بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

ماذا عن "همروجة" السلاح؟

        
حسن ملاط
ما يثير الإستغراب أن البعض في لبنان يطرح موضوع سلاح حزب الله من دون أخذ الظروف العامة في البلد بعين الإعتبار.
أولاً
1-        إذا كان حزب الله يريد أن يلعب دوراً إقليمياً بواسطة سلاحه، فلا يمكنه فعل ذلك إلا إذا كانت الأوضاع داخل البلاد مستقرة. من هنا فلا يمكن لسلاحه أن يكون عامل عدم استقرار.
2-        إذا كان حزب الله يريد أن يحافظ على المكتسبات التي حظي بها أبناء مذهبه، فعليه أيضاً المحافظة على الإستقرار.
3-        التعاون مع المذاهب أو الطوائف الأخرى يتطلب من حزب الله تحييد سلاحه وعدم استخدامه في الداخل اللبناني.
4-        ما سبق يبين بوضوح أن سلاح الحزب ليس عامل عدم استقرار إلا عند الذين يريدونه كذلك لأسباب ذاتية لا موضوعية.
ثانياً
أ‌-              إذا أخذنا بعين الإعتبار التهديد الذي يشكله الكيان الصهيوني على حدود لبنان الجنوبية، عندها يصبح سلاح حزب الله عامل استقرار بمنعه الصهاينة من الإعتداء على لبنان.
ب‌-       أما إذا علمنا أن جميع المستعمرين الصهاينة مسلحون، فهذا يعني أن ما يتحجج به البعض بأن السلاح هو عامل عدم استقرار هو خاطىء أيضاً. اللبناني يقتني السلاح منذ ما قبل تشكيل الكيان اللبناني أو أي كيان آخر. من هنا وجب أن يكون المطلوب هو ضبط السلاح وعدم استخدامه إلا ضد العدو الصهيوني، سواء كان هذا السلاح في أيدي أحزاب أو مجموعات أو أفراد!
هل خطر في بال أحد من المطالبين بجمع سلاح الحزب أن يتساءل عن سبب عدم طرح هذا الموضوع سواء داخل الكيان الصهيوني أو داخل كيانات أخرى حيث السلاح منتشر بين الأفراد؟
ثالثاً
أما عن الحسابات البراغماتية عن الخسائر التي يمكن أن يسببها أي اعتداء صهيوني على لبنان، فنقول: في المسألة الوطنية لا يجوز طرح هذا السؤال وخاصة بهذا الشكل.
الأولوية هي لمجابهة العدو، لذا فالسؤال يكون: ما هي العوامل التي علينا توفيرها حتى يكون قتالنا للعدو أكثر جدوىً وأقل خسائر. ولا تكون الموازنة بين قوة العدو العسكرية وقوة حكوماتنا العسكرية أيضاً. فهذه الموازنة ستكون نتيجتها المحافظة على وجود العدو لأنه لا يمكننا منافسته.
لو أن المقاومة الفرنسية فكرت بهذا الشكل، لكان النازي لا يزال حتى الآن يسيطر على باريس. نفس الكلام ينطبق على المقاومة الفيتنامية ضد الإدارة الأمريكية أو الصينية ضد اليابان...إلخ
صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود، طبيعته تختلف عن الصراع القائم في سورية أو العراق أو اليمن. فاليمنيون سيتفقون مع بعضهم البعض وكذلك سيفعل السوريون أو الليبيون أو العراقيون. مجرد اتفاق هذه الأطراف على تسوية ما تنتهي الحرب البينية. أما الحرب مع الصهاينة فلا تنتهي إلا بإزالة الطبيعة الصهيونية للحكم في فلسطين وبعودة كل من لا يرضى أن يكون فلسطينياً إلى بلده الأصلي.
القضية الوطنية لا يُمكن التعامل معها، ابتداء بميزان الربح والخسارة، إنما بميزان تأجيج الصراع لتوريط أكبر عدد من الناس فيه. فعلى التقنية الحديثة لا ينتصر إلا الإنسان المؤمن بقضية شعبه والمستعد للتضحية. وهذا ما أعطتنا إياه تجارب جميع الشعوب الحرة.
لذلك، فالمطلب الوطني لا يكون إلا بتنظيم السلاح وضبطه حتى يكون ذو فعالية لمجابهة العدو الصهيوني.

                          28 تشرين الثاني 2017

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

ماذا عن الوضع في لبنان؟

          
حسن ملاط
كان لاستقالة الرئيس الحريري الأثر الكبير في زعزعة الإستقرار الذي كان سائداً في البلاد خلافاً لما هو حاصل في المحيط. ولكن الظروف التي أحاطت هذه الإستقالة تركت آثاراً كبيرة على مكونات الإجتماع اللبناني، ليس من السهل تجاوزها.
في الأستقالة
لم يكن هناك أي مؤشر يوحي بأن الرئيس سيستقيل من منصبه. ما جرى هو استدعاؤه إلى السعودية والطلب منه الإستقالة، هذا إذا أحسنا الظن، ولكن الوقائع تشي بخلاف ذلك، هذا إذا اعتمدنا على المصادر الأجنبية، فرنسية، أمريكية، بريطانية أو المانية...أو غيرها. وجميعها تؤكد أن الحريري لا يمتلك الحرية بالتعبير عن رأيه في المكان الموجود فيه.
أما عن المقابلة الصحفية التي أجراها، فهي تقول بأنه ليس بأوضاع طبيعية.
كانت ردود الفعل على الإستقالة وطنية بامتياز. فجميع مكونات الإجتماع اللبناني انتقدت الطريقة التي تمت بها الإستقالة. ومنها من اتهم النظام السعودي علناً ومنها من أشار إليه ضمناً. ولكن المتفق عليه كان هو أن الإستقالة غير قائمة حتى عودة الحريري إلى لبنان.
الإستقالة و"سنة" لبنان
لقد بذل الرئيس رفيق الحريري قصارى جهده، وبالتعاون مع النظام السعودي لتحويل السنة إلى طائفة... ولم يُفلحوا. السنة في لبنان لا يملكون شعور الأقلية، لذلك لا نرى التماسك الطائفي أو المذهبي الموجود عند الطوائف أو المذاهب الأخرى.
جميع المعارك التي جرت في لبنان لم تتمكن من زحزحة الأغلبية الساحقة من "سنة" لبنان عن مواقفهم الوطنية أو القومية. ولكن الأموال التي دفعتها السعودية ودول الخليج لل"دعاة" تمكنت من خلق أقلية عند السنة تتحدث باللغة المفروضة على الإقليم من رعاته الإقليميين، الرعاة الذين آلوا على أنفسهم أن يشتتوا الشعب من أجل الإحتفاظ بمكتسباتهم القائمة على نهب خيرات شعوب هذا الإقليم. وهذه الأقلية تملك إمكانية الحركة أكثر من غالبية السنة بسبب من الدعم الخارجي المعد من أجل قسمة المسلمين والمجتمعات المحلية.
وبما أن الطبقة السياسية السنية تتبنى طروحات الذين يمسكون زمام الأمور، أعني السعودية وبعض دول الخليج، فاستقالة الرئيس الحريري ستترك آثاراً كبيرة على المكون السني في الإجتماع اللبناني.
الضغط الذي مارسته السعودية على الحريري والتعامل الذي يتسم بالبربرية معه أحدث شرخاً داخل التيار الذي يدين للسعودية في نشأته والذي يمثل السنية السياسية بأغلبيتها. فبعد أن كان هذا التيار متماسكاً، تمكنت السعودية من إحداث انقسامات في الرأي داخله، لن يتمكن حتى الحريري من معالجتها في حال عودته. فالسعودية لن تثق به بعد الآن، ولا وجود لأية شخصية بإمكانها توحيد غالبية السنة كما كان يفعل الحريري الذي ورث هذا التماسك في الطائفة عن والده. وهذا يعني أن الطوائف الأخرى سوف يصبح بإمكانها التعامل مع المكون السني كما تعاملت مع الموارنة بعد اتفاق الطائف الشهير.
من هنا، يمكننا القول وبكثير من الثقة أن السعودية قد خسرت معركتها في لبنان وتمكنت من إحداث شروخات ضمن السنة لن يتمكن أحد وعلى المدى المنظور من معالجتها. ولا نبالغ إذا قلنا بأن السياسي الذي سيحاول التعامل مع السعودية مطلوب منه العد إلى المئة قبل الإقدام على ذلك.
ما معنى إذلال ممثل الطائفة الكبرى في البلد من قبل من وضعت هذه الطائفة الآمال بدعمها لها؟
هل من سبيل إلى معالجة هذا الموقف؟
نعم! ولكنها مفعمة بكثير من الشكوك!
1-        حتى يتمكن الحريري من أخذ المبادرة لما فيه مصلحة البلد ومصلحة إستقراره، يصبح مطلوباً من القوى الأخرى، وبالتحديد حزب الله، إشعار الطوائف الأخرى بأنها شريكة في أخذ القرار وأن بإمكانها وضع فيتو على ما تراه يُسيء إلى الشراكة بين مختلف الطوائف. ومن حسنات هذا الأمر أن الضغوطات التي مارستها السعودية على الحريري تصبح من غير معنى. كما وأن التنازل للطوائف الأخرى لا يعتبر نصراً للسعودية فيما قامت به.
النصر الذي تحققه السعودية هو عندما يصبح مستحيلاً على الطبقة السياسية اللبنانية الإستمرار في الحكم بشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة في الطوائف جميعها.
2-        إن إمكانية الحريري على استرداد الفعالية التي كان يتمتع بها ما قبل الإستقالة يجب أن يستعيدها بمؤازرة من جميع الطوائف الأخرى، وخاصة من حزب الله، لما في ذلك من أهمية للتمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنية حتى يكون فاعلاً في ضبط جميع التحركات التي يمكن أن توحي بها أطراف خارجية ضمن الطائفة السنية.
3-        السيطرة المطلقة على الطائفة السنية من دون تغطية من السعودية تبدو  أنها صعبة جداً، خاصة وأن علاقات الطوائف مع الدول الخارجية تقوم على الإستخدام. من هذه الدول من يحترم خدامه ومنها من يتصرف بكثير من العنجهية، وهذه الصفة الأساسية للمجتمعات الريعية. وبما أن استخدام المال السياسي في هذه المرحلة لا يبدو متوفراً، فلا بد من الإستعاضة عن ذلك ببديل سياسي وازن يمكن الحريري من إظهار عدم حاجته إلى تغطية خارجية في التمثيل الفاعل للطائفة السنية.
4-        إن التشرذم الذي سببته السعودية للسنة في لبنان بممارساتها الصبيانية له آثار سلبية على الساحة اللبنانية. ما من أحد بإمكانه أن يتحدث عن حرب أهلية، ولكن ليس مستحيلاً أن يتمكن الصائدون بالماء العكر من تعكير الأمن نسبياً، وهذا ما سيُعتبر نقطة لصالح الطرف الذي يريد إعاقة حركة حزب الله...
خلاصة
   ليس للتهديدات التي أطلقتها السعودية بحق لبنان وحزب الله أية مفاعيل حقيقية. فالمجتمع السعودي في حالة تشتت وضياع بسبب سياسة ولي العهد الذي أعلن الحرب على اليمن على أساس أنها نزهة ولم يتمكن حتى الآن من تحقيق أي تقدم.
أما عن سيطرته على القوى المسلحة، فهي ليست أكيدة. فسلمان لم يكن المؤسس للجيش السعودي إنما سلطان هو من أسس الجيش الذي تسلمه سلمان منذ عدة سنوات فقط. أما الحرس الوطني وهو جيش أيضاً كان بعهدة عبد الله ثم تسلمه متعب الذي يقبع في السجن حالياً. وهذه التشكيلة العشائرية غير مأمونة من قبل ابن سلمان. والأمر نفسه ينطبق على قوات وزارة الداخلية التي كانت بعهدة نايف ومن بعده ابنه محمد. فكيف يخوض حرباً من لا يأمن جانب قواته؟
نعود إلى سنة لبنان الذين يتميزون بعدم اللحمة الداخلية الصلبة بسبب عدم شعورهم بأنهم أقلية. وليس لهم حماية خارجية. فمصر لا يمكنها حماية نفسها والسعودية تتصرف تصرف الذين لا يملكون تجربة سياسية.
من هنا، نرى بأن الإستقرار في لبنان يستوجب الإتفاق بين القوى السياسية الفاعلة على كيفية إدارة الحياة السياسية في البلد حتى إيجاد الحلول في الإقليم وسورية على الأخص.
خلاف ذلك سيخلق عدم استقرار يُفقد جميع الأطراف فعاليتها الداخلية منها والخارجية.
                            17 تشرين الثاني 2017



الجمعة، 3 نوفمبر 2017

عن الثورة الدولة


حسن ملاط
هناك وحدة تناقضية بين الثورة والدولة! لقد بينت التجارب أن الدولة تصادر الثورة مع الإستمرار برفع شعاراتها.
1-        التجربة السوفياتية أظهرت أنه بعد موت لينين وتسلم ستالين مقاليد الحكم، باشر في بناء أجهزة الدولة متجاهلاً كل ما تفرضه الأفكار الثورية التي قامت الثورة على أساسها. واستمر النهج الستاليني إلى أن تفكك الإتحاد السوفياتي من دون حرب لا داخلية ولا خارجية.
2-        في الصين، بدأت الثورة بالإنهيار حتى ما قبل موت ماو تسي تونغ. حيث اضطر ماو إلى ما أسماه الثورة الثقافية بقصد تجديد الثورة التي لم تصل إلى النتائج التي توخاها ماو. وما أن مات حتى قامت الأجهزة البيروقراطية للدولة والحزب بطرد جماعة ماو (عصابة الأربعة)، واستحدثت نظاماً يقوم على الشراكة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام وتحولت قيادات الحزب الشيوعي إلى أصحاب ملايين. ولا زال جزء لا بأس به من الشعب الصيني يعاني الجوع والبطالة باعتراف الأجهزة الرسمية.
3-        في إيران، حافظت الثورة على تألقها حتى إبان الحرب الخليجية بقيادة العراق وبإيحاء من أمريكا عليها، لأن الأولوية كانت للتربية الثورية التي حرص عليها الإمام الخميني وكذلك الحرص على شعارات الثورة الأساسية بوحدة المسلمين وبأن الكيان الصهيوني غدة سرطانية يجب إزالته.
بعد موت الإمام تقدمت أجهزة الدولة على الطروحات الثورية. فشعار الغدة السرطانية أصبح ضرورة إيجاد حل عادل بين الشعب الفلسطيني ودولة الإحتلال.
إبان الحرب التي شنها حافظ الأسد على "حماة"، كان الإمام الخميني ضد الأسد بالرغم من أنه نصح بعدم القيام بالإنتفاضة ضد النظام لأن الوقت غير مناسب. وكان يعتبر أن البعث السوري والبعث العراقي لا يختلفان، لذلك لم يستقبل يوماً حافظ الأسد بالرغم من تأييد الأخير لإيران ضد العراق.
الدولة في إيران حالياً قدمت الغالي والرخيص لدعم الحكم الظالم في سورية. فهي لم تنظر لمصلحة ما يسمى وحدة المسلمين إنما نظرت إلى مصالحها كنظام يملك أوراق ضغط لتحسين شروطه في المفاوضات مع أمريكا التي تكون حيناً شيطاناً أكبر وحيناً آخر يصغر.
في إيران أيضاً تقدمت الدولة على الثورة وإرث الإمام الخميني الثوري أصبح حبيس الكتب والمجلات، أو للتعويذات في أحسن الحالات. ولا ضررة للتحدث عن الوحدة الإسلامية ومآلاتها بعد غياب الإمام.
وهكذا نرى أن الثورات تنتهي لصالح أجهزة الدولة. أهم الأسباب هي مصادرة حرية الشعب ومنعه من حماية الثورة، ولكن تحت شعار حماية الثورة. يقتلون الشعب للحفاظ على مصالحه! لا تتعجبوا، هذه هي الشعارات.
على كل حال، لا يظنن أحد أن هذا تحريض على إيران. في هذا الإقليم، نحن، كشعوب، بحاجة للتضامن فيما بيننا لنفرض على أنظمتنا في تركيا وإيران والدول العربية التخطيط الإقتصادي والتعليمي والسياسي المشترك بالرغم من اختلاف أنظمتها. وعلينا أن لا نسمح لهذه الأنظمة تحريض الشعوب على التقاتل فيما بينها لأسباب قومية أو دينية أو سياسية كما تفعل السعودية وإيران! نحن بحاجة للتضامن فيما بيننا للتحرر من الهيمنة الأمريكية وللتحرر مما تجرنا الأنظمة إليه من التقاتل الداخلي حتى تستمر بمصادرة حرياتنا واستغلالنا.

                     3 تشرين الثاني 2017