بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 28 أكتوبر 2018

عن تشكيل الحكومة اللبنانية




حسن ملاط

لم يُعتبر تشكيل الحكومة في لبنان، إنتاجاً للسلطة. إنما هو في حقيقة الأمر ممارسة لإدارة مؤسسات سلطوية من ممثلي الجماعات الطائفية والمذهبية في بلدنا.
وعليه، فإن تشكيل الحكومة هو تعبير عن تقاسم القوى الفاعلة لمراكز القرار بالتعاون مع الحلفاء المرحليين الذين يلعبون دور الوكلاء، مع إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن فعاليتهم وقوتهم أمام جماهيرهم.
القوى الفاعلة في لبنان هي حزب الله أولاً وتيار المستقبل ثانياً. هاتان القوتان تستمدان فعاليتهما ذاتياً وليس من أي جهة أخرى. وعليه يُمكننا الحديث عن تشكيل الحكومة انطلاقاً من معرفة ماذا يريد كل طرف من تشكيل الحكومة.

حزب الله
هو الحزب الأقوى على الساحة اللبنانية. وهو الحزب الوحيد الذي يلعب دوراً إقليمياً لصالح دولة إقليمية. وهذا الدور الإقليمي لم يكن بموافقة السلطات اللبنانية. ويمكننا القول أن الحزب هو المثل الوحيد في الاقليم الذي يلعب دوراً خارج ساحته لصالح دولة أخرى. فالأحزاب الشيوعية كانت تبرر سياسة الإتحاد السوفياتي، ولكن لم يحصل أن أياً منها حمل السلاح للدفاع عن الإتحاد السوفياتي. وعلى هذا الصعيد، علينا الإشارة إلى أن فصائل من الحشد الشعبي العراقي تسير على خطى حزب الله بالنسبة لعلاقتها مع إيران وتنفيذ سياستها في الساحة السورية.
هذا الدور المزدوج الذي يلعبه الحزب جعله يعطي الأولوية في عمله للساحة الخارجية من دون إهمال الساحة الداخلية.
أما حالياً، وبعد التطورات المستجدة على الساحة السورية ودخول الإدارة الأمريكية على خط التسوية في سورية، وحيث أن أفق التسوية لا يبدو واضحاً، مع إصرار من الجانب الأمريكي على ضرورة انسحاب إيران من الساحة السورية بمساندة من جانب العدو الصهيوني، هذا الوضع يُجبر الحزب على الحذر الشديد. فهو لا يملك حرية الانسحاب من الساحة السورية، كما وأنه ليس من السهل توظيف الساحة اللبنانية بكاملها لخدمة سياساته أو حمايته مما يخبىء له الأمريكي من عقوبات وحصار بالإضافة إلى الإيراني.
ما تقدم هو ما يجعل تشكيل الحكومة اللبنانية يتطلب الكثير من التنبه والحذر إلى جانب عدم الإمكانية على الإقدام على "دعسة ناقصة" تودي بالبنيان الذي سجل انتصارين على العدو الصهيوني وأحيا آمال إمكانية التخلص من الاحتلال عبر المقاومة الشعبية.
هذا الوضع يستوجب على الحزب تأمين ساحة لبنانية هادئة حتى لا تشغله عن دوره الذي أعطاه الأولوية، أي الإقليمي. من هنا كان إصراره على حكومة وحدة وطنية. وقد كان صادقاً في هذا الأمر، فلم يسمح لحليفه التيار الحر على استخدام اسمه في معركته المفتوحة مع القوات اللبنانية. كما وأنه لم يضع أية عراقيل أمام تشكيل الحكومة أمام الرئيس الحريري.
ولكن تطور الوضع الإقليمي أجبره على إعادة حساباته. فنراه يختبر مدى إمكانيته الضغط على حلفائه وخصومه المفترضين حتى يصل إلى حكومة يمكنها أن تؤمن له تغطية ما إزاء التطورات الإقليمية.
المستقبل
لا يزال التيار الحريري يستمد قوته من إرث الحريري الوالد. ولكن هذا لم يمنع الحريري الإبن من الانخراط في اللعبة السياسية اللبنانية من بابها الواسع. فبعد عودته من الخارج والتي كانت بتفاهم مع الحزب، تمكن من تأصيل حركته الداخلية وأصبح يعلم مدى أهمية تنسيق حركته مع القوة الفاعلة الأخرى أعني حزب الله، كما وأنه يعلم أن لا غنى للحزب من التعاون معه.
في الوقت الراهن، لا بديل عن الحريري لتشكيل الحكومة. وهذا ما دفع رؤساء الحكومات السابقين إلى التنسيق الفعلي مع الحريري. من هنا، ستكون الحكومة تعبيراً عن هذا التفاهم إذا لم يتدخل عنصر خارجي  يعيق التشكيل.
أما القوى الأخرى على الساحة الداخلية، فهي تملك تمثيلاً لساحتها ولكن هذا التمثيل لا يملك الفعالية التي يملكها الحزب والمستقبل.
جنبلاط، لا بديل له على الساحة الدرزية، من هنا كانت جميع الضغوطات هي لمشاركته بأحد المواقع. وقد قامت محاولات عديدة وعلى مدى عقود لنزع الدروز من جنبلاط، وقد باءت جميعها بالفشل.
أما على الساحة المسيحية، فالطرفان الأقوى يستمدان قوتهما من التغطية التي تؤمنها لهما القوتان الفاعلتان. لذلك لا عجب عندما نرى أن الأمور "المصيرية" تُقرر عند الحزب والمستقبل. وأكبر دليل على ذلك، هو أن الخلاف بين القوات والمستقبل والذي دفع الأول إلى التقارب من التيار الحر وإنتاج اتفاق معراب، رأينا أن هذا الإتفاق لم يعمر طويلاً: فالطوائف المهزومة لا يمكنها إعادة انتاج الوحدة بين أطرافها مجدداً.
الخلاصة
تشكيل الحكومة، داخلياً، يتم بتوافق مستقبلي حزب اللاهي، وتوزيع المغانم على الحلفاء.
هل تتشكل الحكومة؟
نعم! إذا لم يستجد عامل إقليمي يمنع من تشكيلها!

                         28 تشرين الأول 2018