بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

فلسطين أيضاً!



                                                فلسطين أيضاً!
حسن ملاط
لم يخطر ببال الكثير أن النصر الذي حققته المقاومة في غزة، سيسفر عن مسيرة، بخطىً متسارعة نحو هزيمة سياسية، يختارها المقاومون بأنفسهم. صمود أسطوري خلال واحد وخمسين يوماً أمام قوة من أعتى المجرمين الذين يملكون أحدث آلات التدمير والقتل. ورغم هذا، لم يصمد العدو الصهيوني ليوم واحد في غزة بعد إيقاف الأعمال العدوانية.
هذا الصمود لم يُستثمر سياسياً. لقد أعطى المقاومون سلطة عباس حق المفاوضة على صمودهم، وهم رأوا بأم أعينهم كيف كان عباس وجماعته يبخسون المقاومين حقوقهم، حتى أنهم اتهموهم أو كادوا بالعدوان على إسرائيل! فكيف يستقيم أن يفاوض هؤلاء مع العدو على حقوق أهل غزة؟
لقد بينت إسرائيل أنها لا تريد أن تنفذ أي اتفاقية مع الفلسطينيين تعطيهم شيئاً من حقوقهم، حتى أن اتفاقية أوسلو التي أبرمت في 13 سبتمبر (ايلول) 1993 لم تقبل إسرائيل بتنفيذها بالرغم من كل التنازلات التي قدمها المفاوض الفلسطيني. وهي لا تزال حتى الآن تسوف وتستمر بالإستيطان والإستيلاء على الأراضي في الضفة، حتى أن جريدة هآرتس قالت بأن 99% من أراضي (الدولة) في الضفة خُصصت لمصلحة المستوطنين.
أما التطور الأخطر، فهو بروز اتجاه عند الصهاينة، في الأرض المحتلة، على اعتبار فلسطينيي 48 من خارج المكونات الشعبية للكيان الصهيوني وضرورة ضمهم للفلسطينيين وطردهم من الأرض المحتلة. وبذلك يصبح لزاماً على قيادة الشعب الفلسطيني العمل على الدفاع عن هؤلاء إلى جانب العمل على تنفيذ القرار 194 المسمى بحق العودة إلى الأرض والتعويض.
ليس هذا فحسب، بل إن جميع الدلائل تشير إلى أن الصهاينة لا يمكن أن ينفذوا إقامة دولة فلسطينية يكون من ضمن مكوناتها الضفة الغربية والقدس. من هنا نرى بأن التنافس القائم بين الأطراف السياسية من اليمين الصهيوني، هو على من بإمكانه أن يسلب الفلسطينيين جميع حقوقهم.
ما هي الممارسة الأساسية للسلطة الفلسطينية؟ تقوم السلطة إزاء هذا الوضع بمصادرة أي إمكانية لمقاومة الإحتلال. إن سلطة لا تملك القرار السياسي ولا القرار الأمني ولا القرار الإقتصادي، أين المكسب من وجودها بالنسبة للشعب الفلسطيني؟
ما هو المطلوب إذن؟
هناك خيارات عديدة. ولكن هذه الخيارات من الضروري أن تنطلق من الثوابت التي سنتحدث عنها.
1 – الفصل بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة "الوطنية".
2 – ضرورة أن لا يكون للسلطة الفلسطينية أي دور سياسي، بل دورها يكون خدماتياً فقط للمواطنين الفلسطينيين الموجودين في الضفة والقطاع والقدس.
3 – الشرطة الفلسطينية لها دور أمني ولا تلعب أي دور سياسي. أي ليس لها أن تلاحق المقاومين لصالح سلطات الإحتلال، بل تفصل في الخلافات التي تحدث بين المواطنين.
4 – إصلاح منظمة التحرير وتجديد مشروعها النضالي الذي يقوم على حق العودة وإقامة السلطة على كافة أراضي 67 بما فيها القدس الشريف، أو التفكير الجدي بطرح الكيان الواحد لقوميتين.
5 – ضرورة إدخال الدفاع عن حقوق فلسطينيي ال48 ضمن ميثاق المنظمة، بعد أن أصبحوا مهددين بالإبعاد من أرضهم.
6 – ضرورة أن تكون قيادة منظمة التحرير هي القيادة السياسية للشعب الفلسطيني و ليس السلطة الفلسطينية وهي التي تفاوض العدو وليس السلطة.
7 – ضرورة وجود قيادة المنظمة خارج الأرض الفلسطينية حتى لا تكون خاضعة للعدو بأي شكل من الأشكال...
أما المشاركة في أجهزة السلطة في الوضع الحالي، فهو يعادل التخلي المجاني عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه. ذلك أن المشاركة تأتي من ضمن معادلة أوسلو وتوابعها، بما فيها الموافقة على جميع التنازلات المجانية التي قدمها عباس للعدو الصهيوني.
                                                                              12 كانون الأول 2014

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

فلسطين إلى أين؟



                                             فلسطين، إلى أين؟
حسن ملاط
تمر قضية الشعب الفلسطيني في مرحلة خطيرة ودقيقة. والسبب الأهم يعود إلى أن القيادة التاريخية قد غابت عن الوجود، والقيادة الحالية ليست على المستوى الذي يؤهلها للقيام بمتطلبات المرحلة. فرئيس ما يسمى السلطة الفلسطينية يعتقد أن الشعب الفلسطيني ملك يمينه، لذلك تراه يقامر بمستقبله من دون أن يرف له جفن. فبديل المفاوضات عنده، لن تكون إلا المفاوضات، ومعروف أن إسرائيل تفاوض من أجل المفاوضات فقط. فالرئيس يعطي إسرائيل ما تريد من غير جهد منها. فكيف تستقيم عملية تفاوضية معروفة النتائج سلفاً؟
الوضع الدولي
بعد انتهاء الإنقسام الدولي بين معسكرين ينتهج كل منهما نهجاً اقتصادياً مختلفاً عن الآخر، أحدهما الرأسمالية والآخر رأسمالية الدولة، وبعد فوز أحدهما في الصراع، وبعد تجذر نسبي للنهج الجديد (العولمة النيوليبيرالية)، أصبح العالم محكوماً بما يشبه مجلس إدارة يضم الدول المالكة لرؤوس الأموال الضخمة وعلى رأسها الأمريكي المحكوم بهذه الشراكة. هذا ما يجعل إمكانية المراهنة على الإنقسامات الدولية، كما كان يحصل أيام الحرب الباردة، من غير مردود. فالإنقسام القائم اليوم بين الغرب وروسيا كبير جداً، نتيجة شعور روسيا أن الغرب يريد تحطيمها، ورغم ذلك نرى خطاب الرئيس الروسي يتحدث عن "شركائنا الأمريكيين". وما ذلك إلا لأن الأمريكيين شركاؤه فعلاً. فاستخراج النفط والغاز يتم بشراكة بين الشركات الغربية المتخصصة والشركات الروسية المالكة.
والمراهنة على اتجاه الروس نحو الصين على أنه منحىً استقلالي، فهذا غير دقيق أيضاً لأن شروط الإستثمار تجري تبعاً لشروط السوق المعولم. كما وينطبق هذا الكلام على البريكس وتحالف شنغهاي، والإتفاق الأخير بين الرئيس الروسي والرئيس التركي. هذا الإتفاق الذي يأخذ بعين الإعتبار شراكة تركيا في الحلف الأطلسي التي تقوده أمريكا.
ما تقدم يعني أن كل تحالف دولي أو إقليمي في ظل العولمة النيوليبيرالية سيكون خاضعاً للإدارة العامة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
هل هذا يعني أن أفق التغيير مسدود؟ كلا! ولكن هذا يعني أن الإتجاه نحو التحرر يتطلب الإنعتاق من أشكال التبعية للأمريكي. فعندما يقرر الروسي والتركي أن يتم التعامل بينهما بالعملة المحلية (الروبل والليرة)، سيكون هذا التعامل مجدياً عندما لا يتم التقييم بالدولار لا للعملات ولا للسلع. وهذا ليس مطروحاً. وهذا ما حصل بين الصين وروسيا، فأسعار الغاز في الإتفاق والذي يبلغه حجمه 400 مليار دولار كما ترون يتم تقييمه بالدولار وليس بالروبل أو باليوان.
التحرر من التبعية يتم باتباع تقييم من نوع جديد (قديم تاريخياً، ما قبل البورجوازية)، هو المقايضة على أساس أهمية المنتج بالنسبة لطرفي المقايضة، لأن هذا النوع من التبادل يستغني عن الدولار ويحطم هيمنته.
سياسياً، هذا يعني أن الصراع الذي تقوده الشعوب المستضعفة لا يمكن أن يستند على الخلافات بين مختلف الدول التي تتبع نفس النهج الإقتصادي السياسي، ولكن جل ما يمكنها فعله هو الإستفادة من التباينات، التي لا تلبث أن تزول. فإذا وعت الشعوب هذه الأمور لن تصاب بالإحباط من تخلي "حلفائها" عنها عند كل منعطف.
الوضع الإقليمي
يتميز بهيمنة الصراعات البينية والمحلية في مختلف الدول تقريباً. فالخلافات قائمة ما بين تركيا والسعودية، وما بين إيران وتركيا، وإيران والسعودية ومصر وتركيا ومصر وإيران... والصراعات المحلية قائمة في سوريا واليمن ولبنان والعراق والسعودية ومصر وليبيا... وإذا أردنا الدقة أكثر، يمكننا التحدث عن خلافات في الرؤى بين إيران وسوريا، بين السعودية وقطر، بين اليمن والسعودية... والتحالفات الآنية توظف بتجميع الحلفاء ضد الخصوم، أي أنها لا تقوم على أسس إيديولوجية، كما كان يحصل أيام الحرب الباردة.
فالسعودية على سبيل المثال تريد الحصول على آحادية تمثيل السنة في الإقليم، وهذا ما تريده تركيا على سبيل المثال. لذلك يقوم كل منهما بتجميع الحلفاء. تحالف الأتراك مع الإخوان المسلمين، فاعتبرتهم السعودية حركة إرهابية... إيران تريد آحادية تمثيل الشيعة، لذلك، أقامت جيشاً موحداً يمتد من باكستان حتى لبنان بقيادة قاسم سليماني. وساعدت المنظمات الفلسطينية حتى يكون لها دور في المسألة الإقليمية ولا يتمتع أي طرف بآحادية القرار فيها. لذلك تحدث مرشد إيران في اجتماعه مع الأمناء العامين للمنظمات الفلسطينية عن حل مرض للصراع مع إسرائيل!
سياسياً، هذا يعني أن جميع الأطراف الإقليمية تتعامل مع القضية الفلسطينية انطلاقاً من تأثير هذه القضية على أوضاعها المحلية ومصالحها في صراعاتها الإقليمية، وليس لأسباب إيديولوجية مطلقاً.
فلسطينياً
الفلسطينيون يعيشون تداعيات اتفاقية أوسلو عن رضىً أو عن رفض. ففي الضفة الغربية، هناك الفلسطيني في المنطقة (أ) و(ب) و(ج). وهناك أهل المدن والقرى وأهل االمخيمات(اللاجئين). هناك أهل غزة واللاجئين. وهناك فلسطينيو ال48 وفلسطينيو الشتات. هؤلاء هم الفلسطينيون اليوم. وكما هم مقسومون على الأرض فهم مختلفون في التوجهات. الخلاف الأساسي اليوم هو بين فتح وحماس. وقد اتفقا على حكومة واحدة، ولكن هذه الحكومة سوف تظل نظرية غير عملية لأن رئيس السلطة لن يعترف بموظفي غزة ولا بالقوى الأمنية التي تسيطر عليها حماس. الحكومة الموحدة هي الحكومة التي يجب أن تقضي على نفوذ حماس في غزة وفي كامل الأرض الفلسطينية. من جهة أخرى، حماس تريد حصتها في أجهزة السلطة لأنها تعتبر نفسها شريكاً أساسياً، فهي التي نجحت في آخر انتخابات تشريعية....
اما إسرائيل فقد غيرت تعاطيها مع الفلسطينيين. فهي تستمر باستعمارها للضفة الغربية، كما وتستمر بتهويد القدس وبالإعتداءات اليومية على المسجد الأقصى. إسرائيل تريد القضاء على ذاكرة الشعب الفلسطيني. إنها تريد من الفلسطيني نسيان فلسطين. من أجل ذلك، لا تمانع من نفي فلسطينيي 48 مع أنهم مواطنون إسرائيليون، حتى تصبح فلسطين دولة لليهود فقط.
إزاء هذا الوضع، ما تقوم به السلطة الفلسطينية هو في حقيقة الأمر مساعدة إسرائيل على استعمارها لكامل فلسطين. فأجهزتها الأمنية تحت القيادة الأمريكية والتنسيق مع إسرائيل تقوم بخنق أي تحرك معاد للهيمنة الإسرائيلية. فالفلسطيني لا يتمتع بأي حقوق سياسية في ظل السلطة. هذا التقييم الواقعي لدور السلطة يجب أن يطرح السؤال التالي: لماذا السماح للإسرائيلي بتغليف دوره القمعي والإستعماري من خلال السلطة الفلسطينية؟
إن مجابهة المخططات الصهيونية تتطلب طرح برنامج سياسي نضالي يوحد الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وهذا يتطلب العمل على إعادة بناء الوعي الفلسطيني من خلال ارتباطه بأرض فلسطين وتاريخها وتضحيات أهلها على مساحة سنوات مجابهة المخططات الصهيونية حتى الآن. كما ويتطلب إعادة تقييم دور السلطة في حركة مجابهة مخططات العدو، وليس إعادة ترميمها. فسلطة تقوم على أموال مؤيدة لاستمرار وجود إسرائيل على أرض فلسطين لن تعيد حقوق الشعب الفلسطيني.
ما يمكن أن يعيد للفلسطيني حقه هو عودته إلى أرضه المسلوبة، حتى وإن كان تبعاً لقرارات الأمم المتحدة. أما إذا كان هناك مصلحة للفلسطينيين بدولة واحدة، فهذا ما يقرره الفلسطينيون وليس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية. من هنا ضرورة تصدي المثقفين والأكاديميين والمفكرين الفلسطينيين لطرح الحلول الضرورية للحفاظ على فلسطين وإعادة تركيب الوعي المرتبط بالأرض والتاريخ لبناء المستقبل.
                                                                                             5 كانون الأول 2014