بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 6 نوفمبر 2011

ديون اليونان، أم شعب اليونان؟

القرقعة تملأ الدنيا ولا تترك لأحد فرصة الراحة من الضجيج، ديون اليونان. وما قصة اليونان وديونها. الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تُسمى العولمة القائمة اليوم في العالم باسمها، هي السبب الرئيس. ذلك أن الدولار هو النقد العالمي الوحيد، ونضيف "تقريباً" من دون قناعة، إنما إرضاءً لمن يرون اليورو يحمل هذه الصفة.

عندما وقعت أزمة الديون الأمريكية في العام 2008، تأثر العالم بمجموعه بالأزمة. وقليلة هي البلدان التي لم تتأثر بتلك الأزمة بصورة سلبية، وذلك لارتباط الجميع بالدولار. والسؤال هل لازالت الأمور على ماهي عليه حتى الآن، أم أن هناك بعض التغيرات.

لقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن على أوروبا أن تجد الحلول لمشكلة المديونية في منطقة اليورو لأن هذا الوضع يؤثر سلباً على النمو في أمريكا. وقد سارع الإتحاد الأوروبي لدراسة أوضاع الدول المتعثرة وعلى رأسها اليونان واسبانيا والبرتغال وإيطاليا وارلندا. وقد قدم الإتحاد المساعدات لبعضها، عله يساعد في إمكانية حل مشاكل المديونية. وطلب الإتحاد الأوروبي المساعدة من دول البريكس ( البرازيل، الهند، الصين، جنوب أفريقيا وروسيا) وعلى رأسها الصين. وقد وضعت الصين شروطاً قاسية من أجل المساهمة في المساعدة، علماً أن 20% من حجم تجارتها هي مع الإتحاد الأوروبي. أما روسيا فقد أبدت استعدادها للمساعدة بعشرة مليارات دولاراً، ولكن عبر صندوق النقد الدولي، أو بشكل ثنائي. بينما اشترطت الصين شراء بعض الأصول الأوروبية والحصول على التقنية العسكرية المتطورة والممنوعة عليها حالياً. كما اشترطت الإعتراف بأن نظامها رأسمالي للتخفيف من بعض الشروط التجارية التي تراها مجحفة. وقد أبدت الصين استعدادها المساعدة بمبلغ يتراوح ما بين 50 و100 مليار دولاراً.

ثم اجتمع العشرون الكبار لدراسة مشاكل منطقة اليورو وقد ألقوا الخطب وتوصلوا لعدد من المقررات لا يتسم أي منها بأي صفة عملية. وقديماً قيل "أن جهنم مرصوفة بالنيات الحسنة".

قمنا بهذا الإستعراض السريع حتى نصل إلى الموضوع الذي يشغل الدنيا في هذه الأيام وهو ديون اليونان وأين موقع الشعب اليوناني من هذه الضجة؟ لقد أقرالإتحاد الأوروبي مساعدة اليونان ب160 مليار أورو وبشطب 100 مليار يورو من ديونها، وأن هذه المبالغ تُدفع على دفعات على أن لا تخل اليونان بالشروط المفروضة عليها. وأهم هذه الشروط هي التي تنقل الشعب اليوناني من الحياة الطبيعية إلى الحياة البائسة.

كيف يعيش الشعب اليوناني في هذه الأيام التي قدمت أوروبا له المساعدة ب160 مليار يورو؟

جاء في جريدة (ايليفتوروتيبيا) اليونانية متحدثة عن المظاهرات الإحتجاجية على الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة بحق الشعب اليوناني حتى يُموَل أصحاب الملايين المبعثرة على نزواتهم كما أصحاب البنوك والشركات الأمريكية والتي يعتصم ضدهم الشعب الأمريكي في حركة "احتلوا وول استريت" ما يلي:" (يقول المتظاهرون) نحن لن نرحل من هنا، هذا هو يومنا، مهما كان عدد القنابل المسيلة للدموع، سنظل هنا. (وقد كانوا في ساحة كيرياكوبوللوس) هذه ساحة الثورة الشعبية، ساحة الديموقراطية، الساحة التي فيها ينمو الأمل. وقد عمت المظاهرات جميع المدن والجزر اليونانية. وقد خرج المزارعون مع جراراتهم وصغار التجار والطلاب والتلاميذ والمتقاعدون". ومن الجدير ذكره أن هذه المظاهرات قد تعرضت لكثير من العنف.

ولكن لماذا يحتل المتظاهرون الشوارع رغم هذا العنف السلطوي؟

جاء في جريدة (تو فيما) اليونانية: "لم تعد سلة التبضع تمتلىء، كما كانت الحال قبل الأزمة. فقط 12% يدفعون أكثر من مئة يورو عندما يذهبون للتبضع. كما أنهم يفتشون عن الصنف الأرخص من دون الإهتمام بالنوعية أو الماركة. ما من أحد يخرج إلى المطاعم أو الحانات. قال أحد أصحاب المطاعم أنه تمر بعض الأيام لا نجد زبوناً واحداً، علماً أن مصروفنا اليومي يبلغ 1500 يورو. لقد أقفل 6000 مطعم. ومن الآن حتى آخر السنة سيقفل 25000 مطعم. حتى المواد الغذائية لاتجد من يشتريها بالرغم من انخفاض أسعارها 35%".

"في مجال الصحة، يؤجل الناس الذهاب إلى الطبيب لأن الدواء غال وكذلك الإستشارة الطبية. لايذهب الناس إلى المختبر أو إلى التصويرالشعاعي، لايشترون الفيتامينات أو المضادات الحيوية لأنها مكلفة. لا يدفعون فاتورة الكهرباء لأنها غالية. لقد أعلنت شركة الكهرباء أن عدم التحصيل قد وصل إلى 200 مليون أورو. كما أن اليونانيين قد أقلعوا عن استخدام سياراتهم الخاصة. التعليم الخاص انخفض 40%. المتقاعدون لا يذهبون إلى المقاهي بل يلتقون في الشوارع أو السوبر ماركت".

وفي عدد آخر لنفس الجريدة تقول "بأن اليونانيين يفتشون عن الأرخص لشرائه من أجل التغذية. ولكن منهم من يفتش في القمامة عن شيء يعينه على الإستمرار في الحياة، خاصة بعد أن خفضت الحكومة مخصصاتهم. هناك جوع حقيقي في اليونان، هناك من لايتمكن من شراء اللحوم ولو مرة واحدة في الشهر. ومع هذا يتلف كبار التجار الأوروبيين ما يقارب من 89 مليون طن من المواد الغذائية بسبب انتهاء الصلاحية، أي ما يعادل 180 كيلو لكل أوروبي".

يكفي هذا القدر من المآسي، ولكن السؤال هو ما الإفادة التي يجنيها اليوناني من استدانة حكومته من الإتحاد الأوربي؟ هو تكديس الدين عليه من دون الإستفادة من أي من هذه الملايين التي تذهب إلى كبار المرابين وأصحاب البنوك والشركات الكبرى. أليس من أجل ذلك يتظاهرون في المدن الأمريكية. 99% يعملون ويدفعون من أجل أن يتمتع 1% من الشعب الأمريكي. لمن دفعت الحكومة الأمريكية في أزمة 2008؟ أليس لأصحاب البنوك؟

ما هي الأسباب الكامنة وراء هذه المآسي؟

إنها العولمة النيوليبيرالية. لقد ابتدع الأمريكي البشع قيماً للمجتمع الجديد المعولم تقوم على الإستهلاك والمزيد من الإستهلاك، من دون النظر عن أصل المال إن كان شريفاً أو ملوثاً. المهم الإستهلاك وتكديس الثروات من أصحاب الشركات الكبرى والبنوك. ألم تفتعل الإدارة الأمريكية الحروب من أجل أصحاب مصانع السلاح ومن أجل الشركات النفطية. ألم يبتدع أصحاب البنوك ما يسمى بالمشتقات المالية من أجل سرقة أصول أصحاب الحسابات المتواضعة. ألم تسرق البنوك عقارات أصحاب الدخل المحدود ورمتهم في الشوارع عندما أغرتهم على الإستدانة. ألم تطبع الإدارة الأمريكية المليارات من الدولارات من دون أي تغطية من ذهب أو من إنتاج. أليس هذا بالسرقة الموصوفة.

ليس هذا فحسب، بل إن الإدارة الأمريكية المهيمنة على العولمة قد أجبرت الجميع على السير في ركابها. ذلك أن نمط الإنتاج الرأسمالي يجعل الجميع على نمطه، فهو يحطم جميع الأنماط السابقة على وجوده. من هنا تداعت جميع الدول على دعم الدولار، عصب الإقتصاد الأمريكي، ودفعت مليارات الدولارات من الخسائر حفاظاً على هيبة الأمريكي البشع.

هل من إمكانية للخلاص من هذا الواقع البائس؟

الصين، أكبر الدول المنتجة في العالم والتي تملك اقتصاداً حقيقياً وتملك احتياطاً، جله من الدولار، يساوي 3.2 تريليون دولار، يمكنها التصرف ب500 مليار دولار فقط تريد أن تتجه نفس الإتجاه التي تريده الولايات المتحدة الأمريكية. فالأخيرة تريد من الصين أن توسع سوقها الداخلية، وهذا يجبرها أن تسعر اليوان بسعره الحقيقي مما يوجد نوعاً من التوازن في السعر بين المنتجات الصينية والأمريكية. كما وأن الصين تريد أن تجعل من اليوان نقداً عالمياً مثل الدولار واليورو. أليس اقتصادها هو ثاني اقتصاد في العالم؟ وهذا ما اشترطته على الإتحاد الأوروبي من أجل مساعدته، أي احتساب الدين باليوان.

إن اتجاهاً كهذا سوف يؤخر الحل التي تصبو إليه الشعوب لأنه يؤخر انهيار النمط الأمريكي في استغلال الشعوب ويساعد الصين على أن تكون الشريك الأول لأمريكا في الاستغلال أو من الممكن أن يجعلها الأولى في استغلالهم!

ما يساعد على تحرر الشعوب من أزمتها هو التخلي عن سرقة الشعوب بأساليب متعددة، كالمشتقات المالية مثلاً. وأن يعود الإقتصاد حقيقياً يقوم على انتاج الخيرات المادية، وليس على تأمين الأرباح لأصحاب الملايين. وبهذا الشكل تعود القيمة للسلعة وليس للربح من دون تأمين السلعة. أما الوصول إلى هذا النمط الرأسمالي يتطلب الصراع مع النيوليبيراليين إلى أي جنسية انتموا. كما ويتطلب عودة الثقة إلى الشعوب بقدراتها الكبيرة. ولعل الربيع العربي ونسخته الأمريكية الناشئة "احتلوا وول استريت، هي من المبشرات بالغد المشرق لشعوب المعمورة.

6 تشرين الثاني، نوفمبر 2011 حسن ملاط