بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

الحمد لله على الهداية!

                                            الحمد لله على الهداية!
حسن ملاط
قصة الشيوعيين مع المسلمين طويلة جداً ولا تزال امتداداتها حتى الآن. فالشيوعيون المنتمون إلى الليبيرالية الجديدة في الصين يمنعون المسلمين في تركستان الشرقية من إقامة شعائرهم وعباداتهم. ولكن يوجد عنوان دائم في جريدة الشعب الصينية عن المسلمين في الصين، حتى أنك تعتقد أنهم يعيشون في جنات عدن وليسوا مضطهدين كما جيرانهم في ميانمار.
أما المسلمون في الإتحاد السوفياتي السابق، فقد بدأت قصتهم بعد انتصار ثورة أوكتوبر البلشفية في 1917 حيث كان إعلان حرية الشعوب التي كانت تخضع للروسيا. وقد نص إعلان أصدرته الحكومة السوفييتية الجديدة في 24 نوفمبر 1917، وعنوانه إلى كل العمال المسلمين في روسيا والشرق”، على الآتي: “يا مسلمي روسيا.. يا أيها الذين دُمرت مساجدهم وبيوت عبادتهم، يا أيها الذين اضطهدوا بسبب عاداتهم ومعتقداتهم على يد قياصرة ومستبدي روسيا: إن معتقداتكم وشعائركم ومؤسساتكم الثقافية والقومية لهي في أمان دائم وممنوع انتهاكها. واعلموا أن حقوقكم، كحقوق كل المواطنين في روسيا، تحت الحماية الجبارة للثورة.”
وأعلن محمد بركة الله: آه يا آل محمد، أنصتوا إلى هذه الصيحة المقدسة، وتجاوبوا مع الدعوة إلى الحرية والمساواة والأخوة التي يقدمها لكم أخوكم لينين وكذا الحكومة السوفيتية في روسيا.”
فقد كان هناك نقاش منتشر بين المسلمين حول التماثل بين القيم الإسلامية والمبادئ الاشتراكية. وقد دعا أنصار “الاشتراكية الإسلامية” المسلمين إلى إقامة السوفييتات. وكان من ضمن الشعارات الشعبية آنذاك: “الدين، الحرية، والاستقلال الوطني!”.. و”تحيا السلطة السوفيتية، تحيا الشريعة!”
وكان مؤتمر باكو الشهير في 1920 حيث سمح للمؤتمرين من المسلمين بقطع الإجتماع وإقامة صلواتهم. وكانت هذه هي الحرية التي تمتعوا بها على مدى التاريخ السوفياتي. بعد مؤتمر باكو بسنتين مات لينين وجاء بعده ستالين الذي نكل بالمسلمين وأباد الآلاف منهم وشرد البقية في مختلف بلدان الإتحاد السوفياتي.
وورثت روسيا الحديثة الإتحاد السوفياتي.. واستمر سيل الإضطهاد ولا يزال.
أما في بلادنا، فقد كان الأمر مختلفاً. فالشيوعيون التزموا بالشعارات الشيوعية تبعاً للتربية التي ورثوها عن قناعة، يُضاف إليها قناعاتهم بالشعارات التي كان يرفعها الشيوعيون.
ففي السودان على سبيل المثال، كان مؤسس الحزب الشيوعي، محمد ابراهيم نقد، من المشهورين بالتزامهم الإسلامي. فقد كان يعقد معظم لقاءاته في المسجد. وكان مشهوراً بالتقى والورع. فلم يتحرج إمام الطائفة المهدية الصادق المهدي ولا مرشد طائفة الختمية محمد عثمان الميرغني أن يأتما في صلاتهما بالشيوعي نقد إبان وجودهم جميعا في معتقل كوبر بعد انقلاب عام 1989 بقيادة عمر البشير.
في مشرقنا لم نعرف هذا النموذج.
في لبنان، كان الشيوعيون بمجملهم غير ملتزمين دينياً. ولكن إبان الحرب الأهلية، حيث انقسم المجتمع عمودياً بين المسلمين والمسيحيين، انحاز الشيوعيون إلى جانب المسلمين؛ حتى أن أمين عام الحزب الشيوعي أعلن أنه مع انقسام الطبقة العاملة عموديا، مسلمون ومسيحيون، وهو منحاز لجانب المسلمين الذين كانت تربط زعاماتهم علاقات طيبة بالإتحاد السوفياتي.
ولكن يمكننا التأكيد أن الأمين العام للحزب الشيوعي لم ينطق بالشهادتين، ولكن مصالح "القيادة الحزبية" تقتضي أن يسير في الخط الذي اختاره، خاصة أن اتخاذ القرار من قبل الشيوعيين كان مرتبطاً بما يقرره السوفيات.
بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، تغير الوضع. أصبح الشيوعيون أحراراً باتخاذ القرار، لذلك بدأ التخبط على جميع المستويات، الفكرية والتنظيمية والسياسية. وكانت الإنقسامات والإبعاد من الحزب والتخبط التنظيمي.
كان الشيوعيون من أركان 14 آذار، وكان جورج حاوي من شهداء هذه الفئة. ولكن بعد غياب هذه الشخصية التاريخية تغير الوضع كثيراً. وعاد الشيوعيون يفتشون عن خيارات مختلفة.
وجاء خالد الثاني، بعد أن لم يحالفه الحظ في عقد مؤتمر الحزب، واتخذ قراراً بإعلان الجهاد في سبيل الله، من أجل تصحيح معتقدات الناس ولو بحد السيف. فهو تفاءل خيراً. فخالد بن الوليد لم يخض حرباً إلا وربحها. ذاك خالد الأول وهو خالد الثاني. وجمع السلاح وأمرنا بأن لا نسأل من أين حصل على السلاح. المهم أنه سيخوض الحرب الجهادية ويكمل مسيرة أبي بكر ضد "المرتدين" والإمام ضد الخوارج، وأميركا ضد القاعدة والتحالف الدولي ضد الكفرة.
خالد الثاني كان مبدعاً. اخترع شعارات لم تعرفها الحركة الشيوعية طوال تاريخها. هذا هو الإبداع الأول عند جميع الشيوعيين في العالم بعد نكسة الإنهيار. أصبح الشعار والنضال يتحدد تبعاً للمصالح التي يفرضها الإلتزام الأمني والإقتصادي للمجموعة التي يمثلها كل تنظيم. إذا كان مطلوبا تغطية ممارسة ما، لا مانع، ولكن ماهو المقابل. له أن يطلب ما يريد إلا الرئاسة فهي محجوزة. كما المسيحية أقلية تبعا لأكثر قادة المسيحيين ما عدا المطران مطر الذي يقول أنهم أهل كتاب وليسوا أقلية، وكذلك الشيوعيون أقلية وعليهم أن يكونوا من ضمن الحلف.
 القائد يستشرف المستقبل. هكذا يحفظ مجموعته، حتى وإن كان الشعار الحزب الشيوعي الإسلامي الملتزم بالكتاب والسنة والرافض لكل الإتجاهات التكفيرية. فالتكفيرية مثل الطفولة اليسارية التي حاربها لينين. والشيوعيون عليهم محاربة الطفولية اليسارية المتمثلة بالتكفيريين. وغداً يصبح ابراهيم نقد رائد الشيوعية اللبنانية مع أنه لم يحارب التكفيريين في السودان.
لاتعجبوا، فأكثر منظري بوش كانوا من اليساريين، ومنظرو المستقبل كانوا من اليساريين، والذين حملوا ملك الأردن على أكتافهم ضد الإخوان المسلمين لأن منهم الكثير من ذوي الأصل الفلسطيني، كانوا من اليساريين. ومنظرو حلف الأقليات هم من اليساريين. ولكن وحده خالد الثاني حمل السلاح نصرة لهذا الحلف، مخافة أن يموت على سريره، فهو يريد أن يستشهد في ساحات الجهاد حتى يُحشر مع الأنبياء والصديقين، وحسُن أولئك رفيقا. والحمد لله رب العالمين.
                                                                                      23 حزيران 2015


الجمعة، 19 يونيو 2015

ما هو حجم الدور الأردني؟

                        ما هو حجم الدور الأردني؟
حسن ملاط
أحداث المنطقة مفتوحة على آفاق عديدة. لذا، فإن أي تحرك من قبل طرف من أطرافها، يترك انطباعاً أن هناك تطوراً ما مستجد سوف يبدل اتجاه الأحداث القائمة. وهذا ناتج عن عدم وضوح الرؤية عند أكثر الأطراف، يُستثنى، ربما، صاحب الدور الرئيسي. مع العلم أن هذا الطرف قد يُضطر لتغيير سياساته تبعاً لتحرك ما حتى من أضعف أطراف اللعبة.
جمع الملك الأردني شيوخ القبائل الأردنية، والتي تربطهم القرابة بالعشائر العراقية والسورية، وأعلن مساندته لهذه القبائل وذلك بضرورة تسليحها بعد تدريبها. وقد سبق له أن سلم الراية الهاشمية لقائد جيشه، تعبيراً عن استعداده للحرب.
هذا التحرك الملكي أثار الكثير من التكهنات عند مختلف الأطراف. كما أن السلطات الأردنية استكتبت بعض الصحفيين للتحدث عن تحرك الملك ووظفته باتجاه تكبير حجم الأردن، أي بضم بعض الأراضي العراقية وبعض الأراضي السورية، إلى جانب إدارة بعض الأراضي الفلسطينية. ومنهم من تحدث عن تغيير حتى الصفة الأردنية إلى هوية هاشمية تجمع الناس على رابطة تاريخية لها كل التقدير عند معظم الناس، ترتبط بالنبي عليه السلام.
التدخل الأردني وتطوره
بدأت الإنتفاضة الشعبية السورية ضد تصرفات النظام من درعا المحاذية للحدود الأردنية. ومن المعروف أن هناك تداخلاً سكانياً بين هذه المدينة والبلدات الأردنية المجاورة. وهذا يعني أن التعاطف سوف يلعب دوراً هاماً بتأثير الحراك السوري على الداخل الأردني. ثم تطورت الإنتفاضة إلى أن تمكن النظام من عسكرتها وإبعاد الناس عن الإنتفاضة السلمية إلا من حيث القمع الذي طالهم من أجهزة النظام القمعية. وتحولت الإنتفاضة الشعبية السورية إلى استثمار عند الدول المعادية للنظام السوري وخاصة السعودية وقطر. وهكذا تمت سرقة انتفاضة الشعب من أعداء الشعب السوري من النظام والخليجيين، وتحول الحراك الشعبي إلى استثمار دولي تديره أمريكا وأهم لاعبيه هم إيران وروسيا كداعم للنظام والسعودية وقطر وتركيا كداعم لأعداء النظام.
في هذه المعمعة، حاول النظام تقديم أوراق اعتماده لمختلف اللاعبين، أمريكا التي اتخذت من الأردن قاعدة متقدمة لحركتها كما وقامت باستخدام الأراضي الأردنية لتدريب بعض المعارضة السورية. ولكن المساعدات الأميركية لم ترض الأردن. فتقدم إلى قطر بعد أن أصبح خلافها مع السعودية علنيا. ولكن الملك الأردني لم يحصل على ما يريده من مساعدات. كما أن السعوديين قد جعلوا غرفة القيادة للتحرك ضد النظام السوري في الأردن، ولكن المساعدات لم تكن بالقدر الذي يرضي النظام الأردني الذي تأثر كثيراً من الأحداث في سوريا، إن من حيث استقباله مئات آلاف اللاجئين، أو من حيث تأثير الأحداث على التوازن الهش القائم بين مختلف القوى السياسية والنظام. كما وأن علينا أن نشير أن من الجانب الآخر هناك مئات آلاف اللاجئين العراقيين.
كما أن السلطات الأردنية قد تأثرت سلباً في جنوب البلاد المحاذي للسعودية والمتداخل معها، بحيث نشأت بعض الحراكات ذات الطابع المتشدد.
كما علينا الإشارة إلى أن الأردن فتح خطاً مع إيران، ولكن لم يلق النجاح المطلوب.
رأى الأردن نفسه في وسط الميدان: السعودية من الجنوب، سوريا من الشمال، العراق من الشرق والحركات المتشددة للإسلاميين في الداخل. يدفع ثمن كل هذه الحراكات من دون أن يكون لها مردود إيجابي، لا إقتصادياً ولا سياسياً.
هل يمكن أن يستفيد الأردن من هذه الحراكات؟
من المؤكد أن أي حراك للسلطة الأردنية لا يمكن أن يكون إلا من ضمن التوجه العام للسياسة الأمريكية في المنطقة. وهذه السياسة درجت عليها المملكة منذ انعتاقها من النفوذ البريطاني ودخولها تحت الحماية الأمريكية.
كان الأمريكي يهتم ولا يزال بالحركات الإسلامية وتطورها. والأردن يريد أن يتحرك من ضمن هذا التوجه. ولكن كيف؟
1 – إن أول إسلام مسيس اصطدمت معه الإدارة الأمريكية هو الإسلام الأزهري إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، في أوج النهوض الوطني والقومي الذي قاده هذا الرئيس. فقد انتقلت العداوة من الكفار الشيوعيين إلى المستعمرين الجدد أي الإدارة الأمريكية. ولكن هذا النمط من التدين كان معلباً، يتحرك بضوابط يحددها الأمن السياسي، لذلك لم يملك الجاذبية التي تربط الجماهير به، رغم حبها الشديد لعبد الناصر.
2 – التجربة الثانية من التدين كانت تلك التي قادتها السعودية وعلى مستويات متعددة، العنيف منها والدعوي. وكانت الأسوأ بالنسبة للإدارة الأمريكية. فقد تبين أن المتدينين على الطريقة السعودية لا يمكن ضبطهم، حتى بواسطة المال. فالتجربة المرة التي خاضتها الإدارة الأمريكية مع القاعدة وأخواتها كانت تجربة مرة حيث أن آثارها لم تنته، وما من أحد يمكنه تحديد نقطة نهايتها.
3 – التجربة الثالثة هي تلك التي قامت بها الثورة الإسلامية في إيران. والمميز لهذه التجربة هي انضباطيتها شبه المطلقة. فهذه التجربة من التدين تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن التجربة السوفياتية، وخاصة بعد وفاة الإمام الخميني. إن إصرار الرئيس الأمريكي على عقد اتفاق مع إيران هو معرفته الأكيدة أن اتفاقاً كهذا يمكن أن يضبط نصف الساحة الإسلامية في إقليمنا. وكذلك في الفالق الثاني من آسيا.
4 – التجربة الرابعة هي تلك التي خاضها الإخوان المسلمون، بعد أن تم تسييسهم بالجبر وليس بالإختيار، عن طريق السلطات المتعاقبة في مصر وفي البلدان الأخرى. ولكن هذه التجربة لم يُكتب لها الحياة بسبب بيروقراطية كوادر هذه المنظمة وعدم تجربتها السياسية وضحالة وعيها السياسي. فشل رهان الإدارة الأمريكية على الإخوان المسلمين. هذا لا يعني أن الإخوان كانوا يأتمرون بما تمليه الإدارة الأمريكية. ولكن يعني أن الإدارة الأمريكية اعتقدت بإمكانيتها على التعاون مع تدين على النمط الإخواني.
هذه التجارب أدت إلى الوصول إلى نمطين من التدين، أحدهما مضبوط وهو التدين الذي تقوده إيران، رغم وجود العديد من التنظيمات، والآخر تدين التنظيمات السنية الذي لا يمكن لأي سلطة أن تقوده. لذلك لا بد من القضاء عليه حسب ما تريده الإدارة الأمريكية.
وبما أن جميع التجارب في الساحة السنية قد فشلت، لذلك فتقدم ملك الأردن للقيام بتجربة جديدة ستلقى قبولاً ما لدى الإدارة الأمريكية، ويمكن أن تحل الأزمة الإقتصادية التي يعيشها النظام الأردني.
الملك الأردني هاشمي يصل نسبه إلى رسول الله عليه السلام، فهو يحظى باحترام المتدينين وخاصة الشيعة التقليديين، الذين يحترمون كل من ينتسب إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والملك تربطه علاقة قوية بالقبائل الموزعة في الأردن والعراق وسوريا وكذلك السعودية. والأهم، في زمن الإنقسامات المذهبية التي أججتها إيران والسعودية، يمكننا القول أن الملك على علاقة طيبة مع القبائل السنية في كل من العراق وسوريا.
في اللقاء الأخير مع الإمام الخامنئي، لم يلق العبادي المقبولية من الإمام. فقد ركز الأخير على دور الحشد الشعبي الشيعي ولم يذكر ولو مرة واحدة الجيش العراقي. فكأنه يقول للعبادي، ليس لك مكان إنما الدور هو للمالكي، القائد الفعلي للحشد الشعبي. وهذا مبرر لقيادة الملك الأردني للحشد الشعبي السني، ليس لمجابهة الحشد الشيعي، إنما للقضاء على المجموعات السنية غير المنضبطة.
هل يستدعي ذلك تجاوز سايكس بيكو؟
الدولة الإسلامية قضت على الحدود، من هنا يمكن اعتماد هذه الذريعة لإعادة الأمور إلى نصابها من غير أي تغيير في الحدود المرسومة بين الدول رسمياً.
الأردن يقوم بدور إعادة ضبط الساحة في الإقليم المتفجر، بالتعاون مع الجانب الإيراني تحت قيادة الولايات المتحدة.
هل ينجح الأردن بما لم ينجح به غيره حتى الآن؟ كل ما يمكن اتنبؤ به أنه يملك بعض الحظوظ ولكنها ليست مضمونة النتائج..

                                                                  19 حزيران 2015

الأحد، 14 يونيو 2015

إجتماع عون – جعجع

                             إجتماع عون – جعجع
حسن ملاط
بعد اجتماعات متتالية بين ممثلين للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، توصل الطرفان إلى ما أسموه "اتفاق مبادىء" ينظم العلاقة بينهما. وهذا الإتفاق يُعتبر تطوراً إيجابياً مهماً بين هذين الطرفين المتخاصمين منذ عقود.
ظروف التقارب والتوافق
في ظل انسداد الأفق على الصعيد الإقليمي، وخاصة في سوريا، والذي ينعكس سلباً على الأوضاع الداخلية في لبنان، وفي ظل المذابح التي تحصل في الإقليم، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا... والتي تطال في كثير من الأحيان الأقليات الدينية والعرقية، بدا التخوف عند بعض اللبنانيين وكأنه لا يحتاج إلى تبرير. فقد أصبحوا يخافون على مستقبلهم في ظل التوحش السائد اليوم. وهذا النقاش يمتد من العراق إلى لبنان، مروراً بسوريا. ما مصير الأقليات المسيحية والتركمانية والسنية والشيعية والعلوية والكوردية، في حال انتصار أعدائهم؟ وهذا السؤال يعتبره البعض سؤالاً وجودياً، خاصة أن القادة المحليين والإقليميين قد صنفوا الكل أعداء للكل. ليس هذا فحسب، بل على الجميع الإلتزام بلغة العداء فقط.
في هذه الظروف، يصبح تكتل كل أقلية على نفسها ضرورة وجودية وعدم حصوله سوف يُعتبر خيانة للطائفة أو الملة. والموارنة ليسوا بعيدين عن هذه الأجواء. لذلك لا يملك أي طرف من الأطراف المارونية أو المسيحية مبرراً لعدم فتح حوار ضمن الطائفة لدراسة كيفية حماية أبنائها. وبذلك يكون اجتماع عون وجعجع طبيعياً ويأتي ضمن السياق الطبيعي لتطور الأحداث.
أما السبب الأهم بالنسبة للقوات اللبنانية فهو تبني جمهور القوات لمنطق التحالف مع حزب الله، وخاصة في المناطق المتفجرة في البقاع الشمالي خاصة وما يجاوره. ففي تقارير صحفية نُشرت منذ مدة وحتى الآن، تُبين بأن مسيحيي الأطراف الموالين للقوات اللبنانية يتعاونون مع حزب الله في جميع الأمور الأمنية التي تتعلق بالمعارك التي يخوضها الحزب مع الجماعات "التكفيرية". كما وأنهم غير مهتمين بموافقة قيادتهم على هذا التعاون. فحتى لا يخسر جعجع كل تاريخه التطرفي، كان لا بد له من التعاون مع حليف حزب الله الأساسي، العماد عون.
ما المصداقية التي يملكها هذا التوصيف؟
مرت على بلادنا الكثير من الحروب القبلية والدينية والعشائرية وغيرها. ولكن لا يزال في بلادنا الكلداني والأشوري والسرياني والكوردي والتركماني والمسيحي والمسلم والشيعي والسني والعلوي...إلخ إلخ. وفي هذا دلالة على أنه لم يكن بنية أحد إفناء الطرف الآخر. كما أن في ذلك دلالة أخرى على أن كل الدعايات التي نراها اليوم على نية طرف بإفناء طرف آخر ليست صحيحة رغم كل الوحشية التي تتمتع بها الأطراف المتقاتلة. نضيف إلى أن الدارسين للحالة السائدة اليوم، يقولون بأن القتل الذي يحصل، إنما يحصل استناداً إلى الفتاوى القديمة في الكتب الصفراء التي يحملها مختلف الأطراف المتقاتلة. إذا كان هذا الأمر صحيحاً، لماذا لم يفنوا بعضهم بعضاً في الزمن الغابر؟
الحياة المشتركة بين مختلف المذاهب والإتنيات في بلادنا قائمة منذ زمن بعيد وسوف تستمر بقوة التاريخ. أما ما يحصل اليوم، كما في الأمس، فهو مصالح سياسية متقابلة ومتناقضة، يستخدم كل طرف مختلف أنواع الأسلحة التي يملكها لمحاربة الخصم، ومنها سلاح المذاهب والطوائف والإتنيات.
المسيحيون موجودون في بلادنا قبل حروب الفرنجة وبعدها، وقبل فتح القسطنطينية وبعدها. ولم تتضاءل أعدادهم إلا بعد دخول الأوربيين إلى بلادنا والتدخل في سياسات الدولة العثمانية، وبعد اغتصاب فلسطين وطردهم من قبل الصهاينة من فلسطين. هذا لا يعني أن سياسات الدولة العثمانية كانت عادلة، إنما يعني أن التعامل مع الناس على أساس ديني أو مذهبي كان سياسة أوروبية بامتياز.
الشيء نفسه نقوله عن الشيعة الموجودين في بلادنا قبل الدولة الفاطمية وبعدها وكذلك قبل الدولة الصفوية وبعدها. كما وأنهم موجودون منذ ما قبل الثورة الإسلامية وما بعدها. وكذلك حال السنة وغيرهم من الأقليات العرقية أو المذهبية.
إن سياسة الإستعداء (سياسة الأقليات) التي فرضها الغرب على بلادنا، لا زالت تتحكم في كثير من الناس وبتأثير من الخارج الذي لا يريد مصلحة شعوبنا.
هذه سياسة الإفناء الذاتي، ولكن مستخدميها لا يعنيهم موت شعبنا أو فناءه أو استمراره... من أجل ذلك، لا بد من النظر الثاقب لهذه الأمور وتحديد السياسات بناء على الواقع وليس على التصورات.
ما قبل اللقاء
-         اجتمع رؤساء مختلف الطوائف الإسلامية وشددوا على ضرورة التعايش بين مختلف المذاهب الإسلامية وكذلك ما بين المسلمين والمسيحيين.
-         اجتمع لقاء سيدة الجبل في خلوته السنوية وصدر عنه مقررات لعلها الأكثر أهمية في تاريخه، لما فيها من نظرة ثاقبة للمستقبل. جاء في التوصيات ما يلي:
-         اتفق المشاركون على إنشاء لجنة تحضيرية، مهمتها الإعداد لإطلاق كتلة لبنانية عابرة للطوائف تعمل من أجل حماية لبنان، وذلك على الاسس الآتية:
أولاً: لا تمييز بين ارهاب وارهاب، لا يمكن ان نشعر بالاشمئزاز من جرائم "داعش" ونتغاضى عن جرائم الأسد.
ثانياً: الارهاب يطال الجميع، الاقليات كما الاكثرية. صحيح ان المسيحيين والاقليات يتعرضون للارهاب والتهجير على يد "داعش" الا ان معظم ضحايا "داعش" هم من المسلمين. ومن يتعرض للقتل في سوريا منذ ثلاث سنوات ليست الاقليات وإنما الاكثرية.
ثالثاً: حماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الاقليات، وهو تحالف يضع المسيحيين في مواجهة عدائية، بل في حالة حرب، مع الاغلبية المسلمة. ان ربط مصير المسيحيين في الشرق بأنظمة أقلوية مستبدة، تحت شعار تحالف الاقليات، يشوه طبيعة الوجود المسيحي كشريك للمسلمين في بناء انظمة مدنية ديموقراطية.
رابعاً: ليس هناك حل مسيحي خاص لمشاكل المسيحيين، بل حل شامل لكل مشاكل المنطقة، وللمسيحيين دور فاعل فيه.
ومن الجدير ذكره أن ممثل القوات اللبنانية كان حاضراً لهذا الإجتماع والتي صدرت عنه هذه المقررات الاستراتيجية.
وبعد هذه اللقاءات كان لقاء عون وجعجع، الذي صدر عنه اتفاق مبادىء، أهم هذه المبادىء هو ذلك الذي ينص على ما يلي:
ــ اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع التي هي على ارتباط وثيق بالقضايا الإقليمية والدولية، على أن تؤخذ في الاعتبار إمكانات الدولة اللبنانية والمعادلات الإقليمية والدولية.
هذا المبدأ خطير لأنه ينسف جميع مقررات سيدة الجبل التي وافقت عليها القوات اللبنانية. كما وأنه يربط الأوضاع الداخلية اللبنانية بالأوضاع الإقليمية وليس بتوافق الأطراف اللبنانيين على الحياة الآمنة.
وقد حظي اللقاء برضى الطرف الأساسي المتحالف مع العماد عون، نعني حزب الله، رغم خلافه مع القوات اللبنانية. ولدى سؤال "النهار" احد نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" عن نظرتهم الى لقاء الرابية وما "اذا كانوا مرتاحين"، جاء رده على الفور "نحن مسرورون".
وتنبع هذه الاجابة من الثقة الكاملة لـ"حزب الله" بحليفه عون "لأن الفائدة التي سيجنيها الرجل من هذا "الجمع المسيحي" سترتد على الجنرال وعلينا لأن الحزب لطالما ركز على اعادة التوازن المسيحي وانعكاسه على البلد بخلاف رؤية "تيار المستقبل" الذي لم يستقبل بارتياح مشهد الرجلين في الرابية لأن "التيار الازرق" عمل ولا يزال على ممارسة سياسة أحادية لفرض افكاره وطروحاته مع تركيزه على حسابات تضعف المسيحيين".
ومن هنا يحترم "حزب الله" خيارات عون وانفتاحه على سائر المكونات اللبنانية، وما عليه سوى فعل هذا الأمر في المربع المسيحي ليساهم في الحفاظ على تقديم نفسه انه المرشح الاول والأجدر لانتخابات الرئاسة، من دون أن يعني ذلك أن جعجع سيجاريه في نهاية المطاف في خياره الذي لن تتراجع عنه الرابية.
كما وتلى لقاء الرجلين اجتماع البطاركة المسيحيين في دمشق. وللمكان دلالته أيضاً. وصدر عنهم ما يلي: دعا البطاركة «المسيحيين ليتعاضدوا في ما بينهم، ويصلوا لأجل وحدتهم ويخدموا الفقراء بتفان، ويحملوا أوطانهم في فكرهم وصلواتهم، ويطلبوا بإلحاح أن يعم السلام ربوعها، وينعم أبناؤها جميعاً بالفرح الحقيقي، والمواظبة على أطيب العلاقات مع إخوانهم المسلمين، شركائهم في الوطن والمصير، ويعيشون معاً في هذه الأرض ويتقاسمون وإياهم في هذه الأيام ويلات العنف والإرهاب الناتجين عن الفكر التكفيري، وعبثية الحروب التي تؤججها مصالح الكبار مستخدمة تفسيرا مغلوطاً للدين».
هذا الكلام يشبه في شكله الكلام الذي صدر عن القمة الإسلامية. ولكن مضمونه مختلف من حيث مكان الإجتماع، حيث يصبح تفسير الكلام أن مشكلة سوريا القائمة تتعلق بوجود "التكفيريين" وليس بمطالب رفعها الشعب السوري وناضل ومات الكثير منه من أجلها. فالبطاركة لم يلتفتوا إلى معاناة الشعب السوري.
النتيجة
حتى لا نتوسع أكثر في هذا الموضوع، نرى بأن الإجتماع بين الرجلين مفيد من حيث آثاره على الشعور الجمعي عند شريحة لابأس بها من مكونات الشعب اللبناني. كما وأنها تترك مجالاً للإعتقاد أن الرجلين قد وضعا شيئاً في سلة هذا المعسكر وشيئاً آخر أيضاً في سلة المعسكر الآخر بحيث يكونان رابحين كيفما تطورت الأحداث. فاليوم، الغلبة في لبنان للمعسكر الذي تقوده إيران، من أجل ذلك يسكت الطرف القواتي عن الموضوع "السيادي" إلى أن تتوضح الأمور أكثر...إلخ
هذه السياسة النفعية لا تبني أوطاناً. مقررات اجتماع سيدة الجبل وضعت الأمور في نصابها الوطني المستقبلي. الشعب اللبناني عليه أن يبني مستقبله. لا مستقبل للمسيحي وحده، كما لا مستقبل للمسلم وحده. الحلول هي لمشاكل الشعب اللبناني، وهذا هو المنطق السليم.
                                                             14 حزيران 2015




الثلاثاء، 9 يونيو 2015

حول الإنتخابات التركية

                                 حول الإنتخابات التركية
حسن ملاط
اعتبرت الأكثرية من المعلقين السياسيين أن الإنتخابات التركية التي جرت يوم الأحد في 7/6 هي الأهم على الإطلاق. وإعطاءها هذه الأهمية كان لأنه بنتيجتها يتعلق تغيير النظام السياسي في تركيا ونقله إلى النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني القائم الآن.
أما في بلادنا، كان الوضع مختلفاً، فقد نقل كل من الكتاب انتماءهم السياسي أو المذهبي ( وهو متماه في أغلب الأحيان) كأداة لتحليل نتائج هذه الإنتخابات. وهذا تبسيط للأمور وتسطيح للوعي.
تمكن حزب العدالة الحاكم من الحصول على 258 مقعداً. وكان يود الحصول على 367 مقعداً حتى يتمكن من تعديل الدستور، أو على 330 مقعداً في أسوأ الأحوال حتى يتمكن من طرح تعديل الدستور على استفتاء شعبي. وما لم يخطر على بال قيادة الحزب هو عدم الحصول على 276 مقعداً حتى يتمكن من تشكيل الحكومة منفرداً.
ما تقدم يعني أن الحزب قد خسر الإنتخابات.
على جبهة المعارضة، حصل حزب الشعب الجمهوري على 132 نائباً والحركة القومية على 80 نائباً وحزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) على 80 نائباً أيضاً. وتبعاً لهذه النتيجة، يُعتبر حزب الشعب الجمهوري خاسراً، لأنه فقد 2% من ناخبيه. والفائزان هما الحزب الكردي أولاً لأنه للمرة الأولى يدخل البرلمان، والثاني الحركة القومية التي حسنت عدد مقاعدها.
ماذا تقول هذه النتائج؟
لتشكيل حكومة تركية جديدة، هناك الإحتمالات التالية:
1 – تشكيل حكومة أقلية بقيادة حزب العدالة، وتكون حكومة غير مستقرة. وحيث أن الإقتصاد التركي أصبح مهدداً نتيجة عدم الثقة التي تركتها نتائج الإنتخابات، فالليرة التركية تهاوت أمام الدولار واليورو، والبورصة نزلت أرقامها حوالي 8%. لذلك فإن هذا الخيار لن يكون مرجحاً.
2 – تشكيل حكومة إئتلافية من الأحزاب الثلاثة. وهذا الإحتمال غير مرجح أيضاً لأنه لا سبيل للإنسجام بين حزب الشعوب الديموقراطي والحركة القومية لأن هذا الأخير لا يعترف بالشعب الكردي.
3 – تشكيل حكومة من الشعب الجمهوري والعدالة. هذا الإحتمال ضعيف لأن كل من هذين الحزبين لا يقبل الآخر. فحزب العدالة جاء ليقضي على الإرث الأتاتوركي وحزب الشعب الجمهوري هو حزب أتاتورك. على كل، هذا الإحتمال غير مستبعد.
4 – تشكيل حكومة العدالة والحركة القومية. خطورة هذا الإحتمال أنه سيوقف العمل على حل المشكلة الكردية، والذي بدأت به حكومات العدالة والتنمية. وهذا سيؤدي حتماً إلى عدم استقرار سيؤثر سلباً على الإقتصاد التركي الذي يحتاج إلى الإصلاح.
5 – الإحتمال المرجح هو تشكيل حكومة بين العدالة والأكراد. هذا الإحتمال هو الذي يضفي على الوضع التركي نوعاً من الإستقرار يحتاجه الإقتصاد المتعثر.
6 – الدعوة إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثة أشهر. هذا الإحتمال ممكن في حال عدم تمكن داوود أوغلو من تشكيل حكومة خلال 45 يوماً، بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية.
هذه الإحتمالات لا تلغي احتمالات أخرى لم نذكرها، مثال الطلب من عبد الله غول تشكيل الحكومة لأنه مقبول من مختلف الأطراف...الخ
أما عن أسباب فشل حزب العدالة والتنمية من الإحتفاظ بالأغلبية فيعود على الأرجح لأسباب عديدة، أهمها:
أ – حزب العدالة جاء إلى الحكم ممثلاً للبورجوازية الصاعدة في تركيا، بعد سنين عديدة من عدم الإستقرار السياسي الذي أدى إلى عدة انقلابات كان يقودها العسكر. وهذا مناخ غير مؤات للإقتصاد الذي يتطلب استقراراً وأماناً. وقد أمنت الحكومات المتعاقبة للعدالة هذا الجو من الإستقرار وأبعدت العسكر عن السلطة بما ينسجم مع الشروط السياسية للدخول إلى الإتحاد الأوروبي والذي كانت تريده البورجوازية الصاعدة.
تمكن الحزب من رفع الدخل الفردي إلى ثلاثة أضعاف، وأدخل إلى البلاد الكثير من الإستثمارات، ورفع البلاد إلى مصاف الدول الكبرى من حيث الدخل القومي. كما وأمن نمواً كبيراً تجاوز 12% أحياناً.
هذا الإزدهار الإقتصادي أدى إلى تطور غير صحي في بنية الإقتصاد التركي، حيث كانت الإستثمارات الأجنبية تتغلب بكثير على الإستثمارات المحلية. وهذا النوع من الإستثمار يتميز بعدم الإستقرار وعدم الديمومة. من أجل ذلك، حذر البنك الدولي تركيا من هذا الخلل البنيوي أكثر من مرة. ولكن الأسباب السياسية جعلت المسؤولين لا يستجيبون لهذه التحذيرات. وكان أن تدخل الرئيس بمقررات البنك المركزي التركي وكذلك بخطط وزير المال علي باباجان والذي يُقال أنه يحظى بثقة الأطراف المستثمرة. هذه الأجواء أدت إلى عدم استقرار أدى إلى التلاعب باسعار الليرة التركية مما أثر سلباً على صورة الحزب الذي أنقذ الإقتصاد التركي لأكثر من عقد من الزمان.
وحيث أنه ليس في الأفق مبادرات لإعادة الحيوية للإقتصاد التركي، انعكس عدم حماسة لدى الناخبين لدعم توجه الرئيس أردوغان لتعديل النظام السياسي القائم، والذي كان شعار الإنتخابات التي جرت.
هذا باعتقادنا هو السبب الرئيس. وهذا لا ينفي وجود أسباب أخرى.
ب – من الأسباب التقنية هو خسارة الحزب الأصوات الكردية التي أعطيت للحزب الكردي.
ج – الهجرة السورية التي أدت إلى عدم استقرار في المناطق التي سكنوها من حيث منافستهم لليد العاملة التركية. وهذا أدى إلى تدفيع الثمن لحزب العدالة.
د – الدعاية الإنتخابية التي أثارت حساسيات مذهبية والتي أدت إلى خسارة حزب العدالة للأصوات العلوية...
هذا لا يعفينا من الإشارة إلى أن السياسة التي تتسم بالغموض والتي اتبعتها الحكومة التركية إزاء الأحداث في الدول المتاخمة مثل العراق وسوريا، أدت إلى خوف لدى الناخب التركي، ما أدى بالتالي إلى الخسارة الإنتخابية. في الإنتخابات البلدية كانت أصوات هذه المناطق لحزب العدالة، اما في هذه الإنتخابات فقد كانت للأحزاب الأخرى...
التقييم
نعتقد أن الأسباب التي أدت إلى هيمنة حزب العدالة والتنمية على الحياة السياسية في تركيا لم تعد موجودة، وتطوير بنية الإقتصاد التركي ليست بالأمر الميسر سريعاً، لذلك نقول بأن الحزب يمر بفترة انحسار، وهذا ما يجعل الدعوة إلى انتخابات مبكرة مستبعداً خوفاً من خسارة مزدوجة. لذلك، من المرجح أن يرتبط الوضع التركي في الأيام المقبلة بأحداث البلاد المتاخمة وخاصة العراق وسوريا. صحيح أن الإتفاق التركي الروسي والذي يريد أن يرفع حجم التبادلات إلى 100مليار دولاراً بدلاً من 50 ملياراً، إضافة إلى خط الغاز الروسي تركش ستريم والذي سيساعد الإقتصاد التركي المتعثر خاصة أنه من المتوقع أن تستخدمه إيران أيضاً لتصدير الغاز إلى أوروبا، كل ذلك سيكون له انعكاسات إيجابية على الإقتصاد التركي، ولكنها لن تكون سريعة. لذلك فإن تأثيرها السياسي لن يكون كبيراً. هذا لا يعني أن الحزب في حالة انهيار. كلا، ما قدمه الحزب لتركيا كان حجمه كبيراً، ومع هذا فإن نجمه إلى أفول. ولكن هذا الأفول لن يكون بوتيرة متسارعة.
                                                                            9 حزيران 2015


السبت، 6 يونيو 2015

في أزمة العمل الإسلامي في لبنان

                      في أزمة العمل الإسلامي في لبنان
حسن ملاط
لقد درج الأستاذ قاسم قصير على الكتابة عن أزمة العمل الإسلامي، وخاصة بعد ما اصطلح على تسميته "الربيع العربي". وذلك بسبب التباين في الآراء والممارسات بين العديد من العاملين في الحقل الإسلامي من جهة وفي الحقل الوطني من جهة ثانية. وهذا ما جعل الأستاذ قصير يشارك في المنتديات والنشاطات العابرة للطوائف والمذاهب، كل ذلك خوفاً من الصدام في الساحة الوطنية بين مختلف فئاتها لأنه يخدم أعداء الأمة والوطن.
نحن نشارك الأستاذ العزيز في هواجسه، ما يدفعنا للمساهمة بالملاحظات التالية:
 نقصد بالعمل الإسلامي ما تقوم به مختلف الجماعات أو الهيئات أو المجموعات أو الحركات والأحزاب، سواء انتسبوا إلى الساحة السنية أو الشيعية، وسواء كان عمل هذه المجموعات ذا طابع دعوي أو سياسي.
إن شرط نجاح أي تنسيق أو عمل مشترك، يتطلب تحقيق الشروط التالية:
1 – عدم اشتراط التماهي أو التطابق في الآراء في رؤية مختلف الفئات لحل القضايا المطروحة على بساط البحث. إنما يجب الإكتفاء بتفعيل مايمكن الإتفاق عليه وتوسيع مساحته بعد الإلتزام بتحقيقه من مختلف الفئات التي توافقت عليه.
2 – فصل جميع الفئات بين عملها على الساحة اللبنانية وارتباطاتها الخارجية. أو بمعنى أوضح، فإن اختلاف إيران والسعودية وقطر يجب أن لا يؤثر على العلاقات التي تربط الفئات اللبنانية التي تلتزم بالرؤية الإيرانية أو تلك التي تلتزم بالرؤى الأخرى.
3 – على "حزب الله" أن يفصل بين عمله داخل الساحة اللبنانية وعمله خارج هذه الساحة، حتى وإن كان يعتبر أنه يدافع عن لبنان عندما يتدخل في سوريا، بما أن هناك العديد من الفئات التي لا تريد الصدام مع الحزب لا توافق على تدخله في سوريا. وهذا لا يخالف ما أعلنه الأمين العام للحزب بضرورة عدم التصادم في لبنان وليكن التصادم في الساحة السورية.
وهذا الشرط يتطلب من الفئات الأخرى عدم البناء على تدخل الحزب في سوريا للإختلاف مع الحزب داخل الساحة اللبنانية. أو بصيغة أخرى لبننة العمل التوافقي بين مختلف فئات العمل الإسلامي بصرف النظر عن انتمائهم المذهبي وبصرف النظر عن آرائهم بالحروب التي تجري في سوريا والعراق واليمن وبصرف النظر عن تعاطفهم مع هذا الطرف أو ذاك.
4 – التحديد وبدقة لمساحة العمل الفلسطيني في الساحة اللبنانية. أي على جميع الفئات والجماعات الإسلامية والأحزاب أن تتفق فيما بينها على طبيعة الممارسة السياسية الفلسطينية على الساحة اللبنانية بشكل يخدم القضية الفلسطينية ولا يسيء لها، وكذلك القضاء على المقولة التي أشيعت في الحرب الأهلية أن الفلسطينيين هم جيش السنة.
هذا الأمر يتطلب بالمقابل عدم اختراق الأحزاب والفئات اللبنانية للساحة الفلسطينية في تجنيد الشباب الفلسطيني للعمل العسكري في أي من الساحات: اللبنانية أو السورية أو في المخيمات الفلسطينية.
إن تنفيذ هذه الإشتراطات هو شرط لنجاح أي عمل إسلامي مشترك على الساحة اللبنانية، كما أنه يؤسس لعمل يتسم بالديمومة لأنه يصلب الثقة بين مختلف أطراف العمل الإسلامي ولا يؤسس لأي صدام مستقبلي، حيث أنه يقوم على الوضوح في مساحة الإتفاق وفي مساحة الإختلاف. والإتفاق عادة يكون بين مختلفين.

                                                            6  حزيران 2015