بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 31 مايو 2016

قراءة في الإنتخابات البلدية

               قراءة في الإنتخابات البلدية
حسن ملاط
في ظل الإنقسام العمودي في المجتمع اللبناني بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، وفي ظل التزام بعض القوى اللبنانية التدخل في الصراع السوري، وفي ظل السعي الحثيث من قبل القوى الدولية لإيجاد نهاية لهذا القتال المسدود الأفق، كان لا بد لهذه القوى من النظر إلى الساحة اللبنانية؟
النظر إلى الساحة اللبنانية ناتج عن عاملين يرتديان كبير أهمية بالنسبة للقوى الدولية: الأول هو "حزب الله" الذي يملك ترسانة عسكرية محترمة، يمكن استخدامها ضد الكيان الصهيوني كل ما دعت الحاجة لذلك. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فعالية قواته في الدفاع عن النظام السوري. أما العامل الثاني فهو ضرورة تفتيت الساحة الداخلية اللبنانية لتصبح مستعدة لتقبل كافة الحلول التي يطرحها المجتمع الدولي نتيجة تآكل فعالية البيئة الحاضنة لجميع القوى، بسبب الخلافات الحزبية والعائلية التي تفجرها الخلافات الإنتخابية في كل ساحة وحي وعائلة.
إن أفضل الوصفات لهذا الموضوع هي الإنتخابات البلدية والإختيارية. لذلك رأينا المبعوثين الأمريكيين والأوروبيين يشددون على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها وعدم تأجيلها.
إن افتراض تآكل فعالية البيئة الحاضنة لحزب الله بسبب الإنقسامات الإنتخابية، يمكن الإدارة الأمريكية من الضغط على الحزب دون خوف من ردود أفعال عنيفة. وهذا ما باشرته الولايات المتحدة بإصرار وعنجهية لافتين عندما طلبت تنفيذ القانون الأمريكي لمحاصرة حزب الله مالياً بحذافيره. وهنا لا بد من التنويه أن قبول حزب الله بانعقاد البرلمان هو الذي مكن هذا الأخير من إقرار القوانين التي تحاصر الحزب مالياً.
هذا عن أسباب إجرائها، أما عن النتائج التي أسفرت عنها هذه الإنتخابات، فيمكننا إيراد التالي:
1- إحياء الكثير من الخلافات والصراعات ذات المنحى الطائفي والمذهبي والعشائري والحزبي. وقد أدت إلى بروز الخلافات ضمن الحزب الواحد والعائلة ذاتها والطائفة عينها. وما حصل ليس باتجاه خلق لحمة وطنية متجاوزة للطوائف أو المذاهب أو الأحزاب، ولكن باتجاه التقوقع المؤذي وطنياً.
2- عدم وجود التجانس ضمن البيئة الواحدة. إذا كان عنوان البلديات هو الإنماء، فقد رأينا الخلافات لا تقوم حول عناوين تنموية، إنما خلافات حزبية أو عائلية أو طائفية أو مذهبية. عنما ترفع إحدى اللوائح الإنتخابية برنامجاً يلقى القبول من بيئات طائفية أو مذهبية مختلفة، لماذا يتم الإعتراض إذا كان الناجحون من بيئة طائفية مختلفة. وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الإنتماءات واهية وليست حقيقية.
3- الحزبية رداء خارجي يخفي تحته كثير من الإنتماءات الأخرى. ففي بيئة متجانسة طائفياً ومذهبياً تكون الأولوية للخلافات العائلية أو العشائرية، وفي نهاية القائمة تأتي الخلافات السياسية. أما في بيئة متجانسة عشائرياً، فالخلافات تلحق الأفخاذ من العشيرة نفسها. وفي حال عدم وجود تجانس طائفي، يكون العمل حثيثاً على إبعاد الطوائف الأخرى...الخ
4- هذا ما أدى إلى تذرر (من ذرة) اللبنانيين. بدوا وكأن لا رابط بينهم. فقد نقلت الصحف عن ترشح حزبيين ينتمون إلى نفس الحزب ضد بعضهم البعض، وكذلك بالنسبة للعوائل والطوائف والمذاهب. وقد اضطرت بعض الأحزاب إلى استخدام العنف لمنع ترشح بعض الناس أو لمنع الإنتخابات في بعض القرى والبلدات.
5- السلطات لم تجر الإنتخابات على أسس تنموية لأنه لا ميزانيات في لبنان، ولا وجود لبرنامج تنموي على صعيد البلد. وهذا يجعلنا نؤكد ما ذهبنا إليه من أن المقصود هو كثير من الإنقسامات داخل المجتمع.
6- أُعطيت الإنتخابات طابعاً سياسياً في بعض المدن والبلدات بشكل يخدم الإتجاه العام لسياسة كل طرف. فالتحليلات السياسية كانت ذرائعية بشكل لافت.
بيروت: وهي أهم المدن اللبنانية، فازت اللائحة التي تبناها الرئيس الحريري مع تآلف جميع الأحزاب المتعارضة فيما بينها. شذ عن القاعدة حزب الله الذي تآلف مع الحريري في الإنتخابات الإختيارية. أما الأرقام فقد بينت بوضوح أن عدم انتخاب محازبي حزب الله ضد لائحة الحريري هو الذي أدى إلى فوزها. كما وبينت أن الأحزاب المؤتلفة لم تعمل من أجل فوز اللائحة الإئتلافية. وهذا ما يدفعنا إلى القول أن لائحة الحريري فازت بنشاط الحريري وحده وبالتأييد السلبي من قبل حزب الله. (12000صوت للحزب في حال صوتوا للائحة بيروت مدينتي كانت اللائحة فازت بمجموعها).
زحلة وجونية: فاز فيهما تآلف الأحزاب المسيحية بفارق ضئيل عن اللوائح المعارضة.
بعلبك: ينطبق عليها نفس ما حصل في زحلة بالنسبة لحزب الله.
تنورين: تمكن الوزير حرب من الإنتصار على تحالف عون جعجع.
القبيات: لم يتمكن تحالف عون جعجع من خرق لائحة حبيش الضاهر إلا بمقعدين من 18.
طرابلس: والتي اعتبرت أم المعارك لأن الريفي فاز على تآلف جميع السياسيين بمفرده. فوز الريفي كان هاماً جداً، وقد أثبت وجوده كرقم صعب في المدينة. ولكن دراسة متأنية لما حصل تجعلنا نشكك بالأهمية التي أُعطيت لهذا الفوز.
أ‌-     اضطُر الحريري للتحالف مع الميقاتي لأنه لا يملك الإمكانية على خوض معركة مكلفة في طرابلس، وجد نفسه بغنى عنها، خاصة أن بيئة طرابلس ليست معادية للحريري في العمق. من هنا كان اتكاله الأساسي على الماكينة الإنتخابية للميقاتي.
ب‌- الميقاتي بدوره، لم يبذل النشاط المفترض لأنه اطمأن إلى عدم إمكانية أي طرف على خوض معركة انتخابية ضده بسبب الخدمات التي تقدمها مؤسساته. كما وأن الشائعات بالنسبة لقوته المفترضة أكبر من الوقائع الفعلية. كما وعلينا التأكيد أن جميع القوى المؤتلفة اعتمدت في حقيقة الأمر على ما يمكن أن يقدمه الميقاتي منفرداً.
ت‌- هناك الكثير من التجني إذا اعتبرنا أن الحريري هو الخاسر الأول في طرابلس. فالخاسر الأول هو الملك المتوج للمدينة من جميع القوى، أي الميقاتي. والطرف الذي عليه إعادة النظر في جميع أدائه السياسي والإنتخابي هو الميقاتي في الدرجة الأولى.
ث‌- أما عن الريفي، فدراسة الأرقام تبين أن الفوارق بين عدد من الفائزين وعدد من الخاسرين لا تتعدى عشرات الأصوات. إذا أضفنا إلى هذا الكلام إهمال جميع الماكينات المتحالفة للنشاط الإنتخابي إزاء نشاط كبير للريفي يتبين أن فوز الأخير كان بعمل ساعات وليس أياماً.
هنا علينا أن لا نهمل أن الخطاب الذي استخدمه الريفي هو خطاب يُسيء إلى بيئة طرابلس التي يعيش فيها مواطنون من مختلف الطوائف والمذاهب والقرى والبلدات المجاورة. أي بصيغة أخرى، استخدم الريفي جميع أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة حتى تمكن من الفوز.
بعد أن فاز، مد الريفي يده للحريري، وأعلن أن من فاز هي الحريرية وليس سواها. فلماذا التأكيد على خسارة الحريري؟
هناك من يريد استثمار خطاب الحريري السياسي المتقدم في الساحة الداخلية اللبنانية بطريقة غير واعية. الحريري يؤكد على ضرورة حماية الساحة اللبنانية من جميع التأثيرات الخارجية التي يسببها تدخل حزب الله في سوريا. حزب الله موافق على هذا الطرح. ولكن ما يريده الحزب هو إنهاك خصمه السياسي حتى يفاوضه من موقع قوة. هذا التكتيك ليس محرماً، ولكن لا بد من وعيه. العلاقات بين الطوائف تسمح لممثل الطائفة بالتنازل ولكن ليس من دون قعر. لذلك، هناك ضرورة لأخذ الأمور من حيث أهميتها الوطنية وليس على قاعدة التنافس بين القوى المختلفة.
خلاصة
بينت هذه الإنتخابات أن الغاية من إجرائها قد تحققت. جميع القوى خرجت منها متعبة أو منهكة. هذا يستدعي إعادة البحث بإنتاج السلطة من جديد. والظاهر أن جميع القوى قد خافت على كياناتها. من أجل ذلك نراهم يتحدثون عن إعادة إنتاج قانون الستين. أما الأهم من كل ذلك، فهو المستهدف من كل هذه الحركات، أي حزب الله، والذي يريدون منه أن يضبط حركته ضمن التشكيلة السياسية اللبنانية وبقواعدها. الظاهر حتى الآن أن الخطة تسير بمسارها الصحيح من دون عوائق كبيرة.
ما تقدم لا يعني أن تطورات الأوضاع الإقليمية واتجاهاتها لن تؤثر على الداخل اللبناني، ولكن يمكننا التأكيد أنه محصن نسبياً. وسيظل كذلك على المدى المنظور.
                                                     31 أيار 2016


الاثنين، 9 مايو 2016

عون، الحريري وسماحة السيد!


كان وقع الإطلالة الأخيرة لسماحة السيد على الجنرال كوقع الصاعقة. لا ضوء في الأفق على إمكانية إجراء انتخابات رئاسية... وهل لا يزال الجنرال في أول شبابه حتى ينتظر بزوغ هذا الضوء الذي لا يُضاء إلا بتمنيات خارجية؟ وما معنى أن يكون الجنرال مرشح الحزب الوحيد لإنتخابات لن تُجرى؟ ألا تُشبه هذه المكرمة الشيك من دون رصيد؟ ما الذي يمكن عمله حتى يتمكن الجنرال من تسريع إمكانية إجراء هذه الإنتخابات؟
قرر الجنرال التحرك ضمن الإستحقاق البلدي بما يُرضي الخصم الرئيسي: الرئيس الحريري. تحالف معه في بيروت. لقد صدرت الكثير من التأويلات بأن الجنرال لن يلتزم بلائحة "البيارتة" وسيترك الحرية لناخبيه بالإنتخاب كما يريدون... إلى غير ذلك من التأويلات والإشاعات. 
في هذا الوقت أطل سماحة السيد وأعلن أن الحزب غير معني بانتخابات بيروت البلدية ولكنه معني بإنتخابات المخاتير. وفي هذا الوقت أيضاً درس الجنرال الوضع من جميع جوانبه وأعلن نقيض إعلان سماحة السيد بضرورة التزام جميع الحزبيين والمناصرين بانتخاب لائحة "البيارتة" وأعلن أيضاً بأنه سيحاسب جميع الحزبيين الذين أشاعوا عن عدم التزامه بهذه اللائحة!
الجنرال يعلم أن حجم تقاطع الحريري مع الحزب لا يقل عن حجم تقاطعه هو نفسه مع الحزب، بالرغم من أن الإعلام يعتبر وكأن الجنرال والحزب متماهيان. كما أنه يعلم أن الخلاف بين الحريري والحزب هو على شخص الرئيس كما وعلى موعد إجراء الإنتخاب. وهذا ما يتقاطع به الجنرال مع الحريري.
هل هذا التقارب مع "المستقبل" يمكن أن يؤدي إلى الإفراج عن الإنتخابات الرئاسية؟ 
كلا! ما قام به الجنرال هو خطوة في الفراغ، ولكنه لا يملك إلا أن يتحرك...
                                                                                9 ايار 2016
                                                                

عن حلب


نحن نعتقد أن التوافق بين الإدارة الأمريكية وروسيا لا يزال قائماً على الحل في منطقتنا. هذا الحل الذي يقوم على تحويل جميع دول المنطقة إلى أقليات متجاورة. مجتمعات كهذه لا يمكن أن تتمكن من إيجاد لحمة داخلية فيما بين مكوناتها. فهي تقوم على التنافس، على نهب الآخر بحجة الحق بذلك، وتنتفي إمكانية وجود المواطنة. 
الوصول إلى هذه التشكيلة المجتمعية يتطلب حروباً داخلية لا تنتهي إلا بفرض السلم من خارجها، أي بالإلزام. وهذا ما حصل في لبنان بعد حرب السنتين. فقد ظلت الحروب مستمرة لمدة أكثر من 15 سنة، تهدأ حيناً وتتفجر أحياناً، إلى أن فرضت القوات السورية الأمن وفرضت معه الإنقسام الذي لا شفاء منه حتى اللحظة بين اللبنانيين. فالظاهرة الأكثر نقاء في تاريخنا الحديث، نعني المقاومة، أخذت الصفة المذهبية التي لا تزال تترسخ أكثر فأكثر.
ففي سوريا والعراق واليمن، لم يترسخ الخلاف بين مختلف مكونات الشعب بشكل يمنع إمكانية التعايش فيما بين مكوناته، لذلك يجب عدم الوصول إلى السلام الناجز حتى الآن. 
أما عن سوريا، فلا يمكن القول أن الأقليات متقاربة العدد. لذلك فإن حرباً أهلية يمكن أن ينتج عنها انتصار فريق على فريق آخر. وتحويل المجتمع إلى أقليات متجاورة يستدعي تهجير أو قتل الأعداد الزائدة من الأكثرية!!
في التقديرات الأميركية: 72 % من السكان مسلمون سنة، و10% علويون ومرشدون، 3% دروز وإسماعيليون وشيعة اثني عشرية، و8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة، وتوجد أيضا أقلية أيزيدية في منطقة جبل سنجارعلى الحدود مع العراق. والاكراد بنسبة 5%.
هذه الأرقام تبين أن هناك أكثرية سنية بينة، أما المطلوب فهو خلاف ذلك. فالمجتمع الأردني يتألف من أقليتين أردنية وفلسطينية متساويتين من حيث العدد تقريباً. وقد أضيفت إليهما أقلية سورية وعراقية تكاد تتساوى معهما. في العراق كذلك، الأكثرية شيعية ولكن ليس كما في سوريا... 
من هنا ضرورة تغيير البنية السكانية للمجتمع السوري وبصورة قسرية. وهذا ما يتم حالياً. أمريكا لا تريد مناطق آمنة ضمن الأراضي السورية لإيواء النازحين، وكذلك روسيا وإيران. ما يريده هؤلاء هو مغادرة السكان الأراضي السورية نهائياً من أجل تغيير البنية السكانية. 
تقول تقديرات معهد واشنطن للدراسات أن عدد النازحين السوريين هو 11مليون. الأرقام التي أذيعت تقول أن عددهم 7ملايين. إذا كان أي من الأرقام صحيحة فهذا يعني أن الأكثرية التي كانت مميزة لم تعد كذلك. وأصبحت سوريا تتألف من أقليات متجاورة. ولكن لا يزال ينقصها عنصر عدم الإمكانية على التعايش. وهذا يستدعي القتل من أجل القتل. وهذا ما يحصل في حلب. النظام وحلفاءه يقصفون السكان في المنطقة الشرقية والمعارضة تقصف سكان المنطقة الغربية. ووسائل الإعلام قالت أن الموتى هم من المدنيين. أما معسكرات النازحين في جوار الحدود التركية فقد قصفت بالطيران. النظام أنكر قيامه بذلك وروسيا بدورها أنكرت قيامها بالقصف أيضاً. وبما أنه ليس هناك طرف ثالث يمكنه القيام بذلك، فقد أحب الروس المزاح باتهامهم النصرة بقصف مخيم النازحين.
هذا القصف هو للقتل العمد من أجل إثارة وتعميق الأحقاد بين مكونات الشعب السوري. لذلك لا زالت الحرب (آلة قتل المدنيين) مستمرة. وستستمر إلى أن يطمئن الطواغيت (أمريكا وروسيا) أن الشعب السوري أصبح متنافراً.
الحلول السلمية ستأتي عندما يتمكن الأمريكان والروس من إيجاد معارضين وموالين يتبنون طروحاتهما كما يريدانها تماماً. أما الثمن الذي يجب أن يدفعه الشعب السوري فهو الموت المجاني لقسم منه، والقسم الآخر يعيش مهجراً ما تبقى من حياته، وتقاتل دوري لمن يتبقى منه داخل أراضيه.
هل هناك بديل عن هذه السوداوية؟ نعم! إذا توافق الواعون من الشعب السوري على نبذ التبعية لأي من المحاور المختلفة فيما بينها على الوفاء أكثر للخضوع للإملاءات الأمريكية، ثم توافقوا فيما بينهم على متابعة النضال من أجل بناء المجتمع الذي تتكافأ فيه الفرص لجميع مكوناته من دون التطلع إلى الطائفة أو المذهب أو الإتنية.
7
أيار 2016