بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 25 يونيو 2016

هل يتفجر الإحتقان؟

                          
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {التوبة/109
حسن ملاط
كان الوضع السوري وتطوراته هو العامل الأهم بالوصول إلى نوع من التوافق بين حزب الله والحريري على لجم الوضع في لبنان من التدهور. فالمآلات لهذا الوضع غير واضحة بعد التدخل الروسي النشط، حيث أن الأهداف التي يعمل عليها كل طرف تكاد تكون متناقضة. ما يريده الروس لا يتطابق مع ما يريده الإيراني أو النظام السوري. وهذا ما يجعل المشاركة العسكرية لحزب الله في الساحة السورية غير محددة بوقت معين، فهي مرهونة بالقرار الإيراني الذي يخضع لتجاذبات لا يعلم لها نهاية إلا الله.
هذه الأوضاع تتطلب الهدوء في الساحة اللبنانية، الساحة المخصصة لراحة المقاتلين العائدين من جبهات القتال.
أما بالنسبة للحريري، فغيابه المديد خارج لبنان جعل من ساحته متشظية، فهو يحتاج إلى جعلها أكثر تماسكاً. ووجوده في البلاد يتطلب تعاوناً أمنياً فعلياً مع حزب الله لبقائه واستقراره. من هنا تبدو الحاجات متبادلة. فهذا توافق للخصوم وليس اتفاقاً على برنامج عمل مشترك في الساحة اللبنانية يؤسس لبرنامج مستقبلي يُتفق على تنفيذه.
ماذا يريد حزب الله؟
ما يريده حزب الله هو الشيء ونقيضه. ففي الساحة الداخلية يريد استقراراً لا يؤمنه إلا التعاون مع الحريري. ولكنه يريد الحريري ضعيفاً غير فاعل. وضعف الأخير يقلل من فعاليته ويعطي المجال لبروز شخصيات أكثر تطرفاً لا يمكنها أن تلعب دوراً على مساحة الأراضي اللبنانية. لذلك رأينا الوسائل الإعلامية القريبة من الحزب تكتب المقالات عن انتصار الريفي في طرابلس وهزيمة الحريري الشنيعة رغم العلاقات السيئة بين الحزب والريفي. وهذه الوسائل الإعلامية لا زالت حتى الآن تركز على هذا الموضوع.
ما يغيب عن بال الذين يقررون السياسات في الحزب هو أن بديل الحريري لا يمكن أن يكون إلا أكثر تطرفاً، ويشكل معضلة حقيقية للحزب على الساحة الداخلية.
واستمرار التدخل في الحرب السورية والعراقية وفي كل الساحات التي تتطلبها السياسات الإيرانية في الإقليم، يتطلب هدوءاً داخلياً لا يؤمنه الربط بين التدخل الخارجي والإستقرار الداخلي. فمن غير الممكن أن يجد الحزب سياسياً سنياً فاعلاً في الساحة الداخلية يؤيد تدخل الحزب في سوريا أو العراق. من هنا، لا بديل للحريري في الوقت الحاضر مهما كان ضعيفاً أو قوياً. كما أن الحريري نفسه لا يمكنه الإستمرار بالتنسيق مع الحزب إلا في ظل رفضه المعلن لدور الحزب في الساحة الإقليمية.
إن توزع السنة في مختلف الساحات الداخلية اللبنانية يتطلب من الحزب التعاون مع شخصية بإمكانها التواصل مع جميع الساحات. فالجميع يعلم أن النواب السنة في البقاع الشمالي يؤيدون حزب الله ولكن السنة في البقاع الشمالي يؤيدون الحريري وليس نوابهم. وكذلك بالنسبة للنائب السني في الجنوب.
وهذا التوزع السكاني لا يعني الحزب إلا من حيث ضرورة تأمين الإستقرار. فنشوء أي حالة اعتراضية على الحريري في أي ساحة من الساحات السنية لا تؤمن هذا الإنتشار. أما بالنسبة للحزب فهو لا يملك هذا الإنتشار السكاني على كافة الساحات اللبنانية.
ما يريده الحريري هو استمرار تمكنه من التواصل مع جمهوره، وهذا مرهون بتفاهمه مع الحزب. لذلك نراه يؤكد على التزامه باستمرار الحوار. ليس هذا فحسب، بل إنه يشن حرباً على من يحاول عدم الإلتزام. هذا ما فعله مع المشنوق عندما صرح الأخير بأنه لا فائدة من الحوار. فما كان من الحريري إلا أن طالبه الإستمرار في الحوار. وهذا ماحصل. كما أن هناك قيادات مستقبلية صوبت سهامها على عدم فائدة الحوار وكان الحريري هو من يزجرها.
إن إضعاف حزب الله المستبعد على أية حال، سيكون بديله أقل "تطرفاً" من الحزب. وهذا يعني أن من مصلحة القوى المناهضة للحزب إضعافه. وهذا ما لا يفعله الحريري. فهو يركز فقط على موضوع التدخل العسكري في الساحات الخارجية، وهذا ما يراه الكثير سلبياً بالنسبة لجميع مكونات الشعب اللبناني.
إن إعلان الحزب عن أن تمويله وسلاحه من إيران يعني ارتباطه بساحة خارجية، تملك سياساتها الخاصة التي لا تمثل مصالح الشعب اللبناني. أضف إلى ذلك موضوعة السيادة الوطنية. لم تكن ردود الأفعال الداخلية على مستوى هذا التصريح وخاصة من القوى "السيادية" والحليفة مع الحزب لأن جميع الطبقة السياسية ليس لديها شعور بالإنتماء "الوطني".
نأتي إلى موضوعة إنتاج السلطة. لا يوجد أي دليل على إمكانية انتخابات رئاسية. كما وأن إيران لا ترضى التعاون في هذا الموضوع. فوزير خارجية إيران ظريف، قال  "أن قرار الحل يعود الى الشعب اللبناني وأي قرار يتخذه الشعب اللبناني سنحترمه. وأننا نعمل مع فرنسا من أجل تسهيل التوصل الى حل للازمة ولكن يعود الى اللبنانيين العمل في ما بينهم من أجل التوصل الى حل، ولا يمكن لأحد فرض حلول من الخارج ولكن علينا العمل من اجل تسهيل التوصل الى حل". وهذا التصريح يعني أن إنتاج السلطة ليس مطروحاً، حتى وإن كان الرئيس العتيد منسجم سياسياً مع الإتجاه الإيراني.
ماذا ننتظر إذن؟
لا يمكن إيجاد أي حل للأزمة الداخلية اللبنانية قبل اتضاح شروط الحل في سوريا وما يمكن أن يؤمنه من نفوذ إيراني فيها. وهذا يعني أيضاً، أن عودة عسكر حزب الله من سوريا هي في دنيا الغيب. من هنا ضرورة إنتاج توافق داخلي يؤمن نوعاً من الإستقرار في ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها اللبنانيون في مختلف توجهاتهم السياسية والمذهبية.
وبما أنه لا شيء يوحد الساحة الشعبية الداخلية إلا قتال العدو الصهيوني، وبما أن هذا الإحتمال غير وارد على المدى المنظور، فإن وضع فرضية إمكانية قيام الكيان الصهيوني بعدوان على لبنان يتطلب نوعاً من التهدئة في التجييش المذهبي الذي تقوم به الأطراف التي تحتاج إلى إثارة الغرائز أكثر من عمل العقول. وهذا ليس مطلباً أخلاقياً، إنما هو حاجة. وهذا ما يعرفه الجميع من خلال التجارب السابقة التي رافقت الإعتداءات الصهيونية.
بقي أن نتساءل إن كان هناك احتمال لحاجة لتفجير الساحة الداخلية. نحن نستبعد هذا الإحتمال رغم كل الوتيرة المرتفعة للتجييش الغرائزي.
                                          25 حزيران 2016


الأربعاء، 15 يونيو 2016

عن العمل البلدي


نحن نريد أن يكون جميع أعضاء البلدية منسجمين مع بعضهم البعض فيما يؤدي إلى إنتاجية كبيرة لمصلحة البلدة. ولكن النوايا الحسنة بدون توزيع مهام ومسؤوليات ورقابة ذاتية لا يفيد كثيراً. نحن أعطينا ثقتنا للبلدية القديمة لمدة 18 عاماً وكانت النتيجة كارثية. نحن لا نتهم الرئيس بسوء الأخلاق لا سمح الله، ولكننا نتهم سوء الإدارة للشؤون البلدية وانعدام الرقابة وانعدام المحاسبة. هذه من المؤثرات السلبية. لايمكن اعتماد مراقبة المرء لنفسه فقط، وخاصة في الشؤون العامة.
ثقتنا كبيرة، بمعنى التفاؤل، بالدم الجديد الذي دخل إلى المجلس. ولكن وضع معيقات أمام عمل هؤلاء وإحباطهم بواسطة الجدالات غير المنتجة، سيكون وقعه سيئاً على البلدة كلها، وسوف تعود حليمة لعاداتها القديمة! 24 سنة ميتة في حسابات البلدة.
المطلوب لتفعيل العمل البلدي أمور عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1-
عدم اعتبار المال الموجود في الصندوق البلدي "أموال البلدية"، بل أموال أهل البلدة وسكانها. وهذا يعني عدم جواز التصرف بهذه الأموال من دون موافقة المجلس البلدي الذي يمثل أهالي البلدة.
2-
البند الأول يفرض ويتطلب معرفة المجلس الجديد كيفية صرف أموال الناس في السنوات الماضية وآلية صرفها وسبب عدم الإنتاجية من أجل تلافي أخطاء الماضي ومحاسبة المسؤول عن هدر أموال الناس، في حال وجوده. هذا الأمر يتطلب الإستعانة بخبير محاسبة.
3-
قيل أن مشروع الماء سينفذ بين يوم وآخر. فحتى لا يكون هدراً لأموال الناس مع ميلاد المجلس الجديد، نرى أن يُصار إلى إقرار تنفيذ تغيير شبكة المجارير الرئيسية والقيام بها بشكل متزامن مع مد شبكة الماء، حتى يصبح بالإمكان تزفيت شوارع البلدة الداخلية.
4-
إقامة محطة تكرير المياه المبتذلة أهم بكثير من كل مشاريع التجميل ووو... لأن هذه المحطة تحافظ على بيئة القلمون وصحة أولادنا: الماء والهواء والبحر... وعدم التذرع بوجود قرار بربط شبكة مجارير البلدة بمحطة طرابلس.
5-
توزيع المهمات على المجلس البلدي بحيث يتسلم كل من الأعضاء ما يمكنه القيام به بإتقان وعدم تجريب المجرب.
6-
إقرار آلية التواصل بين المجلس البلدي والناس لإطلاعهم على عمل المجلس
7-
تعيين لجنة لتحديد جميع الذين يتعدون على الأملاك العامة من أجل الإستحصال على حق الناس. الفضاء العام هو حق لجميع أهل البلدة وليس لقلة قليلة من الناس متواطئة مع النافذين.
وأهم أمر يجب التشديد عليه، هو الرفض المطلق لاختصار المجلس البلدي بشخص الرئيس ونائبه، أو إيجاد تكتلات ضمن المجلس مخافة شلل عمل هذا المجلس.

                                            القلمون 15 حزيران 2016

الاثنين، 13 يونيو 2016

الضجة في فردان!

                     
حسن ملاط
إتهام حزب الله بعملية تفجير المصرف في فردان، فيه الكثير من السذاجة. كما ويتضمن تبسيطاً للتجاذب الحاصل ما بين حزب الله كممثل عن بيئته الحاضنة (الشيعية) والمصارف التي تريد تطبيق العقوبات المالية على الحزب وجمهوره بشكل لم يطلبه الأمريكي نفسه (ملكيون أكثر من الملك).
الشروط الاميركية: "أن الحسابات بالليرة اللبنانية المخصصة للإستعمال المحلي ( توطين رواتب... ) لن تكون مشمولة بالقانون، وأن المراقبة تتم على حركة الحسابات ووتيرة تبدلها سلبا أو إيجابا. وفي هذا المجال يكشف أحد النواب الشيعة وهو رجل أعمال أنه أتم صفقة لبيع عقار يملكه خارج لبنان، وعندما حول المبلغ على حسابه، تعرض لاستجوابات دقيقة عن سبب دخول مبلغ غير إعتيادي إلى حسابه".
"اما الامر الثالث فيتعلق بضرورة إلتزام لبنان اللوائح الصادرة عن الإدارة الاميركية، بينما تبقى مبادرات المصارف في التشكيك بحسابات معينة مجرد إجتهادات ليس المطلوب من المصارف أن تذهب فيها أبعد مما هو مطلوب، وهذا ما كان كشفه غلايتزر للمسؤولين اللبنانيين في سياق تفسيره لآليات تطبيق القانون".
ما فعلته بعض البنوك هو إقفالها لبعض الحسابات التي يعرف القاصي والداني أن لا علاقة لها بحزب الله لا من قريب ولا من بعيد، مثل "جمعية المبرات الخيرية" التابعة للمرجع السيد محمد حسين فضل الله. علماً أن هناك تعميماً صدر عن حاكم مصرف لبنان يناقض ما ذهبت إليه هذه البنوك. كما وأن هناك مصارف أقفلت حسابات لنواب من الحزب، وواضح من كلام غلايزر أن هذا ليس مطلوباً.
الحزب سهل إقرار القوانين المالية في مجلس النواب والتي طلبتها السلطات الأمريكية. فهو ليس في صدد إعداد مجابهة مع أمريكا في الشؤون المالية، وهو يعلم مسبقاً عدم قدرته على القيام بها. ليس هذا فحسب، بل أنها ليست على أجندته على المدى المنظور.
مرجعية الحزب، إيران، تقوم بالمستحيل حتى تسمح لها الإدارة الأميركية أن تمارس العمليات التي تقوم بها البنوك اللبنانية. أين المصلحة، بالنسبة للحزب، أن يعمل على إدخال البنوك اللبنانية في دائرة الحظر الأمريكي؟
لقد صرح المرشد الأعلى أن أمريكا هي العدو "لأنها تكذب ولا تسمح للمصارف الإيرانية الدخول إلى النظام المصرفي الأمريكي". بل ما فعله الأمريكي، وبعد جهود حثيثة من قبل الديبلوماسية الإيرانية، أن سمح للمصارف الإيرانية بإجراء هذه العمليات عبر مصارف أوروبية كوسيط. وكانت النتيجة عدم قيام البنوك الأوروبية بهذه العمليات خوفاً من دخولها ضمن دائرة العقوبات الأمريكية على إيران والتي كلفت بعض البنوك مليارات من الدولارات كعقوبات من قبل السلطات المالية الأمريكية.
أين المنطق بقيام حزب الله بعمليات قد تؤدي إلى إخراج المصارف اللبنانية من جنة التبعية للنظام المالي الأمريكي والذي ينشده الإيراني؟
من هنا نقول بأن اتهام الحزب بهذه العملية هو سذاجة مطلقة، وهي لا تخرج عن كونها مساهمة في تأجيج العصبيات المذهبية التي لم تخب قليلاً إلا بجهود مضنية من قبل الحريري والحزب. فهي يجب أن تكون مبرمجة!
مجابهة التبعية للإدارة الأمريكية لا يكون بعملية عسكرية هنا أو هناك. مجابهة التبعية تكون ببناء مجتمع مقاوم، وهذا ليس من برنامج الحزب ولا من برنامج إيران أصلاً. ففي الحرب الأخيرة مع الكيان الصهيوني، احتاج رفع الحصار الغذائي عن لبنان، والذي فرضه العدو، إلى جهود دولية تقرر على إثرها تسليم القوات الألمانية في البحر تفتيش الواردات إلى السوق اللبنانية.
أيام المجاعة في لبنان، كان المزارع اللبناني يقوم بتهريب إنتاجه وإخفائه عن عيون جنود الإحتلال. في حرب السنتين كنا نقف ساعات أمام الأفران لتأمين ربطة خبز لأولادنا.
في فيتنام، كان المزارع يبني ملاجىء في أرضه الزراعية، يختبىء فيها من غارات العدو الأمريكي. ثم يتابع عمله عند اختفاء هذه الطائرات. أرضنا لا تُزرع. وإذا زُرعت، فبالمواسم التي لا تفيد في صمود الشعب مثل الخيار والبندورة والحشيش، وليس بالقمح ودوار الشمس والذرة...
تصوروا مجتمعاً مقاوماً مع مقاومة تمكنت من هزيمة العدو مرتين متتابعتين في ست سنوات!
أختم فأقول، نحن من ضمن النظام المالي الأمريكي ومطلوب منا، كما هو مطلوب من جميع الموجودين على الكرة الأرضية الخضوع له، وهم يخضعون. ولا بديل لذلك على المدى المنظور. فلا ضرورة للتحريض الذي لا يفيد في شيء.
                                                   13 حزيران 2016


السبت، 11 يونيو 2016

هل هو عرض إيراني على الحريري؟

                 
حسن ملاط
بات من المؤكد أن عودة الحريري إلى لبنان كانت منسقة مع "حزب الله". ليس هذا فحسب، بل إنه يمكننا القول أن هناك اتفاقاً على نهج كل من الطرفين اتجاه الآخر. فمهاجمة أحدهما الآخر هو من "عدة الشغل"، أما موضوع الحرب في الداخل فهي خط أحمر. لذلك عمل الطرفان على تجنبها. أما التدخل في سوريا، فهذا سيستمر من دون التأثير على استمرار الحكومة القائمة. أما موضوع الملاحقات الأمنية فيجب أن تكون بتغطية من الطرفين، وهي كذلك. وموضوع رئاسة الجمهورية فهو للتجاذب على أن لا يؤثر على العلاقة الحميمة بين الطرفين المتخاصمين.
لماذا هذه الحرب الإعلامية الضروس على الشريك الحريري؟
حزب الله يريد استمرار التعاون مع الحريري لأنه قد أثبت فعاليته في الإستقرار الداخلي. وحزب الله يعلم أن ليس هناك أي قيادة سنية يمكنها لعب الدور الذي يلعبه الرئيس الحريري في هذه المرحلة. ومع ذلك فهي تريد الرئيس الحريري مهشماً، لا يملك القدرة على المقاومة. أي بلغة أخرى، الحزب يريد حيثية الرئيس الحريري فقط.
في الإنتخابات البلدية، لم يحارب حزب الله الحريري، وهذا ما أمن نجاح لائحته. والرئيس الحريري يعرف ذلك.
في طرابلس، كان إعلام الحزب يزغرد لنجاح لائحة الريفي، علماً أن سبب استقالة الميقاتي من الحكومة هو رفض الحزب وحلفائه التجديد للريفي. ولكن فجأة وقعوا في غرامه، ليس حباً به ولكن كرهاً بالحريري.
العلاقة بين السعودية والحريري ليست على ما يرام. عودته إلى بيروت لم تكن منسقة معها. وهذه العودة كانت لبناء استقلالية له من خلال موقعه في لبنان. ومنذ عودته، يركز إعلام الحزب على الضائقة المالية التي يعيشها المستقبل. وهو يهتم بها يومياً، حتى أكثر من اهتمام الحريري نفسه بها. وكأن الإلتزام السياسي يكون مرهوناً بالوضع المالي للسياسيين.
أما اللافت حالياً فهو أن المقربين من الحزب يقترحون مخارج للحريري، ولكن بعد استعراض وضعه المأسوي مادياً.
يقول أحد المحللين السياسيين المهمين: " سعد الحريري حليف السعودية الأول في لبنان، وهو على حافة إفلاس مالي يكاد يودي بزعامته. المملكة لا تمد يد العون المالي للحريري وهي التي تغدق في العطاء على حلفائها. إذاً، وراء الأكمة ما يوحي أن المملكة لم تعُد، على الأقل، تحرص على صورة حليفها وموقعيته. لقد ثبت أن الشيخ سعد عاجز عن مجاراة القيادة السعودية الجديدة في تصعيدها وجنونها". 
ثم يقترح المخرج التالي: " لم يعد يجدي «المستقبليين» تعطيل التفاهم على قانون الانتخابات النيابية منعاً لحصولها. الحل أمامهم هو المضي بميشال عون رئيساً لضمان رئاسة الحكومة، والقبول بالنسبية للحفاظ على كتلة وازنة تمثلهم في البرلمان المقبل".
وأما البديل الذي يهدد الحريري فهو، حسب الكاتب: " ومهما سيق من مبررات للتخفيف من وطأة انتصار ريفي، فإن الواقع الجديد يكشف عن ثنائية سنية تقوم على تفوق ريفي في الشمال، مقابل حضور أقل قوة لـ «المستقبل» في بيروت والمناطق".
لاحظتم أنه هدد الحريري بالريفي وليس بالميقاتي، علماً أن الجميع راهن على الميقاتي في الإنتخابات البلدية وليس على الريفي!
أما الوسيلة الإعلامية الأخرى التي تحدثت بنفس لهجة الأولى عن الأزمة المالية وبأن السعودية ليس بنيتها دفع الأموال قالت ما يلي: "هل هناك خيارات أخرى؟ رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون يقول إن نتائج البلديات الأخيرة باتت تحتّم على الحريري دعم وصوله إلى رئاسة الجمهورية ليضمن «الشيخ سعد» عودته إلى السلطة، فيحمي ما تبقّى من سلطان، وهو قال هذا الموقف للقائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز في زيارة الأخير الوداعية إلى الرابية قبل أيام".
ماذا توحي هذه الإقتراحات؟
إيران في حرب إعلامية طاحنة مع السعودية، وفي حرب غير مباشرة معها في سوريا. والوسيلتان الإعلاميتان تقولان بأن الحريري رفض الإنخراط بحرب ضد حزب الله مطلوبة من السعودية. ثم يقترحان على الحريري انتخاب عون. هل نفهم أن هناك مقايضة تقوم على انتخاب عون مقابل حل الأزمة المادية للحريري؟
أما إذا كان المعنى هو إعلان الهزيمة ففي هذا براغماتية ممقوتة. بدلاً من تحية الحريري لأنه لا يقبل بأن يدمر بلده إكراماً لطرف ثالث، حسب زعم الكاتبين، فهذا ما يتطلب الوقوف إجلالاً له وليس تهشيمه!
ما نراه أن جميع الأطراف خرجت مهشمة من الإنتخابات البلدية. هذه التجربة بينت لجميع القوى السياسية الحاكمة أن الناس يتوقون إلى التحرر من هيمنتهم، بصرف النظر عن الشعارات التي يرفعونها. وبما أن هذه الطبقة مرتهنة بمجموعها للخارج، فكل طرف يعتقد نفسه منصوراً إذا هشم خصمه. وهذا غير صحيح لأن الجميع كما قلنا لم يخرج بسلامته من الإنتخابات.
ولكن يبقى احتمال أخير، وهو الأخطر: أن يكون ضرب الإستقرار في لبنان أصبح مطلوباً. وهذا ما يستدعي قراءة مختلفة.
                                                         11 حزيران 2016



السبت، 4 يونيو 2016

شمروا عن سواعدكم

                     
حسن ملاط
أسفرت الإنتخابات البلدية عن فوز واضح للذين يملكون إرادة التغيير. هذه النتيجة التي أخرجت الذين يفكرون بعقل هادىء ورصين، عن طورهم، فراحوا يستخدمون الأساليب التي تقلل من هيبتهم أمام أنفسهم وأمام الناس.
نحن نعلم أن أصحاب المصالح لا يهمهم إلا مصالحهم. كما وأننا نعلم أن هؤلاء على استعداد دائم لافتعال إشكالات لإفشال أي نقاش يمكن أن يؤدي إلى إنتاج مجلس بلدي جديد يضع نصب عينيه الإنماء وترميم ما تم تخريبه على مدى عقدين من الزمن.
ولكن الفوز الذي حققه دعاة التغيير بسلاح ناصع البياض: هو إقناع الناس بصحة طروحاتهم من أجل بناء بلدة يفتخر أهلها وسكانها بها، سيتيح لهم بالضرورة إكمال مسيرتهم المظفرة إذا التزموا بالقواعد التي تؤمن لهم الدعم المستمر لأهل البلدة.
1-  الإلتزام التام بالبرنامج الذي وعدوا الناس بتحقيقه بحذافيره مع الأخذ بعين الإعتبار المستجدات التي يمكن أن تحصل.
2-  وضع الأهالي بجميع المعوقات التي تحصل مع المجلس البلدي ومن الذي يسببها. فطلب تأييد الأهالي والسكان للمجلس سيجبر المسؤولين على الرضوخ لمطالب البلدة.
3-  كشف مالي موثق لمداخيل ومصاريف البلدية كل ستة أشهر.
4-  الطلب من الأهالي والسكان النصح وبشكل دوري يُحدد من قبل المجلس البلدي ويعمم على الأهالي والسكان.
5-  الإلتزام الفعلي بعدم التفرد بأخذ المقررات (من قبل مراكز القوى)، لأن البلدية ليست مؤسسة خاصة.
6-  عدم استتباع البلدية لأي جهة سياسية، مهما كانت قوة نفوذها. من أجل ذلك، يُمنع على رئيس البلدية، كائناً من كان، مناقشة شؤون البلدة مع أي جهة سياسية بمفرده. والوفد الذي يرافقه يجب أن تُراعى فيه الإختلافات بالإنتماء السياسي.
أما النقطة المركزية والأهم، فهي عدم بدء نشاط المجلس الجديد قبل الكشف من قبل خبير مالي على جميع مصاريف المجالس السابقة، وإن كانت مصاريفها تمت بطريقة مشروعة وقانونية.
البلدية مؤسسة عامة، ملك أهالي القلمون وسكانها. لذلك فالتغطية على أي إهدار بحقوق المواطنين يعني إعطاء الآخرين مما لا يملك المجلس الجديد. فالمجلس الجديد معني وبشكل إلزامي على إطلاع المواطنين على ما يحصل في مؤسستهم التي تسهر على راحتهم!
أما بالنسبة لتشكيل المجلس الجديد، فلا بد من مراعاة الأمور التالية:
أ‌-     تنحية جميع الذين اثبتوا فشلهم على مدى عقدين من عمر البلدة. ولا تتم أية مفاوضات داخلية تطرح إمكانية التجديد للفشل المقيم.
ب‌- فضح كل أساليب الترغيب والترهيب التي يُمكن أن تُستخدم خلال المفاوضات. الناس الذين صمدوا أمام اتفاق جميع الطبقة السياسية مستعدون للإستمرار بتحمل جميع الضغوطات من أجل مصلحة البلدة.
ت‌- على دعاة التغيير وضع الناس بما يحصل من تطورات في تشكيل المجلس الجديد ونبذ ما يُسمى الدبلوماسية السرية التي أنتجت الكثير من المآسي للشعوب، وفضح جميع من يعيق المباشرة بالعمل البلدي المنتج.
ث‌- أنتم تتفاوضون مع خصوم وليس مع أعداء، فلا تستجيبوا لمن يريد أن يستعديكم.
ج‌-  عدم القبول بأن يتكلم عضو بلسان عضو آخر من المجلس البلدي. فالأهالي انتخبوا شباباً راشدين!
ضعوا نصب أعينكم أن من يعاندكم يدافع عن مصالحه الشخصية، أما أنتم فتدافعون عن مصالح البلدة. فمن الطبيعي أن يكون متوتراً وأنتم هادئون!
أملنا كبير أن يمن الله، تبارك في علاه، علينا بمجلس بلدي فاعل، يتمكن من إعمار ما هدمه البعض وإنتاج بلدة نموذجية تكون صورة مضيئة عن أهلها وسكانها.

                                              القلمون في 2 حزيران 2016

الجمعة، 3 يونيو 2016

الريفي من دون "Make Up"

             
حسن ملاط
لقد تمكن اللواء الريفي من تحقيق فوز كبير في الإنتخابات البلدية في طرابلس. ولكن لا يمكن إعطاءه صفة الفوز الساحق، وذلك لأن الريفي لم يتبن لائحة "قرار طرابلس"، إنما أيدها. ولأنه لم يتوقع هذا الفوز الكبير لها. وهذا يعني أن التحضير الذي قام به لا يتناسب مع حجم الفوز الذي حصل. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الريفي وأهل اللائحة لم يرصدوا نبض الشارع بشكل جيد. أما الخاسر الأكبر، فهو تآلف جميع القوى السياسية وعلى رأسهم الرئيس ميقاتي.
1- بسبب عدم تحضيرها الشارع للإنتخابات، اعتمدت جميع القوى السياسية على ماكينة الرئيس ميقاتي الذي يملك المؤسسات التي تقدم الخدمات للناس على مدار السنة. هذا ما دفع مناصري الرئيس ميقاتي على الإرتياح، وعلى عدم بذل الجهود الضرورية.
2- نواب طرابلس كذلك استهانوا جميعاً بلائحة ما يُسمى بالمجتمع المدني التي بذلت مجهودات لا بأس بها حتى تمكنت من الفوز.
3- الخاسر الأكبر الثاني بعد الميقاتي، كانت الجماعة الإسلامية التي تملك تاريخاً عريقاً في طرابلس والتي كانت تملك قاعدة لا يُستهان بها. الجماعة لم تتمكن من الفوز. وهذا ما جعل مسؤولها السياسي يتقدم باستقالته، لأنه لم يكن موافقاً على كيفية إدارة معركة البلديات، على ما نقلت بعض الصحف.
4-  الخاسر الثالث هو الرئيس الحريري، الذي كان يعلم مسبقاً عدم إمكانيته على قيادة المعركة، لذلك سلمها للميقاتي. قبل الحريري بأن يكون الفائز الثاني (أمام الميقاتي) والخاسر الثاني وهذا ما جعله لا يتقدم لقيادة اللائحة.
هناك أسباب عديدة أخرى، ولكن لن نعددها لأنها لا تتعلق بموضوع تحليلنا الحالي.
أهدى اللواء الريفي الإنتصار إلى روح الرئيس الحريري وأرواح شهداء ثورة الأرز. وأضاف انه يمد يده الى الرئيس سعد الحريري، وانهما اختلفا على نقاط سياسية أبرزها ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية للرئاسة. ولفت الى ان مشاركته في الحكومة تعني قبوله بالجلوس مع "حزب الله"، مشددا على انه لن يقبل بأن يكون لبنان ولاية إيرانية.
لماذا تجند الإعلام، وخاصة المعادي للريفي، إعطاء الفوز أكثر من حجمه وتصويره وكأنه انتصار على الحريري؟ هذا مع العلم أن الجميع يعرف أن هذا الفوز لا يمكن استثماره إلا في الساحة الطرابلسية. وإشارة الريفي لحزب الله تعني أنه موافق على استمرار علاقة الحريري مع الحزب ولكن بصيغة أكثر تشدداً.
إن ما أراده المروجون للفوز الكبير هو فقط تشتيت هذه الساحة لأن الريفي يعرف قبل غيره حجمه وحجم الساحة التي يمكن أن يكون فاعلاً فيها.
الرئيس ميقاتي يعمل في الخدمات منذ أكثر من عقدين من الزمن وترأس الحكومة مرتين ولا يمكن حتى الآن التحدث عن حجم له على امتداد الساحة اللبنانية. فهل يمكن للريفي أن يكون فاعلاً على الساحة اللبنانية لأنه فاز بثلثي مقاعد بلدية طرابلس؟
إن من ينفخ بفوز الريفي أكثر من حجمه الفعلي، إنما يريد في حقيقة الأمر إسقاطه. ولكن الظاهر حتى الآن أن الوزير الريفي لم يقع في فخ هؤلاء. لذلك نراه يؤكد على التعاون مع الحريري، ولكن مع ضرورة إعادة النظر في تحديد الأحجام! وهذه نقطة تًسجل له.
الرئيس الحريري رد التحية بأحسن منها؟
لقد أعلن الحريري على لسان المشنوق أن جميع ما يعترض عليه الريفي لم يكن من فعل الحريري نفسه، إنما كان بضغط وإملاء من المرجعية المشتركة للحريري وللريفي على السواء. وهذا يعني أن لا ضرورة للخلاف طالما أن الثوابت مشتركة. إذن لا يبقى إلا الإخراج التقني لكيفية المصالحة.
خلاصة القول، أن من يمكنه لعب دور على امتداد الساحة اللبنانية، يجب أن يملك تأثيراً على امتداد هذه الساحة. الوحيد الذي يملك هذه المواصفات في الوقت الراهن هو الحريري، ولا يوجد بديل له في الوقت الراهن. من أجل ذلك نرى ضرورة استمرار التعاون ما بين الحريري وحزب الله على تأمين الإستقرار في الساحة الداخلية في ظل عدم الإستقرار الإقليمي. أما محاولات التهشيم فهي لا تفيد في شيء لأن التهشيم لحق بجميع الأطراف من دون استثناء في الإنتخابات البلدية. والوزير الريفي يعلم أنه ليس مهيئاً حالياً لإمكانية لعب دور في فرض الإستقرار على الساحة الداخلية.
                                        4 حزيران 2016