بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 27 ديسمبر 2015

في كنف القبيلة

                               في كنف القبيلة
حسن ملاط
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71 المؤمنون).
لم يتمكن أهل مكة من استيعاب أن ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عما عرفوه من القيم القبلية. لم يكرر النبي ما فعله جده هاشم عندما أراد أن يدعم موقعه في مكة وذلك باستعانته بأقاربه من الخزرج. إنما دعا النبي عليه السلام إلى قيم جديدة ونبذ القيم السائدة التي تقوم على العصبية القبلية. أبو جهل لم يؤمن بسبب ما رآه من تنافس على قيادة مكة بين أفخاذ قريش، ومن له حق القيادة. وعندما استعان قادة مكة بأبي طالب لإقناع النبي عليه السلام بعدم الخروج على القيم السائدة أعطوه ما يغرون به عادة من يريدون انضمامه إلى صفوفهم، ولم يعوا أن ما يدعو إليه النبي هو مجتمع جديد بجميع تفاصيله. لا فرق بين غني وفقير، بين حر وعبد، بين عربي وأعجمي ...
اضطُر النبي عليه الصلاة لترك مكة عندما انعدمت فرص الدعوة إلى الله. وهاجر إلى المدينة عندما وافق رهط من أهل المدينة على استقباله بعد أن آمنوا معه وعاهدوه على النصر حتى بالقتال.
كان أول ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة هو الكتاب الذي كتبه بين المهاجرين والأنصار وبين المسلمين وأهل المدينة. أما المادة الأولى من هذه الوثيقة، فهي تختصر توجه النبي بالقضاء على القيم القبلية واستبدالها بقيم جديدة. فعوضاً عن مصطلح القبيلة أستُجد مصطلح بمضامين مستحدثة: الأمة! تقول الوثيقة:
هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس.
ما يجمع المؤمنين والمسلمين من أهل مكة والمدينة هو أنهم أمة وليسوا قبائل. لم يلجأ إلى صلة القربى التي تجمعه بالخزرج حتى يقيم في المدينة، إنما الرابطة الجديدة التي عمل عليها هي التي مكنته من الإقامة في المدينة على نحو آمن، رابطة الأخوة: إنما المؤمنون إخوة!
وأعقبها بتحديد العدو، عدو الأمة الذي منع التعامل معه: وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن. هذا هو العدو الذي حددته أمة المسلمين. أما بالنسبة لجميع الناس الآخرين فمتروك لهم تحديد موقفهم من هذه الأمة الجديدة.
وفي الكتاب ما بين المسلمين وأهل المدينة، منع هؤلاء من التعامل مع قريش. فليس من المنطقي أن يكون حليفك حليفاً لعدوك في الآن نفسه. لذلك نصت الوثيقة على:  وأن لا تجار قريش ولا من نصرها.
وانتصر المسلمون على قريش، العدو وممثل الكفر في تلك الحقبة من الزمن. ودخل الناس في دين الله أفواجاً وهم لا يزالون يحملون في أنفسهم القيم الجاهلية. فعندما جاء النسوة لمبايعة النبي عليه الصلاة والسلام، فيقول لهم و"لا تزنين"، قالت له إحداهن: وهل تزني الحرة (لم تستخدم صفة المؤمنة) يا رسول الله؟
مات النبي صلى الله عليه وسلم. قبل دفنه، اجتمع الخزرج ومعهم واحد من الأوس على بعض الروايات وبحثوا بكيفية قيادة المدينة بعد موت القائد.  عندما علم عمر بالإجتماع دعا أبا بكر ودخلوا سقيفة بني ساعدة حيث الإجتماع. وتباحثوا جميعاً بما تؤول إليه الأوضاع بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام. اتفقوا على أن الأمراء من قريش والوزراء من الأنصار. إتفاق طابعه قبائلي وعشائري.
بعد الخلافة الراشدة تسلم القسم الأقوى في قريش الحكم وحوله إلى ملك عضود كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
ومنذ ذلك الحين وحتى انهيار الدولة العثمانية، كان الحكم في بلاد المسلمين للغلبة وليس للقيم التي حاول أن يُرسيها النبي صلى الله عليه وسلم على أن المسلمين أمة وليسوا شعوباً وقبائل وأن أحسنهم هو أتقاهم.
الله تبارك وتعالى يؤكد لنا أننا أمة أو علينا أن نكون أمة:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. (البقرة)
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. (آل عمران)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (فاتقون). (الأنبياء، المؤمنون)
ما هو قائم اليوم هو اختراع أو ابتداع أنماط من التدين تؤكد على عدم وحدة المسلمين، وأن المذاهب أصبحت أقوى من الدين. والأخطر الذي وصل إليه المسلمون، بجميع مذاهبهم، أنهم أصبحوا يرون أن حروبهم البينية هي أولى من حربهم مع عدو الأمة، الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.
الأمة الحية هي التي تراكم تجاربها الإيجابية من أجل إيجاد ذاكرة جمعية تجعل المنتمي إلى هذه الأمة يفتخر بانتمائه إليها. ولكن الصراعات المذهبية بين مكونات أمتنا تحول دون القيام بذلك. فصلاح الدين حرر القدس، ولكن البعض يرى بأن صلاح الدين قتل أبرياء من بعض المذاهب المخالفة لمذهبه. حزب الله انتصر على الكيان الصهيوني مرتين. فبدلاً من توظيف هذه الإنتصارات في ذاكرة الأمة الإيجابية يذهب البعض إلى اعتبار هذه الإنتصارات مزيفة لتوظيف هذا الكلام في صراعه المذهبي.
وهذا ما حصل أخيراً مع سمير القنطار الذي قتله الكيان الصهيوني بسبب عمله على تأسيس مقاومة في الجولان المحتل. فالبعض لا يقبل إلا أن القنطار يقتل الشعب السوري، وكأن الكيان الصهيوني يدافع عن الشعب السوري، بينما المختلفون عنهم مذهبياً يقتلون الشعب السوري.
ما تقدم يُظهر بوضوح أن ما يُسمى "المسلمون" لا يزالون كل منهم يلوذ بقبيلته (هنا مذهبه) لأنهم لا يملكون شعور الإنتماء إلى أمة. فهم يقدمون مصلحة القبيلة، المذهب، على مصلحة الأمة. وهذا التقديم لا يخدم إلا مصلحة أعدائهم وأعداء الأمة. يخدمون أعداءهم الحقيقيين نكاية بأعدائهم المفترضين. هذا يُذكر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
                                                        27 كانون الأول 2015


السبت، 19 ديسمبر 2015

المحاولة والفشل (حرب اليمن)

                     المحاولة والفشل (حرب اليمن)
حسن ملاط
بعد تسلم الملك سلمان الحكم في السعودية، قام الملك الجديد بخطوات ثورية من أجل توريث السلطة في المملكة إلى أحفاد الملك عبد العزيز. وقد أعطى ولاية العهد لمحمد بن نايف وزير الداخلية القوي الحائز على ثقة الإدارة الأميركية وحلفائها. فالأمير محمد تمكن من القضاء على تنظيم القاعدة في السعودية وكان عدواً شرساً لها. وقد قام الأمير في عهد الملك عبد الله بزيارة إلى الولايات المتحدة حيث قابل مختلف المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس أوباما ونال بركتهم، على أن يكون قائد المملكة القادم. كما وتعرف على رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي ونال بركتهما أيضاً.
ما تقدم هو ما منع الحاكم الجديد من تجاوز محمد بن نايف وتسميته ولياً للعهد وتسمية ابنه محمد بن سلمان ولياً لولي العهد.
ولي ولي العهد لم يضيع وقته أبداً. فقد بدأ منذ تسلم والده الحكم إلى ترتيب أوضاعه بإمساكه بالكثير من مفاصل الحكم الرئيسية، وخاصة ما يتعلق بالمال والسلاح.
فتح معركة اليمن، الخاصرة الجنوبية الضعيفة للمملكة، معتقداً أن بإمكانه أن يربح الحرب بسرعة كبيرة بما يتيح له أن يلمع صورته كحام للبلاد من الهجمة "الإيرانية الشيعية". من أجل ذلك ضم الحرس الوطني للقوات المسلحة. والحرس الوطني هو جهاز عسكري مستقل عن الجيش بناه الملك عبد الله منذ أمد بعيد مما أتاح له تسلم العرش. ثم أورثه لإبنه متعب. ولكن الأخير رضخ لرغبات ولي ولي العهد وسلمه زمام قياد الحرس الوطني. وبذلك أصبح أولاد عبد الله من دون قوة تحميهم. كما وأن الأجهزة العسكرية التي أصبحت تحت إمرة محمد بن سلمان قد تضاعفت.
ولكن قوات وزارة الداخلية على قدر كبير من القوة ومن النشاط بحيث لا يمكن لأي أحد أن يصادرها، حتى بحجة الحرب الخارجية. لذلك ظل محمد بن نايف عقبة أمام ابن سلمان لا يمكنه تجاوزها حتى اللحظة.
كانت حرب اليمن من أجل إعلاء شأنه والتغطية على منجزات وزير الداخلية التي رفعت أسهم الأخير عند المجتمع الدولي. ولكن الحرب تعثرت. فقد رفضت مصر المشاركة النشطة فيها. ولم يتمكن التحالف الخليجي مع القوات السودانية إلا من تحقيق مكاسب متواضعة. ولا زالت الحرب مستمرة مع أن ولي ولي العهد قد أعطى انطباعاً أن الحرب ستكون نزهة.
مكتسبات هذه الحرب كانت إبعاد متعب بن عبد الله عن أي إمكانية منافسة مستقبلية. أما المنافس الوازن والرئيسي فهو باق متربع على عرشه كولي للعهد.
فما العمل إذن للتغطية على عدم انتصاره في اليمن؟ راى الأمير الطموح أن يمد يده إلى ملف ولي العهد: ملف الإرهاب. أعلن تحالف 34 دولة إسلامية ضد الإرهاب واستعدادها لبعث قوات برية لمحاربة الإرهاب في سوريا. ولكن المضحك في الأمر أن هناك دولاً لم تكن تعرف أنها هي من ضمن التحالف. فهذا التحالف كاريكاتوري لا نفع منه في الملف الذي فُتح من أجله.
إن استخدام الساحات الخارجية من أجل التنافس الداخلي لم يكن يوماً مفيداً وليس بإمكانه حسم معركة داخلية حتى وإن نجح.
هل كان بإمكان محمد بن سلمان أن يبعث قواته المسلحة لخوض معركة خارجية لولا أن الساحة الداخلية للمملكة ممسوكة بيد من حديد، يد محمد بن نايف.
حتى انتصاره المستبعد، شريكه الأهم فيه، هو منافسه الذي لا يمكنه إزاحته.
هل سيُغمد سيفه يا ترى؟

                                                          19 كانون الأول 2015

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

فلسطين تنهض

                             فلسطين تنهض
حسن ملاط
"أعلنت وزارة العدل الاسرائيلية توجيه تهمة محاولة القتل الى الفتى أحمد مناصرة، وعمره 13 سنة، بعدما طعن اسرائيليين. وفي نص الاتهام انه أقدم مع ابن عمه على طعن يهود في مستوطنة بسغات زئيف في القدس الشرقية، بعدما خرجا من المدرسة وتحدثا عن الوضع في المسجد الاقصى وقررا أن يصيرا شهيدين". وهما حصلا على السكاكين من منازل عائلتيهما في حي بيت حنينا القريب".
لم يذكر التاريخ اسم المثقف الثوري الذي علم الإنسان الأول كيف يقطف الثمار ويأكلها. ولا ذاك الذي علمه كيف يصطاد الحيوانات ليأكلها. وكذلك لم يذكر التاريخ اسم المثقف "العضوي" (حسب تعبير غرامشي) الذي علم جدودنا الإنتقال من الصيد إلى تدجين الحيوانات ثم الزراعة.
نحن لا نحب المزاح، ولكن ما يلفت الإنتباه كثيراً هو ذاك التنافس بين الفصائل على قيادة الإنتفاضة التي يقوم بها الشباب الفلسطيني سواء في القدس أو الضفة أو حدود غزة، أو الجزء المنسي من فلسطين تل أبيب، أو حيفا أو النقب...
هذا القيادي يعلن أن الإنتفاضة لن تنتهي حتى تحقق هدفها برفع الحصار عن غزة!! (من أعلن هذا الهدف للإنتفاضة؟). أما الآخر الأعلى رتبة، فيعلن أن هناك أربعة أهداف للإنتفاضة...
وعُقد اجتماع هام في بيروت حضرته جميع الفصائل من أجل الإنتفاضة. وقيل أن هذا الإجتماع أخاف إسرائيل! وعُقدت اجتماعات أخرى، وكلها من أجل الإنتفاضة. علماً أننا أصبحنا نميل إلى وجهة نظر الأستاذ منير شفيق عندما قال نسألهم ماذا يريدون (المنتفضون) ونلبي طلبهم.
تجتمع قيادة منظمة التحرير وتقرر عدم التنسيق مع سلطات الإحتلال الصهيوني. ولكن السلطة الفلسطينية تستمر بالتنسيق ويعلن أحد القادة الأمنيين الصهاينة أن الرئيس عباس يساهم مساهمة فعالة بمنع امتداد الإنتفاضة إلى مناطق جديدة، وذلك رداً على اتهام نتنياهو للرئيس عباس بالتحريض. وهكذا يكون عباس المنظمة غير عباس السلطة. عباس أعلن مرات عدة بأنه لن يسمح باندلاع انتفاضة جديدة.
إلى هذه اللحظة، يظهر أن تأثير السلطة والمنظمات على الإنتفاضة معدوم. لذلك لا تزال مستمرة. والصهاينة يعلمون أن أهم سبب لاستمرارها هو أن قرار المنتفضين من رأسهم ولا يخضع لأي تنسيق، إلا بين العناصر المتقاربة أو المتجاورة. السياسة المتبعة من الصهاينة في قمع الإنتفاضة تبين ذلك. يقتلون كل فلسطيني على الشبهة ومن دون أي تحقيق.. ولا يجدون كبير فرق بين من هم داخل الخط الأخضر (48) أو خارجه، كله تصنيفه "فلسطيني".
دعونا نفكر بمدلولات الأرقام التي جاء بها المتخصص في الشؤون الفلسطينية آفي سيسخاروف والأجهزة الإسرائيلية في محاولاتهم رسم وتحديد بروفايل الشباب المقاوم، فهي تتحدث عن: 74 شاباً وشابة نفذوا أو حاولوا تنفيذ عمليات في الـ33 يوماً الأولى من الحراك المستمر. وهم موزعون كالتالي: 24 شاباً وشابة من القدس، 48 من الضفة الغربية، منهم 33 من مدينة الخليل وقراها، اثنان من عرب الداخل، وفي المجمل 6 نساء فقط.
إلى ذلك، يتضح أن 45 منهم من سكان المدن و24 من سكان القرى، و4 من سكان المخيمات وجميعهم من مخيم شعفاط، شمالي القدس. أما المعدل العام لأعمارهم فهو 20 عاماً وعدة أشهر.
أخيراً، يلاحظ التقرير أن مخيم شعفاط هو الوحيد من المخيمات في الضفة الغربية الذي يشارك في الانتفاضة الحالية خلافاً للوضع في الانتفاضتين السابقتين، حيث كان شبان المخيمات في الضفة الغربية على رأس المشاركين في الانتفاضة وقادوا عمليات التصعيد فيها، إلا أن سكان المخيمات وبرغم ظروفهم السيئة للغاية إلا أنهم لا يشاركون في الانتفاضة الحالية.
1-   عندما نقول "سكان مدن"، فهذا يعني أنهم منفتحون على الثقافة والإعلام أكثر من أقرانهم في الريف. كما وأنه يعني أيضاً تأثرهم اليومي بآلة القمع الصهيونية التي تتعامل معهم. كما وأن رؤيتهم كيفية حياة أولئك الذين يغتصبون أرضهم ومقارنتها مع كيفية حياتهم كمواطنين مسلوبي الحقوق، يؤدي إلى تعاظم الحقد على العدو. وهذا ما يهيء الجو لردود أفعال عنفية. وهذا ما يفسر الممارسات الفردية للمقاومة ضد العدو من دون تنسيق. هذه الظواهر أربكت العدو لأنها منعته من إمكانية توقع ما يمكن أن يحصل. وكذلك تعذر عليه المراقبة أو التجسس، لأن المقاوم يفعل ما يراه مناسباً من دون استشارة أحد.
2-   أساليب الحياة الإستهلاكية التي تسود في المدن أكثر من الريف، لم تؤثر سلباً على التزام الشباب الفلسطيني بقضيته. 59 مقاوماً من سكان المدن مقابل 25 من سكان القرى يؤكد ما ذهبنا إليه.
3-   معدل أعمار المنتفضين هو عشرون عاماً وعدة أشهر، أي ما بعد اتفاق أوسلو، يدلل على أن الفلسطيني يرفض جميع الإغراءات التي تحثه على التخلي عن أرضه وتاريخه وأحلامه. كما وأنها تعطي أملاً مضاعفاً أن آمال الفلسطيني سوف تتحقق بفضل نضاله رغم كل الفساد والإفساد الذي تقوم به قوات الإحتلال والسلطة العميلة حتى ينسى الفلسطيني أنه صاحب الأرض!
4-   المنتفضون هم سكان المدن وليس سكان المخيمات. وسكان المدن يكونون أكثر استقراراً من سكان المخيمات. فانتفاضتهم ليست لأسباب اجتماعية، إنما هي لأسباب إيديولوجية وسياسية وعلى رأسها إزالة الإحتلال واسترجاع الأرض المغتصبة.
5-   وعدم انتفاض سكان المخيمات يدل على أن السلطة تشغل هؤلاء بهمومهم المعيشية، من جهة، وتُحكم عليهم الحصار الأمني لمنعهم من تعكير الأمن الصهيوني، كما حصل في الإنتفاضات السابقة، وحتى لا يشاركوا بأي نشاط وطني أو سياسي، من جهة ثانية.
6-   التحرك الشبابي هو تحرك عفوي كانت شرارته الإعتداءات الصهيونية اليومية على الأقصى، أقدس المقدسات في الأراضي الفلسطينية. ولكن هذا التحرك لا يمكن أن يستمر بشكل آلي. من أجل ذلك لا بد من مساعدة شباب الإنتفاضة بشكل لا يسيء للتحرك. فالكثير يقولون بأن عسكرتها يمكن أن تكون سلبية وتساهم بإخمادها لأنه يعطي شرعية لقمعها. ومن المؤكد أن المنتفضين هم الأقدر على تحديد ما يريدونه. والإملاء عليهم من المنظمات سيكون سلبيا على التحرك. فلو أن بإمكان المنظمات القيام بمثل هذا التحرك لقامت به من أجل تثميره تنظيمياً. ولكن، بالمقابل يمكنها الإساءة إليه. هذا لا يعني أنها تريد الإساءة للإنتفاضة.
من هم المعنيون بالإنتفاضة؟
أ‌-      اللبنانيون: نحن معنيون بدعم الإنتفاضة والحفاظ عليها. فالكيان الصهيوني يشكل تهديداً وجودياً لنا، حتى من قبل أن يتأسس؛ عندما أراد أن يمتد الإنتداب البريطاني على فلسطين إلى نهر الليطاني لضمه إلى الكيان الإستيطاني المزمع إقامته. وهذه المحاولات لم تتوقف. فقد حاول الكيان الصهيوني أن يستصدر قراراً دولياً بالشراكة بالمياه، علماً أنه يسرق مياه الوزاني منذ احتلاله لجنوب لبنان. نحن بحاجة لإعادة الحق إلى نصابه وعودة الفلسطينيين إلى أرضهم حتى نمنع الظلم عن إخوتنا وجيراننا ونمنع الإعتداء على أرضنا وسرقة مياهنا والتهديد الوجودي عنا.
ب‌-   العرب: كان زرع الكيان الصهيوني في فلسطين كقاعدة متقدمة للإستعمار الأوروبي في بلادنا، وذلك لمنع الدول العربية من التوحد فيما بينها. وكان كقاعدة عسكرية يمنع أي تحرك باتجاه التحرر من التبعية للإستعمار الغربي. ففي مصر عندما أعلنت تأميمها لقناة السويس كان الإعتداء الثلاثي الذي شارك فيه الكيان الصهيوني إلى جانب فرنسا وبريطانيا. ولم ينسحب من سيناء إلا بضغط من الإدارة الأمريكية التي كانت تريد أن ترث الإستعمار القديم في بلادنا. والكيان الصهيوني يفصل بين البلاد العربية الأسيوية والإفريقية، أي أن موقعه الإستراتيجي يسمح له بلعب دور خطير في المهمات التي أُقيم من أجلها.
ت‌-   المسلمون، وخاصة تركيا وإيران؛ فالكيان الصهيوني المنخرط عضوياً في العولمة النيوليبيرالية، يهمه عدم قيام تكتل كبير يمكنه أن ينحو أي منحىً استقلالي. فكتلة مؤلفة من تركيا وإيران والبلاد العربية، التي تملك الموارد الطبيعية والبشرية والطاقة يمكنها أن تعيش باستقلال عن مركز العولمة النيوليبيرالية، لذلك نرى الإدارة الأمريكية تفتعل المشكلات فيما بين هذه الدول لتمنع آفاق تعاونها ليس توحيدها فقط. إن الدور الذي يلعبه الكيان الصهيوني على هذا الصعيد هو خطر جداً على مستقبل هذا الإقليم.
هذه الأسباب تُحتم على اللبنانيين والعرب والمسلمين دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني من أجل مصالحهم الآنية والمستقبلية ومن أجل مصالحهم الخاصة أيضاً، ومن أجل مساعدة هذا الشعب على استعادة حقوقه المسلوبة واستعادة حقه في الحياة الكريمة على أرضه، في وطنه فلسطين.
إشكالية مستجدة
قيام الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، كان على أساس أنه كيان غريب يمنع إمكانية توحد الكيانات العربية. ولكن المستجد حالياً أن هذا الكيان لم يعد غريباً. مصر والأردن وسلطة عباس تقيم علاقات كاملة معه. قطر والإمارات والسعودية وغيرها من دول الخليج تطبع معه وتقيم علاقات ثقافية واقتصادية معه. تونس والمغرب وموريتانيا تقيم علاقات معه.
الإشكالية هي: في السابق، كان التخطيط على أن الكيان الصهيوني هو عدو للجماهير العربية وللأنظمة في نفس الوقت وغريب عنها. أما حالياً، فالجماهير العربية هي عدوة الكيان الصهيوني وليس أنظمتها. هل هذا يعني أن الصراع مع العدو الصهيوني سيحمل طابعاً جديداً وهو الصراع معه ومع الأنظمة التي لم تعد تعتبره كياناً غريباً؟
إن احتمالاً كهذا يتطلب تغيير جميع الإستراتيجيات التي كانت متبعة.
حق العودة، حق المواطنة، هدم الجدار ومنع قيام الغيتوات الفلسطينية على بعض الأراضي فقط، يمكن أن تكون عناوين للنضال الفلسطيني. الإنتفاضة الحالية لم تطرح أي مطلب اقتصادي أو إجتماعي، إنما هي تدافع عن الذاكرة الجمعية للإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم (هذه هي كلمات الأطفال التي صدرنا بها المقال). هذا النوع من النضال هو الأسمى على الإطلاق. طفلان يريدان أن يصبحا شهداء دفاعاً عن الرمز (الأقصى).
ليس هذا فحسب، بل لا بد من التساؤل عن أهمية إستمرار السلطة. أما المنظمات فلها دورها المهم أيضاً خارج الديار، على أن تحرص على وحدة الشعب الفلسطيني وليس شرذمته كما هو حاصل حالياً. المخيمات، الشتات، المثقفون .... لا بد من أن يحددوا أدوارهم بأنفسهم وبمساعدة العلماء الفلسطينيين الموزعين على أربع جهات المعمورة...
فلسطين تنهض.. تشابك الأيدي وتضافر الجهود لدعمها ونصرتها ضرورة.
                                                                14 كانون الأول 2015




Top of Form


السبت، 12 ديسمبر 2015

الوضع الإقليمي (تحجيم تركيا)

                         الوضع الإقليمي (تحجيم تركيا)
حسن ملاط
العديد من المؤشرات توحي بأن الوضع الإقليمي يتطور باتجاه تغيرات دراماتيكية لم تكن متوقعة سابقاً.
روسيا: بعدما تمكن الرئيس بوتين من القضاء على "الثورة" الشيشانية، ارتفعت أسهمه كثيراً في الداخل الروسي. فالمواطن الروسي قارن بين حكم يلتسين الضعيف والذي تميز بتبعيته للغرب، وبوتين الذي رفع الروح القومية الروسية ووعد الروس بإعادة بلدهم إلى مصاف الدول الكبرى كما كانت في الحقبة السوفياتية. هذا ما جعل الروس يؤيدونه فيما يراه حتى وإن اضطرهم ذلك للتخلي عن مكاسبهم التي كانوا يملكونها في الفترة الشيوعية. بعدها، أعلن الحرب على جورجيا التي أراد رئيسها شيفارندزة الدخول في الحلف الأطلسي وإعاقة تدفق النفط الروسي إلى أوروبا الغربية، حيث أن الأنابيب تمر في الأراضي الجورجية. إنتصاره في هذه الحرب أيضاً، رفع من أسهمه وجعله القيصر الجديد. ساعده في حركته ارتفاع سعر النفط إلى أكثر من مئة دولاراً للبرميل الواحد.
الحرب على أوكرانيا أدت إلى اختلافه مع الغرب الذي فرض عقوبات ضاغطة على الإقتصاد الروسي، مما جعل العملة الروسية تتراجع إلى أقل من النصف. ثم تلا ذلك انخفاض سعر النفط والغاز إلى أقل من النصف.
في هذه الظروف دخلت روسيا طرفاً فاعلاً في الحرب السورية. وكلفة الحرب اليومية هي بين 2،5 و3 ملايين دولاراً. وميزانية وزارة الدفاع تمكنها من الإنفاق ما بين ثلاثة وأربعة أشهر كما صرح بذلك رئيس الوزراء ميدفيديف. وإذا علمنا أن الإقتصاد الروسي يقوم على بيع النفط والغاز وحوالي 15 مليار دولاراً من بيع السلاح، يمكننا أن نستيقن بأن روسيا تدخل الحرب ضعيفة وهي بحاجة إلى إنهاء الحرب بالسرعة القصوى وأن إطالة أمد الحرب سيكون سيئاً جداً بالنسبة لها بالرغم من تأييد الإدارة الأمريكية لها في هذه الحرب، علماً أن هذه الأخيرة لن تكون مستاءة إذا غرقت روسيا في وحول الحرب السورية.
إيران:
ارتضت إيران بتقديم بعض التنازلات للمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية في ملفها النووي لأنها كانت ولا تزال بحاجة إلى رفع العقوبات الدولية عنها. هذا ما سيجعلها تسترد بضعة عشرات من مليارات الدولارات للمساهمة بإعادة بناء إقتصادها الذي يحتاج إلى مئات المليارات. ولكنها، عملياً، تستخدم هذه الأموال لصرفها في تمويل الحرب السورية والعراقية. وإذا صحت الأنباء عن تعهد السلطات الإيرانية بتمويل الحرب الروسية، فهذا يعني أن المواطن الإيراني سيظل يعاني كما كان يعاني في عهد العقوبات الظالمة.
إن الضغوط الإقتصادية التي ترزح تحتها روسيا وإيران تعطي دلالة واضحة على عدم إمكانيتهما على التصرف باستقلالية عن الإدارة الأميركية التي أشركت جميع هذه الدول في حربها على الإرهاب. وراحت جميع الدول تفتش عن المبررات التي تسمح لها بالدخول في هذه الحرب التي أرادتها أمريكا.
تركيا: تركيا وحدها كانت بعيدة نسبياً عن هذه الحرب، علماً أن جميع الأطراف يتهمها بأنها تسمح للإرهابيين الإسلاميين باستخدام أراضيها لاستقدام المقاتلين. إن وضعاً كهذا سيمكن تركيا من الإستفادة من مغانم الحرب الدائرة في سوريا والعراق من دون أن تدفع بدلاً عن الإستثمار في هذه الحرب. لذلك كان لا بد من تحجيم الدور التركي حتى يتناسب مع الدور الروسي والإيراني، مع الأفضلية للروسي دائماً.
إسقاط الطائرة الروسية كان الباب الذي دخلت منه تركيا إلى الفخ أو المأزق. إن ردود الفعل الأمريكية على إسقاط الطائرة من قبل تركيا، وردود الفعل الأوروبية الأطلسية تبين بوضوح تبرؤ هؤلاء جميعاً مما فعلته تركيا. الجميع طلب من تركيا وروسيا عدم تصعيد الموقف والإتفاق فيما بينهما.
من المرجح أن لا تتجه الأمور إلى حرب ما بين الجارتين المرتبطتين إقتصادياً بما يساوي 50 ملياراً من الدولارات، والتي كان المنوي رفعها إلى 100 ملياراً. صحيح أن روسيا فرضت بعض العقوبات ولكنها لم تتحدث عن وقف إمدادات الغاز والذي يساوي 30% من الإستهلاك التركي. كما أن وزيري خارجية البلدين قد اجتمعا ولم يكن الإجتماع إيجابياً. ولكن من المؤكد أن التصعيد قد توقف نسبياً.
إيران، الطرف الأقرب إلى تركيا وروسيا في نفس الآن، أيدت روسيا سياسياً وأعلنت أن عليها أن تقوم ببعض الجهود من أجل إعادة الحرارة للعلاقات التركية الروسية، مع أنها لم تتوقف عن الغمز من قناة الأتراك. فالعلاقات التي ترتبط بها هذه الأطراف الثلاثة، روسيا، إيران وتركيا، تكاد تكون الأكثر حميمية. فتركيا لم تلتزم بالعقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على إيران. كما أنها لم تلتزم بالعقوبات التي فرضتها أمريكا والإتحاد الأوروبي على روسيا. وبالرغم من كل ما تقدم، تبدو التطورات أنها تسير باتجاه تحديد الأدوار للقوى الإقليمية تحت إشراف الإدارة الأمريكية والروسية. أي أن أمريكا تفضل أن تعطي الدور الأول لروسيا في الإشراف على تنفيذ الحلول المزمع الوصول إليها في سوريا أولاً، ولها هي بالنسبة للعراق.
الملاحظ للمواقف الإيرانية بعد إسقاط الطائرة الروسية يمكنه أن يستنتج أن هناك ما يستدعي الحذر من الموقف الأمريكي والروسي. فالإيرانيون أيدوا الموقف الروسي من دون تحفظ. ثم تراجعوا خطوة إلى الوراء عندما أعلنوا ضرورة قيامهم بجهود من أجل إتفاق الروس والأتراك، مع استمرار الإعلام الموالي بشن الحملات على تركيا. إن ما جعل إيران تتوجس من أمريكا وروسيا في الآن ذاته، هو إغداقهما المساعدات للميليشيات الكردية التي تريد أن تستأثر بشمال سوريا المتصل جغرافياً بشمال العراق المتصل بالمنطقة الكردية التركية والإيرانية. ولا ننسى أن أول جمهورية كردية قامت في التاريخ الحديث كانت عاصمتها مهاباد الموجودة في إيران. هذه الجمهورية التي قامت بمساعدة الروس. وبعد القضاء عليها التجأ وزير دفاعها الملا مصطفى البرزاني إلى روسيا. الحركة الأمريكية والروسية حيال الأكراد تبين بوضوح رغبتهما باستخدام هذه الورقة للضغط على تركيا أولاً وعلى إيران وتركيا ثانياً. بحيث يرى الطرفان أن وحدة أراضيهما مهددة من قبل الأكراد الذين يتمتعون بالرعاية المشتركة لأمريكا وروسيا على السواء.
ما تريده أمريكا هو تحجيم الدور التركي بواسطة روسيا بعد أن حجمت الدور الروسي بجهودها وجهود الإتحاد الأوروبي وحجمت الدور الإيراني بواسطة المجتمع الدولي. هكذا تتمكن أمريكا من ترك روسيا الضعيفة لرعاية التوازن في الشرق الأوسط وتتفرغ هي للمحيط الهادي، كما أعلنت منذ سنوات.
                                                               12كانون الأول 2015


الجمعة، 11 ديسمبر 2015

فرصة، هل تُغتنم!

                             فرصة، هل تُغتنم!
حسن ملاط
المتغيرات التي حصلت في الإقليم منذ التدخل الروسي العسكري في سوريا، أدت إلى تحريك محاولات إيجاد حلول في جميع دول الإقليم، سوريا، العراق واليمن. أما في لبنان، فقد أبدت الدول الكبرى رغبتها بأن يتمكن اللبنانيون من إيجاد حلول للتعثر في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولكن هذه الرغبة لم تترجم تدخلات جدية في هذا الإتجاه، إنما الجدي كان الضغط باتجاهات مختلفة للحفاظ على الهدوء الأمني في بلدنا.
القوى الداخلية الفاعلة رأت أن من مصلحتها اغتنام فرصة انشغال الجميع عن الوضع اللبناني باجتراح حلول للوضع الحالي الذي يتميز بالتعطيل في مختلف المؤسسات، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب إلى مجلس الوزراء. كما أنه لا بد من الإشارة إلى تذمر الهيئات الإقتصادية، بمختلف قطاعاتها، من الوضع الحالي.
ضمن هذه الظروف، طرح الرئيس الحريري مبادرته المعروفة بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بوصفه من الأربعة الذين يملكون صفة تمثيلية عند الموارنة. ولكن المبادرة لم يكتب لها النجاح (ولا الفشل)، لأسباب لوجيستيكية. فقد كان من الضروري التشاور مع حزب الله قبل طرح المبادرة، كما وكان من الضروري التسويق لها عند مسيحيي 14 آذار، من حلفائه.
هل هذا يعني أن المحاولة انتهت أم أن الفرصة لا زالت قائمة؟ وهل هناك للأطراف الفاعلة، وعلى رأسهم حزب الله، مصلحة في الإستمرار في هذه المبادرة، أم أنه يجب الإعراض عنها؟
الضبابية التي تميز الأوضاع القائمة في الدول المجاورة، حيث أن الحرب لا زالت مستمرة مع تدخل الكثير من الدول فيها، وأنه لم تظهر حتى الآن اتجاهات الحل بشكل يمكن المراقب معرفة من هي الأطراف التي يمكن أن تُصنف رابحة. هذه الظروف تبدو مثالية بالنسبة للطرف الأقوى لبنانياً، للتجاوب مع المبادرة التي قام بها الرئيس الحريري.
السير في ترتيب الأوضاع الداخلية في هذه الظروف تمكن الطرف الأقوى أن يستحصل على ما يريده من الطرف المقابل الذي لا يملك تغطية إقليمية حتى الآن.  ولكن، شريطة عدم الإسراف في المطالب. فالمبالغة سوف تدفع الطائفة التي ينتمي إليها هذا الطرف إلى الإنتصار له في مظلوميته، أو أنها سترفض التسوية بحجة عدم إنصافها. فالجميع يعرف أن التوازنات بين الطوائف لا يمكن التغاضي عنها.
السلة المتكاملة التي طرحها السيد حسن نصر الله، للحل في لبنان، هذا هو أوانها. هل يبادر حزب الله إلى تسهيل مهمة الحريري بإجراء مباحثات ثنائية على أعلى المستويات، تصل إلى تسوية تعيد ترتيب الأوضاع للعقد القادم!
الوصول إلى اتفاق يجعل من اختيار شخص الرئيس العتيد مسألة سهل التوافق عليها!
                                                                  11 كانون الأول 2015
                                  



الاثنين، 23 نوفمبر 2015

المشهد الدولي الحالي

                                        المشهد الدولي الحالي
حسن ملاط
الميزة الأولى للمشهد الدولي الحالي هي الإندفاعة الروسية خارج نطاقها الإقليمي. بدأ الرئيس بوتين عند تسلمه الحكم بالوكالة بترميم وضع روسيا المزري الذي أوصلها إليه الرئيس بوريس يلتسين. وكانت البداية من الشيشان المتمردة التي أرادت الإنفصال عن الإتحاد الروسي. شن بوتين الحرب عليها و اعلن في 6 شباط 2000 ان «عملية تحرير غروزني انتهت» في الوقت الذي شددت فيه القوات الروسية قبضتها على العاصمة الشيشانية.
بعد استتباب الأمن في نطاق الإتحاد الروسي، وجه الرئيس الروسي القوي نظره إلى نطاقه الجغرافي حتى يجعله آمناً. جورجيا تطاولت على المصالح الروسية بمحاولتها الدخول إلى الحلف الأطلسي، بعد أن افتعلت العداء مع روسيا. وقام الرئيس الجورجي بشن الحرب على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الجمهوريتين الجورجيتين المرتبطتين بروسيا واللتان تقعان على حدودها، وذلك في 2008. تدخل الجيش الروسي وحسم الأمر بسرعة كبيرة وأعلنت روسيا اعترافها باستقلال أوسيتيا الجنوبية. وكذلك بالنسبة لأبخازيا.
وفي نطاق تدعيم حكمه، شن الرئيس بوتين الحرب على أوكرانيا التي عزلت الرئيس الموالي لموسكو واتجهت غرباً. فأعلن ضم القرم الذي كان يعتبر جزءاً من أوكرانيا. أما المناطق الشرقية المحاذية لروسيا والناطقة بالروسية فقد أعلنت استقلالها عن أوكرانيا تحت اسم جمهورية دونيتسك والثانية تحت اسم جمهورية لوغانسك. وقد تم ذلك في 2014.
خلفت الحرب الأوكرانية نتائج سيئة على روسيا لأن الغرب أتخذ عقوبات اقتصادية مؤذية بحقها لأنها لم تنسحب من أوكرانيا. وقد ارتفع سعر صرف الروبل الروسي من 34 للدولار إلى 65حالياً، وهربت رؤوس أموال ضخمة من روسيا قدرها الخبراء ما بين 100 و200مليار دولار.
هذه الإجراءات الغربية أتت غداة صرف روسيا حوالي 50مليار دولار على الألعاب الأولمبية الشتوية التي أجرتها في سوتشي، جنوب روسيا، والتي ساهمت أمريكا بتأمين الحماية الأمنية لها بسبب الإعتداء الإرهابي على محطة القطارات الروسية.
هذه الحروب التي خاضها بوتين أدت إلى رفع شعبيته بشكل كبير (85%). فقد أحيت الشعور القومي عند الروس وأشعرتهم بتميزهم في محيطهم الجغرافي. ولكن الأزمة الإقتصادية التي خلفتها هذه الحروب، مضافاً إليها العقوبات الإقتصادية وانخفاض سعر النفط إلى ما دون النصف والغاز أيضاً ضاعفا من حجم المأساة. وقد أعلن رئيس الوزراء الروسي أن روسيا لا يمكنها أن تستمر إذا لم تُصلح إقتصادها في مؤتمر إقتصادي عُقد في سوتشي تزامناً مع بدء الحرب الروسية على سوريا. كما وأعلن أن مصاريف الحرب يتم تأمينها من ميزانية وزارة الدفاع، وأنها تكفي لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر.
هذه العقبات لم تحل دون ارتفاع التأييد لبوتين إلى 90% من الشعب الروسي. ولكنها تزامنت مع ظواهر معبرة، نذكر منها:
·       إعلان الرئيس الروسي أنه يدافع عن روسيا في سوريا لوجود المقاتلين القوقاز في سوريا حالياً وأنهم سيعودون مدربين لخوض المعركة ضد روسيا بعد فراغهم من سوريا.
·       امتناع العديد من الجنود الروس عن الذهاب إلى سوريا، حيث أن القانون يسمح لهم بذلك. هذا ما اضطر الإدارة الروسية إلى تجنيد المرتزقة وبأجور مرتفعة وخاصة في شرق أوكرانيا الناطق بالروسية.
·       اضطرار بوتين إلى تسعير الشعور الديني عند الأغلبية الأورثوذكسية بإعلانه أنه بعد سنوات قليلة سيصبح مقابل كل جنديين روس مسيحيين ثالث مسلم. كما وأنه أعلن أن تعداد الشعب الروسي ينخفض حيث أصبح الآن 143 مليوناً. وأضاف بأن عدد المسيحيين ينخفض، وبالمقابل عدد المسلمين يرتفع. هذا ما دفع الكنيسة الروسية إلى الدخول إلى جوقة التحريض الطائفي من خلال إعلان البطرك الروسي أن حرب روسيا في سوريا هي مقدسة لأنها تدافع عن القيم الأورثوذكسية.
المشاركة في الحرب السورية هو القرار الأخطر الذي أخذه الرئيس بوتين. فسوريا هي خارج النطاق الاستراتيجي التقليدي لروسيا. ولكن، وبما أن الشعار الذي رفعه بوتين للحرب في سوريا هو نفس الشعار الذي تقاتل تحته الإدارة الأمريكية، رأينا هذه الأخيرة تسارع إلى الإعلان أنها تحترم المصالح الاستراتيجية لروسيا في سوريا. هذا الإعلان هو بمثابة تأكيد لموافقتها وتأييدها للتدخل الروسي، حتى وإن لم يكن تحت راية التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة. ولكن رغم ذلك أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبعث بعدد من جنودها إلى سوريا الذي يمكن تفسيره بمثابة وضع خطوط حمرلا يحق للروسي تجاوزها.
كما أن الروس نسقوا تحركهم السوري مع حلفاء الولايات المتحدة كالأردن والكيان الصهيوني. فقد كان التنسيق مع الأخيرعلى أعلى المستويات اللوجيستيكية. كما وأن إعلان روسيا أنها جاءت إلى سوريا لحماية الأقليات الدينية والإتنية يأتي ضمن الإتجاه الأمريكي الذي يدعم الأكراد رغم ما يشكل هذا الدعم من توتر في علاقتها مع الإدارة التركية.
بقي موضوع المدة التي سيستغرقها هذا التدخل. فالمدة هي الفزاعة التي تحملها الإدارة الأمريكية من أجل الضغط على روسيا في حال تجاوزت الحدود المفترضة. هذا لا يعني أن روسيا سوف تخضع، ولكنه يعني حساسية الموقف الذي تعمل ضمنه القوات الروسية.
كان إعلان فيينا لحل المأساة السورية بموافقة جميع الأطراف المشاركة في هذا اللقاء. ولكن الرئيس السوري أعلن ثوابت تتناقض مع ما توصل إليه المؤتمرون. ومن المؤكد أن الرئيس السوري لا ينطق من دون التشاور مع الروس. فهو قد أعلن أن التقدم الذي أحرزه كان بفضل الطلعات الجوية الروسية. وكان لافتاً عدم ذكره الدعم الإيراني وقوات حزب الله لقواته. حتى أنه لم يشكر دعمهم الغير مسبوق له!
هذا الموقف يمكن أن يعطي اتجاهين متناقضين: الإتجاه الأول هو إيعاز من إيران لخربطة توافق فيينا لأن اتجاه سيره لا يناسب المصالح الإيرانية التي دفعت الكثير من أجلها في سوريا. فالإتفاق على الشكل المطروح في فيينا سيهمش الدور الإيراني. أما الإتجاه الثاني، فهو أن يكون هذا الموقف بإيحاء من روسيا للضغط على الأطراف الأخرى لمحاولة الحصول على أكبر كمية من المكاسب نتيجة تدخلها العسكري في سوريا.
أما الإجتماع الذي عُقد بين السيد الخامنائي والرئيس بوتين فقد جاءت الرواية الرسمية تؤكد على الثوابت السابقة بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله، ولكن ليس بالإتجاه الذي تحدث به الرئيس السوري.
نخلص إلى القول أنه ليس أمام الرئيس الروسي خيار إلا الإنتصار في سوريا. فهذا يجعله في موقف تفاوضي قوي أمام الغرب للوصول إلى إلغاء العقوبات الإقتصادية المفروضة على بلاده والتي جددها الغرب لمدة ستة أشهر إضافية. وهذا يتطلب بالإضافة إلى الإنتصار على الإرهاب المتوافق عليه، إمساك الورقة التفاوضية للسلطة السورية، مضافاً إليها مقدرته على التفاوض مع المعارضة السورية التي سيتم التوافق عليها في السعودية منتصف الشهر المقبل.
أما الخيار الآخر فهو الغوص بوحول الأزمة السورية التي من المرجح أن توصل روسيا إلى أزمة إقتصادية خانقة.
أما الميزة الثانية للوضع الدولي الراهن، فهي وصول الإرهاب إلى قلب أوروبا. لم يكتف الإرهابيون بإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء (حسب الرواية الأمريكية والروسية والداعشية/الدولة الإسلامية)، والتي خلفت 224 قتيلاً، جميعهم من الروس، بل امتد إرهابهم إلى قلب العاصمة الفرنسية باريس، حيث سقط 130 قتيل حسب الرواية الرسمية والكثير من الجرحى.
الذين قاموا بهذه العملية الإرهابية والإعتداء على المجلة الساقطة شارلي إيبدو كانوا فرنسيي المولد والتربية أو من بلجيكا. ولكن السلطات الفرنسية والبلجيكية قررت القيام بعمليات مداهمة واعتقال على الشبهة مثل أكثر الأنظمة شمولية في العالم. إلى جانب ذلك قرر الرئيس الفرنسي المشاركة الفعالة في الإغارة على الشعب السوري والإرهابيين حسب زعمه، وأرسل حاملة الطائرات شارل ديغول إلى البحر المتوسط حيث باشرت عمليات الإغارة في العراق وسوريا.
هل هذه القرارات صائبة وخاصة بعد تكرار الإحتجاجات التي يقوم بها سكان الأحياء والضواحي المهملة في المدن الأوروبية والفرنسية بشكل خاص؟ لماذا الإصرار على عدم اعتبار الفرنسيين من أصل مغاربي وكأنهم غير فرنسيين حتى وإن كانوا من الجيل الثالث، وأكثرية هؤلاء الساحقة لا يعرفون اللغة العربية ولا يعرفون بلاد جدودهم الأصلية؟
الأزمات التي أوجدتها العولمة النيوليبيرالية، وأهمها فقدان الهوية القومية والوطنية، افتقاد رأس المال لهوية وطنية، التعويض عن الكمية المفترضة للربح بعد الأزمات التي مرت بها دول العالم الأول، كل هذا دفع المسؤولين إلى أن يمدوا أيديهم إلى المكاسب التي كانت الطبقة العاملة قد حققتها عبر السنين وأهمها الضمان الإجتماعي والصحي كما يحصل اليوم في اليونان وفي الولايات المتحدة (عدم إقرار أوباما كير)، ورفع سن التقاعد في فرنسا من 60 إلى 64 سنة...إلخ. أن يضيفوا إلى هذه "الأعباء" عبء تأمين حياة مستقرة في الأحياء الشعبية، يبدو أن هذا مستحيل. فلا بأس من استبدال ذلك بحروب تشغل الآلة العسكرية فتحصل الطبقة الناهبة على أكثر من استثمار في دماء الأوروبيين والسوريين أيضاً.
الحكومة الفرنسية لا تريد أن تجد الحلول للمهمشين، لذلك هي تشغلهم عند الإستخبارات كما كان يفعل المعلم الأكبر نابوليون. ويعيشون على المال الملوث. اليس مما يسترعي الإنتباه أن جميع من قام بالعمليات لديهم ملفات أمنية عند السلطات المختصة؟ من أجل ذلك رأت السلطات المختصة أن تستغل هذه الحوادث للوصول إلى ترتيبات جديدة لكيفية الحياة في بلادها. منها على سبيل المثال:
·       تشديد القبضة الأمنية على الجميع وخاصة ذوي الأصول الغير أوروبية والمسلمون منهم بصورة شبه حصرية.
·       مصادرة كم لا بأس به من الحريات الديموقراطية بحجة حفظ الأمن. ولا ننسى أن مؤتمر المناخ على الأبواب.
·       من الممكن أن تطال هذه الإجراءات فضاء شينغن وهو التطور الأهم بأوربة الدول الأوروبية.
·       وبما أن أوروبا لا يمكنها الإستغناء عن اليد العاملة الأجنبية، فمن الممكن أن تُستغل هذه الحمى الأمنية في إعادة استعباد الطبقة العاملة، وخاصة المهاجرة منها (الكفيل على سبيل المثال).
·       وحتى لا نسير في اتجاه واحد، أليس من الممكن خلق توافق جديد بين أوروبا وروسيا على أن تكون الأخيرة خزان الطاقة والقبضة العسكرية للإتحاد الأوروبي!
وحتى ننهي، نقول بأن المشهد الدولي الحالي يبدو وكأن أمريكا تتفرج على أوروبا المضطربة لأسبابها الخاصة وبسبب الإضطراب على حدودها الجنوبية. أوروبا، بما فيها روسيا لا يمكنها إيجاد حلول لهذه المشاكل لوحدها، حتى مع الضعف الأميركي الحالي. وكأن ضعف المركز يؤدي بشكل أو بآخر إلى ضعف الأطراف!
                                                              23 تشرين الثاني 2015