بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 9 ديسمبر 2017

للذكرى فقط


·    أواخر السبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، كانت المقاومة الفلسطينية ناشطة. جاءت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني وأعطتها زخماً إلى الأمام. فقد نتج عن هذه الثورة المباركة صحوة إسلامية شاملة، حتى أن الحركات الإسلامية التي كانت توالي السعودية آنذاك، اضطُرت أن تأخذ موقفاً مؤيداً نسبياً للثورة الإسلامية.
كان رد السعودية على الثورة إشعال الحرب ضدها من قبل العراق وبتحريض من دول الخليج والإدارة الأمريكية. وكذلك أشعلت السعودية، وبالتعاون مع أمريكا حرباً ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان.
هذه التحركات أدت إلى انكفاء المقاومة الفلسطينية مما مكن الكيان الصهيوني من اجتياح لبنان.
فبدلاً من جمع الطاقات ضد الكيان الصهيوني،كان هناك تشتيت للقوى خدمة للشيطان الأمريكي.
·    الحرب في أفغانستان أدت إلى انبثاق تنظيم القاعدة بقيادة ابن لادن، بعد أن كشف لعبة السعودية والإدارة الأمريكية ضد الصحوة الإسلامية، وأعلن الحرب على الإدارة الأمريكية.
لم تتمكن الإدارة الأمريكية من القضاء على القاعدة التي اختطفت أنظار جميع الذين يريدون محاربة الإستكبار العالمي.
في ال2001 وبعد تفجير برجي نيويورك والبنتاغون، قررت الإدارة الأمريكية شن العدوان على أفغانستان بزعم تصفية القاعدة.
كان الشريك الأول للإدارة الأمريكية في عدوانها على أفغانستان، إيران. فقد كانت القوات الإيرانية هي طليعة القوات الأمريكية. وكانت جائزتها نيابة الرئيس الأفغاني، بحيث أصبح نائب الرئيس الأفغاني فارسياً.
ولجأت القاعدة إلى إيران. نتيجة هذا اللجوء أصبح تركيز العمليات العسكرية للمنظمات المرتبطة بالقاعدة في العراق ضد المسلمين الشيعة، بدلاً من استهدافها الأمريكان فقط.
·    قامت الإنتفاضة ضد حكم الأسد، والتي كانت تطالب بقسط من الحريات وبعض المطالب السياسية والإجتماعية. جابهها النظام بالسلاح. رغم ذلك حافظت الإنتفاضة على سلميتها. ولكن دول الخليج، ومن أجل إجهاض هذه الإنتفاضة سلحوا المجرمين الذين أخرجهم النظام من السجون من أجل إجهاض الإنتفاضة.
وتحولت الإنتفاضة المباركة إلى حرب بينية يرأس طرفاً منها السعودية وقطر والطرف الآخر إيران.
وتمكنت السعودية وإيران من تحويل الإنتفاضة إلى حرب مذهبية. وأعلنت السعودية أن إيران هي العدو الأول. بالمقابل أعلنت إيران أن السعودية هي العدو الأول.
ولا تزال الحرب في سورية مستمرة حتى دمرت معظم المدن السورية خاصة بعد تدخل روسيا في تدمير هذه المدن.
بعد ولادة داعش وتسليحها من قبل مختلف الأطراف المشاركة في الحروب البينية وسيطرتها على مساحة كبيرة من سورية والعراق من غير حروب. قررت أمريكا ضرورة تدمير العراق. وكانت حربها في الجو يرافقها المنظمات الموالية لإيران في البر بالإضافة إلى تشكيلات من الحرس الثوري الإيراني. وتم تهجير معظم المدن والقرى "السنية" وتدميرها. وأصبحت إمكانية التعايش بين مختلف مكونات الشعب العراقي شبه مستحيلة.
·    هذه هي حروب المنطقة التي قادتها السعودية وإيران. السعودية تتاجر بالسنة وإيران تتاجر بالشيعة. وهذه الحرب لا علاقة لها بنصرة الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، ولكنها تؤدي فقط إلى تأبيد الإحتلال الصهيوني لفلسطين وإجهاض أي تحرك شعبي من أجل تأمين حياة مستقرة في الإقليم.
·    من سينتصر؟ المنتصر سيكون طبعاً الأمريكي الذي سيواصل استعباده للناس، حيث أن كل من الأنظمة المتحاربة سيقدم في البداية أو في النهاية أوراق اعتماده للأمريكي الذي سيحدد دور كل طرف في هذا الإقليم.
·    هل من مصلحة للشعوب في هذه الحروب؟ هذه الحروب هي لإجهاض أي تحرك تحرري لهذه الشعوب. النتيجة المركزية لهذه الحروب هي تشويه وجهة القتال، بحيث تحول من قتال ضد العدو إلى قتال بين فئات الشعب المختلفة.
الرابح الوحيد في هذه الحروب، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية هم تجار الحروب المحليون المسيطرون على إقتصادات الدول المشاركة، المافيات الناهبة بأسمائها البراقة!

                       9 كانون الأول 2017

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

عن التربية


العصبية العشائرية أو القبلية تُورّث من الآباء إلى الأولاد منذ الصغر. فالولد يُربى على هذا الإنتماء الذي يزرعه الآباء عند أولادهم بأن لهم ميزات على غيرهم.
العصبية الطائفية أو المذهبية لا تختلف عن تلك القبائلية أو العشائرية.
وجميع هذه العصبيات تدخل في نطاق الآية الكريمة: "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ". 
وعندما نعلم بأن الله تبارك وتعالى قد رفض هذه المعادلة، بقوله: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ فما الذي يمكننا قوله عن انتماءاتنا الحالية؟
في بعض الدول الأجنبية يسألون الشاب المولود في البلد من أبوين أجنبيين إن كان يريد هوية البلد الذي وُلد فيه، ولكن عند وصوله إلى سن معينة تسمح له بالإختيار.
هل جددنا إيماننا بانتمائنا الديني عندما وصلنا إلى سن معينة؟
إذا كان الأبوان يعتقدان بصحة ما هما عليه من القيم، فهل هذه الصحة مطلقة حتى يُحَمّلوها لأولادهم غصباً ومن غير اختيار الأولاد؟
حتى لا يكون الأهل "آبائيين"، وحتى يكون الأولاد متوازنين عاطفياً وفكرياً، على الأهل أن يربوا الأولاد على القيم التي توافق المجتمع على صحتها في الوقت الذي يكبرون فيه. وكما عليهم أن يربوهم على إمكانية التمييز بين السيء والحسن، كما وبين الحسن والأحسن... إلخ
أما أن يستعبد الأهل عقول أولادهم، فإن أفضل ما يمكن الوصول إليه هو ما نراه أمامنا: حروب طائفية، مذهبية، إتنية...إلخ
هل من فرق بين الطفل الكردي والعربي والسني والشيعي والأرثوذكسي والماروني؟ لماذا يكبرون ويجدون التقاتل فيما بينهم طبيعياً؟ بسبب تربيتهم المشوهة! أليس كذلك؟
جاء طفل يُحادث طفلاً آخر، قال له: هل تعلم أن فلاناً اغتصب السلطة من فلان (منذ 1400 سنة)؟
رد الطفل الآخر: وما يعنيني؟ فكان جواب الأول أن والده (الدكتور) قال له ذلك.
لن أكمل القصة حتى لا أعود إلى ما كنت عليه من الإشمئزاز عند سماعي الكلام من الأطفال أنفسهم.
ما هو واضح أن التربية المشوهة هي التي تقضي على المجتمع. وذلك بتشويهها للصراعات الحقيقية التي تقوم في جميع المجتمعات الطبقية، المجتمعات التي يوجد فيها الظلم أو في البلدان المستعمرة.
بالطبع، هذا موضوع بحاجة ماسة إلى معالجة يُشارك فيها كل مهتم ببناء جيل واع يُدرك أهمية دوره في بناء الإنسان المتوازن والأوطان الآمنة والمستقرة والحرة!
                                  6 كانون الأول 2017




الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

ماذا عن "همروجة" السلاح؟

        
حسن ملاط
ما يثير الإستغراب أن البعض في لبنان يطرح موضوع سلاح حزب الله من دون أخذ الظروف العامة في البلد بعين الإعتبار.
أولاً
1-        إذا كان حزب الله يريد أن يلعب دوراً إقليمياً بواسطة سلاحه، فلا يمكنه فعل ذلك إلا إذا كانت الأوضاع داخل البلاد مستقرة. من هنا فلا يمكن لسلاحه أن يكون عامل عدم استقرار.
2-        إذا كان حزب الله يريد أن يحافظ على المكتسبات التي حظي بها أبناء مذهبه، فعليه أيضاً المحافظة على الإستقرار.
3-        التعاون مع المذاهب أو الطوائف الأخرى يتطلب من حزب الله تحييد سلاحه وعدم استخدامه في الداخل اللبناني.
4-        ما سبق يبين بوضوح أن سلاح الحزب ليس عامل عدم استقرار إلا عند الذين يريدونه كذلك لأسباب ذاتية لا موضوعية.
ثانياً
أ‌-              إذا أخذنا بعين الإعتبار التهديد الذي يشكله الكيان الصهيوني على حدود لبنان الجنوبية، عندها يصبح سلاح حزب الله عامل استقرار بمنعه الصهاينة من الإعتداء على لبنان.
ب‌-       أما إذا علمنا أن جميع المستعمرين الصهاينة مسلحون، فهذا يعني أن ما يتحجج به البعض بأن السلاح هو عامل عدم استقرار هو خاطىء أيضاً. اللبناني يقتني السلاح منذ ما قبل تشكيل الكيان اللبناني أو أي كيان آخر. من هنا وجب أن يكون المطلوب هو ضبط السلاح وعدم استخدامه إلا ضد العدو الصهيوني، سواء كان هذا السلاح في أيدي أحزاب أو مجموعات أو أفراد!
هل خطر في بال أحد من المطالبين بجمع سلاح الحزب أن يتساءل عن سبب عدم طرح هذا الموضوع سواء داخل الكيان الصهيوني أو داخل كيانات أخرى حيث السلاح منتشر بين الأفراد؟
ثالثاً
أما عن الحسابات البراغماتية عن الخسائر التي يمكن أن يسببها أي اعتداء صهيوني على لبنان، فنقول: في المسألة الوطنية لا يجوز طرح هذا السؤال وخاصة بهذا الشكل.
الأولوية هي لمجابهة العدو، لذا فالسؤال يكون: ما هي العوامل التي علينا توفيرها حتى يكون قتالنا للعدو أكثر جدوىً وأقل خسائر. ولا تكون الموازنة بين قوة العدو العسكرية وقوة حكوماتنا العسكرية أيضاً. فهذه الموازنة ستكون نتيجتها المحافظة على وجود العدو لأنه لا يمكننا منافسته.
لو أن المقاومة الفرنسية فكرت بهذا الشكل، لكان النازي لا يزال حتى الآن يسيطر على باريس. نفس الكلام ينطبق على المقاومة الفيتنامية ضد الإدارة الأمريكية أو الصينية ضد اليابان...إلخ
صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود، طبيعته تختلف عن الصراع القائم في سورية أو العراق أو اليمن. فاليمنيون سيتفقون مع بعضهم البعض وكذلك سيفعل السوريون أو الليبيون أو العراقيون. مجرد اتفاق هذه الأطراف على تسوية ما تنتهي الحرب البينية. أما الحرب مع الصهاينة فلا تنتهي إلا بإزالة الطبيعة الصهيونية للحكم في فلسطين وبعودة كل من لا يرضى أن يكون فلسطينياً إلى بلده الأصلي.
القضية الوطنية لا يُمكن التعامل معها، ابتداء بميزان الربح والخسارة، إنما بميزان تأجيج الصراع لتوريط أكبر عدد من الناس فيه. فعلى التقنية الحديثة لا ينتصر إلا الإنسان المؤمن بقضية شعبه والمستعد للتضحية. وهذا ما أعطتنا إياه تجارب جميع الشعوب الحرة.
لذلك، فالمطلب الوطني لا يكون إلا بتنظيم السلاح وضبطه حتى يكون ذو فعالية لمجابهة العدو الصهيوني.

                          28 تشرين الثاني 2017

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

ماذا عن الوضع في لبنان؟

          
حسن ملاط
كان لاستقالة الرئيس الحريري الأثر الكبير في زعزعة الإستقرار الذي كان سائداً في البلاد خلافاً لما هو حاصل في المحيط. ولكن الظروف التي أحاطت هذه الإستقالة تركت آثاراً كبيرة على مكونات الإجتماع اللبناني، ليس من السهل تجاوزها.
في الأستقالة
لم يكن هناك أي مؤشر يوحي بأن الرئيس سيستقيل من منصبه. ما جرى هو استدعاؤه إلى السعودية والطلب منه الإستقالة، هذا إذا أحسنا الظن، ولكن الوقائع تشي بخلاف ذلك، هذا إذا اعتمدنا على المصادر الأجنبية، فرنسية، أمريكية، بريطانية أو المانية...أو غيرها. وجميعها تؤكد أن الحريري لا يمتلك الحرية بالتعبير عن رأيه في المكان الموجود فيه.
أما عن المقابلة الصحفية التي أجراها، فهي تقول بأنه ليس بأوضاع طبيعية.
كانت ردود الفعل على الإستقالة وطنية بامتياز. فجميع مكونات الإجتماع اللبناني انتقدت الطريقة التي تمت بها الإستقالة. ومنها من اتهم النظام السعودي علناً ومنها من أشار إليه ضمناً. ولكن المتفق عليه كان هو أن الإستقالة غير قائمة حتى عودة الحريري إلى لبنان.
الإستقالة و"سنة" لبنان
لقد بذل الرئيس رفيق الحريري قصارى جهده، وبالتعاون مع النظام السعودي لتحويل السنة إلى طائفة... ولم يُفلحوا. السنة في لبنان لا يملكون شعور الأقلية، لذلك لا نرى التماسك الطائفي أو المذهبي الموجود عند الطوائف أو المذاهب الأخرى.
جميع المعارك التي جرت في لبنان لم تتمكن من زحزحة الأغلبية الساحقة من "سنة" لبنان عن مواقفهم الوطنية أو القومية. ولكن الأموال التي دفعتها السعودية ودول الخليج لل"دعاة" تمكنت من خلق أقلية عند السنة تتحدث باللغة المفروضة على الإقليم من رعاته الإقليميين، الرعاة الذين آلوا على أنفسهم أن يشتتوا الشعب من أجل الإحتفاظ بمكتسباتهم القائمة على نهب خيرات شعوب هذا الإقليم. وهذه الأقلية تملك إمكانية الحركة أكثر من غالبية السنة بسبب من الدعم الخارجي المعد من أجل قسمة المسلمين والمجتمعات المحلية.
وبما أن الطبقة السياسية السنية تتبنى طروحات الذين يمسكون زمام الأمور، أعني السعودية وبعض دول الخليج، فاستقالة الرئيس الحريري ستترك آثاراً كبيرة على المكون السني في الإجتماع اللبناني.
الضغط الذي مارسته السعودية على الحريري والتعامل الذي يتسم بالبربرية معه أحدث شرخاً داخل التيار الذي يدين للسعودية في نشأته والذي يمثل السنية السياسية بأغلبيتها. فبعد أن كان هذا التيار متماسكاً، تمكنت السعودية من إحداث انقسامات في الرأي داخله، لن يتمكن حتى الحريري من معالجتها في حال عودته. فالسعودية لن تثق به بعد الآن، ولا وجود لأية شخصية بإمكانها توحيد غالبية السنة كما كان يفعل الحريري الذي ورث هذا التماسك في الطائفة عن والده. وهذا يعني أن الطوائف الأخرى سوف يصبح بإمكانها التعامل مع المكون السني كما تعاملت مع الموارنة بعد اتفاق الطائف الشهير.
من هنا، يمكننا القول وبكثير من الثقة أن السعودية قد خسرت معركتها في لبنان وتمكنت من إحداث شروخات ضمن السنة لن يتمكن أحد وعلى المدى المنظور من معالجتها. ولا نبالغ إذا قلنا بأن السياسي الذي سيحاول التعامل مع السعودية مطلوب منه العد إلى المئة قبل الإقدام على ذلك.
ما معنى إذلال ممثل الطائفة الكبرى في البلد من قبل من وضعت هذه الطائفة الآمال بدعمها لها؟
هل من سبيل إلى معالجة هذا الموقف؟
نعم! ولكنها مفعمة بكثير من الشكوك!
1-        حتى يتمكن الحريري من أخذ المبادرة لما فيه مصلحة البلد ومصلحة إستقراره، يصبح مطلوباً من القوى الأخرى، وبالتحديد حزب الله، إشعار الطوائف الأخرى بأنها شريكة في أخذ القرار وأن بإمكانها وضع فيتو على ما تراه يُسيء إلى الشراكة بين مختلف الطوائف. ومن حسنات هذا الأمر أن الضغوطات التي مارستها السعودية على الحريري تصبح من غير معنى. كما وأن التنازل للطوائف الأخرى لا يعتبر نصراً للسعودية فيما قامت به.
النصر الذي تحققه السعودية هو عندما يصبح مستحيلاً على الطبقة السياسية اللبنانية الإستمرار في الحكم بشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة في الطوائف جميعها.
2-        إن إمكانية الحريري على استرداد الفعالية التي كان يتمتع بها ما قبل الإستقالة يجب أن يستعيدها بمؤازرة من جميع الطوائف الأخرى، وخاصة من حزب الله، لما في ذلك من أهمية للتمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنية حتى يكون فاعلاً في ضبط جميع التحركات التي يمكن أن توحي بها أطراف خارجية ضمن الطائفة السنية.
3-        السيطرة المطلقة على الطائفة السنية من دون تغطية من السعودية تبدو  أنها صعبة جداً، خاصة وأن علاقات الطوائف مع الدول الخارجية تقوم على الإستخدام. من هذه الدول من يحترم خدامه ومنها من يتصرف بكثير من العنجهية، وهذه الصفة الأساسية للمجتمعات الريعية. وبما أن استخدام المال السياسي في هذه المرحلة لا يبدو متوفراً، فلا بد من الإستعاضة عن ذلك ببديل سياسي وازن يمكن الحريري من إظهار عدم حاجته إلى تغطية خارجية في التمثيل الفاعل للطائفة السنية.
4-        إن التشرذم الذي سببته السعودية للسنة في لبنان بممارساتها الصبيانية له آثار سلبية على الساحة اللبنانية. ما من أحد بإمكانه أن يتحدث عن حرب أهلية، ولكن ليس مستحيلاً أن يتمكن الصائدون بالماء العكر من تعكير الأمن نسبياً، وهذا ما سيُعتبر نقطة لصالح الطرف الذي يريد إعاقة حركة حزب الله...
خلاصة
   ليس للتهديدات التي أطلقتها السعودية بحق لبنان وحزب الله أية مفاعيل حقيقية. فالمجتمع السعودي في حالة تشتت وضياع بسبب سياسة ولي العهد الذي أعلن الحرب على اليمن على أساس أنها نزهة ولم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي تقدم.
أما عن سيطرته على القوى المسلحة، فهي ليست أكيدة. فسلمان لم يكن المؤسس للجيش السعودي إنما سلطان هو من أسس الجيش الذي تسلمه سلمان منذ عدة سنوات فقط. أما الحرس الوطني وهو جيش أيضاً كان بعهدة عبد الله ثم تسلمه متعب الذي يقبع في السجن حالياً. وهذه التشكيلة العشائرية غير مأمونة من قبل ابن سلمان. والأمر نفسه ينطبق على قوات وزارة الداخلية التي كانت بعهدة نايف ومن بعده ابنه محمد. فكيف يخوض حرباً من لا يأمن جانب قواته؟
نعود إلى سنة لبنان الذين يتميزون بعدم اللحمة الداخلية الصلبة بسبب عدم شعورهم بأنهم أقلية. وليس لهم حماية خارجية. فمصر لا يمكنها حماية نفسها والسعودية تتصرف تصرف الذين لا يملكون تجربة سياسية.
من هنا، نرى بأن الإستقرار في لبنان يستوجب الإتفاق بين القوى السياسية الفاعلة على كيفية إدارة الحياة السياسية في البلد حتى إيجاد الحلول في الإقليم وسورية على الأخص.
خلاف ذلك سيخلق عدم استقرار يُفقد جميع الأطراف فعاليتها الداخلية منها والخارجية.
                            17 تشرين الثاني 2017



الجمعة، 3 نوفمبر 2017

عن الثورة الدولة


حسن ملاط
هناك وحدة تناقضية بين الثورة والدولة! لقد بينت التجارب أن الدولة تصادر الثورة مع الإستمرار برفع شعاراتها.
1-        التجربة السوفياتية أظهرت أنه بعد موت لينين وتسلم ستالين مقاليد الحكم، باشر في بناء أجهزة الدولة متجاهلاً كل ما تفرضه الأفكار الثورية التي قامت الثورة على أساسها. واستمر النهج الستاليني إلى أن تفكك الإتحاد السوفياتي من دون حرب لا داخلية ولا خارجية.
2-        في الصين، بدأت الثورة بالإنهيار حتى ما قبل موت ماو تسي تونغ. حيث اضطر ماو إلى ما أسماه الثورة الثقافية بقصد تجديد الثورة التي لم تصل إلى النتائج التي توخاها ماو. وما أن مات حتى قامت الأجهزة البيروقراطية للدولة والحزب بطرد جماعة ماو (عصابة الأربعة)، واستحدثت نظاماً يقوم على الشراكة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام وتحولت قيادات الحزب الشيوعي إلى أصحاب ملايين. ولا زال جزء لا بأس به من الشعب الصيني يعاني الجوع والبطالة باعتراف الأجهزة الرسمية.
3-        في إيران، حافظت الثورة على تألقها حتى إبان الحرب الخليجية بقيادة العراق وبإيحاء من أمريكا عليها، لأن الأولوية كانت للتربية الثورية التي حرص عليها الإمام الخميني وكذلك الحرص على شعارات الثورة الأساسية بوحدة المسلمين وبأن الكيان الصهيوني غدة سرطانية يجب إزالته.
بعد موت الإمام تقدمت أجهزة الدولة على الطروحات الثورية. فشعار الغدة السرطانية أصبح ضرورة إيجاد حل عادل بين الشعب الفلسطيني ودولة الإحتلال.
إبان الحرب التي شنها حافظ الأسد على "حماة"، كان الإمام الخميني ضد الأسد بالرغم من أنه نصح بعدم القيام بالإنتفاضة ضد النظام لأن الوقت غير مناسب. وكان يعتبر أن البعث السوري والبعث العراقي لا يختلفان، لذلك لم يستقبل يوماً حافظ الأسد بالرغم من تأييد الأخير لإيران ضد العراق.
الدولة في إيران حالياً قدمت الغالي والرخيص لدعم الحكم الظالم في سورية. فهي لم تنظر لمصلحة ما يسمى وحدة المسلمين إنما نظرت إلى مصالحها كنظام يملك أوراق ضغط لتحسين شروطه في المفاوضات مع أمريكا التي تكون حيناً شيطاناً أكبر وحيناً آخر يصغر.
في إيران أيضاً تقدمت الدولة على الثورة وإرث الإمام الخميني الثوري أصبح حبيس الكتب والمجلات، أو للتعويذات في أحسن الحالات. ولا ضررة للتحدث عن الوحدة الإسلامية ومآلاتها بعد غياب الإمام.
وهكذا نرى أن الثورات تنتهي لصالح أجهزة الدولة. أهم الأسباب هي مصادرة حرية الشعب ومنعه من حماية الثورة، ولكن تحت شعار حماية الثورة. يقتلون الشعب للحفاظ على مصالحه! لا تتعجبوا، هذه هي الشعارات.
على كل حال، لا يظنن أحد أن هذا تحريض على إيران. في هذا الإقليم، نحن، كشعوب، بحاجة للتضامن فيما بيننا لنفرض على أنظمتنا في تركيا وإيران والدول العربية التخطيط الإقتصادي والتعليمي والسياسي المشترك بالرغم من اختلاف أنظمتها. وعلينا أن لا نسمح لهذه الأنظمة تحريض الشعوب على التقاتل فيما بينها لأسباب قومية أو دينية أو سياسية كما تفعل السعودية وإيران! نحن بحاجة للتضامن فيما بيننا للتحرر من الهيمنة الأمريكية وللتحرر مما تجرنا الأنظمة إليه من التقاتل الداخلي حتى تستمر بمصادرة حرياتنا واستغلالنا.

                     3 تشرين الثاني 2017

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

نصيحة "مفخخة" لحزب الله

           
حسن ملاط
بعد أن تمكن الجيش اللبناني وحزب الله من طرد الفلول المتبقية من النصرة وداعش من جرود القلمون اللبنانية والسورية، اعتقد البعض أن الحرب قد انتهت وأن الفوز بالجوائز قد بدأ. هذا ما جعل الصحافيين الكتبة الإدلاء بآرائهم. ومن هؤلاء من يعتقد أن تجربته الغنية تسمح له بإسداء النصح للآخرين.
الأستاذ إبراهيم الأمين سارع إلى تقديم النصيحة لحزب الله بالتفرغ لساحته الداخلية أو بالأحرى لبيئته الحاضنة، وتقدم بعدد من المطالب الملحة:
1-        حل أزمة النفايات والكهرباء والمسألة الصحية في الضاحية!
2-        الفصل بين الحزب وجناحه العسكري وأمينه العام.
3-        استقالة الحزب من المسألة الداخلية دفعت ببعض أبناء بيئته، ممن يعملون في مختلف القطاعات، الى التسلح بهذه الاستقالة للتشابه مع الآخرين في طريقة إدارة أعمالهم. هكذا «انفجرت» فضائح الاسواق العقارية والاستهلاكية وفُرّخت المنشآت السياحية والتعليمية والصحية من دون دراسة أو تخطيط. وهكذا صار الاعتداء على الحق العام والاملاك العامة في هذه البيئة كأنه أمر عادي. وهكذا تعززت فوضى الانخراط في البناء الداخلي، وصار الركض خلف توظيفات المحاسيب والأزلام واعتماد طريق الوساطات غير النزيهة لتسهيل أمور فيها الكثير من المخالفات للقوانين العامة. وهؤلاء لم يتوقفوا يوماً عن حبّهم ودعمهم للمقاومة.
4-        إعلان الحزب استقالته العلنية (قالها السيد حسن نصرالله بلسانه) من مهمة مواجهة الفساد في لبنان، لا يحاصر هذه التحركات فقط، بل هو يمنح الحصانة للفاسدين الذين يعرفون أن صرخة حقيقية تصدر عن الحزب وجمهوره كافية لهزّ الأوضاع كافة.
5-        صار لزاماً عليه ابتداع آلية تتيح لجمهوره الوصول الى حقوقه المدنية الخاصة من دون منّة من أحد، ومن دون تزلف لأحد. وباتت قيادة الحزب ملزمة بمراجعة شاملة، تدفعها الى ابتداع هيكليات تنظيمية، وبناء تحالفات اجتماعية – سياسية، تسمح بتحقيق تغييرات جوهرية.
وكان تركيزه على الضاحية والبقاع.
وكذلك فعل الكاتب في الأخبار الأستاذ محمد نزال الذي يريد "حل مشكلة الأمن والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية عند بيئة الحزب وخاصة في ضاحية الضاحية"!
أما الكاتبة في الأخبار ليا القزي فقد رأت أنه «كلّما كانت تنتشر المعلومات عن إنشاء إمارة تربط طرابلس بالقلمون السوري، وتعلو التهديدات، كان الناس يشدون رباطهم مع المقاومة أكثر فأكثر». إلا أنّ ذلك لا يُلغي واجب «أن نُلاقيهم. وإذا لم نُحسّن أوضاعهم، لا نكون نعمل بشكل صحيح». (سامحها الله، ذكرتني بالشهيد ناهض حتر الذي كان يدعو لحلف الأقليات لأنها تقدمية، بينما الأكثرية السنية حليفة للصهيونية وأمريكا. كما وذكرتني بمجموعة المقالات في "الأخبار" التي دعت المقاومة لتسليح المسيحيين حتى يجابهوا (ليس العدو الصهيوني). (لعنة الله على الشيطان)!
غداة نجاح جورج بوش جونيور بالرئاسة الأمريكية للمرة الأولى، نشرت جريدة "لوموند" الفرنسية تقريراً عن السير الذاتية لمستشاري الرئيس العتيد. هذه السير تبين أن معظمهم قد كانوا من اليساريين السابقين. وقد تبين أن اشاراتهم كان لها أسوأ النتائج على شعوب العالم وشعوبنا.
من هنا عدم استغرابنا للنصيحة التي أسميناها مفخخة. أين نجد مقاومة مذهبية تحبس نفسها في بيئتها وتريد أن تحرر الإقليم؟ يريد من المقاومة الإلتفات إلى البيئة الشيعية فقط. ويؤكد أن جميع الذين يخالفون القانون هم من محبي المقاومة. فهو يطلب من المقاومة حماية الناس والذين يستغلون الناس. ويعرف الأستاذ الكريم أن الأمين العام للحزب يطلب من الدولة الدخول إلى الضاحية لمحاربة المخلين بالأمن السياسي والإجتماعي لأن الحزب غير قادر على القيام بهذه المهمة.
هل المطلوب من المقاومة الشيعية أن تحرر فلسطين وتبني البيئة الشيعية في البقاع والضاحية؟ ومن المسؤول عن تغيير بنية المجتمع "المقاوم" من مجتمع مستهلك يعيش على المساعدات أو المداخيل الغير منظورة وتحويله إلى مجتمع منتج؟
ما الذي يمنع من تحويل سهل البقاع إلى منتج للزراعات الاستراتيجية؟ وكذلك سهل عكار. لا يمكن يا أيها المنظر أن تتحدث عن إنماء أعرج في بلد صغير كلبنان. هذه الطروحات تعني تكريس الإنقسام الطائفي والمذهبي وتأبيده، ولكن بشعارات براقة.
المجتمع المقاوم هو الذي ينتج ثقافة توحيدية مقاومة، المجتمع الذي يزرع الأرض ويستصلحها، المجتمع الذي يُصنع جميع منتجات الأرض ولا يرميها كعلف للحيوانات، المجتمع الذي لا ينتج المخدرات لأنها مربحة ولكن ينتج الزيوت والحبوب ووو... مع أنها مكلفة.
المجتمع المقاوم هو المسؤول عن جميع مواطنيه، إلى أي طائفة انتموا. المجتمع المقاوم هو الذي يحول عبيد الطوائف والمذاهب إلى مواطنين أحرار مقاومين.
المقاومة التي سجلت الإنتصار تلو الإنتصار على العدو، المقاومة التي رفعت رأسنا عالياً، يريدون أن ينحروها في مقصلة المذهبية: تنمية البقاع والضاحية وضاحية الضاحية وحلف الأقليات.
إنها وصفات الإنتحار الذاتي!
                            17 تشرين الأول 2017



الاثنين، 16 أكتوبر 2017

لبنان القوي!

               
حسن ملاط
مقدمة
يكاد لا يمر يوم من دون أن يكون للبنان نصيب لتعليق أو أكثر في الصحافة العالمية. وتنحصر هذه التعليقات بحزب الله وتأثيره على الكيان الصهيوني ودوره في الحروب الإقليمية والعلاقة الغير متكافئة بينه وبين الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، مع العلم أن الحزب جزء منها.
سنحاول أن نطل على هذه الأمور، وذلك بوضعها في إطارها الصحيح، ونستشف كيف للبنان أن يكون قوياً!
الوضع الدولي
لا تزال الدول والتكتلات الدولية التي بإمكانها أن تكون فاعلة على الصعيد الدولي تُحجم عن التقدم لأخذ دورها باستقلال عن الإدارة الأمريكية. فالصين وروسيا لا تقومان بأي مبادرة بمعزل عن الشراكة مع الولايات المتحدة. وينسحب الأمر نفسه على تكتل البريكس الذي لا يكاد يتقدم خطوة حتى يتراجع خطوات في مسألة الإستقلال إقتصادياً عن الولايات المتحدة. فلا زال الدولار هو عملة التقييم لجميع التبادلات القائمة بين دوله.
ولا يختلف مؤتمر شنغهاي عن البريكس. هذا مع العلم أن ميزة دول مؤتمر شنغهاي عن البريكس بأنها متواصلة جغرافياً مما يسهل المشاريع الإقتصادية المشتركة بين مختلف دوله. ولكن لا تقدم فعلي بين هذه الدول.
هذا ما يجعلنا نؤكد أن جميع الدول بدون استثناء تعمل بجد ونشاط على استمرار هيمنة العولمة النيوليبيرالية بقيادة الولايات المتحدة على العالم.
الوضع الإقليمي
الدول التي تُعتبر ساحات للتنافس والصراع في الإقليم هي: فلسطين، سورية، العراق، اليمن وليبيا. ولكن الأكثر تأثيراً على لبنان هي العراق وسورية. ولا نبالغ إذا قلنا بأن الوضع السوري يحظى بالأولوية المطلقة.
والدول الفاعلة في هذا الإقليم هي: أمريكا، روسيا، ايران وتركيا. من هنا ضرورة توضيح دور كل من هذه الدول.
أمريكا
أكثر المعلومات والتقارير والتحليلات تكاد تُجمع أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تملك سياسة في سورية. فهي تتعامل مع الوضع على أنه حوادث متعاقبة. من أجل ذلك فهي تتعامل مع كل تطور بمفرده. ولكنها لا تقبل بأي حل من دون أن تكون فاعلة فيه. فهي تنتظر الآخرين حتى تعطي الهندسة النهائية الممهورة بختمها لأي حل ممكن.
روسيا
هي الدولة الأكثر فعالية في سورية.فهي الدولة التي مكنت النظام من أن يكون الطرف الأقوى من بين مختلف الأطراف في أي تصور لحل مستقبلي في البلاد. كما وأن روسيا تتمتع بعلاقات متينة مع الكيان الصهيوني ومع جميع باقي الأطراف مثال تركيا وإيران. وهي تقوم حالياً بدور لافت مع أطراف المعارضة السورية بهدف توحيدها.
رغم جميع ما تقدم، روسيا لا يمكن أن تُقدم على أي محاولة لحل من دون موافقة الولايات المتحدة من دون البحث بإمكانيتها من عدمها على فعل ذلك.
إيران
هي الدولة التي تلي روسيا من حيث الفعالية في سورية. فهي التي مكنت النظام من الصمود حتى بدء التدخل الروسي، سواء بقواتها الخاصة أو بما استقدمته من مقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها من الدول. كما أن إيران هي الممول الرئيسي للنظام السوري وهي التي تُنفق على جميع العمليات العسكرية وغيرها. لذلك لا يمكن تجاوز دورها إلا باتفاق حقيقي بين روسيا وأمريكا على استبعاد دور لها في الحل النهائي. مع عدم إغفال قدرتها على الخربطة في أي وقت.
من هنا ضرورة إحترام الدور الإيراني، إضافة إلى أنها شريك مضارب للولايات المتحدة في العراق واليمن.
من الملاحظ أن الإدارة الأمريكية لا تزال مصرة على عدم إعطاء ممر بري يربط إيران بلبنان. فعدم تمكن أمريكا من منعها من الأراضي السورية، فهذا يعني أن عليها منعها من داخل العراق. وهذا ما سينسف التفاهم الذي ما زال قائماً منذ بدء الحرب ضد داعش وحتى الآن.
هل يمكن التفاهم بين إيران والإدارة الأمريكية على مختلف السياسات في الإقليم؟ هذا صعب إن لم يكن مستحيلاً،لأن شرطه الأساسي هو العلاقات الطبيعية بين إيران والكيان الصهيوني وجعل حزب الله كياناً غير مسلح.
وهذا ما يجعل إمكانية الحل السريع للأوضاع في سورية مستبعداً. وهذا ما يؤكد على ضرورة بقاء قوات حزب الله في سورية.
سؤال آخر يطرح نفسه عن إمكانية حل في العراق بمعزل عن الحل في سورية. يبدو هذا الأمر مستحيلاً في ظل التجاذب الأمريكي الإيراني بالنسبة للعلاقات الخليجية ومسألة الحل في اليمن والعلاقات الإيرانية الخليجية المتوترة.
تركيا
بالرغم من التنافس التركي الإيراني على مجمل قضايا الإقليم، إلا أن التعاون الوثيق بين الطرفين يتقدم على كل ما عداه. فهما الشريكان الإقتصاديان النشطان، حيث ارتفعت المبادلات بينهما من خمسة مليارات من الدولارات إلى ثلاثين مليارا. وهما يتشاركان في الملف الكردي والملف العراقي والملف السوري والملف السني الشيعي...إلخ. وقد أعلنوا شراكتهم الثلاثية مع روسيا بالنسبة لمجمل القضايا المطروحة. وهذا ما جعل ملف آستانة يطوي ملف جنيف عملياً وليس نظرياً بما يتعلق بالحلول في سورية.
التماهي بين الموقفين الإيراني والتركي من المسألة السورية مستحيل. لذلك لا بد من الحلول الوسط والذي سيشرف عليها الروسي حليف الصديقين اللدودين والذي سيحاول خربطتها الأمريكي من أجل الملف الخليجي مع إيران. من هنا كان التحدث عن المناطق الآمنة والتي تتداخل في الشمال والشرق من سورية مما سيشكل تأخيراً للحلول مما يسبب استنزافاً لمختلف الأطراف باستثناء الولايات المتحدة...
لبنان
من خلال هذه الصورة البانورامية علينا التحدث عن الوضع الداخلي في لبنان.
الطرف الأكثر فعالية في لبنان هو حزب الله والذي يرتبط بإيران سياسياً وفكرياً وتمويلاً، حسب ما يصرح به الأمين العام للحزب. لذلك لا نبالغ إذا قلنا أن إيران هي على تماس مع الكيان الصهيوني من خلال الحزب. وهذا ما يجعل لبنان معنياً بتطور الخلاف بين إيران والإدارة الأمريكية كما وبين إيران وكيان العدو. وهذا يعني في نفس الآن أن لبنان على خط التماس مع العدو بشكل مضاعف: الأول خلاف العدو مع إيران والثاني هو هزيمة العدو من قبل حزب الله.
ما تقدم يتطلب وبشكل ملح جعل الإستقرار في لبنان على الأجندة الملحة للحزب الفاعل.
التوافق القائم حالياً على الصعيد الحكومي يوصف بأنه توافق الضرورة. وهذا يبدو صحيحاً سيما أن من يقول به أطراف عديدة ومن طوائف متعددة.
من المعروف أن العلاقة بين الطوائف هي علاقة غلبة. وهذا ما حصل بعد اتفاق الطائف، عندما لعبت الطبقة السياسية السنية الدور الرئيسي. وهذا ما تقوم به الطبقة السياسية الشيعية حالياً. وهذا ما كانت تقوم به الطبقة السياسية المارونية سابقاً. ولكن وتبعاً لحساسية الوضع الإقليمي حالياً وترابط الوضع اللبناني عضوياً بهذا الوضع، وانطلاقاً من إصرار أحد الأطراف على أن يكون فاعلاً في الإقليم، أصبح من الضرورة الإنتقال بالوضع اللبناني من التوافق إلى الشراكة!
الشراكة تعني شعور أطراف التوافق من الطوائف اللبنانية أنهم شركاء في أخذ القرار وتنفيذه. فحالياً، كل سياسي يأخذ قراراً توافقياً يُتهم بالتنازل للأطراف الأخرى وعلى رأسها الطرف الفاعل. فموضوع العلاقة مع النظام السوري اعتبرتها أطراف هامة أنها مفروضة ولم يتم بحثها في مجلس الوزراء. هذا ما يسمح لجميع الأطراف بالتحريض لخربطة الإستقرار النسبي القائم حالياً في لبنان. ولا يخفى على أحد أن الطرف المعني أكثر من غيره بحالة الإستقرار هو الحزب.
وسيصبح الوضع أكثر حساسية في حال قيام العدو بعدوان يؤدي إلى تهجير داخلي. ففي وضع يتميز بتحريض طائفي ومذهبي على مستويات غير مسبوقة، يصبح هناك خوف حقيقي من تحول أي عدوان صهيوني إلى قلاقل داخلية.
خلاصة
في الوقت الذي انتقلت فيه الحركة من الأدوات إلى الدول الفاعلة نفسها، سواء في العراق أو سورية، وحيث أن الوضع اللبناني يتسم بحساسية كبيرة إزاء وضع هاتين الدولتين، وخاصة سورية، أصبح لزاماً على القوى السياسية العمل على الحفاظ على أكبر قدر من الإستقرار، وليس التوافق المفروض، حفاظاً على العيش الواحد، وحفاظاً على الإنتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني.
                            16 تشرين الأول 2017