضل في مكافحة الإرهاب، كما رأى فوكوياما أن أوروبا هي الموقع الحقيقي للحرب على الإرهاب وليس الشرق الأوسط أو المجتمعات المسلمة التقليدية. ويقول فوكوياما أن النموذج الأمريكي يقوم على ثلاث خصائص أساسية هامة ومفيدة أولها الفصل الكامل للدين عن الدولة وعدم إعطاء أية مزايا سياسية لدين بعينه أو لمجموعة دينية معينة، وهنا يرى فوكوياما أن فصل الدين عن الدولة بالصورة الأمريكية يساوي بين الأديان كما أنه يقضي على مصادر خلافات دينية سياسية عديدة. الدعامة الثانية هي طبيعة الهوية الأمريكية المفتوحة وقوة المشاعر الوطنية الأمريكية، ويقول فوكوياما بأن الأمريكيين يتميزون بالفخر بهويتهم الوطنية وبالاحتفال بها بشكل متكرر في الوقت الذي تعتبر فيه الهوية الأمريكية هوية مفتوحة لا ترتبط بخلفية إثنية أو عرقية معينة فأي مهاجر يمكنه أن يصبح مواطناً أمريكياً، كما أن احتفال الأمريكيين بهويتهم الوطنية يقلل من فرص الجماعات اليمينية المتشددة في مهاجمة الأقليات بحكم أن الحوار حول الهوية الأمريكية حوار مفتوح وثري وقابل للخلاف السياسي بين اليسار واليمين. في المقابل تعاني المجتمعات الأوروبية من أزمة في التعامل مع هوياتها الوطنية فقد أقنعت ويلات الحرب العالمية الثانية تلك المجتمعات بضرورة التخفيف من نعراتها القومية والذوبان في هويات إنسانية عالمية مختلفة، في المقابل أثبت الواقع الراهن - كما يرى فوكوياما - أن المجتمعات الغربية فشلت في إذابة هوياتها الوطنية والتي ما زالت قائمة خاصة مع صعود حركات اليمين الراديكالي وانتشارها في أوروبا. أما الدعامة الإيجابية الثالثة لأسلوب الاندماج الأمريكي - كما يراه ويروج له فوكوياما - فهي الحد من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها الدولة لمواطنيها وللمهاجرين الجدد ضمن ما يُعرف ببرامج الرفاهية، حيث يرى فوكوياما أن تبني الدول الأوروبية لبرامج رفاهية يضعف من قدرتها على دمج الأقليات الجديدة لأن برامج الرفاهية تسمح للمهاجرين الجدد بالحصول على مساعدات من الدولة في حالة البطالة مما يضعف من رغبة هؤلاء المهاجرين في التنافس في سوق العمل القاسي ويدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم مما يجعلهم فريسة لمشاعر الاغتراب عن المجتمعات التي يعيشون فيها. في المقابل يرى فوكوياما أن النظام الرأسمالي الأمريكي والذي تنخفض فيه مساعدات الدولة للمواطنين بشكل كبير خاصة إذا قورن بأوروبا يدفع المهاجرين الجدد إلى الانخراط الدائم في سوق العمل مما يساعدهم على الانخراط في المجتمع كما يساعدهم على الشعور بالعديد من المشاعر الإيجابية بحكم قدرتهم على العمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي، وبذلك يصبح العمل أداة رئيسية في يد بوتقة الصهر الأمريكية، وهي أداة ينصح فوكوياما الأوروبيين بتبنيها". واشنطن - مكتب «الرياض ."
هذا الرأي لفوكوياما يعتبر ايجابيا بالنسبة لاندماج المهاجرين و لا يحمل ضغينة أو تمييزا يؤدي الى استبعادهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . كما و أن توصيفه للمجتمعات الأوروبية فيه الكثير من الواقعية و الصحة.
أما العفيف الأخضر فهو يسير في منحى لم يرتاده غيره . فصاحبنا ملكي أكثر من الملك و هو أيضا مواطن كوني يعيش في "لامجتمع" أعني مجتمع لا يحمل أية صفة من صفات المجتمعات الواقعية الموجودة على الأرض. فلنقرأ هذه المداخلة و لنعجب:
... في الواقع لا توجد إلى اليوم إلا حضارة واحدة عالمية لكن توجد ثقافات عدة لا تستطيع أن تكون مقبولة إلا إذا كيفت تقاليدها البربرية (يقصد الاسلام ح.م) أحياناً مع قيم حقوق الإنسان.
الاتجاه المعادي للاندماج يستمد قوته من أربعة عوامل أساسية:
1- من كون الخطاب الديني أي خطب الجمعة، الوعظ والتعليم الإسلامي الخاص والإعلام... محتكراً من أنصار هذا الاتجاه
2 - العامل الثاني البترودولارات التي تتدفق على أنصار الاتجاه المعادي للاندماج لتكون له صحافة خاصة به، وليترجم كتب القرضاوي ( القرضاوي غير مقبول حاليا ممن يدعون "متشددون". ح.م) إلى اللغات الأوروبية، وليكون دعاة يرسلهم إلى الضواحي وجميع المدن الفرنسية لحشو أمخاخ مسلمي أوربا بدعايته المضادة للاندماج والمحرضة على انتهاك قيم حقوق الإنسان...( مر معنا رأي القرضاوي في الاندماج ح.م)
3- العامل الثالث تنظيم المسلمين في أوربا وخاصة في فرنسا يحابي الاتجاه المضاد لاندماج الإسلام الأوروبي في المجتمعات الأوروبية على حساب الاتجاه المطالب باندماجهم.
4- العامل الرابع فقه الولاء والبراء أي الولاء حصراً للمؤمنين والبراء الكامل من الكفار.( مر معنا أيضا رأي المجمع الفقهي من هذه المسألة ح.م)
صعوبة اندماج المسلمين في المجتمعات غير المسلمة سببه ثقافة الكراهية هذه التي رضعوها في التعليم والإعلام في بلدانهم: من هنا ضرورة وقف تكوين الكادر الديني الإسلامي الأوربي بهذا الفقه الانطوائي (autiste) والعنصري جدير بالأقليات المسلمة الفرنسية تقليد السانهدرين.

لا يمكنني التأكيد أو النفي ان كان هذا اللامنتمي قد أصبح مقبولا من المجتمعات الغربية أم لا؟ علما أن ما يطرحه هذا العفيف الأخضر هو قطعا ما يريده الأوروبيون من المهاجرين المسلمين : قوة عملهم و تنكرهم لقيمهم. و لكنه ليت أنه قرأ رأي الدكتور ديتر جراومان المسؤول اليهودي الألماني بالاندماج.
أما جمال البنا فقد حاول ان يقارب الموضوع و لكن بصيغة مختلفة عن مقاربة العفيف الأخضر. و لكنها مقاربة ، أزعم أنها لا تلبي طموحات الأوروبيين و ممجوجة من أكثرية المسلمين.
"وقضية الهوية من أعقد المشكلات الحضارية التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي المعاصر، نتيجة لأن ثقافته، وأصوله، ومثالياته.. وآماله كلها ترتبط بالماضي المجيد، بينما يثير الحاضر في وجهه مشكلات معقدة كما يعرض رؤى ساحرة لها جاذبيتها، ولكنها لا تتفق – إن لم تكن تتعارض- مع مثله، ومن هنا يأتي التمزق والحيرة ما بين الشرق وماضيه.. وما بين الغرب وحاضره"..

"على أن هذه المشكلة إذا كانت تمثل تحدياً من أكبر التحديات بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فإنها بالنسبة للأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا تمثل أعظم التحديات قاطبة، وفى نظرنا أن المسلكين خاطئان.. فالمسلك الأول يقضى على الشخصية الخاصة للمغترب طالباً أو عاملاً دون أن يكسب – ضرورة – الشخصية الأوروبية الأمريكية – ويغلب دائماً أن يستشعر نوعاً من النقص إزاء المجتمع الجديد الذي لم يبح له بكل أسراره ولم يفتح له كل أبوابه واعتبره رغم استعداده للذوبان دخيلاً. كما أن الرفض والتقوقع لن يمكن صاحبه من أن يفيد مما يقدمه المجتمع من مزايا وفرص وسيعسر عليه أن يحقق تماماً ما جاء من أجله دراسة أو تجارة أو مهنة".
"الموقف السليم، وهو صعب وشائك وحساس، لا يمكن التوصل إليه بالتلقائية أو العشوائية أو الهوى أو حتى الاجتهاد الفردي. فهو مرتبط بعوامل موضوعية قدر ما هو مرتبط بنزعات ذاتية، وهناك عدد من المبادئ والأصول تحكمه وتحدده وتقيمه على أساس "أيدلوجي" أو على الأقل "مبدئي" بعيدا عن الهوى والعواطف"،
أولاً: أن المسلم "النمطي" بريء من عقدة النقص أو نزعة الاستعلاء..
ثانيا- يرتبط بالصفتين السابقتين وينشأ عنهما أن أصبح للإسلام طبيعة موضوعية وليست ذاتية.. بحيث تكون" الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها"،
ثالثاً: إن الإسلام ليس عبادات فحسب"...

"إن العبادة ليست إلا مكونا واحدا من مكونات الإسلام.. ومن المكونات الأخرى العمل وما يرتبط بالعمل من صلة بالمجتمع أو علاقات بين الناس من وفاء بالالتزامات وصدق في المعاملات وإحسان في الأداء، ومن مكونات الإسلام الشريعة وكل ما يدخل في عالم السياسة والاقتصاد والقانون وإتاحة الحرية والطمأنينة للناس وتحقيق العدالة الخ...
1 - . قضية الزي: ليس الزي جزءً من العقيدة".
"... وبالنسبة للمرأة المسلمة فالمفروض أن تلتزم بآداب الحشمة الإسلامية وهذا لا يعنى ضرورة التمسك بالحجاب المألوف وإذا أرادت أن تستر شعرها فيمكن أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب. ويجب أن نتذكر أنه قد كان من أسباب الحجاب "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وهذه الحكمة نفسها تُملي صرف النظر عن الحجاب التقليدي حتى لا يؤذين، المهم أن لا يكون هناك تبذل أو تبرج "الجاهلية الأولى".

2. الأكل والشرب: يحرم الإسلام كما هو معروف – لحم الخنزير كما يحرم شرب الخمر وليس هناك صعوبة في اجتنابهما تماما وسيمكن للطالب المغترب أن يلم بالأطعمة التي يدخلها لحم أو شحم الخنزير فيتجنبها.

3. الحياة الاجتماعية والعلاقة بالمرأة: إن دخول المرأة في المجتمع الأوروبي بالصورة التي نعرفها قد يوجد حرجا شديدا للطالب المغترب في حالات عديدة، فقد يدعى إلى حفلات راقصة تعقدها اتحادات الطلبة وغيرها في مختلف المناسبات ويصعب على الطالب المغترب مقاطعتها لأن ذلك يمكن أن يمس وضعه فى الجامعة أو يعطى انطباعا معينا عنه. والأمر في الحقيقة يتطلب قدراً من الكياسة فيمكن الاعتذار
4. العلاقات الجنسية: هذه هي أشد القضايا حرجا وإرهاقا للطالب المغترب وقد يرى فيها تحديا يكون عليه أن ينتصر بإيمانه عليه فيسمو بغرائزه ويوجهها نحو مختلف المجالات السليمة. ولكن هذا إن صدق بالنسبة لواحد فإنه يصعب بالنسبة للآخرين لأن الغريزة غلابة والطالب المغترب والعامل المهاجر قد يقضى في دار غربته بضع سنوات في ريعان الشباب ووسط المغريات ولن يكون مفر من إقامة علاقات جنسية. وقد وضع الإسلام الحل لهذه القضية ولكن المسلمين لا يريدون الإفادة من الرخصة التي قررها ومن الحل الذي وضعه الرسول وفرضوا على أنفسهم العنت الذي رفضه الرسول "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم". وهذا الحل هو ما يطلق عليه الفقهاء "نكاح المتعة" وكلمة المتعة في حد ذاتها توضح لنا كيف تجرد المسلمون الأول من "العقد" التي استبعدت ألفاظ المتعة والاستمتاع والتمتع كما لو كانت خروجا على سمت الإسلام وما ينبغي له من حفاظ، والله تعالى أعلم من المؤمنين بأنفسهم وهو يعلم من الناس ما يخفون وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. وقد رخص الرسول بهذا النوع من الزواج المحدد المدة وجعل أحكامه كأحكام الزواج باستثناء المدة وقيل إن الرسول نهى عنه بعد ذلك ولكن المسلمين ظلوا يمارسونه طوال خلافة أبى بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنه عمر وحرّمه. وتحريم عمر يفهم منه بوضوح أنه هو الذي حرمه وليس الرسول ولو كان نهي عمر مبنيا على نهى الرسول لما احتاج إلى أن ينهى هو ولأحال الأمر على نهى الرسول فهو أولى. ويكاد يكون من المحقق أن عمر رضى الله عنه خشي إساءة استخدام الناس لهذه الرخصة فبادر بسد بابها وكان مصيبا في اجتهاده هذا. ولكن التحليل والتحريم مردهما إلى الله تعالى وليس إلى أحد من البشر وتحريم عمر لها لا يعنى استمرار تحريمها إذا جدت الأسباب التي من أجلها رخص الشارع فيها. وهو ما نعتقد أنه ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، حالة المغتربين.
(ملاحظة: ان المؤتمر الاسلامي الذي عقد في سراييفو قد أفتى بما يسمى " الزواج بنية الطلاق" ( زواج المتعة) بما يلي : فتوى 7/17
الزواج بنية الطلاق
"كما أن هذا الزواج يقع خارج إطار المشروعية القانونية، في دوائر التوثيق المدني، وفي إطار المراكز الشرعية التي تقوم بالتأكد من انطباق الأركان والشروط المتعلقة به، وقد سبق للمجلس أن قرر في الدورة الخامسة عشرة ضرورة التزام المسلمين بتوثيق عقود الزواج في الدوائر المدنية مع إجرائه في المراكز الإسلامية حفظاً للحقوق المتعلقة بالزوجين والأولاد"). ( هذه الملاحظة لنا. ح.م )

يضيف جمال البنا : "إن الأخذ بفكرة الاندماج يجب أن يكون عن طريق "استراتيجية" بعيدة المدى لها أهداف قد لا تتم إلا في المستقبل البعيد وبعد عدة أجيال".
"إن الاندماج في المجتمع الأوروبي – الأمريكي قد يتطلب الأخذ بمعظم مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه لا يتطلب – ضرورة – الأخذ بها كلها.
1. البعد عن المحرمات صراحة كشرب الخمر واكل لحم الخنزير والزنا.
2. ممارسة الصلاة وصيام رمضان
3. الحفاظ على اللغة العربية بأن يتحدث بها الأب فى المنزل مع الأبناء ويعلمهم إياها من الصغر ولا يهمل هذا الواجب فإنه سيكون الرباط بينهم وبين عالم الإسلام بحيث يمكن للأبناء أن يتحدثوا ويقرأوا ويكتبوا العربية.
4. يجب أن توجد تجمعات وتكتلات وتنظيمات تضم شمل الجالية الإسلامية وتعنى بمشاكلها وتساعدها للتغلب عليها وتطمئن على مُضى الاستراتيجية الموضوعة".

* فصل من كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث وبحوث أخرى". وفي هذا الفصل يوصي جمال البنّا بإمكانية أن ترتدي المرأة المسلمة القبّعة في الغرب، وبإمكانية زواج المتعة، الذي قال عنه الإمام علي: لولا أن عمر حرّم نكاح المتعة لما زنا إلا شقي. ويبدو أن هذين الموضوعين هما ما دفع الأزهر لمصادرة كتاب البنّا.
جمال البنا - jamala55@hotmail.comالحوار المتمدن - العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15
و هذه مداخلة أخرى فيها توصيف للواقع القائم في المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا 16 مليون مسلم.. وهم غير مندمجين تماماً في المجتمعات الأوروبية.. ليس لأنهم لا يرغبون في الاندماج ولكن لأن هذه المجتمعات ترفض استيعابهم والاعتراف بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.

يقول سايمون كيوبر ان هذا الاستعداد يحبط رفضا اجتماعيا من خلال تعامل تمييزي ضد شباب المهاجرين يمارسه المجتمع الأوروبي بتشجيع ضمني غير مباشر وغير معلن من أجهزة الدولة، فبعد 50 عاماً من هجرة الجيل الأول وحتى اليوم تبقى معدلات البطالة بين الشباب المسلمين عالية جداً رغم انهم مواطنون بحكم القانون، فالمؤسسات الإنتاجية والخدمية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص تمارس تحايلاً على القانون بشتى الوسائل لحرمانهم من التوظيف.

هستيريا «الحرب على الإرهاب» التي انطلقت بعد «أحداث سبتمبر» في الولايات المتحدة عام 2001 شحنت المشاعر الأوروبية ضد الأقليات المسلمة.. لكن التمييز ضد المسلمين المهاجرين سابق على هذه الأحداث بعشرات السنين،... احمد عمرابي عن صحيفة البيان الاماراتية6/10/2007.
أما الآن فسوف نقرأ مقاربة مسيحية للاندماج في المجتمعات الأوروبية: نحو مستقبل مشترك
بين المسلمين والمسيحيين
د.عادل تيودور خورى
أستاذ بكلية اللاهوت الكاثوليكية بجامعة مونستر
مدير معهد علوم الأديان المقارنة بألمانيا
كتب البابا بولس السادس سنة 1972 بمناسبة عيد الفطر إلى الأمة الإسلامية " ولماذا لا نقوم بتوسيع هذا اللقاء (بين المسيحيين والمسلمين)؟ فإن الغرض منه أن نقدم أمام وعى الناس بطريقة أشد شهادتنا للعدل والاحترام والمحبة… وبما أننا مشتركون فى الإيمان بالله الواحد، فعلينا أن ندعوه لكي يقربنا بعضنا إلى بعض كل يوم أكثر، حتى نستطيع، كل على طريقته، أن نعمل معا في سبيل حقيقة أسمى، وفى سبيل العدل والسلام في العالم. "(6).
. وإن المؤتمر الثاني المسيحي الإسلامي الدولي الذي عقد في فيينا من 14 إلى 16 أيار/ مايو 1997 قد اتخذ قرارا بهذا الصدد عن اقتراح قدمه الزميل الأستاذ الدكتور على مراد، أستاذ الإسلاميات في جامعة السربون في باريس. وينص القرار على ما يلي:
" إننا نؤيد عقد معاهدة صداقة بين المسيحيين والمسلمين على أساس الأهداف التالية:
بالنظر إلى عبء تاريخنا المشترك، نعلن رغبتنا وجهدنا في وضع حد نهائي لاتهاماتنا المتبادلة وفى التغلب على أخطائنا ومظالمنا بالغفران والتصالح المتبادلين.
إننا لا نتنكر لهذا التاريخ بل نقابله جاهدين في استنباط عبره وتخطى نقائصه. إننا نريد أن نبحث معا عن الطرق المؤدية إلى تسوية الخلافات بالوسائل السليمة وإلى تنحية أسبابها والحد من مظاهر التوتر المختلفة.
أما بالنسبة إلى الحاضر والمستقبل، فإننا نريد أن نعمل معا على أن نسهم إسهاما مشتركا في بناء حاضر أكثر إنسانية ونعد للأجيال المقبلة عالما يستطيع فيه المسلمون والمسيحيون أن يقيموا علاقة شراكة ويشدوا أواصر الصداقة فيما بينهم.
إن معاهدة الصداقة هذه نعيها كانفتاح عريض على الكل وكدعوة موجهة إلى الجميع."

إن مثل هذا القرار لمن دواعى الأمل بالنظر إلى مستقبل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
ا- أسئلة موجهة إلى المجتمع الأوروبى
إن هناك أولا قضية مبدئية تتعلق بإرادة البلدان الأوروبية استقبال المسلمين القادمين من أقطار مختلفة وتسهيل إقامتهم فى ربوع أوروبا والعمل على صهرهم فى المجتمع الأوروبى صهرا لا يلاشى ذاتيتهم ولا يجعل منهم من بعد أجانب قابعين فى زواياهم يتنكرون للمجتمع المضيف وأنظمته وثقافته وأساليب حياته. وينجم عن هذا الوضع السؤال عن الوسائل الناجعة للوصول إلى هذه الغاية. فإن المجتمع الأوروبى والمسلمين الذى قدموا إلى أوروبا لم يعوا فى الوقت المناسب خطورة هذه القضية ولم يستعدوا الاستعداد الملائم للعمل على إيجاد حل موافق يتنبه إلى جميع أبعاد القضية.
وهناك أسئلة أخرى جذرية يجب التعرض لها بإمعان، ويمكن التعبيرعنها بالكلمات التالية:
- كم يستطيع مجتمع ما، والمعنى هنا هو المجتمع الأوروبى والغربى، أن يتحمل ويستسيغ من الاختلاف والخلاف فى إطار نظامه وبمقتضى وعيه لأسس ذاته الخاصة؟
- ما مبلغ التوافق (وينبغى أن يتم الاتفاق على ذلك) اللازم لكى نبلغ إلى مجاورة سلمية ايجابية للأنظمة المختلفة؟
- ما مبلغ التوافق الممكن نظريا والممكن البلوغ إليه عمليا لننتقل من مجاراة الأنظمة ومجاورتها إلى مرحلة التعاون فيما بينها؟.
2- أسئلة موجهة إلى المسلمين فى المجتمع الأوروبى والغربى
- إن السؤال الأول، وهناك حاجة ملحة للأجابة عنه إجابة صريحة، هو هل يحق للمسلم وهل يمكنه، دون أن يفقد ذاتيته الإسلامية، أن يعيش فى بلد ديمقراطى قانونه ليس الشريعة الإسلامية، ولكنه يضمن لجميع المواطنين صيانة حياتهم ومالهم وحرية دينهم عقيدة وعبادات، كما هو الحال فى بلدان أوروبا والغرب؟
- والسؤال الثانى هو هل يرغب المسلمون فى الاندماج بالمجتمع الأوروبى والغربى، علماً بأن هذا المجتمع يحترم دينهم كما ورد فى المقطع السابق؟
هل هم مستعدون أن يشجعوا أولادهم على سلوك هذا الطريق لكى لا يبقوا غرباء فى الأوطان التى نزحوا إليها قابعين فى زاويتهم دون الاشتراك مع مواطنيهم فى ميادين الثقافة والحضارة؟ وهل هم مستعدون وهل عندهم الكفاءة اللازمة كى يشتركوا فى تصميم نماذج هذا التعايش الإيجابى مع غير المسلمين؟
- وأما السؤال الثالث فيتعلق بموقف المسلمين. نشأ كلام كثير عن قيام "إسلام أوروبى" ولكن القضية فى ذلك أنه لا يكفى مجرد وجود مسلمين فى أوروبا حتى يقوم " إسلام أوروبى" السؤال هو أن على المسلمين اتخاذ موقف واضح من أمور أساسية تتعلق بأنظمة المجتمع الأوروبى ومفاهيمه وهى الديمقراطية، والحرية الدينية للجميع، وحقوق الإنسان، ونظام الأسرة بما فيه مكانة المرأة فى الأسرة والمجتمع، وقوانين الحدود والعقوبات. وهناك أيضا ضرورة أخذ موقف واضح من نظام الدولة العلمانى، ولا تعنى العلمنة معاداة الدين فى أكثر بلدان أوروبا، بل توزيع الوظائف فى نطاق المجتمع دون تعرض الدين للتسلط على الدولة.
كل هذا يقتضى أن يكون لدى المسلمين علماء يقودونهم سبل الرشاد علماء متضلعون في علوم الإسلام عقيدة وشريعة، يتنبهون إلى أوضاع الجماعات الإسلامية فى البلدان المختلفة.

إننا مسيحيون ومسلمون نظرا إلى وعينا لمسئوليتنا المشتركة فى سبيل إقامة نظام اجتماعى عادل، يقع على عاتقنا واجب تضامن بعضنا مع بعض وجمع قوانا وتشغيل إمكاناتنا لإيجاد حلول موافقة لمشاكل عالمنا المشترك.
لا يجوز للمسيحيين والمسلمين أن يظلوا خصوما وأن يعمل الواحد منهم ضد الآخر. عليهم أن يضحوا شركاء يعمل الواحد منهم مع الآخر. أجل، وهناك أكثر من ذلك. عليهم أن يمسوا أصدقاء يعمل الواحد منهم فى سبيل الآخر ويعملون معاً فى سبيل البشرية جمعاء؛ أصدقاء تربطهم المودة التى ذكرها القران الكريم فى سورة المائدة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) .
حديث جميل جدا لا ينقصه الا أن يقبله الغرب الأوروبي و خاصة الكاثوليكي الذي ينطق باسمه البابا الذي بدأنا فيه مداخلة السيد خوري. ليت أننا نعي أنه لا قيمة للدين في الغرب ان لم يكن خادما للسياسة.
و هذا السيد خليل العناني يبين في مقالة له بعنوان "أوروبا العلمانية في مواجهة أوروبا الدينية" كيف يمارس المجتمع الفرنسي، الرسمي و المدني، مع المسلمين. أي بشكل لا يمكن أن يؤدي بأية حال الى الاندماج.
"بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أن قضية الحريات الدينية ـ خاصة فيما يتعلق بالمسلمين في أوروبا ـ ترتبط ببعدين أساسين:
أولهما: يتعلق بمدى القدرة على الحفاظ على أكبر قدر من التوازن بين ممارسة الحريات، وبين فصل الانعكاسات السياسية لهذه الحريات عن المجتمعات الأوروبية، أي فصل الدين عن الدولة فيما يعرف مجازاً بـ «العلمانية».
والبعد الثاني: هو مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه ممارسات المسلمين في أوروبا على غيرهم من ذوي الديانات الأخرى.
وعليه فإن التفرقة بين سلوكيات المسلمين وعاداتهم بشكل عام وبين سلوكيات وتصرفات الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية تثير تساؤلات عديدة حول حقيقة التعاطي الأوروبي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بشكل عام.
؛ فعلى سبيل المثال بات يُنظر إليه( أي سلوك المسلمين ح.م.) في فرنسا باعتباره عنواناً للأقلية المسلمة التي تعيش هناك، وتحولت المعاداة والريبة من قطعة القماش ( المقصود الحجاب ح.م) إلى النسيج الاجتماعي نفسه، ومن الحجاب إلى الديانة الإسلامية. وأصبحت مناطق الحظر تتوسع، وأخذ إطار الحرية لهذه الأقلية يتقلص شيئاً فشيئاً. فمن المدرسة أصبح الحديث عن المستشفيات، وطالب بعضٌ بأن تحترم العلمانية من طرف الطبيب والمريض؛ حيث تبين أن بعضاً من الطاقم الطبي النسائي يلبسن الحجاب؛ فقبل أن تكون طبيباً أو مريضاً عليك أن تكون علمانياً، ثم تم غلق مسبح كان يسمح فيه لسويعات معدودة في الأسبوع للنساء المسلمات بالترفيه عن أنفسهن بعيداً عن أعين الغرباء، حتى لا يتناقض مع مياه العلمانية التي ترفض الفصل بين المواطنين! ثم قام رئيس بلدية إحدى الضواحي الباريسية (Nogent sur marne) برفض الإشراف وقبول الزواج المدني لعروس؛ لأنها رفضت نزع الخمار، بدعوى عدم احترام القيم العلمانية للدول؛ لأن مقر البلدية رمز ومكان مبجل للجمهورية، ثم تلاه رفض أحد مديري المدارس دخول أولياء متحجبات إلى المدرسة لحضور حوار داخلي دعت إليه الدولة لمناقشة دور المدرسة، بدعوى علمانية المكان.
وكل هذه المظاهر الجديدة في المجتمع الفرنسي ليست شواذاً، ولكنها تعبير خطير عن عقلية جديدة بدأت تُنسج خيوطها في البيت السياسي أولاً، ثم تفشت في النسيج الاجتماعي، وهي الخوف والتوجس من هذا الدين ومن أصحابه، واعتبار أن جزءاً من هذا الوطن غير مرغوب فيه.
. ومن هنا فإن فرنسا لم تخفق في محاولتها دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي، وإنما تعمدت تهميشهم، وحصارهم داخل المناطق والجماعات المهمشة، وحشرهم داخل الأطر المشابهة، غير المؤهلة بطبيعتها للتمدد والتأثير الثقافي."
و في دراسة عن أوضاع المسلمين في أوروبا يقول د. توفيق بن عبدالعزيز السديري ما يلي: ... فمثلاً الوافدون من البلاد التي كانت مستعمرة من فرنسا فإنهم يفدون إليها، والذين كانت بلادهم مستعمرة من المملكة المتحدة فإنهم يفدون إلى انجلترا وهكذا، نسبة لروابط وعوامل ثقافية واقتصادية معروفة وبشكل عام فان الاقليات المسلمة في اوروبا تتشكل من فئات أربع وهم:
-1- الدارسون.
2- - الباحثون عن العمل.
-3- المسلمون من سكان البلاد الأصليين.
-4- اللاجئون السياسيون.
ففي بريطانيا تأتي أغلبية المسلمين من شبه القارة الهندية، أما في ألمانيا فالغالبية العظمى تركية المنشأ، وفي فرنسا حيث توجد أربع وعشرون جنسية مسلمة فإن معظم المسلمين من شمال افريقيا وبقية الدول الأفريقية، والمهاجرون المسلمون إلى أوروبا هم من الطبقة العاملة ومن البيئات الريفية، ونتيجة لذلك فإن المجتمعات المسلمة في أوروبا وبخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا تتضمن بصورة عامة مهاجرين فقراء مهرة أو غير مهرة حاولوا خلق نسخ عن بيئتهم الريفية في البلاد التي يقيمون فيها حديثاً، أما المستوى الثقافي والتنظيمي لهذه المجتمعات فهو متواضع، وقد ظهرت مشكلات جدية في التواصل حين تفاعلت مجتمعات الأقليات هذه مع المجتمعات المضيفة.
ففي بريطانيا توضح جميع الدلائل المتوفرة أن التمييز العنصري الواسع الانتشار يمثل عاملاً اساسياً يساهم في ارتفاع نسبة البطالة بين الأقليات العرقية وفي نوعية الأعمال الضئيلة الدخل التي يمارسونها، هناك ثلاثة وأربعون بالمائة من الباكستانيين والبنغلادشيين عاطلون عن العمل، بينما نجد في بعض مناطق لندن أن نسبة العاطلين عن العمل بين الأقليات العرقية بمن فيهم المسلمون هي نحو ستين إلى سبعين في المائة، ونجد النموذج ذاته في مدينة برادفورد التي يعيش فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
اما الذين يعملون فلديهم مهن ذات أجور ضئيلة ومرتبة اجتماعية أقل من العمال البريطانيي المنشأ، وقد بينت الأبحاث ان المسلمين يواجهون تمييزاً عنصرياً حتى في الوظائف الإدارية وفي بعض المهن مثل الطب والتعليم. وفي دراسة حول الأطباء تبين أنه في حين يشكل الأطباء المسلمون الذين يعملون وراء البحار ثلث عدد جميع اطباء المستشفيات في إنجلترا وويلز، إلا أنهم ينحصرون في المراتب الدنيا وفي اختصاصات غير مفضلة، وتبين الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأطباء ينتظرون مدة اطول من أجل ترقيتهم، وعليهم تقديم طلبات أكثر من زملائهم البريطانيين لشغل المناصب، وقد وجدت دراسة اخرى ان المعلمين من المسلمين قد وضعوا في اسفل السلم التصنيفي بشكل غير متكافىء مع زملائهم البريطانيين، وأظهرت دراسة جرت حول الذين يتخرجون في الجامعات انه يصعب على المتخرجين من الأقليات العرقية الحصول على عمل مقارنة مع زملائهم البريطانيين الذين يماثلونهم في الكفاءات.
وهكذا نجد الغربيين ينظرون إلى المسلمين في ديارهم على أنهم وجود غير مرغوب فيه، والغربيون في تصورهم أن الصدام بين الإسلام والغرب لابد منه، ففي سنة 1993م كتب مدير معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة هارفارد «هانتينجتون» كتابه عن حتمية الصدام بين الحضارات وزعم ان الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين المناطق الحضارية وخاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.
فالذهنية الغربية بل الاستراتيجية الغربية صراع وصدام لا تعايش ووئام، وفي هذا النحو المشحون بالكراهية والتربص كيف نتخيل أن تعيش الأقليات المسلمة في دول الغرب آمنة ومطمئنة. و نحن من جهتنا نوافق على استنتاج الكاتب.
و في دراسة هامة عن إشكاليات حوار الثقافات في عالم متغيّرللدكتور عبدالله تركماني
التاريخ: 2005/08/18يقول
اختلاف المرجعيات الثقافية: يعود السبب الرئيسي لفشل الحوار العربي ـ الإسلامي مع الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى اختلاف المرجعيات الثقافية والعقائدية والتجارب التاريخية، والذاكرات الجماعية التي ينطلق منها كل فريق حين يخاطب الآخر من ناحية، وتباين طرق الحياة والتفكير السائدة في مجتمعات المتحاورين من ناحية ثانية، وتباعد وأحيانا تناقض الأهداف التي يسعى كل فريق إلى تحقيقها من خلال قيامه بمحاورة الآخر من ناحية ثالثة.
الدعوة إلى " صراع الحضارات ": ثمة اتجاهات في الغرب تعمل على تعطيل الميل نحو ثقافة عالمية قائمة على التنوّع البشري الخلاّق، ومن ذلك فكرة " صراع الحضارات " التي أطلقها صموئيل هنتغتون والتي تتناقض مع فكرة العولمة التي يفترض فيها أن تقوم على التنميط أو التوحيد الثقافي. إذ يقول: " إنّ الحضارات هي القبائل الإنسانية، وصدام الحضارات هو صراع قبلي على نطاق كوني ". ويذهب هنتغتون إلى تعريف موضوعه بالقول " إنّ الثقافة والهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة ". ويبشّر بعالم تكون فيه الهويات الثقافية - العرقية والقومية والدينية والحضارية - واضحة، وتصبح " هي المركز الرئيسي، وتتشكل فيه العداوات والتحالفات وسياسات الدول طبقا لعوامل التقارب أو الاختلاف الثقافي ".
ثم أنّ مقولة " صراع الحضارات " تحيل واقعيا إلى مقولة " العدو الضروري " الذي تقتضيه قواعد اللعبة السياسية، بعد أن تم القضاء على " إمبراطورية الشر ". فما أن فرغت الولايات المتحدة الأمريكية من حربها على " المعسكر الاشتراكي " حتى برز الإسلام، و" التطرف الإسلامي " عدوا جديدا يهدد " العالم الحر "، المتمدن، على افتراض أنّ الإسلام هو " القبائل البربرية " التي تهدد حصون روما الجديدة.
هنتغتون الثاني
وحدد هنتغتون في كتابه ثلاثة عوامل تلعب دورا رئيسيا في تكوين الشخصية‏:‏ اللغة والثقافة والهوية‏.‏ وقال: إنّ هذه العوامل الثلاثة لدى الكاثوليك المكسيكيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة تختلف عن العوامل المكونة لشخصية الأنغلو- سكسون البروتستانت البيض‏.‏ وأنه نتيجة لذلك فإنّ الولايات المتحدة معرضة لأزمة قد تؤدي بها إلى انقسام يشطرها إلى شطرين وطنيين‏،‏ ذلك أنه إلى جانب الجذور الإنجيلية البريطانية المتأصلة في التيار السائد في السياسة الأمريكية،‏ تنغرس الآن في المجتمع الأمريكي جذور الكاثوليكية المكسيكية،‏ مما يعني احتمال ـ بل بداية ـ نشوء تيار جديد،‏ ومما يعني تاليا أنه لابد للتيارين الحضاريين من الصدام نظرا للاختلافات وللتباينات العميقة بينهما‏.‏
في الكتابين يجعل من الإسلام ومن الكاثوليكية عدوين للقيم البروتستانتية الأنغلو- سكسونية ويدعو إلى مواجهتهما معا‏.‏ الإسلام في الجبهة الخارجية علي مستوى العالم،‏ والكاثوليكية في الجبهة الداخلية على مستوى المجتمع الأمريكي‏.‏
اللاتكافؤ الثقافي وصورة العربي والمسلم في الوعي الغربي
العلاقة بين الطرفين الإسلامي والغربي تتسم بالنزاعات وغياب الثقة، وتعود هذه المشكلات إلى اسباب ثلاثة هي: المصالح المتباينة والسياسات الراهنة والعوامل الثقافية والنفسية. إضافة إلى اتجاه العلاقات التاريخية المتجذرة والتي حكمت الصور السلبية المتبادلة والحذرة، فهذه العلاقات كانت تقوم في مجملها على صراعات سياسية وعسكرية بنت خلافات ثقافية ومعرفية تؤسس للصراع ولا تدعو إلى الحوار.
وللعرب مع السينما الغربية قصة طويلة، هي التي دفعت إلى أبلسة العربي والمسلم تمهيدا للانقضاض عليه، وفي سبيل ذلك استدعى الغرب مخزونا من الوعي الاستشراقي بالمنطقة ترجع بداياته إلى عصور الحروب الصليبية، وابتدع معلومات مشوهة ليس لها جذور على أرض الواقع، اختلط الحق فيها بالباطل، والزيف بالحقيقة، والتضليل بالإعلام، غير أنّ إجمالى عدد الأفلام التي تصور العرب بصورة إيجابية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وتحصي دراسة أعدها جاك شاهين واستمرت 20 عاما 12 فيلما فقط أنتجتها هوليوود وتضمنت صورا إيجابية للعرب وذلك من بين نحو ألف فيلم.
‏ وحول الصور النمطية السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن العرب والمسلمين، رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز‏ " A . D . C "‏ الكتب المدرسية فوجدت أنّ هذه الصور تصف العرب بأنهم عبيد الرمال وراكبو الجمال‏،‏ وأنهم سفاحون ومحاربون ومتطرفون‏،‏ ومغتصبون،‏ ومضطهدون للمرأة،‏ كما تصف هذه الصور الفلسطينيين بأنهم إرهابيون ومفجرو طائرات‏،‏ يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر‏.‏ أما النساء العربيات فينظر إليهن على أنهن مضطهدات من الرجال،‏ وأنهن راقصات سلبيات عاريات يقعن في حب الرجل الغربي لينقذهن من شر الرجل العربي‏،‏ ليست لهن شخصية ولا صوت‏.‏ كما تبين أنّ مناهج الدراسة في عديد من الدول الأوروبية تخلط بين العرب والمسلمين‏،‏ وتصور الإسلام بأنه دين جبري وقدري لأنه يدعو إلى التسليم للأقدار،‏ ويدفع معتنقيه إلى اتخاذ مواقف تتسم بالاستكانة وعدم التفاعل مع الأحداث،‏ وأنّ هذه الفلسفة الحياتية هي السبب الرئيسي في تأخر المسلمين‏.‏
ليس لنا أن ننهي بحثنا من غير أن نطل على جزء من الشعب الفرنسي و الذين يدعون ب "Pieds-Noirs "، اي " الأقدام السوداء" و هؤلاء هم أبناء المستعمرين الفرنسيين الذين اضطروا للبقاء في الجزائر ابان الاستعمار الفرنسي لها. و حيث أنهم اختلطوا بالشعب الجزائري بشكل أو بآخر أصبحوا منبوذين من الشعب الفرنسي. جاء في الموسوععة "ويكبيديا" ما يلي:" بشكل عام شعر "الأقدام السود" أنهم منبوذون عند عودتهم الى فرنسا. كان عليهم أن يجابهوا الشتائم العنصرية ، و خاصة من اليسار الشيوعي الذي اعتبرهم كمستغلين قدامى.
مصابون بالاحباط ، بعد أن فقدوا ما كانوا اغتصبوه في الجزائر وصل هؤلاء الى فرنسا على مراكب محملة بالكثير منهم، استقبلوا من قبل الفيديرالية العامة للعمل، و ذلك في مرسيليا . فما كان من المسؤولين في المدينة الا أن طلبوا مغادرتهم ، على خلفية عنصرية.
أشهر هؤلاء كان "ألبير كامو" "Albert Camus " الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1957 . و حيث أنه كان يشعر نفس الشعور الذي كان يعانيه أقرانه، كتب روايته "الغريب" "L'étranger " . و هذه الرواية رائعة في رمزيتها.
تتحدث الرواية عن شاب فرنسي يدعى "مورسو" "Meursault" يعيش في الجزائر عندما كانت لا تزال مستعمرة فرنسية. و بعد فترة أبلغ بطل الرواية بواسطة برقية ، أن أمه قد ماتت على التو. ذهب الى مأوى العجزة حيث كانت ترقد أمه. و عوض أن يجلس بجانب أمه المتوفاة بانتظار انتهاء مراسم تهيئتها للدفن راح يحتسي الجعة في المقهى و لم يظهر أي شعور يوحي بأنه ولد مفجوع بوالدته.
بعد زمن التقى بأحد جيرانه و يدعى "ريمون" " Raymond Sintès الذي دعاه الى الذهاب الى الشاطىء . و هذا الأخير كان قاسيا مع عشيقته المغربية و كان يخاف من ردة فعلها. لذلك ترك الشاطىء و ذهب. التقى صاحبنا بأحد العرب ( من غير اسم) و يظهر أنهما تناكفا ، فأخرج العربي سكينا ، فما كان من بطل الرواية الا أن عاجله بعدة رصاصات من مسدس تركه معه جاره الفرنسي، فقتله.
سجن لمدة سنة و حكم عليه بالاعدام لأنه خالف عادات مجتمعه الفرنسي و لم يظهر الأسى على وفاة والدته.
رمزية رائعة! يعيش في الجزائر، بعيد عن أمه (الأم ترمز الى الأرض)، و أعلم بوفاة أمه و لم يظهر الأسى لأن أرضه فرنسا قد نبذته و تركته في الجزائر . جاره أعطاه السلاح . و هكذا كانت تفعل الدولة الفرنسية ،تسلح الموجودين في المستعمرات حتى تتمكن من استغلال هذه المستعمرات و اضطهاد أهلها. فجاره الفرنسي عشيقته مغربية، تؤمن له ما يريد و يعاملها بقسوة. اذن تأمين متطلباته منها واجب عليها، و ليس لها بذلك منة ( و هل هناك عنصرية أكثر من هذا ؟). و نضيف أن العربي الذي التقاه ليس له اسم ( فالعربي دور و وظيفة و ليس انسانا، لذلك يجب أن يموت عندما يحاول أن يدافع عن وجوده).
لم يلتزم بتقاليد المجتمع الفرنسي لأن هذا المجتمع نبذه. لذلك حكم عليه بالاعدام. اذن عليه الخضوع لعادات هذا المجتمع سواء تقبله أم لمن يتقبله . نضيف بأن قتل العربي ،كما تبين الرواية، ليست جريمة يعاقب عليها القانون.
ان روعة هذه الرواية هي باظهارها مدى عظم العنصرية عند الفرنسي . كما و أنها تظهر و بوضوح مدى الاحباط الذي يعيشه " الأقدام السود". و هل نعجب عندما يقول "ألبير كامو" ان بلدي هو اللغة الفرنسية. "Ma patrie est la langue française ".
نسأل : اذا كانت معاملتهم ( السلطات و أبناء المجتمع) لأبناء جلدتهم بهذا القدر من التمييز و العنصرية، فبالله عليكم كيف يعاملون العربي أو الافريقي أو المسلم؟
منذ عدة أيام اصطدمت دراجة نارية صغيرة باحدى سيارات الشرطة في احدى الضواحي الباريسية ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن شهود ان ركاب سيارة الشرطة لم يكلفوا أنفسهم، التحقق من حال الشابين المرميين أرضاً واكتفوا بمغادرة المكان بواسطة سيارة أُرسلت لهم خصيصاً.
وقالت شاهدة قدمت نفسها على انها من أعضاء المجلس البلدي للمنطقة ان رجال الإسعاف تأخروا كثيراً ولمدة ربما تفوق الساعتين قبل وصولهما الى مكان الحادث. (– أرليت خوري الحياة - 27/11/07//).
و مات هذان الشابان لأنهما تركا ينزفان ، ذلك أنهما من أصول عربية . صحيح أن هذا الحادث قد تسبب بأحداث عنف . و لكن كيف لهؤلاء أن يتحملوا هذه المعاملة و هم يدرسون ليل نهار عن حقوق الانسان و المجتمع المتحضر الذي يحترم الانسان .... الخ من هذه لترهات البالية الذي لا يصدقها الا موهوم، حتى لا نقول خلاف ذلك.
لن نطيل أكثر ، و لكن بقي أن نشير الى نمط مختلف من التحليل لظاهرة عدم الاندماج جاء به د.محمد البشاري في مقالة بعنوان " أبعاد مفهوم الأقليات". يقول :
"الأقلية مفهوم استفزازي: ليس مصطلح "الأقلية" و"الأقليات" مصطلحا حياديا… إنه مصطلح استفزازي، بمعنى أنه مثير للتمايز المزدوج. فمن جهة الأكثرية يعزز المصطلح / المفهوم شعور بالفوقية والاسترخاء في نرجسية راضية عن الذات، مطمئنة إلى سلطانها وهيمنتها، لكنه في الوقت عينه يبعث على "الاسترابة" بالآخر والتشكك فيه. أما من جهة الأقلية نفسها، فالمصطلح / المفهوم يثير الإحساس بالدونية والقلق على الذات والمصير، والرغبة في الاحتياط من خطر الذوبان، أما الاجتياح، أو الابتلاع… وهو خطر قد يكون حقيقيا، وقد يكون ممكنا أو متخيلا أو موهوما… كما أنه محفز للبحث عن ملجأ أو حماية داخلية أو خارجية.إنه من أكثر المصطلحات اكتنازا بمغريات الفتنة والواقعية… والتعريض عليها، فيه ثمة تذكير دائم "باللاأمان" الاجتماعي والسياسي والوجودي والاعتقادي، وبالتالي فهو مفاعل تقسيدي، أو ممانع للحمة، أو قابلية اختراقية".
ان هذا التحليل مهم جدا لعله يكون أحد العوامل التي تدفع الجانبان الى التباعد أحدهما عن الآخر.
نضيف فنقول بأن أحد أهم العوامل التي تساعد ان لم نقل تدفع الى عدم تقبل كل طرف للطرف الآخر هو كون أحد الطرفين كان مستعمرا (بفتح الميم) و الطرف الآخر مستعمرا (بكسر الميم). فالطرف الذي استعمر الشعوب و استخرج خيراتها و خرب بيئتها و ترك هذه البلاد قاعا صفصفا يتحمل وبشكل حتمي مسؤولية ما قدمت يداه . وحيث أن المستعمرين يتصرفون و كأنهم لم يدمروا هذه البلاد ، فهذا ما يترك شعورا في لاوعي الشعوب التي تعرضت للاستعمار بأن لهم دينا مع الدول التي استعمرتهم . لذلك نرى تصرفاتهم تصرفات غير سوية أحيانا و كأنها تعبر عن ردة فعل ازاء مستعمريهم السابقين . و هذا يذكرنا بتصرف العامل ازاء الآلة التي يعمل عليها ، عندما يخربها انتقاما من استغلال رب العمل له باستيلائه على قوة عمله من دون بدل عادل. هذا من جهة الوافد. أما تصرف الغربي ازاء المهاجر فانما يتسم بالفوقية و التمييز لأنه لم يتعود على معاملة الشعوب التي استعمرها كما يجب معاملة الانسان ، فكيف له أن يعامله الآن على سبيل المساواة. فيبدو ذلك شبه مستحيل ، ان لم يكن كذلك.
ما الحل اذن لهذا الوضع؟ هل علينا تأبيد عدم الاندماج ؟ أم علينا التفكير بحل ما؟
لا يمكن المساواة بين هذه الشعوب و تقبل كل منها للآخر قبل أن يأخذ كل ذي حق حقه من الطرف الآخر . و هذا يستدعي :
أولا: التعويض النفسي للشعوب التي كانت مستعمرة (بفتح الميم). و ذلك باعتذار رسمي و شعبي و تلاوة فعل الندامة عما اقترفت أيادي المستعمرين من جرائم بحق هذه الشعوب. يقول كارل ماركس في البيان الشيوعي :"ان شعبا يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون حرا".
ثانيا : و حيث ان تلاوة فعل الندامة وحده لا يكفي ، لذلك يجب على هذه الدول التعويض العادل لهذه الشعوب عن استغلالهم للأراضي الزراعية و استغلال المناجم و استيلائهم على الخامات و تخريبهم البيئة ، بيئة البلاد التي استعمروها سابقا.
ثالثا: مساعدة الشعوب على النهضة الفعلية في جميع الصعد الاقتصادية و السياسية و التربوية ....
ان مثل هذا التعويض سوف يؤمن نوعا من المساواة بين هذه الشعوب مما يمكنها من التعايش سوية من غير أي نوع من أنواع عقد النقص الدونية منها أو الفوقية. و هذا ما يؤمن حسب تصورنا امكانية الاندماج . فجميع النصائح و الفتاوى و زواج المتعة أو الرقص مع الفتيات أو وضع القبعة بدل الحجاب أو التخلي عن الدين، جميع ما تقدم لا يؤمن الاندماج . ان ما يمكن الطرفان من الاندماج هو شعورهم بالمساواة و بحاجة كل طرف للآخر بحيث يمكنهما معا من تامين التكامل الذي يحتاجانه.

حسن ملاط – القلمون

mallat8@googlemail.com
كانون الأول - ديسمبر 2007