بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الاثنين، 25 يوليو 2016

الوضع الدولي الراهن وانعكاساته على الإقليم؟

          
حسن ملاط
تميز الوضع الحالي بحدثين هامين، أحدهما دولي وهو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي؛ والآخر إقليمي، وهو محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا. ما هي الإنعكاسات المتوقعة لهذين التطورين؟
البريكست: رصد النتائج لهذا الخروج من الإتحاد يجب أن نلحظها عند الدولتين المركزيتين في الإتحاد وهما ألمانيا وفرنسا. ففرنسا لم تكن متحمسة لهذا الخروج، أما ألمانيا فقد طلبت من المملكة المتحدة التعجيل بإجراءات الخروج من الإتحاد وعدم المماطلة. أما الأسباب التي دعت كلاً من هاتين الدولتين إلى هذه المواقف المتناقضة فيعود إلى أن الإقتصاد الفرنسي لا يزال متعثراً، إلى جانب الإضرابات المستمرة على التعديلات الجديدة في قانون العمل والذي ينزع من العمال بعض المكتسبات لصالح الرأسماليين.
بينما في ألمانيا، فقد انخفضت نسبة البطالة 0،3% رغم استقبال 1،1مليون من المهاجرين والذين دخلت نسبة كبيرة منهم في سوق العمل. وهذا يعني أن الإقتصاد الألماني لا يعاني كما الإقتصاد الفرنسي.
هل يمكن أن يؤدي خروج بريطانيا من الإتحاد إلى فرط عقده؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب الإجابة عن الأسئلة التالية:
1- هل من مصلحة الإقتصاد المعولم الإتجاه نحو تفتيت الكيانات أم جمعها؟
2- هل مسألة الهوية الوطنية والتي يتم بحثها في الأوساط الأكاديمية منذ مدة طويلة، تلعب دوراً في فرط الإتحاد أم تدعيمه؟
3- إذا تم فرط الإتحاد، ماهو الشكل الذي سوف تكون عليه أوروبا المستقبلية؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تساعد في تحديد الصورة المستقبلية للمجتمع الدولي.
بالنسبة للإجابة على السؤال الأول: بعد الثورة في التطور التقني وبدء التحدث عن القرية الكونية بسبب التطور الهائل في الإتصالات، والذي تبعه مباشرة سهولة كبيرة بانتقال الرأسمال الإستثماري إلى حيث يمكنه تأمين أكبر نسبة من الربح، فهذا يعني أن ما يهم الرأسمال هو الحدود المفتوحة ومن دون قيود. لذلك فالتعامل مع أوروبا كفضاء استثماري واحد أسهل من أن يكون في فضاءات متعددة.
وإذا تداخل هذا العامل مع عوامل أخرى مثل الضبابية في مستقبل أوروبا في حال فرط عقد الإتحاد، تجعل المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة، ترى من المصلحة الحفاظ على الإتحاد بشكله الحالي حتى مع خروج بريطانيا من فضائه.
أما بالنسبة لمسألة الهوية، فهي مطروحة منذ سنوات عدة وخاصة عند الإنتليجانسيا. ولكن الواضح أن هناك اتجاهين رئيسين: أحدهما يتحدث عن هوية مزدوجة، أوروبية ووطنية. أما الإتجاه الآخر فيتحدث عن ضرورة تقديم الهوية الوطنية على تلك الأوروبية، مع ميل للإحتفاظ بالهوية الوطنية كأولوية في تحديد هوية المواطن. هذا مع العلم أن هذا الإتجاه يحمل الكثير من المخاطر، بما أن جميع الدول الأوروبية تتميز بتعدد الهويات الإتنية.
للتذكير فقط: المشاكل في تشكيل السلطة في بلجيكا، انقسام تشيكوسلوفاكيا إلى تشيكيا وسلوفاكيا...الخ
من أجل ذلك، يرى الكثير أن من المصلحة الإبقاء على هذا النقاش في الإطار النظري فقط.
أما بالنسبة لمستقبل الفضاء الأوروبي في حال فرط عقد الإتحاد، فنحن نرى الآتي:
أ‌-     الدول الأهم في أوروبا هي التالية: ألمانيا وعدد سكانها 81مليون نسمة وتتمتع بالإقتصاد الأقوى. فرنسا وعدد سكانها 65مليون واقتصادها هو الثاني بعد ألمانيا. إيطاليا وعدد سكانها 60مليون واقتصادها هو الثالث. وأخيراً، بريطانيا وعدد سكانها 62مليون وهي تعيش في عزلة نسبية عن الفضاء الأوروبي، وهي خارج نطاق اليورو، العملة الأوروبية الموحدة. ولكن بريطانيا تُعتبر المركز المالي الأول في أوروبا، وتتنافس على وراثته باريس وبرلين، ومن المتوقع أن تفوز به اللوكسمبورغ.
ب‌- في حال فرط عقد الإتحاد الأوروبي، ستصبح ألمانيا هي مركز الإستقطاب للدول الأوروبية ذات الإقتصاد المتعثر، وخاصة دول أوروبا الشرقية. فألمانيا، كلفتها عملية دمج اقتصاد ما كان يسمى ألمانيا الشرقية باقتصادها عشرات مليارات اليوروهات. ونرى الآن أن الألمان الأكثر تعصباً ضد استقبال اللاجئين هم المواطنين ذوي الأصول الشرقية. وكذلك الحال بالنسبة لدول أوروبا الشرقية.
إذا أضفنا إلى ما تقدم العلاقات الوثيقة التي تربط ألمانيا بروسيا، وخاصة خط الغاز المباشر عبر البلطيق بين روسيا وألمانيا (نورث ستريم)، والذي يمكن أن يصبح خطين، وما المانع أن يضاف إليهما أنابيب لنقل النفط الروسي؟! هذا يمكن أن يعطينا تصوراً إلى إمكانية تشكل كتلة أوروبية تتألف خاصة من روسيا وألمانيا والدول المتمحورة حولها. كتلة تملك اقتصاداً قوياً ومتطوراً، تملك الطاقة والقوة العسكرية (الروسية)، كتلة يمكنها أن تشكل منافساً ذا شأن للإدارة الأمريكية.
هذا التصور، إذا وسعنا دائرة قطره، سيمكننا من الحديث عن تشكل كتلة أخرى ذات شأن أيضاً. تتشكل من دول معاهدة شنغهاي ويكون طابعها أسيوياً.
من المؤكد أن تصوراً كهذا لن يغيب عن تفكير الإدارة الأمريكية، لذلك نرى أن هذه الإدارة لن تسمح بانفراط عقد الإتحاد الأوروبي، لا بل ستعمل من أجل الحفاظ عليه بوصفه معسكراً متقدماً للدفاع عن العولمة النيوليبيرالية.
الإنقلاب العسكري التركي: وهو الحدث الإقليمي الأهم بعد ما اصطُلح على تسميته بالربيع العربي. فتركيا تشارك بنشاط بصياغة مستقبل الإقليم، بالإضافة إلى إيران وروسيا وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد قلنا سابقاً بأن خطورة التشارك ما بين الإدارة الأمريكية وروسيا تكمن باستبعاد إيران وتركيا من أن تلعبا دوراً محورياً في المنطقة. وإذا أضفنا أن تركيا مستقرة لا يمكن لاحد استبعادها، لاشتراكها بحدود مع سوريا والعراق وإيران. لذلك كان لا بد من إلهائها بمشاكل داخلية: الأكراد، داعش، العلويون... وأخيراً كانت محاولة الإنقلاب العسكري.
نحن لا نميل إلى فكرة المؤامرة الخارجية، ولكن هذا لا يمنع من وجود إيحاءات. فالجيش التركي قاد أربعة انقلابات عسكرية، كانت جميعها ناجحة، ومن دون إراقة دماء. لذلك، فكرة الإنقلاب ليست غريبة عن تقاليده. ولكن الحسابات الخاطئة عن حجم تمسك المجتمع المدني التركي بالتقاليد الديموقراطية، كان العامل الأساسي بفشل الإنقلاب.
ورغم فشل الإنقلاب، لا زالت الصحافة الغربية تُظهر تعاطفها مع المحاولة الإنقلابية الفاشلة، وكأنها تريد أن تقول لأردوغان: نحن نريد إسقاطك.
كان التناغم على أشده بين أردوغان وبوتين، وكذلك بين روحاني وأردوغان. ولكن مع الملاحظة أن الوسائل الإعلامية المرتبطة بإيران لا زالت على تحريضها على الحكم التركي، بعكس الإعلام الروسي المتوافق مع حكومته.
هل يمكن أن يؤدي التباين في تقييم الأوضاع الحالية في تركيا وفي الإقليم إلى تغيير في صورة التحالفات القائمة؟
هناك عوامل عديدة تلعب دوراً بالإجابة على هذا السؤال. وهذه العوامل تتعلق بالأوضاع الروسية والإيرانية والتركية وموقف الإدارة الأمريكية منها.
روسيا: يناسبها كثيراً التفاهم مع تركيا لأسباب داخلية تتعلق بتماسك الوضع الداخلي الروسي، خاصة وأن المسلمين الروس هم من الأتراك بأكثريتهم. أضف أن مجمل الفضاء الروسي الأسيوي هم شعوب من أصل تركي باستثناء طاجيكستان. وهذه الشعوب لا تزال على تواصلها مع تركيا.
أما من الناحية الإقتصادية، فتركيا هي شريك اقتصادي مهم لروسيا، حيث أن حجم التبادل يناهز ال50 مليار دولار، وكان اتفاق بين الرئيسين التركي والروسي لرفعه إلى 100مليار دولار. ليس هذا فحسب، فربط بيع النفط الروسي لجنوبي أوروبا بالتركش ستريم بدلاً من الساوز ستريم الذي كان سيعبر بلغاريا، سيوثق عرى التعاون بين البلدين الجارين.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى موقف واضح، لا لبس فيه، من قبل روسيا بالنسبة للإنقلاب الفاشل.
هل يمكن لروسيا أن تستعيض عن تعاونها مع أمريكا بتعامل جدي مع إيران وتركيا؟
الجواب هو بالنفي القطعي. كل ما يمكن لروسيا أن تفعله هو أن تُحسن وضعها التفاوضي مع الإدارة الأمريكية من خلال تحالفها مع إيران وتركيا. هذه الإجابة القاطعة هو بسبب ارتباط الإقتصاد الروسي الريعي بالإقتصاد المعولم الذي تديره أمريكا. علينا الإشارة هنا إلى أن الإتحاد الأوروبي قد فرض ضريبة تصل إلى حوالي 8% على الرساميل الروسية المجمدة في البنوك القبرصية، مع مفعول رجعي، ورغم ذلك أبقى الروس على رساميلهم في البنوك القبرصية ولم يعيدوها إلى روسيا. وفي ذلك دلالة على عدم الثقة بمؤسساتهم الإقتصادية.
إيران: إيران هي الدولة الأكثر بعداً عن دخول إقتصادها ضمن الإقتصاد المعولم، ولكن سلطاتها تعمل المستحيل للدخول ضمن آليات هذا النظام. لذلك أصرت على أن تكون جميع تبادلاتها الإقتصادية عبر الدولار الأمريكي رغم الحظر الأمريكي عليها. وهي كانت تلجأ إلى العمليات اللاشرعية من وجهة النظر الأمريكية حتى تبقى ضمن فضاء الإقتصاد المدولر. وهذا ما كان يتم من البوابة التركية في المقدمة وعبر دبي.
إيران تُتعتبر من أهم منتجي الغاز والنفط في العالم. فهي سوف تكون على تنافس حاد مع روسيا لأن اقتصاديهما يقومان على تسويق الغاز والنفط. إن اتفاقاً بين روسيا وإيران وتركيا لن يكون مفيداً لهذه الدول إلا إذا تحررت من تبعيتها للنمط الإقتصادي الأمريكي. وبما أن هذا الخيار ليس مطروحاً، فالتعاون مع هذين البلدين يأتي ضمن سياق تحسين حظوظه عند الشريك الأمريكي عند قبول الأخير بهذه الشراكة.
لا نريد التحدث هنا عن الشراكة العسكرية في سوريا لأن فعاليتها ليست هي الموجهة في سياساتهما الكبرى.
تركيا: وهي الشريك الأهم بالنسبة لجميع الأطراف. فهي شريك أوروبا بحدود مشتركة، وشريك الولايات المتحدة في حلف الناتو وشريك كل من سوريا والعراق والكيان الكردي وإيران بالحدود. وهي جار روسيا الأهم.
كان التعامل الغربي مع المحاولة الإنقلابية الفاشلة لافتاً. فالغرب لا زال حتى الآن يبدي تعاطفه مع هذه المحاولة رغم فشلها. هذا مع العلم أن الرئيس الأمريكي قد أبدى تعاطفه مع أردوغان ولكن الإعلام لم يكن منسجماً مع عواطف أوباما. وهذا ما دفع النيابة العامة التركية إلى توجيه اتهام صريح لوكالة المخابرات الأمريكية: "جاء في اللائحة التي أعدتها النيابة العامة بحق 73 مشتبها بينهم غولن أن المنظمة وزعيمها يعملان تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية، ووكالة الاستخبارات المركزية." وأكدت اللائحة أن "عملاء من CIA يعملون على التغلغل في دول مختلفة وجمع معلومات استخباراتية تحت ستار مدارس تابعة للمنظمة الإرهابية في تلك الدول".
هل تدير تركيا ظهرها لأمريكا؟
يقوم معظم الإقتصاد التركي على الإستثمارات الأجنبية. وقد وجه البنك الدولي تحذيرين للحكومة التركية بشأن بنية الإقتصاد غير السليمة. ومعظم الإستثمارات هي غربية، ليست روسية ولا إيرانية. من هنا لا يمكن الحديث عن اختلاف جدي مع الغرب. ولكن جل ما يمكن التحدث عنه هو توثيق العلاقات مع الجار الروسي والجار الإيراني بحيث يلعب دوراً في تخفيف الضغوط السياسية على الحكومة التركية.
ما تقدم يُظهر بوضوح عدم وجود إمكانية فعلية لتغيرات دراماتيكية في اتجاه الأحداث في منطقتنا. إن تغييراً فاعلاً في منطقتنا يتطلب فيما يتطلب:
1- التخلي الفعلي عن التبعية للولايات المتحدة، وذلك بإيجاد شروط تعاون جدي ما بين تركيا وإيران والدول العربية، تكون الغاية منه الإستقلال السياسي والإقتصادي والإعتماد على النفس في إيجاد شروط الحياة المادية الحرة والكريمة.
2- التخلي المطلق عن التحريض المذهبي والذي تنتهجه معظم الدول من إيران إلى دول الخليج... وإيجاد القاعدة المادية للتعاون بين دول الإقليم. أليس مضحكاً أن تكون الحكومة الإيرانية مرحبة بفشل الإنقلاب وتكون جميع وسائل اُعلام التابعة لإيران مؤيدة نشطة للمحاولة الإنقلابية؟!
3- الإتفاق بين معظم دول الإقليم على كيفية التعاون البيني، وتأكيد التعاون فيما بينها على عزل الكيان الصهيوني ومساعدة جميع حركات المقاومة، بجميع أشكالها، ضد هذا الكيان.
4- العمل الجدي على تسلم زمام المبادرة بإيجاد حلول سلمية في مختلف دول الإقليم وخاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا.
5- عدم الخضوع للإملاءات الأمريكية والروسية فيما يتعلق بدول الإقليم. إن كل حل يقترحه هذان الطرفان سوف لن يكون إلا على حساب شعوب هذه المنطقة...
مجرد التفكير في هذا المنحى يُعتبر نشاطاً إيجابياً.
                                              25 تموز 2016
hassanmallat.blogspot.com