بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 30 أكتوبر 2008

مقدمة في تعليم القراءة للمبتدئين

مقدمة في تعليم القراءة للمبتدئين

مسألة تعليم القراءة ليست مستجدة، فتعليم القراءة ابتدأ منذ اختراع الحرف. ولكن تطور العلوم هو الذي أدى الى تطور النظر الى تعلم أو تعليم القراءة.
سوف نتحدث أولاً عن تأثير علم النفس في تعليم القراءة للمبتدئين. وما نتحدث عنه هو ما قام به فرع من علم النفس وهو فرع التحليل النفسي.
من المعروف تقليدياً أن ارتباط التعليم بعلم النفس يمر بعلم النفس التربوي (البيداغوجي) Psychopédagogie، أو علم النفس المعرفي،Psychologie cognitive ولكن أن نتحدث عن التحليل النفسي Psychanalyse فهذا أمر مستجد. ولكن يمكنني أن أؤكد أن الأفكار التي اكتسبناها من هذه الأبحاث ترتدي أهمية كبيرة في ميدان تعليم القراءة للمبتدئين. وأهم هذه الأبحاث تلك التي قام بها المحلل النفسي، Jacques Lacan . وقد ساعدت أبحاثه في تطوير الأفكار التربوية الهامة عند Françoise Dolto أيضا. وسوف نستعرض الآن وعلى وجه السرعة أهم هذه الأفكار.

1 – حتى يتعلم الطفل يجب أن يكبر. فتعلم القراءة مرتبط ارتباطاً يكاد يكون شرطياً بالنضوج النفسي Maturité عند الطفل ( وهذا هو المقصود بضرورة أن يكبر). فبقدر ما يتأمن النضوج عند الطفل بقدر ما يكون هذا الطفل مستعداً للتعلم.
2 – حتى يتعلم الطفل يجب أن يكون لديه أي (الطفل) الرغبة بالتعلم. ما من أحد يمكنه أن يعلم انساناً لا يرغب في التعلم. لذا على المعلم أن يوجد جواً تعلمياً يساعد على خلق الرغبة بالتعلم عند الطفل.
3 – المسافة الرمزية Distance symbolique: اذا ظل الطفل مرتبطاً بأمه (أو بمن يقوم مقامها) فسوف يعيق نضوجه. لذا يجب ايجاد مسافة (مسافة رمزية) بين الطفل وأمه حتى يتمكن الطفل من الانفتاح على القراءة. أو بصيغة أخرى، حتى تصبح القراءة حاجة له، عليه تأمينها حتى تقوم بالتالي أي القراءة بتأمين ما يتطلبه الطفل. ان وجود هذه المسافة هو الذي يجعل الطفل يتخلى تدريجيا عن أمه. أمه التي تؤمن له جميع متطلباته. الانفتاح على القراءة يتطلب جهدا يقوم به الطفل ، كما و يتطلب استقلالية نسبية Autonomie. أما الرمزية فهي التي ستجعل الطفل ينفتح مستقبلا على الرموز: رموز اللغة Symboles .
4 – الفرق أو لنقل التباين la différence على الطفل أن يعي أن هناك فرقا بينه وبين أمه، أو لنقل تباينا فهو ليس أمه وأمه ليست هو. أي أنه ليس هناك تماهيا بينه وبين أمه. هذا الشعور أو الوعي أو القبول من الطفل هو الشرط الأول لاستقلاله عن أمه أي لقبوله القيام بجهد ما حتى ينفتح على أي نوع من النشاط ومن ضمنها الجهد الذي عليه القيام به للتعلم. علينا أن نكون على يقين أن بعد الطفل عن أمه سوف يسبب له الأسى. ان الدور الذي تقوم به الأم بالنسبة للطفل لا يمكن استبداله ولا الاستغناء عنه، أضف الى ذلك أن البعد عن الأم أو القبول بالتباين يعني حتما الانفتاح على عالم مجهول من الطفل عالم سوف يسبب له الأسى لأنه يجهله.
5 – القبول بوجود الآخر la présence du tiers ان أول آخر يتعرف عليه الطفل هو الأب. من هنا على الأب أن يعلم أن عليه لعب دور الآخر. الآخر يعني بالنسبة للطفل أن هناك عالما آخر لا يقتصر عليه هو وأمه. فاذا تمكن الأب أن يلعب هذا الدور فسوف يجد الطفل سهولة بالانفتاح على العالم الخارجي، أي البعد عن أمه، أي القيام بجهد لتأمين متطلباته ، تلك المتطلبات التي تقوم الأم عادة بتأمينها من غير طلب من الطفل. الاستقلال عن الأم يكلف الطفل جهدا، وكذلك الانفتاح على القراءة وتعلم رموزها.
5 – التخلص من هيمنة التخيلي L’imaginaire : التخيلي يجعل الطفل يعتقد أنه بلمسة واحدة يمكنه تغيير العالم، كما تفعل الجنية أو الساحرة. فهي تحرك عصاها السحرية فتحصل على قصر أشبه ما يكون بقصور الملوك. وهيمنة التخيلي عند الطفل تجعله يعتقد أنه بامكانه أن يقرأ ساعة يشاء وأن يقرأ أيضا ما يشاء. ومن من المعلمين لم يصادف هذا النوع من الأطفال الذي يمسك بالكتاب ويبدأ بالقراءة. ولكن ماذا يقرأ؟ انه يقرأ من خياله وليس من الكتاب.
معرفة ما تقدم ضروري بالنسبة للمعلم لأنه يساعده على معرفة الطفل بشكل أفضل كما وأنه يساعد المعلم على التعامل الأفضل مع الطفل، التعامل الذي لايؤدي بالطفل الى أخذ فكرة سلبية عن المدرسة أو أي مؤسسة تعليمية أخرى.
بعد التزود بهذه المعارف يأتي دور اختيار الطريقة التي على المعلم أن يوصل من خلالها المعارف الى المتعلم. من المعروف أن هناك طريقتين لتعليم القراءة: الطريقة المجملة والطريقة التركيبية.
1- الطريقة المجملة ويندرج تحتها الطرق التي تبدأ بتعليم الطفل الجملة، أو الكلمة، أو الصورة أو القصة. ولا يظنن أحد أن الطريقة المختلطة لا تندرج تحت خانة الطرق المجملة. فجميع الطرق التي تعتمد التحليل للوصول الى الحرف هي في المحصلة طريقة مجملة، لأن انطلاقتها مجملة. واذا أحببنا أن نختصر فنقول أن كل طريقة تسمح للطفل بقراءة كلمة لا يعرف جميع مكوناتها تعتبر طريقة مجملة.
2- الطريقة التركيبية ويندرج تحتها الطريقة الهجائية والطريقة المقطعية والطريقة الصوتمية. وهذه الطرق يمكننا أن نطلق عليها اسم الطرق الطبيعية، ذلك أن الطرق المجملة لم يمر على استخدامها قرن من الزمان. وقد جاء استخدامها بناء لنظرية الجشطالت في علم النفس. وعندما نقول نظرية فهذا يعني أنها تحتمل الخطأ والصواب، أما عندما نقول أنها حقيقة علمية فهذا يعني أنه بامكاننا الفركون الى صحتها.
ها قد تعرفنا على طرق تعليم القراءة المستخدمة، فكيف لنا أن نختار الطريقة الفضلى؟ أو بصيغة أخرى هل هناك طرق صحيحة لتعليم القراءة وطرق خاطئة؟
ما المستجد على صعيد تعليم القراءة؟

 المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية في الولايات المتحدة NICHD (وهذا يعتبر أهم مركز في العالم في مجاله) وهو يعمل في مجال محاربة الأمية، وبالتالي التفتيش عن الطريقة المثلى في تعليم القراءة، توصل علماؤه الى الحقيقة التالية: ان الخيارات البيداغوجية تتحكم بمورفولوجية Morphologie الدماغ وبنيته structure، وتضغط أيضا وبشكل سلبي على نوعية المعارف، كما وتؤثر سلبا أيضا على نمو وتطور العملية المعرفية والذكاء.
كما وأن أهم ما توصل اليه هذا المركز هو الانتقال بعملية تعليم القراءة من مجال علم النفس الى مجال علم الأعصاب. كما وأنه نتيجة الأبحاث التي قام بها الحائز على جائزة نوبل R.W. SPERRY فقد تم البرهان على أنه يوجد في الدماغ مركزان الجزء الأيسر من الدماغ هو مركز التحليل وتشريح المعطيات و الجزء الأيمن الذي يأخذ الصورة ويتعرف عليها من خلال المقارنة. كما وأنه تم البرهان على أن الدماغ لا يقبل الكلمة كصورة، فهو يحللها الى عناصرها. وعناصر الكلمة هي أحرفها لذا علينا معرفة عناصرها. فمن المعروف أن هناك نوعين من اللغات: اللغة الألفبائية واللغة الرسموية وهي اللغة الصينية واليابانية القديمة، حيث أن هناك محاولة جادة لتحويل هذه اللغات الى ألفبائية.
ما أهمية ما تقدم بالنسبة لاختيارنا طريقة تعليم القراءة؟
عندما نعلم الطفل الكلمة على أنها "صورة" أي من دون أن نعلمه مكوناتها أي أحرفها نطلب منه قراءتها وتذهب الكلمة الى الدماغ الأيمن لأنه مسؤول عن معرفة الصور بالمقارنة أو بالتذكر ويجد (أي الدماغ الأيمن) أن هذه ليست صورة انما لها مكونات صوتمية يرفضها ويبعث بها الى الدماغ الأيسر المسؤول عن التحليل وحيث أنه (أي الدماغ الأيسر) لا يعرف مكوناتها تقع المشكلة أي مشكلة ايقاع الدماغ في التعثر وعدم امكانيته على القراءة. وحيث أن مهمتنا هي تعليم الطفل القراءة وليس مرافقته الى التعثر في القراءة من هنا تأتي أهمية معرفتنا بكيفة عمل الدماغ أو آلية عمله حتى نتمكن من اختيار الطريقة التي تسهل عمل الدماغ على تعلم القراءة، واختيارها.
 الدكتور Michèle Mazeau عالم نفس وأعصاب يقول: من وجهة نظر الكفايات الدماغية، لا نتعلم القراءة كما نتعلم الكلام، اللغة المكتوبة لا يمكن تعلمها الا بواسطة المبدأ الألفبائي الذي يصل كل شكل بصوت. فمن الضروري أن نعطي المفتاح للطفل منذ بداية التعلم.
 اذا كنا لا نعرف العمليات processus العقلية التي تتيح لنا أن نقرأ، فهذا لا يعني مطلقا عدم وجود هذه العمليات.
 التهجئة و المخزون اللغوي هما اللذان يتيحان للطفل أن يقرأ قراءة واعية.
 اذا أردنا مساعدة الطفل على بناء معرفته فلا خيار لنا الا باعطائه المفاتيح التي تمكن من ذلك: الأحرف والمؤالفة Combinatoire.
ويمكننا أن نستمر في السياق نفسه حتى تتضح الأفكار بشكل أفضل. اليكم ما يقوله العالم التالي: البروفيسور Lucien Israël لم يتردد بالكتابة أن المقاربة الاجمالية globale هي تفسير معكوس بالمطلق. لقد تم البرهان على أن مركز اللغة هو الجزء الأيسر من الدماغ : انه مركز التحليل وتشريح المعطيات.
من هنا فان الطريقة الكلية لا تعلم الطفل القراءة لأنها مخالفة لآلية عمل الدماغ.
 و اليكم هذه التجربة التي قامت بها "اليز تامبل" أجرت IRM f لعشرين طفلا عاديين وعشرين طفلا يعانون من الديسليكسيا قبل وبعد العلاج التعلمي الذي يرتكز على التمييز السمعي وعلى عمل من النمط المقطعي (syllabique ).
بعد العلاج أصبحت أدمغة الأطفال المرضى متقاربة مع أدمغة الأصحاء.
النتيجة:
ان تعلما للقراءة بشكل سيئ يساعد على تثبيت آلية للدماغ من النمط الديسلكسي.

من هنا ما نريد قوله هو التالي:
آن الأوان للانتقال بالتربية من الفرضيات الى الحقائق!!
 علماء النفس يضعون فرضيات عن العلاقة بين انتاج الأفكار وعمل الدماغ. هذه ليست حقائق.
 F. GRICK الحائز على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا قال أنه يمكننا أن نعرف كيف يعمل الدماغ لانتاج الأفكار من خلال IRM f و SCANNER أي الوصول الى حقائق.
 و نضيف الى ما تقدم لقد برهن Noam CHOMSKY وSteven PINKER على الخاصية الفطرية للغة.
 كما وأن Sally SCHAUWITZ برهنت أن المعلومة الناتجة عن عدة صواتم (يكون المقياس الصوتي الدماغي قد حللها) تكون مدموجة في وحدة صوتية واحدة. أي من يقرأ عليه أن يحول الاشارات المكتوبة الى اشارات لغوية، أي تحويل الروسم graphème الى صوتم phonème.
 إن كثيرا من الأخطاء التربوية ذات النتائج الكارثية وُجدت نتيجة الجهل بهذه الحقيقة العصبية التي لا يمكن تجنبها. القارئ الجيد يحتاج الى 20 ملليثانية لتمييز الصوت بينما الآخرون يحتاجون الى 300 ميلليثانية.
 التمييز بين الأصوات لا يتحسن مع العمر، بل مع التعلم بشكل جيد.
 معرفة الرموز المكتوبة هي التي تحدد سرعة الانتقال من كلمة الى أخرى.
 بعد تمييز الدماغ للأشكال الكتابية، تصبح هذه الأشكال مدركات نظرية. إنها رموز كتابية وليست صوراً. لا بد إذن من تحليلها.

 لكن!! كيف يتم تحويل هذه المدركات النظرية الى لغة شفهية؟

في جميع اللغات: القراءة هي أن ينجح القارئ في ربط الرموز الشكلية بعناصر اللغة المحكية التي تمثلها هذه الرموز وأن يعطي معنىً لهذا المجموع من المعطيات الموجودة في الذاكرة ومن ثم تتكامل مع المجموعات الدلالية الأكثر تعقيداً والتي تشكل الكلمة ومن ثم مجموعات الكلام: الجمل والنصوص.
وهكذا يكون المتعلم قد قرأ.
سوف نقوم من دون أدنى شك بعرض مراحل تعلم القراءة من قبل الطفل على من يريد أن يعرف هذه الآلية، أما معلمو ومعلمات الروضات والحلقة الأولى فعليهم معرفة هذه المراحل بشكل مفصل حتى يعلموا مدى الخطورة التي يشكلها الخيار السيء في طريقة التعليم على الطفل ودماغ الطفل.

حسن ملاط
القلمون في 30 تشرين الأول أوكتوبر 2008

الخميس، 16 أكتوبر 2008

اطلالة على الأزمة الراهنة

اطلالة على الأزمة الراهنة

منذ حوالي الف ومايتي سنة وقف هارون الرشيد على شرفة قصره ونظر الى الغيمة التي أبت أن ترسل ما تحمل من خير فوق بغداد، عاصمة ملكه، وقال لها "اذهبي أنى شئت فان خراجك سيعود الي".
وما أشبه اليوم بالبارحة، ولكن مع تغير الشخصيات. فبوش يقف وقفة الأسد فوق فريسته ويتحدث الى العالم بأجمعه (فريسته)، عربه وعجمه، اوروبييه وأفريقييه وجيرانه الأميركيين أيضا، ويقول لهم: سوف أظل أستهلك على هواي وأوهمكم أنني أسدد ثمن ما أستهلكه وسوف تظلون تدفعون بدل استهلاكي موهمين أنفسكم أنكم لا تدفعون ثمن ما أستهلكه. ثم يضيف متحدياً وافعلوا ما شئتم.
يومياً يدبج الكثير من المقالات واصفة هذه الأزمة وامكانية حلها. والملفت للانتباه هو أنني لم أر مقالاً أو دراسةً تقول لنا لماذا اذا تأزمت في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يحصد العالم أجمع ارتدادات الأخطاء الأمريكية. تأزمت في أمريكا فبدأ انخفاض اليورو مقابل الدولار. ومن المعروف أنه عندما تكون أزمة اقتصادية في احدى الدول، يكون انعكاس هذه الأزمة انخفاض قيمة نقدها. أما الدولار فقد تحسن سعر صرفه مقابل اليورو. وعندما بدأ ارتفاع السعر الجنوني للنفط، كان التبرير أنه ناتج عن انخفاض سعر الدولار مقابل اليورو والين و... فما بال البترول ذاهب الآن، الى الانخفاض بوتيرة أسرع من وتيرة ارتفاعه عندما كان سعر الدولار منخفضا؟ هل بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي. وبذلك يكون الجواب نفسه: اذا ارتفع سعر البترول أو انخفض سعر البترول يكون بسبب ضعف الدولار. أنا لا أتحدث للتسلية انما أنقل ما يكتبه "الخبراء".
طالعتنا وسائل الاعلام اليوم بالنبأ التالي: انخفاض كبير في البورصات الأسيوية (المقصود اليابان والصين وتايوان وهونغ كونغ والهند...) وانخفاض في سعر البورصات في أوروبا والدول الخليجية وذلك ناتج عن انهيار البورصة في وول ستريت في نيويورك. تغيم في أمريكا وتمطر في كل القارات! ألا يعني هذا بصيغة أخرى أن هنا سوقاً واحدةً لها استقلالية وجميع الأسواق الأخرى تابعة؟ من الأكيد أن ديغول سعيد في قبره حيث أنه لا يرى أن جميع جهوده التي قام بها من أجل ايجاد أوروبا مستقلة عن التبعية لأمريكا قد باءت في الفشل. على الصعيد العسكري وعقب الحرب الأمريكية على صربيا أعلن وزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي أن آلتهم العسكرية متخلفة أي أنها غير مهيئة لخوض حرب والانتصار. أما على الصعيد الاقتصادي فما علينا الا أن نتفرج على انهيار جميع الاقتصاديات في العالم بسبب تبعيتها للاقتصاد الأمريكي. اذن في هذا العالم يوجد دولة واحدة مستقلة هي الولايات المتحدة الأمريكية.
العالم أجمع يعلم أن حجم الانتاج الأمريكي يساوي حوالي خمسة عشر تريليون دولار. و العالم أجمع يعلم أن الكتلة النقدية التي يتعامل فيها الأمريكان في بلادهم هي عشرين ضعف حجم انتاجهم القومي، رغم الاحتيال في حسابهم لحجم الانتاج القومي كما قال أحد الخبراء الآقتصاديين. أي هناك 285 تريليون دولارا ورقيا من غير قيمةً. لماذا السكوت عن هذا الأمر الذي يهم العالم بأجمعه؟ هناك أجوبة مباشرة. منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – لأن مصالح الطبقات المسيطرة على صعيد العالم الرأسمالي واحدة.
2 – لأن الاقتصادات في الدول الأخرى تابعة للاقتصاد الأمريكي.
3 – لأن الانهيار في الاقتصاد الأمريكي سوف يؤدي حتماً الى انهيار الاقتصاديات الأخرى...
ولكن الأنكى من جميع ما تقدم هو عندما ترى توصيفاً للأزمة من خبراء تابعين للدول المنتجة للنفط. يتحدثون وكأنهم محقون بتبعيتهم لأمريكا. انهم يقدمون الطاقة للأمريكان ويأخذون بدل هذه الطاقة أرقاماً وهمية لاقيمة لها. وأضف الى ذلك أنهم حتى هذه الأرقام الوهمية قد خسروها. نتعامل مع أمريكا باقتصاد حقيقي وتتعامل معنا باقتصاد وهمي ونقبل بذلك. هل يعقل ذلك؟ وكيف يمكن تفسيره الا بالتيعية المطلقة. أي التخلي عن مصالح أمتنا واعطائها لأمريكا من غير بدل الا حماية العروش المنهارة.
نصل الى السؤال التقليدي، هل من خروج من هذه الأزمة؟ هناك الكثير ممن تحدث أن هذه الأزمة بنيوية ولا يمكن للنظام الرأسمالي الخروج منها، علماً أن أزمة 1929 كانت أكبر منها بكثير فقد كان هناك كساد امتد لأكثر من أربع سنوات. ولما يصل الاقتصاد الأمريكي الى الكساد في أزمته الراهنة. لا تزال الأزمة مالية ولم تتحول بعد الى أزمة اقتصادية. وعلينا أن نضيف بأن العالم بأجمعه يتكاتف للدفاع عن استغلال الأمريكي له، وكلنا يرى مئات المليارات التي ضخت من أجل حماية استمتاع الأمريكي بخيرات العالم من غير مقابل. أي يمكننا القول أن النظام المعولم سوف يتمكن من تجاوز هذه الأزمة وبصعوبة كبيرة لأنه لا وجود لقوى حية منظمة يمكنها من أن تكون بديلا لهذا النظام الظالم. وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فلا بديل لهذا النظام الا هذا النظام ويا للأسف!
قبل أن أختم أود أن أشير الى أن السبب الحقيقي لهذه الأزمة هو أن الأمريكي أراد أن يعطي قيمة لما ليس له قيمة حقيقية، فأبت الطبيعة ذلك. 285 تريليون دولار من غير تغطية أي من غير قيمة حقيقية يتعامل فيها الأمريكي يعطيها للناس بدل قوة عملهم، يكتشفون أنها من غير قيمة. ألم نقل في بداية المقالة أننا نوهم أنفسنا بأن الأمريكي يدفع ثمن استهلاكه. التوازن الحقيقي يحصل عندما تصبح الكتلة النقدية في العالم موازية لقيمتها الحقيقية من الانتاج. أما التغيير فلا يتم تلقائيا، انما هو بحاجة الى قوى حية.
حسن ملاط

الخميس، 2 أكتوبر 2008

تعليم القراءة للبتدئين

حول تعلم القراءة للمبتدئين

مارست التعليم أكثر من ثلاثة عقود ولكن لم أوفق مرة في الدخول الى الصفوف الصغيرة. كنت أعاني مع تلاميذي ضعفهم اللغوي. كنت أعتقد أنه ناتج عن أن اللغة التي أستخدمها هي اللغة الأجنبية. وأنا على يقين الآن أنني كنت مخطئاً في تقديري. فالضعف في اللغة ينسحب على اللغة الأم وعلى اللغة الأجنبية في نفس الآن. هذا الاستنتاج لم أتمكن من الوصول اليه الا بعد أن مارست الاشراف التربوي. وكان الاشراف من الروضات حتى الصفوف العليا. الضعف في اللغة مرض تعاني منه المدرسة في أي مكان. وهذا هو العامل الذي جعلني أعتبر التفتيش عن ضعف اللغة هو الهم الأساسي بالنسبة لي. لقد تمكنت بتوفيق من الله عز وجل الى اليقين بأن الضعف في اللغة يعود الى الطريقة المتبعة في تعليمها. وهذه الدراسة هي مساهمة في ايضاح ما توصلت اليه.

من المعروف أن الطريقة المتبعة في تعليم القراءة للمبتدئين في بلادنا العربية هي الطريقة المختلطة ( اجمالية – تركيبية) ولكنها تبدأ على أنها مجملة. أعني بأنها لا تبدأ بتعليم الصوتم- الروسم، انما تبدأ من الجملة أو الكلمة أو الصورة. وجميع هذه البدايات متشابهة على صعيد تصرف الدماغ معها.
لقد تمكن العلم الحديث نتيجة الثورة التقنية التي لا مثيل لها، تمكن من تصوير دماغ الانسان وهو يتعلم القراءة. فبواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي تمكن هؤلاء العلماء من معرفة المناطق الدماغية التي تتأثر بتعلم كل نوع من أنواع التعلم. مثال ذلك أن الانسان عندما يتعرف على صورة ما فالمنطقة الدماغية التي تنشط هي المنطقة الدماغية اليمنى، أما المنطقة الدماغية اليسرى فلا يعنيها هذا الموضوع.
نطرح السؤال: وما يعنينا هذا الموضوع نحن الذين نتحدث عن تعلم القراءة؟
التعليم بالطريقة المجملة، أي البدء بتعلم الكلمة، يعني أن المتعلم يعتبر هذه الكلمة وكأنها صورة لأنه لا يعرف الأحرف التي تتألف منها هذه الكلمة، فهو يتعرف عليها كما يتعرف على صورة الجمل مثلاً، أو صورة قلعة... ولكن القدرة الالهية التي قدرت كل شيء تجعل الدماغ يتصرف بطريقة مختلفة عما نريد نحن. يأخذ الدماغ الكلمة الى المنطقة الدماغية اليمنى لمعالجتها على أنها صورة ولكنه لا يتقبلها لأنها مؤلفة من مكونات، من أحرف. فيحولها الى المنطقة الدماغية اليسرى المولجة بالتحليل، فان كانت تعرف مكونات الكلمة ( الأحرف) يتمكن المتعلم من قراءتها. أما اذا لم يكن يعرف مكوناتها فيبدأ ببث الاحتمالات نتيجة ما يتذكر من أشكال مشابهة للشكل (الكلمة) الموجود أمامه. وربما يصل الى قراءة الكلمة.
ما تقدم ليس قصصاً من الخيال العلمي، انما هي حقائق علمية، سوف أنقل صورها في مرة قادمة ان شاء المولى عز وجل. والجدير ذكره في هذا المقام أن جل الذين قاموا بهذه التجارب هم من الحائزين على جائزة نوبل. ومنهم أيضاً من هو حائز على الكثير من الجوائز العالمية.
المهم في هذا المجال أن نصل الى الاستنتاج التالي: ان الطريقة الصحيحة لتعليم القراءة للمبتدئين هي الطريقة التي تسهل عمل الدماغ وليست الطريقة التي تتعارض مع آلية عمله.
ما تقدم هو العامل الأهم في اختيارنا للطريقة المثلى في تعليم المبتدئين للقراءة. هناك عوامل أخرى واليكموها:
1 – الفشل في تعلم القراءة يعود بالدرجة الأولى للمتعلم.
2 – المقاربة البيداغوجية تؤثر على تقبل المتعلم للتعلم.
3 – على الطريقة التربوية أن تأخذ بكثير من الاعتبار عملية النضج السيكولوجي للطفل.
4 – تعلم القراءة يفرض أن يكون الطفل ناضجاً بشكل أو بآخر.

ما هي التبدلات التي يجب أن تتدخل في بناء شخصية الطفل حتى يتمن من تعلم القراءة في الصف الأول؟
* يرتبط الطفل بعلاقة ثنائية مميزة مع أمه. ففي مخيلة الطفل أنه هو وأمه شيء واحد، مندمجان. الاختلاف طفيف. هنا يأتي دور الأب (أعني ضرورة تكريس الاختلاف).
* تطور علاقة الطفل مع أمه ارتقائياً باتجاه التميز: وهذا ما يسمى النضج. وهو العامل الحاسم في تعلم الطفل الكلام وبالتالي تعلم القراءة.
* حتى يقرأ الطفل عليه أن يكبر.
حتى يكبر، على الطفل أن يقبل عدداً من الحقائق و التي تُعتبر الباعث الى البؤس لدى الطفل.

الحقائق التي لا بد منها لتعلم الطفل القراءة:
1 – المسافة الرمزية:
لا بد من وجود مسافة رمزية بين الطفل وأمه حتى يتمكن من أن ينبني. الروضة هي مرحلة أولى لايجاد هذه المسافة. الروضة قريبة من الأم ولكن الصف الأول بعيد نسبيا.
2 – الفرق:
حتى يكبر، على الطفل أن يقبل التباين بينه وبين أمه. ليسا متشابهين (الطفل وأمه).
- هذا التباين يسبب القلق للطفل، فالمعلوم يوحي بالأمان أما المجهول فلا. بعده عن أمه يشعره بعدم الأمان.
- ما من أحد يعرف كل شيء، ما من أحد الا وينقصه أشياء. من هنا يريد الطفل أن يظل ملتصقاً بأمه.
- القبول بالتباين هو الطريق الأول لصياغة الطفل لنفسه: فرق بين الداخل والخارج، بينه وبين الآخر، بين الحقيقي والمتوهم، بين الفتى والفتاة، بين الشرعي والغير شرعي... بين الألف والباء!
3 – الموضع الرمزي للآخر:
- حتى يكبر على الطفل التخلي عن العلاقة بين اثنين فقط (هو وأمه) و القبول بالعلاقة الرمزية مع ثالث.
- للأم دور حاسم في هذا الأمر من حيث تشجيع الطفل على الانفتاح على الآخر. والا فمن الصعب جداً أن يقبل الطفل بالمدرسة.
- يكون الأب هو أول ثالث، أول آخر... وبذلك تفتح الطريق على الآخرين: المدرسة ...... القراءة!
- الآخر يتيح الانفتاح على النظام الرمزي الذي يؤسس الحدود والقواعد (النسق). الرمزية هي التي تؤسس العلاقات.
- الرمزية تساعد الطفل على الانتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الثقافية.
4 – العدول عن سيطرة التخيلي:
- كل منا بحاجة الى جانب خيالي أو تخيلي. ولكن عل الطفل التخلي عن هيمنة الجانب التخيلي.
- وجود الآخر يساعد الطفل على عدم الاستغراق في التخيل.
- التخيلي مثل قصص الجنيات التي تحقق الرغبات بلمسة عصا.
- الواقع مختلف: تحقيق الرغبة لا يكون مباشرة انما هو بحاجة الى عمل الى نشاط. يوجد فرح ويوجد حزن، هناك معارضة وأشياء يصعب قبولها من الطفل...

ليس هذا فحسب بل هناك الكثير في هذا الموضوع. ولكن نكتفي بهذا القدر الذي وضح موضوع الدراسات المعمقة في هذا الموضوع للوصول الى الطريقة المثلى المقبولة لتعلم القراءة للمبتدئين.
والجدير ذكره أن البرنامج التدريبي للقراءة قد راعى جميع الجوانب العلمية وأعطى نتائج باهرة في التطبيق العملي.

حسن ملاط

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

فوز حماس في الانتخابات

الاتفاق الفلسطيني
أبو أيمن

بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، كتبنا تعليقا حول هذا الفوز، وقلنا يومها أن الشعب الفلسطيني بانتخابه لحماس إنما كان يؤيد خيار المقاومة. حيث أن الفصيل الوحيد المؤيد لاستمرار المقاومة الذي شارك في الانتخابات هو حماس. فمنظمة الجهاد الاسلامي عزفت عن المشاركة. (وليت أن حماس قد فعلت الشيء نفسه). وهكذا كان فوز حماس الذي فاجأ الجميع، بداية لطريق لا يعرف قادته كيفية التعامل معه. وقد أثبتت الأحداث صحة هذا الكلام.

وقلنا يومها أنه اذا كانت حماس جادة في شعاراتها من حيث الاستمرار في المقاومة وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وعدم التفاوض معه، فما عليها الا أن تعزف عن تشكيل الحكومة الفلسطيسنية وتترك أمر السلطة لأهلها الذين تفاوضوا مع العدو وعقدوا الاتفاقات معه. وما عليها إلا أن تراقب عمل السلطة وتصححه حيث يمكنها ذلك وترفضه حيث يجب رفضه. وتصلب علاقتها مع شعبها وجمهورها حتى تتمكن من قيادة الشعب في صراعه الطويل مع العدو الصهيوني ودحره وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تراب الوطن.

وقلنا يومها أنه اذا كانت حماس مصرة على المشاركة في الحكم، حيث أنه لم يخطر في بالنا أنها ستتفرد بالحكم، فما عليها الا أن تبتعد عن كل الوزارات ذات الطابع السياسي حتى لا تضطر للتخلي عن شعاراتها بعدم التعامل مع الكيان الغاصب. أما الوزارات الخدماتية فلا تضطر الوزراء "الحماسيين" الى الحديث السياسي مع نظرائهم الصهاينة اذ أن الاسرائيليين كمحتلين عليهم واجب القيام بهذه الخدمات حسب شرعة الأمم المتحدة. وهذا النمط من التعامل ليس له أي طابع سياسي.

وقلنا يومها أنه اذا لم يرغبوا القبول بهذا الطرح، فيمكن رفع شعار حق المواطنة كشعار سياسي فيه هجوم سلمي على دولة الكيان الغاصب (كما قال الدكتور الداعية فتحي يكن في مقابلة صحافية تعليقا على فوز حماس والخيارات التي تملكها). أي أن لكل مواطن فلسطيني حق الحصول على الاقامة في فلسطين أي عودة جميع الفلسطينيين الى أرضهم وعندها، فليختاروا النظام الذي يريدون. المهم أن يعودوا، لا أن يتركوا ذلك الجدار الذي يقطع أوصال أرضهم وعوائلهم.

ولكن ما حصل هو أن حماس قد شكلت الحكومة التي رفضها المجتمع الدولي المؤيد للكيان الصهيوني العنصري الغاصب. وقد مُنعت عن الفلسطينيين جميع أنواع المساعدات، بخطوة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. شعب بكامله يعرض للتجويع لأنه اختار ممثليه في السلطة، اختيار تم على النحو الذي تريده الادارة الأمريكية. ولكن الخطأ الذي وقع فيه هذا الشعب أنه لم يختر من تريده أمريكا وإسرائيل. وقد صمد هذا الشعب مع حكومته وقدم الكثير من التضحيات حتى يصون حكومته من الانزلاق إلى الخضوع لمشيئة الصهاينة والأمريكان. ولكن حيث أن اللعبة الداخلية الفلسطينية كان يلعبها من هم مارسوها سنوات عدة أدت في النهاية الى تحويل المعركة من صراع ضد الصهاينة الى صراع داخلي لم تكن حماس لتربح فيه لأنه يتناقض مع كل الشعارات التي أسست لوجودها في الساحة الفلسطينية من خلالها.

وهكذا بدا أنه لا جدوى من الاستمرار في هذه الدوامة التي لن تؤدي الا الى التقاتل الداخلي خدمة للعدو الصهيوني حتى وإن كان عن غير قصد من أحد. لماذا الصمود إذن؟ لتستمر حماس في السلطة؟ وما الفائدة التي يجنيها الشعب الفلسطيني من استمرارها في السلطة؟ أسئلة عديدة لا جواب لها، لأنه لا ضرورة للتفتيش عن اجابة لها.

وتراجع التناقض مع العدو الصهيوني لصالح الصراع الداخلي ما بين فتح وحماس. صراع من أجل سلطة محكومة في حدها الأدنى والأعلى من الكيان الصهيوني أي من العدو.
وحصد الصراع العشرات من الضحايا، من الشهداء، من الأطفال والمقاتلين المجاهدين. والجميع يعلم أن هذا الصراع محكوم بضرورة الاتفاق. فلماذا الاستمرار في هذه اللعبة الشيطانية؟

المهم أن القتال سوف يتوقف. وعلى كل طرف من أطراف القتال أن يعيد تقويم التجربة التي خاضها في التقاتل الداخلي، والمعني بهذا الكلام في الدرجة الأولى حماس. فالاتفاق بينها وبين فتح ينص على أن الوزارات التي ستتسلمها حماس ليست وزارات ذات طابع سيادي (أين السيادة؟!)، أي أنها وزارات خدماتية. عشرات الضحايا من أجل العودة الى هذا الخيار؟
وأخيرا لا بد لفتح وحماس على السواء أن يطلبوا الصفح من شعبهم لأنهما أدخلوه في متاهة لا مصلحة له فيها. لقد كانت التضحيات التي قدمها من أجل الوصول الى تقاسم للسلطة. وأي سلطة؟!

إن إكسير العمل السياسي هو النقد والنقد الذاتي. أللهم اذا كنا نريد مصلحة شعبنا وقضيته ومصلحة الأمة جمعاء.

حسن ملاط
العرب والعولمة آذار - مارس 2007

حول قانون الانتخاب اللبناني

رأي في قانون الانتخاب اللبناني

حسن ملاط
مؤسسة "آراء" الثقافية – طرابلس


حسنا فعل معالي وزير الداخلية عندما طلب إلى الأحزاب والجمعيات والشخصيات إيداعه اقتراحاتهم في قانون انتخابي جديد. ولكن الأفضل هو طرح هذه الآراء على الناس، أصحاب المصلحة في التغيير، وإقامة حوارات جدية حول التعديلات المزمع القيام بها.

وحيث أن مجمل المقترحات التي طرحت كانت مفصلة على قياس من اقترحها أو من يمثل، لذلك وجدنا من المفيد إيراد رأينا عبر وسائل الإعلام حتى تحقق الغاية من طرحها. علما أننا على استعداد تام للدفاع عن وجهة نظرنا في التعديلات إذا أخذت طريقها للنقاش الجدي.

هذه خطوط عامة لقانون انتخابي نعتقد بأنه يساهم في إزالة الإجحاف اللاحق بكثير من الفئات اللبنانية نتيجة القانون القائم اليوم.
- يتم انتخاب المجلس الجديد بطريقتين مختلفتين.
أ‌- على صعيد القضاء كدائرة انتخابية.
ب‌- على صعيد لبنان كدائرة انتخابية.

على صعيد القضاء
1- يكون الترشيح إفراديا طائفيا و مذهبيا. إذ يجب تحديد عدد مقاعد كل قضاء والتوزيع الطائفي والمذهبي.
2- المرشح في القضاء لا يحق له الترشح على صعيد لبنان.
3- يكون عدد المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

على صعيد لبنان
1- الترشيح على صعيد لبنان يكون من خلال حزب أو جمعية ولا يكون فرديا. ولا يحق لهذا المرشح الترشح في القضاء.
2- على كل جمعية أو حزب يريد تقديم لائحة انتخابية أن يجمع عددا من التواقيع يساوي خمسة بالمئة من عدد الناخبين اللبنانيين.
3- يجب أن تكون اللائحة مرقمة حسب الأولوية.
4- يراعى التوزيع الطائفي في اللوائح الحزبية من حيث الاختلاط ومن حيث الأولوية. أي إذا كان الرقم واحد مسلما يكون الرقم الذي يليه مسيحيا وهكذا.
5- لا تقبل أي لائحة لا تراعي الاختلاط الطائفي.
6- يحق للحزب أو الجمعية تقديم لائحة مكتملة أو غير مكتملة.

أحكام أخرى
1- يصبح سن الانتخاب 18سنة.
2- يحق للناخب أن يصوت لمرشح واحد ولائحة واحدة.
3- ينتخب نصف المجلس على صعيد الأقضية والنصف الآخر على صعيد لبنان.
4- الأقضية تبقى كما كانت عليه تاريخيا.
5- لا يدخل المجلس الحزب أو الجمعية التي لا تجمع خمسة بالمئة من عدد المقترعين.
6- ينجح المرشح الذي يجمع العدد الأكبر من الأصوات في القضاء.
7- النجاح على صعيد لبنان يكون نسبيا. أي كل لائحة يكون لها عدد من النواب يساوي نسبة الأصوات التي حصلت عليها.
8- يحدد سقف للإنفاق الانتخابي سواء على صعيد القضاء أو لبنان.
9- يصبح بدل الترشيح للانتخابات النيابية مثلها مثل الانتخابات البلدية.
10- يمكن إجراء الانتخابات في جميع الأراضي اللبنانية في نفس اليوم.

ولا بد من الإشارة إلى أن اللبناني يتحول، وفقا لهذه التعديلات، من رقم أو صوت يشترى ويباع أو يجير، إلى مواطن يقترع لمرشح ملتصق به على صعيد القضاء و ممثل لخطه السياسي على صعيد الوطن.

أهمية هذه التعديلات
1- المحافظة على النسيج الطائفي.
2- يخطو خطى حقيقية في اتجاه القضاء على الطائفية.
3- يقضي على المحادل والبوسطات.
4- يجعل المرشح ملتصقا بالناخب وبشكل عضوي.
5- التمثيل يكون صحيحا وفعليا.
6- يخط الاتجاه نحو انتخابات نسبية في المستقبل عندما يصبح الجو ملائما.
7- يعطي الحرية للناخب بالانتخاب طائفيا ووطنيا.
8- لا يجبر المواطن على التخلي عن معتقداته وأفكاره.
9- يقلل الارتهان السياسي إن لم نقل أنه يقضي عليه.
10- تصبح العملية الانتخابية معقدة جدا بالنسبة للسياسيين التقليديين أرباب المحادل، بحيث تمنع إمكانية تجيير الأصوات.

حسن ملاط
مؤسسة "آراء" الثقافية – طرابلس
كانون الثاني - يناير 2005 - العرب و العولمة

الانتماء والتموضع

الانتماء والتموضع
سبتمبر 24th, 2008

حسن ملاط ـ لبنان

هناك الكثير من الظواهر التي تحصل في مجتمعاتنا تُفسر بطريقة تبسيطية تفقد الظاهرة معها معناها ومدلولها الحقيقي. من هذه الظواهر الاختلافات والانقسامات في التنظيمات التي تنتمي الى نفس الاتجاه الفكري والتنظيمي أحيانا. ومن هذه الظواهر أيضاً الاعلان عن مواقف سياسية لا تنسجم مع الموقع الفكري والسياسي وحتى التنظيمي لمن أعلن عن هذا الموقف. أما التفسيرات التي تعودنا على اعطائها فهي اما العمالة أو الخيانة أو التراجع …. ومن الممكن أو لنقل من الأكيد أحياناً أن هذه التفسيرات تفتقر الى المصداقية، انما يكون الموقف المتخذ ينسجم كل الانسجام مع انتماء الشخص أو الفريق وتموضعه. وهذا ما جعلني ألجأ الى هذين المفهومين: الانتماء والتموضع، حيث أنني رأيت أنهما يعبران وبصدق عن الظواهر التي نتحدث عنها. مضافاً الى ذلك أنهما ليسا مفهومين أخلاقيين انما يمكننا القول أنهما ينتميان الى ما يسمى بعلم الاجتماع السياسي، وهذا ما نحن بحاجة اليه.
الانتماء في اللغة هو الارتقاء على ما جاء في “لسان العرب” لابن منظور، وأضاف “المعجم الوسيط” لمجمع اللغة العربية في القاهرة أن الانتماء هو الى جانب الارتفاع الانتساب ، وهو المعنى الذي يناسبنا في هذا المقام.
والانتماء درجات أو أنواع. فهناك انتماء عاطفي وانتماء عصبي وانتماء سياسي وانتماء فكري وانتماء ديني… أما نحن فسوف نتحدث عن الانتماء البراني والانتماء الجواني، وسوف نترك التحدث عن الانواع الأخرى لتأصيل أكثر لهذه المفاهيم يمكن لأي مهتم القيام به.
فالانتماء بالنسبة للانسان العربي أو المسلم عو انتماء “براني”. فهو لا يفعل فعله في هذا الانسان. ولو أنه كذلك لأصبحت حركاته وسكناته تنطلق من فعل انتمائه. ودليلنا على ذلك واضح وضوح الشمس اذا ما أخذنا مثالا عليه ممارسة الأحزاب القومية أو الحركات القومية منها والاسلامية. فحزب البعث كان يسيطر على الحكم في سوريا والعراق وأعدى كيانان لبعضهما البعض كانا سوريا والعراق. واذا أخذنا بعين الاعتبار بأنهما ينطلقان من نفس المنطلقات العقائدية ويطرحان نفس الشعارات القومية فلا نجد امكانية للخلاف بينهما. فكيف لتا أن نفسر هذا الخلاف؟ نقول بأن الانتماء ليس حقيقيا. هذا اذا لم نعرج على الانقسامات بين الحركات التي تطرح نفس الشعارات ولها نفس المنطلقات. حركة القوميين العرب التي انقسمت أكثر من مرة على نفسها ؛ وأنتجت على المستوى الفلسطيني الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية والقيادة العامة. ولا يمكن تفسير ذلك الا بما رحنا الى تسميته الانتماء البراني. أما التفسيرات الايديولوجية التي استخدمتها الأطراف المختلفة تبريرا لانقساماتها فلا تساوي، حسب اعتقادي ثمن الورق الذي صرف لتأكيد هذه التبريرات.
نأتي على الجبهة الاسلامية، وعلينا أن نتنبه هنا الى أن الكلام يتناول الاعتقادات ذات الطابع السياسي والالتزام على صعيد السياسة العملية وليس على صعيد طاعة الله عز وجل من وجهة نظر عقائدية أو ايمانية، “فانما الأعمال بالنيات، وانما لكل امرىء ما نوى….”. نقول بأن هناك العديد من الحركات الاسلامية التي تنطلق من نفس المنطلقات وتعود فقهيا الى نفس العلماء ومع ذلك نراهم على صعيد الممارسة السياسية أو الدعوية مختلفين أو متعادين ، ولا نرتكب معصية ان قلنا متحاربين. الام يعود هذا؟ لا يمكن تفسير ذلك الا بأن الالتزام لم يفعل فعله بعد في النفوس حتى يتمكن هؤلاء من ممارسة عقيدتهم بالشكل الذي يحقق أهدافهم ويقربهم الى الله عز وعلا أكثر؛ وهذا نتيجة لما أسميته الانتماء البراني . فالانتماء الحقيقي يجعل امكانية التناقض في الوحدة ممكنة أو متيسرة. فالتناقض على ما نعلم، يمكن أن يختلف كميا ونوعيا . فتناقضنا مع اسرائيل هو تناقض عدائي لا يمكن حله الا بازالة أحد طرفي التناقض أو بتغيير فعلي للصفة المميزة لأحد طرفي هذا التناقض. فهذا النوع من التناقض هو تناقض نوعي. أما التناقض بين الحركات الاسلامية فهو تناقض من نوع آخر، لنسمه كميا، وحله لا يكمن بازالة أحد طرفي التناقض كما في حالة اسرائيل والأمة الاسلامية، انما يتم بالتفاهم فيما بين هذه الحركات على حل التناقض فيما بينها ، حبيا، أي بالتفاهم وايجاد نقاط اتفاق يمكن العمل عليها وتكبير مساحة العلاقة المشتركة والعمل المشترك؛ وذلك يساهم مساهمة فعالة في القضاء على مثل هذا التناقض. أما في حال عدم التمكن من ايجاد الوحدة ضمن التناقض ، فانما يدل ذلك على ما قلناه آنفا : أعني ضعف الانتماء الجواني، الذي يمكن أن يفعل فعله في تغيير النفوس وبالتالي ترشيد الممارسة الايمانية. لن أطيل في هذا المجال ، انما سوف أضرب مثلا واحدا يليق بهذا المقام (الانتماء الحقيقي الجواني). ورد في السيرة المشرفة أن أبا سفيان بن حرب وأبا سفيان بن الحارث قد أشهرا اسلامهما في نفس اليوم، عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة يريد أن يفتحها. وبعد فتح مكة بعدة أيام كانت غزوة حنين، حيث مني المسلمون بهزيمة في بدايتها. وقد صمد مع النبي عليه السلام قلة من المسلمين ومن بينهم أبو سفيان بن الحارث، بينما كان زميله أبو سفيان الآخر يدعو على النبي ويتمنى له الهزيمة. هكذا ورد في السيرة. نقول أن انتماء أحدهما كان برانيا وشكليا بينما انتماء الآخر كان جوانيا . أو كما قال تبارك وتعالى “انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون “.
أما بالنسبة لمسألة الموضعة أو التموضع، فهو أخذ المكان أو الموقف أو الموقع أو الوضع الذي ينسجم مع انتمائه، وهذا الأخذ أو الاختيار يكون عن سابق تصور وتصميم تبعاً للغة القانونية، أي اختيار عن ارادة. والتموضع من هذه الوجهة النظر يكتسب أهمية كبيرة وخاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار، وعلينا أخذه، الالتفاتة القرآنية لهذا الموضوع. يقول رب العزة:” واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين”. ويقول تبارك وتعالى في مكان آخر”واذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين“.
ما تقدم يوحي، ان لم يكن يعني بأن هناك علاقة ما بين الشكل والمضمون وليس من الممكن تجاهلها. من هنا فالتموضع أو الموضعة تشير أو تعبر أوتوضح الانتماء، لذلك طلب الله تبارك وتعالى منا عدم الجلوس مع الذين لا يشابهونا من حيث الانتماء. أو دعوني أقول أمرنا بعدم التموضع مع هؤلاء…
لعل المثال التالي يوضح عملية التموضع أو الموضعة على الصعيد السياسي: (كيف اختار أتاتورك أن تكون موضعته غربية الهوى والممارسة مما دفعه للتخلي عن عثمانية الدولة التركية). وفي المناسبة فالموضعة كما جاء في المعجم الوسيط من تأليف مجمع اللغة العربية في مصر، ما يلي: الموضعة اسم لمكان؛ ونقول في قلبي موضعة لفلان أي محبة.
أقام مصطفى كمال الملقب “أتاتورك” الجمهورية التركية. وكان لابد له أن يعطي هذه الجمهورية الوليدة صفات تميزها عن الدولة التي أقيمت على أنقاضها (الدولة العثمانية). راح يفتش عن هوية جديدة غير هويتها الاسلامية. ودعا الى التتريك. هذه الخطوة كانت قفزة كبيرة قام بها الحاكم الجديد، ولكنها لم تكن مدروسة ما يكفي. فالتتريك كان الخطوة الأولى لانبثاق مشاكل كثيرة لم يُقم لها مصطفى كمال حسابا. فالأكراد الذين قبلوا بالانضواء تحت راية الدولة العثمانية، قد قبلوا ذلك انطلاقا من أنها دولة اسلامية وليست دولة قومية تركية. وهذا هو العامل الأساس والحاسم الذي جعل تركيا لا تعاني من هذه المشكلات ابان عثمانيتها. المهم أن أتاتورك أخذ قرارا حاسما بالتوجه غربا. ونفذ ما وعد به. غير الحرف التركي من العربي الى اللاتيني، وخفف علاقاته مع جيرانه المسلمين ما أمكنه ذلك . وكان لما قام به انعكاسات سلبية في الجوار العربي. علما أنه لا يمكننا انكار انبثاق طبقة بورجوازية وطنية (أي من الأتراك) ساهمت في بناء اقتصاد تركي. ولكن القضايا الخلافية التي أثارها انتقال أتاتورك الى الغرب على البنية الداخلية التركية على الصعيد الايديولوجي كانت كبيرة، وكذلك الأمور التي ظهرت ولم يكن لها وجود سابقا، منها قضية لواء الاسكندرون بين سوريا وتركيا، قضية اقتسام مياه دجلة والفرات والعاصي ما بين تركيا ، سوريا والعراق وجزئيا لبنان، القضية الكردية التي تتوزعها تركيا، العراق، سوريا وايران….
كما وأنه أثار قضية ذات طابع أوروبي أيضا هي العلمانية. وهذه قضية ليس لها مكان في عالمنا اذ أنه ليس عندنا كنيسة تتدخل في السياسة وليس “لرجال الدين” أن يحكموا. حيث أنه لم يمر في تاريخ الدول الاسلامية أن حكم الفقهاء أو من يسمون برجال الدين، علماً أن الشريعة لا تفرض وجود طبقة رجال دين كما في الدين المسيحي. ومع أنها ليست قضية فعلية، ولكن التركيز عليها من قبل أتاتورك قد زاد الطين بلة بالنسبة للقضايا التي أشرنا اليها سابقا، وجعلها قضية فعلية. فالجيش التركي اضطر للقيام بعدة انقلابات للحفاظ على ما يسميه علمانية الدولة التركية. علماً أن ما يقوم به لا ينسجم مع ما يسمى مبادىء العلمانية. فالتعدي على الحرية الفردية لا ينسجم مع العلمانية، رغم ذلك نرى الدولة الأتاتوركية تمنع الدراسة على الأنثى التي تختار الحجاب، ويطرد من الجيش كل من يمارس معتقداته الدينية، اذا كانت اسلامية.
ان ما قام به أتاتورك يدخل ضمن نطاق ما أسميته” الموضعة والانتماء”. فأتاتورك هذا كان خياره الغرب “الموضعة” مع الغرب وصارت نظرته، وخلفاؤه، نظرة غربية. لذلك لم يجد الحكام الأتراك غضاضة في الاعتراف باسرائيل. علما أنها قامت على أرض اسلامية، كل مسلم مأمور بالدفاع عنها والجهاد من أجل الدفاع عن حياضها. وكانت تركيا “المنتمية” و”المموضعة” مع الغرب الكيان المسلم الوحيد الذي اعترف باسرائيل؛ الى أن قررت بعض الدول “الاسلامية” الالتحاق بالغرب واعترفت باسرائيل أيضا مثال مصر والأردن وما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية.

أدرج في المنظور الحضاري |
موقع مالك بن نبي
www.binnabi.net