بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 26 يونيو 2010

قراءة في الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية

قراءة في "الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية في لبنان"
حسن ملاط
أصدرت "الجماعة الاسلامية" في لبنان وثيقة سياسية، أسمتها " الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية في لبنان". وجاءت هذه الوثيقة بعد مؤتمر عام لهذه الجماعة، وكان تاريخ إصدارها الرابع والعشرين من حزيران 2010 ، وهي مؤلفة من ست عشرة صفحة.
تعتبر الوثيقة أن الشعب اللبناني مؤلف من تسع عشرة طائفة، أي أن ميزة اللبناني هو انتماؤه لإحدى الطوائف المكونة لهذا المجتمع. وهذا التصنيف يتسم بالخطورة لأنه يمنع إمكانية التواصل مع الطوائف الأخرى إلا عبر ممثليها "الشرعيين" والذين يكونون، عادةً، منسجمين مع الفئات المسيطرة في هذه الطوائف وفي المجتمع اللبناني. كما وأن هذا التصنيف يعد تأبيداً للانتماء الطائفي أو المذهبي، ويمنع إمكانية الاختراق للطوائف، لأن الانتماء الطائفي يمنع اعتبار الفرد مواطناً في دولة. لذلك لم تتحدث الوثيقة عن المواطن اللبناني، ولم تتحدث إلا عن نضال الجماعة بين المسلمين، وإمكانية أو ضرورة الانفتاح على "أطراف الساحة الشيعية" لإيمان الجماعة الاسلامية بالوحدة الاسلامية. فكأني بالجماعة تريد أن يناضل كل منتم إلى مذهب ما ضمن نطاق مذهبه ومن ثم نصل إلى تنظيم معين للعلاقات بين الطوائف... أي علينا أن نناضل حتى نصل إلى مجتمع أكثر تخلفاً مما نراه الآن. هذا، علماً أن القرآن الكريم يريد منا أن نوسع دائرة التلاقي بين الناس، فيقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير".(الحجرات 13).
صحيح أن الوثيقة تتحدث بنفس إسلامي ولكنه يتضمن إنتماءها للطائفة السنية، علماً أنها لم تذكر الطائفة السنية بالاسم، وهذه إحدى الإيجابيات.
تقول الوثيقة: "لقد كانت الجماعة الاسلامية على الدوام جزءاً أساسياً من مكونات المقاومة الاسلامية والوطنية، تلك المقاومة التي لاقت الاحتضان والدعم من مختلف شرائح المجتمع اللبناني والعربي، فضلاً عن الاحتضان الرسمي، مما أسهم بتحرير القسم الأكبر من الأرض اللبنانية المحتلة، والصمود التاريخي إبان عدوان تموز 2006م".
تضيف الوثيقة: "إلا أن هذا الاحتضان تعثر فيما بعد، وخاصة بعد أن أقحمت المقاومة في المعادلة اللبنانية الداخلية،وتحديداً في أحداث 7 أيار من العام 2008 م، حيث كاد البلد ينزلق إلى أتون فتنة مذهبية تذهب بكل المنجزات التي تحققت، وتهدي للعدو بالمجان ما عجز عن أخذه بكل آلته الحربية". (ص 13 من الوثيقة).
ليس صحيحاً أن المقاومة " لاقت الاحتضان والدعم من مختلف شرائح المجتمع اللبناني والعربي، فضلاً عن الاحتضان الرسمي". لقد لاقت إحتضاناً من أطراف معينة من المجتمع الرسمي، ومن أطراف معينة في المجتمع اللبناني، هذا صحيح. ولكن الكتائب والقوات اللبنانية كانتا دوماً معاديتين للمقاومة. فهما من الذين تعاونوا مع القوات الاسرائيلية في احتلال 1982 والتي انطلقت المقاومات الوطنية والاسلامية نتيجة لهذا الاحتلال. وإبان هذا الاحتلال "قامت القوات اللبنانية بتقتيل الشعب اللبناني والفلسطيني بحماية ومشاركة القوات الصهيونية المحتلة".
إن انخراط "الجماعة الاسلامية" الغير طبيعي مع أطراف 14 آذار هو الذي جعلها "تزور" التاريخ حتى تجد لنفسها مبرراً بالتحالف مع القوات اللبنانية في الانتخابات اللبنانية النيابية والبلدية. علماً أن جمهور الجماعة الاسلامية رافض لهذه التحالفات التي يجر تيار المستقبل الجماعة الاسلامية لها. والدليل الأكبر هو النجاحات التي حققتها الجماعة الاسلامية في الانتخابات البلدية بمعزل عن تيار المستقبل.
ومع هذا فالجماعة الاسلامية لم تغير خطابها فهي تقول: "العلاقات في الساحة اللبنانية: تنطلق الجماعة الاسلامية في رؤيتها للعلاقة مع مختلف القوى اللبنانية من قاعدة " نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" ، أي أننا نبحث عن المساحات المشتركة وليس عن مساحات الخلاف مع شركائنا في الوطن، فنحن نعتبر أن الساحة الداخلية لا يوجد فيها أعداء، إذ العدو الأوحد في تصنيفنا هو الكيان الصهيوني ومن يقف إلى جانبه أو يؤيده، أما ما عدا ذلك فنحن وإياه إما في تحالف أو تعاون، أو في خلاف سياسي مرحلي تحكمه الأعراف الديموقراطية وحرية الرأي". نحن نقول ما تقوله الجماعة: عدونا اليهود ومن يقف معه. ولكننا نضيف أن الادارة الأمريكية هي حليف لاسرائيل والصهيونية والمدافع الأول عنها. لذلك فهي تدخل ضمن دائرة الأعداء. كما وأن الأطراف الداخلية اللبنانية التي تريد القضاء على المقاومة وسلاحها والتي تتمثل ببعض أطراف 14 آذار مثل القوات اللبنانية والكتائب وبعض أطراف تيار المستقبل لا يمكن إعتبارهم إلا حلفاء موضوعيين لإسرائيل. من هنا وجب على الجماعة أن تحدد وبوضوح من هم حلفاءها في الداخل وفي الخارج. ولكننا نقول بأن ما يمنعها من ذلك هو تحالفها الغير طبيعي مع تيار المستقبل والناتج عن دوافع مذهبية. من أجل ذلك نراها تُجَهِّل الفاعل في أحداث 7 أيار 2008 ، فهي تقول أن المقاومة "أُقحمت" والفعل مبني للمجهول. فالجماعة الاسلامية لا تعرف أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة هي التي أرادت أن تكشف جميع اتصالات المقاومة للعدو الصهيني كرمى لعيون الأمريكان. فكان لابد من الرد على ما قامت به الحكومة وكانت أحداث 7 أيار لحماية المقاومة والتي ساهمت الجماعة الاسلامية بسكوتها عن الحقيقة كما وأطراف المعارضة السنية، أي تجهيل الفاعل بالمساهمة مع أطراف 14 آذار بإعطاء أحداث أيار طابعاً مذهبياً. وهذا نتيجة تصنيف اللبناني على أنه فرد ينتمي لمذهب وطائفة وليس مواطناً يتمتع بحق المواطنية.
نأتي إلى الساحة المسيحية، تقول الوثيقة: "أما الساحة المسيحية، فنحن نعتبر أننا نجحنا إلى حد كبير في كسر الحواجز التي كانت بيننا وبينها للتعاون في تكريس العيش المشترك، والتعاون في بناء هذا الوطن على أسس سليمة تتماشى مع تطلعاتنا وقيمنا وأخلاقنا".
نحن نعتقد أن هذا التوصيف ليس صحيحاً. إن الأطراف المسيحية التي وجدت الجماعة الاسلامية معها لغة مشتركة هي أطراف 14 آذار وهم معادون للمقاومة وخط المقاومة. أي أن الجماعة الاسلامية تنازلت عن مبادئها وتحالفت مع أطراف في الساحة المسيحية. فهذه النقطة سلبية وليست ايجابية بالنسبة للجماعة الاسلامية.
تقول الوثيقة: "أما مطلبنا في تحقيق الوحدة الاسلامية، وتخوفنا من محاولات زرع الفتنة المذهبية في صفوفنا، فيحتم علينا السعي لبناء علاقة متينة ومميزة مع أطراف الساحة الشيعية، هذا فضلاً عما يجمعنا في موضوع المقاومة ضد العدو الصهيوني، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة للجماعة".
نتمنى ذلك. ولكن تحقيق ذلك يستوجب التعامل مع اللبناني على أنه مواطن يتبنى أفكاراً محددة، وليس مخلوقاً مذهبياً أو طائفياً.
لا أعلم إن كان من الضروري أن أشير أن الوثيقة لم تذكر سوريا أو ايران بالاسم علماً أن المقاومة تعتبر ايران وسوريا من الأطراف الداعمة للمقاومة. هل أن الساحة السنية لا تتحمل ذكر هاتين الدولتين بالاسم؟ أم أن هناك أسباباً أخرى لا يمكن الافصاح عنها.
ومع هذا فإن الاتجاه العام للوثقة يعتبر ايجابياً.
25 حزيران 2010