بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 15 مارس 2016

القرار الروسي المفاجىء

                     
حسن ملاط
بعد اجتماعه مع وزير حربه ووزير خارجيته، أعلن الرئيس الروسي بوتين عن سحب قواته الرئيسية من سورية. وأوعز لوزير الدفاع، سيرغي شويغو، بتنفيذ القرار بدءا من يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار. أما مبرر هذا القرار، فقد اعتبر بوتين أن "المهمات التي كُلفت بها القوات الروسية في سوريا قد تم انجازها". وأعرب بوتين عن أمله بأن بدء سحب القوات الروسية من سوريا سيشكل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف. كما كلف بوتين وزير الخارجية، لافروف، "بتعزيز المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية".
وقد أعلم الرئيس بوتين الرئيس الأسد بالقرار الصادر عن هذا الإجتماع. كما وأجرى اتصالاً بالرئيس الأمريكي أوباما وأعلمه بقرار سحب القوات.
وتزامناً مع هذا القرار أعلن وزير الدفاع أن القوات الروسية في سورية قتلت 17 قائداً من المتمردين الروس و2000 من العناصر المتواجدة في سوريا.
أما عن ردود الفعل على هذا القرار، فقد قال البيت الأبيض في بيان إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحدث هاتفياً يوم الاثنين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأزمة في سوريا وإعلان بوتين عن سحب جزئي للقوات الروسية.
أما وزير الخارجية الإيراني فقد قال أن "حقيقة أن روسيا أعلنت بدء سحب جزء من قواتها يشير إلى أنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار". وتابع "هذا في حد ذاته يجب أن يكون إشارة إيجابية. الآن علينا أن ننتظر ونرى".
وقال شتاينماير، وزير الخارجية الألماني:" إذا تم تحقيق الإعلان عن سحب القوات الروسية، فسيمارس ذلك ضغطا على نظام الرئيس الأسد ليقدم، في نهاية المطاف، على المشاركة بكامل جديته في مفاوضات جنيف حول الانتقال السياسي الذي سيضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع أطياف المجتمع السوري".
أما وكالة سانا الرسمية السورية فقد قالت: أكدت رئاسة الجمهورية العربية السورية أن سورية وروسيا ما زالتا كما كانتا دائما ملتزمتين بشكل مشترك بمكافحة الإرهاب أينما كان في سورية.
وأشار ماخوس، عضو الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض،  إلى أن قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسحب قوات روسيا الرئيسة من سوريا، والذي وصفه ماخوس بالصاعقة، سوف يقلب في حال تطبيقه عملية تسوية الأزمة السورية وسيعطي فرصة أمام الحل السياسي، معتبرا في الوقت نفسه أن هذه الخطوة ستؤدي إلى سقوط النظام السوري في القريب العاجل
من جانبه، أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، أن المعارضة السورية ترغب في أن يكون الروس أصدقاء لها في سوريا.
وقال المسلط تعليقاً على قرار الرئيس الروسي بسحب القوات الروسية الرئيسية من سورية، إن هذه الخطوة ستنعكس إيجاباً على المحادثات الجارية في جنيف، حول تسوية الأزمة السورية، معرباً عن أمله في تطبيق القرار عما قريب.
هذا في الوقائع، ولكن ماذا عن أسباب هذا القرار؟
كان هذا القرار حاجة روسية داخلية، مع أنه جاء في ظرف غير مناسب.
1-    إنفاق عدة عشرات من مليارات الدولارات على الألعاب الأولمبية في سوشي.
2-    العدوان على أوكرانيا، والذي لا يزال مستمراً، وضم شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية، الذي كلف الميزانية الروسية الكثير من الأموال لإدخال اقتصاد القرم في الإقتصاد الروسي.
3-    إنخفاض سعر النفط من أكثر من مئة دولاراً إلى أقل من ثلاثين دولاراً، وكذلك سعر الغاز. والإقتصاد الروسي يقوم في الأساس على بيع النفط والغاز والسلاح.
4-    المقاطعة الإقتصادية من قبل الإتحاد الأوروبي وأمريكا والذي أدى إلى هروب ما بين 100 و200 مليار دولاراً.
5-    إعلان رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف، أن الإنفاق على القوات الروسية في سوريا تؤمنه الميزانية الروسية للدفاع، وأن بإمكانها الإنفاق لمدة أربعة أشهر. والعدوان مستمر منذ أكثر من خمسة أشهر. إضافة إلى ذلك، فقد عُقد مؤتمر اقتصادي في سوشي، أعلن خلاله ميدفيديف أن الإقتصاد الروسي لا يمكن أن يستمر في الوتيرة الحالية، ولا بد من بناء اقتصاد إنتاجي (وليس ريعياً).
هذه العوامل جميعها حتمت على الرئيس الروسي أن يحول المعركة في اوكرانيا وفي سوريا على أنها معركة الكرامة الروسية لإيقاظ الروح الشوفينية عند الشعب الروسي من أجل نسيان مشاكله الإقتصادية. ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية. فقد رأى الرئيس الروسي أن هذا الظرف مناسب لسحب القوات، خاصة بعد وقف النار الذي صمد وجاء نتيجة توافق أمريكي- روسي.
وما يجعلنا نؤكد على أولوية العامل الداخلي في قرار سحب القوات الرئيسية، هوإعلان الرئيس الروسي أن القوات قد أنهت معظم مهامها، وأنها تحتفظ بقاعدتيها الرئسيتين في حميميم وطرطوس. وتلاه إعلان وزير الدفاع عن قتل الإرهابيين الروس، حيث أن مبرر بعث القوات إلى سوريا كان الدفاع عن روسيا.
وأهم من كل ذلك ارتفاع سعر الروبل مقابل الدولار فور إعلان قرار الإنسحاب. وإذا علمنا أن سعر الفائدة الروسية هو حوالي 17% نعلم بأن هذه الفائدة لا تسمح بقيام استثمارات إنتاجية. هذه الفائدة تقابلها الفائدة الأمريكية والتي تبلغ بعد رفعها حوالي الربع بالمئة، بعد أن كانت صفراً.
لماذا لم يُبلغ الرئيس الروسي إيران بسحب قواته؟
الإعلان الروسي حدد أن من أبلغهم الرئيس الروسي بالقرار هما الرئيس السوري والرئيس الأمريكي فقط، هذا مع العلم أن إيران هي شريك أساسي للروسي في عدوانه على سوريا.
عندما بدأ العدوان الروسي على سوريا وبتنسيق مع الإدارة الأمريكية، أعلنت هذه الأخيرة أنها تحترم المصالح الروسية في سوريا. ألا يعني عدم إبلاغ الروسي قرار الإنسحاب إلى الإيراني بأن روسيا لا تعترف بمصالح إيرانية في سوريا؟ أضف إلى ذلك، أن هذا يعني أنها لا تعترف بشراكتها مع أنها شريكتها فعلياً؟
ولماذا جاء الإنسحاب بعد أن أعلن وزير الخارجية الروسي عن إدخال قوات تركية إلى الأراضي السورية. هل هذا يستدعي الإنسحاب أم المجابهة؟ هل هو محاولة توريط لإيران بقتال مع القوات التركية في سورية بعد زيارة أوغلو الناجحة لإيران؟
هل انتصرت روسيا في سورية؟
من المؤكد أنها لم تُهزم. والإعلان من موسكو عن أن الطائرة السورية التي اُسقطت في حماه كان بصاروخ أرض-جو محمولاً على الكتف، لا يعني أن موسكو خائفة من تكرار التجربة الأفغانية، لأن ما من أحد قد أطلق صاروخاً على طائرة روسية معتدية. ولكن تقييم الإنتصار الروسي مرتبط بالأمور التالية:
1-    إعلان الغرب رفع العقوبات الإقتصادية عن روسيا.
2-    إعلان الإدارة الأميركية الإستمرار بانتقال أولويتها إلى المحيط الهادىء، وهذا يعني القبول بتسليم ملف الكيان الصهيوني وسوريا إلى روسيا.
3-    إعلان الصين عن استثمارات بحوالي 1،8مليار دولاراً في الشرق السيبيري الروسي لا يطمئن روسيا كثيراً، خاصة وأن الإستراتيجيين الروس يقولون أن المجال الوحيد للتوسع الصيني لا يمكن أن يكون إلا في الشرق الروسي.
4-    من الممكن أن الشراكة مع الأميركان تستدعي موقفاً من موسكو من قضايا بحر الصين الجنوبي، وهذا يؤثر سلباً على الإستثمار الصيني في الغاز الروسي....
في الخلاصة، نقول بأن النتائج غير واضحة حتى اللحظة، ولكن هذا الإعلان يتضمن ضغطاً على جميع الأطراف، وخاصة على النظام من أجل إنجاح المحادثات الجارية في فيينا.
ولكن ما يجب مراقبته هو إن كانت ستؤدي إلى تغييرات على صعيد السلطة السياسية في روسيا نفسها؟
                                                                                  15 آذار 2016



السبت، 5 مارس 2016

قراءة في القرار الخليجي

                       قراءة في القرار الخليجي
حسن ملاط
مقدمة
في ظل التوتير المتصاعد للخلافات المذهبية بين السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها، من جهة ثانية، قررت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعتبار ميليشيات حزب الله (من الحلف الإيراني)، بقادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة ارهابية.
كما وأعلن وزراء الداخلية العرب جماعة حزب الله اللبنانية جماعة إرهابية واتهموها بزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية بينما تحفظ العراق والجزائرعلى ذلك.
أما ردود الفعل من أبرز المعنيين بهذين القرارين، فكانت على الشكل التالي:
1-   تحفظ وزير الداخلية نهاد المشنوق على فقرة تضمنها "إعلان تونس" الصادر عن وزراء الداخلية العرب وصفت "حزب الله" بأنه "إرهابي"، وذلك "صوناً لما تبقى من مؤسسات دستورية في البلد". (وليس لقناعته بعدم الصوابية).
2-   وصفت "كتلة الوفاء للمقاومة"، المعنية الأولى، القرار الصادر عن "مجلس التعاون الخليجي" الذي يصنف "ميليشيات حزب الله إرهابية" بـ"القرار الطائش والعدواني المُدان"، مُحمّلة "النظام السعودي مسؤولية صدوره وتبعاته، وهو يتلاقى في شكله ومضمونه مع توصيف العدو الاسرائيلي للحزب". ونددت الكتلة بـ"بيان مجلس وزراء الداخلية العرب حول وصف حزب الله بأنه إرهابي".
3-    الرئيس الحريري (غريم حزب الله المذهبي والسياسي)، قال إنه يريد الإبقاء على الحوار مع حزب الله. غير أنه عبر مجددا عن اعتقاده بأن مقاتلي الحزب في سوريا "ميليشيات إجرامية وغير قانونية". وقال إنها "متورطة في أعمال إرهابية في اليمن وسوريا".
الملاحظ أن هذه الردود الأفعال تعبر عن "إنعكاس شرطي"، أو كما عبر عنه العالم الروسي أو السوفياتي الشهير "Ivan PAVLOV" الحائز على جائزة نوبل للفيزيولوجيا، ب"réflexe pavlovien ou conditionné، لما قام به الإتحاد الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب، أكثر منه "فعلاً سياسياً"، (acte politique). فجماعة "المستقبل" تؤيد أوتوماتيكياً ما يقرره المجلس الخليجي، في نفس الوقت الذي يعارضه "حزب الله".
إذا وضعنا هذه القرارات في إطارها الصحيح، نرى بأنه يمكن أن تحمل مدلولات خطيرة جداً تتطلب النظر إليها ببصيرة، وتتطلب بالتالي الرد عليها بإجراءات تنسجم مع دلالاتها ومع خطورة المرحلة.
المشهد الدولي
بعد الإنتصار على الإحتلال السوفياتي لأفغانستان، والذي شاركت فيه "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن، انقلبت هذه الأخيرة على تبعيتها لأمريكا، واعتبرت أنه يجب محاربة أمريكا في أي مكان في العالم. وفي أيلول 2011 اتُهمت القاعدة بتفجيرات أمريكا، وأهمها برجي نيويورك، وكانت نتيجة هذا العمل إعلان الإدارة الأمريكية حرباً لا هوادة فيها على المنظمات الجهادية الإسلامية. وكان فاتحتها إحتلال أفغانستان وإسقاط حكومة "طالبان" وتنصيب حكم عميل للإدارة الأمريكية. كما وأن هذه الأخيرة قد لاحقت العناصر الجهادية في الصومال والعراق وسوريا وخاصة في اليمن.
بعد احتلال العراق، ومساعدة الميليشيات العراقية التي تأسست في إيران للغزو الأمريكي، أخذ الجهاد الإسلامي طابعاً آخر، وذلك بمهاجمته للتجمعات الشيعية بحجة مساعدتها للإحتلال، بالإضافة إلى قتال قوات الغزو الأمريكي والبريطاني.
شاركت الكثير من الدول بإثارة النعرات المذهبية من أجل مصالحها، وكان بمقدمة هؤلاء السعودية وإيران وقطر.
تزامن ما اصطُلح على تسميته ب"الربيع العربي"، مع المفاوضات الإيرانية مع الدول الكبرى "5+ألمانيا" من أجل إيجاد الحلول للملف النووي الإيراني. هذه المفاوضات التي اضطُرت لها إيران بسبب العقوبات التي أثرت سلباً على معيشة كافة الشعب الإيراني، وكانت الغاية الإيرانية الأولى هو رفع هذه العقوبات وتنشيط الإقتصاد الإيراني المنهار.
نجحت هذه المفاوضات بعد أن مارست أمريكا وإيران شراكة في الملف العراقي وتغيير الأولويات الإيرانية بما يتوافق مع الإستراتيجية الأمريكية في منطقتنا. فقد أعلن المرشد الإيراني في أيار 2013 أن العدو الأول لإيران هم التكفيريون. وأن هؤلاء من يجب محاربتهم. و"هؤلاء" هم من أعلنت الحرب عليهم الإدارة الأمريكية منذ زمن بعيد. أما شعارات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" فقد أصبحت للإستهلاك فقط.
أثبتت إيران مصداقيتها مع الولايات المتحدة في العراق وفي سوريا، ووصلت مفاوضات الملف النووي إلى نهايته السعيدة برفع العقوبات الدولية عن إيران.
المشهد الإقليمي
أدت الحروب الأهلية القائمة في سورية والعراق واليمن إلى تدخل معظم دول الإقليم بالإضافة إلى المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وأخيراً روسيا التي باشرت حربها في 30 من أيلول الماضي.
حالياً، هناك اتفاق بين روسيا والإدارة الأمريكية على وقف العمليات القتالية في سوريا وبدء مفاوضات في التاسع من الشهر الحالي بين بعض الأطراف السورية المتقاتلة وبإشراف دولي.
الوقائع الحاكمة للمشهد العام
الإدارة الأميركية تريد مقاتلة "داعش" و"النصرة" وجميع المتطرفين من دون تحديد هوية هؤلاء. المنظمات المصنفة إرهابية أمريكياً هي "الدولة الإسلامية"، "النصرة" و"حزب الله". ولكنها تتعامل مع كل طرف تبعاً لما تراه مفيداً بالنسبة لسياستها. فهي تغض الطرف عن قتال "حزب الله" في سوريا، ولكنها تحاصره مالياً من أجل عدم السماح له بترجمة أو تفعيل وتشريع دوره لبنانياً نتيجة توسع دوره الإقليمي. ويكون بالتالي محاصراً سياسياً. ولا تمانع بإنهاء دوره العسكري لأنه انتصر على العدو الصهيوني في حربين متتاليتين.
روسيا تتحالف مع إيران وحزب الله في سوريا، في نفس الوقت التي تؤمن للعدو الصهيوني الأجواء المثالية للإعتداء على حزب الله وحلفائه. أو بصيغة أخرى، إن تحالف روسيا مع هذه الأطراف مرتبط بالضمانات المقدمة من الطرف الروسي للكيان الصهيوني بعدم "إعتداء" إيران أو حزب الله على هذا الكيان. وهذا هي الترجمة العملية لتغيير استراتيجية إيران من العداء لأمريكا والكيان الصهيوني إلى العداء لل"تكفيريين". وفي خطابه الأخير قال سماحة الأمين العام أن "مظلومية" الشعب اليمني هي أكبر من مظلومية الشعب الفلسطيني. وهذا تفسيره أن التناقض الرئيسي لأمتنا هو مع السعودية وليس مع الكيان الصهيوني. وهذا ما أعلنته إيران منذ أيار 2013.
هذه الإعلانات لا تغير قيد أنملة من عداء الكيان الصهيوني للحزب الذي مرغ أنف الجندي الصهيوني في التراب. ولكن تغيير اتجاه التناقضات يعطي دلالات أخرى.
عندما تكون دول المحور المتحالف مع أمريكا على تفاهم مع الكيان الصهيوني، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. وعندما تكون الدول المتحالفة مع روسيا على تفاهم (عدم اعتداء) مع هذا الكيان بشكل غير مباشر، ألا يعني أن هذا الكيان قد أصبح كياناً طبيعياً في المنطقة؟ أو بصيغة أخرى، ألا يصبح مشروعاً إقامة تفاهمات مشتركة على سياسات تخدم الأطراف المتحالفة في المنطقة؟ وهل هناك إعطاء شرعية أكبر من خوض معركة مشتركة من أجل القضاء على عدو مشترك؟
"حزب الله" أعلن الحرب على السعودية، والسعودية بدورها أعلنت حربها على الحزب من ضمن تحالف واسع. والكيان الصهيوني عدو تاريخي للحزب. أليس هذا هو التوقيت المثالي لإعلان حرب تصفية لحزب الله تقوم بها القوات الصهيونية بتغطية عربية وأمريكية (الأطراف التي تعتبر حزب الله منظمة إرهابية) وأوروبية، والتي تعتبر الجناح العسكري للحزب إرهابياً؟ حرب تقوم على البيئة الحاضنة للحزب، وتمنع مقاتلي الحزب المنتشرين في سوريا والعراق واليمن من العودة إلى ربوع الوطن.
هذا الكلام ينسجم مع ما تقوم به الدول الكبرى من إعادة تنظيم المنطقة تبعاً لمبدأ كيري-لافروف، بدلاً من سايكس-بيكو، وذلك بجعل لبنان بجيش شرعي واحد وليس بجيشين، تبعاً للتوصيف الجديد من الكيان الصهيوني لحزب الله.
إن التغطية السياسية التي يؤمنها القرار الخليجي والقرار العربي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية يسمح لنا بالتفكير بهذا المنحى. أضف إلى أن عدواناً على لبنان بحجة القضاء على منظمة إرهابية من دون تجريم بيئتها الحاضنة يمكن أن يؤمن تغطية دولية لهذا العدوان. هذا ما توحي به ملاحظة النائب ياسين جابر: "الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن برئاسته، في النصف الثاني من شباط المنصرم، لمس تقبلاً أميركياً للأمر الواقع المتمثل بانخراط "حزب الله" في المعركة ضد التنظيمات الإرهابية على أرض ســوريا." أي على أرض سوريا، الحزب معاد للإرهاب ولكنه إرهابي على أرض لبنان. لذلك لا تناقض أمريكياً من الحرب على الحزب في لبنان وإعطاء الحرية له في سورية.
الوقائع توحي بأن شعار المرحلة القادمة هو تحويل حزب الله إلى حزب مدني من غير سلاح، يمارس السياسة في لبنان بالطريقة التقليدية التي تعودتها الطبقة السياسية اللبنانية.
                                                                  5 آذار 2016



الثلاثاء، 1 مارس 2016

لبنان والسعودية؟

                                             لبنان والسعودية؟
حسن ملاط
هي المرة الأولى التي تمر فيها العلاقات اللبنانية- السعودية بهذا التأزم الناتج عن تراكمات بسبب الحرب في سوريا التي يشارك فيها حزب الله في المعسكر المعادي للسعودية والموالي لإيران.
وللضغط على الحكومة اللبنانية، أقدمت الحكومة السعودية على تجميد الهبة المخصصة لمساعدة القوى العسكرية والأمنية ومقدارها 4 مليار دولار. ومن الجدير ذكره أن السعودية سبق وقدمت للبنان هبات ومنح مالية قدرها 70 مليار دولاراً على مدى ربع قرن من الزمان (معلومات عن موقع روسيا اليوم). وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ كمية الدين والتي تزيد على 74 ملياراً من الدولارات، تكون المنهوبات من كل فرد لبناني هي ما يزيد على 37 ألف دولاراً، عليه تسديد نصفها كدين عليه لم يتصرف به.
هذه المليارات لم تغير شيئاً في أحوال المواطن اللبناني. فالآلاف من أصحاب الإختصاص بلا عمل، ونسبة كبيرة من السكان تحت خط الفقر (طرابلس هي المدينة الأفقر على حوض البحر المتوسط)، ولا بنى تحتية ولا كهرباء رغم المليارات التي أنفقت وما زالت تنفق عليها...
إن تأزم العلاقات مع السعودية يمكن أن يتضرر منه السياسيون الذين يستفيدون من الإنفاق السعودي في لبنان وليس المواطن العادي. أما بالنسبة للعاملين في الخليج، فهؤلاء يعملون لأن من يستخدمهم بحاجة إليهم.
ما سبب تأزم العلاقات؟
هناك أسباب عديدة تراكمت حتى أدت إلى هذا التطور الذي كان متوقعاً.
1-   تحسن العلاقات الأمريكية-الإيرانية الذي أدى إلى احترام المصالح الإقليمية الإيرانية من قبل الإدارة الأمريكية، والتي تراها السعودية متناقضة مع مصالحها في ظل التنافس القائم بين الدولتين الإقليميتين.
2-   عدم تمكن السلطة السعودية من تحقيق أهدافها في الساحة اليمنية الهامة جداً بالنسبة لها، بالإضافة إلى خذلانها من الباكستان ومصر.
3-   اتجهت السعودية إلى الساحة السورية للتعويض عن التعثر في اليمن، وذلك بالتحالف مع تركيا. ولكن أمريكا لم تتجاوب مع الثنائي التركي-السعودي.
4-   ترابط الساحة السورية مع الساحة اللبنانية جعل السعودية تربط بين تقدم النظام المدعوم من حزب الله وإيران وبين تراجع حظوظها بالموازنة بين تراجعها في الساحة اليمنية وإمكانية تعويضها في الساحة السورية من أجل المقايضات المستقبلية، عند البحث بترتيب الأوضاع في كافة ساحات الإقليم.
5-   عودة الرئيس الحريري إلى بيروت والتي كانت منسقة مع حزب الله، الذي فتح النار الإعلامية على السعودية منذ فترة، من قبل أمينه العام. فقد ارتفعت وتيرة التصعيد المذهبي كثيراً في الساحة اللبنانية التي أصبحت بحاجة إلى من يضبطها. ولا إمكانية لضبطها إلا من قبل الحريري وحزب الله. لذلك كان استدعاؤه، هذا أولاً. وثانياً، المصالح السياسية للرئيس الحريري والتي تتطلب تفاهماً مع حزب الله من دون المرجعية الإقليمية (السعودية)، التي خسرت الكثير من تأثيرها في الساحة اللبنانية. توجهات متناقضة للطرفين الداخلين يفرض عليهما تنسيقاً على أعلى المستويات.
6-   تصعيد الحريري ضد الحزب مضبوط من قبل الحريري نفسه. فهو يصعد كلامياً من دون السماح للقيام بأي إجراء يمكن أن يفسر كتوتير للأوضاع الأمنية القائمة. والتوتير الإعلامي مطلوب من أجل الإستثمار في الساحات المتناقضة، وهذا التناغم مطلوب ومضبوط من قبل الطرفين.
7-   الموقف العملي الذي أخذه وزير العدل أدى إلى قطيعة مع الحريري. وعندما هدد الوزير المشنوق بوقف الحوار مع الحزب، تراجع عنه الوزير في اليوم نفسه، بعد اتصال من الحريري.
8-   ما تقدم جعل السعودية تشعر أنه لا يمكنها أن توجه الساحة اللبنانية بشكل يخدم سياستها الإقليمية. فأقرب المقربين لها يلعب لعبته الخاصة بالإستقلال عنها بسبب ضعف تأثيرها في هذه الساحة. لذلك رأت ضرورة مراجعة حساباتها.
ما هي المآلات المتوقعة لهذا التصعيد السعودي؟
هناك احتمالات متناقضة، فإذا تركت السعودية الساحة اللبنانية، سيسمح هذا للحزب أن يزيد من فعاليته في الساحة السورية مما يؤثر سلباً على حلفاء السعودية في سوريا.
أما إذا اتجهت للمواجهة العنيفة في الساحة اللبنانية، فهذا الخيار غير ممكن بسبب عدم امكانيتها على بناء جيش يوازي معشار قوة الحزب العسكرية مضافاً إلى تجارب ميدانية تزيد على ثلاثة عقود.
أما خيار التوتير الأمني، وهو الأسهل، فقد يكون من الصعوبة بمكان استثماره سياسياً، لأنه يتوسل خراب البلد.
حزب الله لا ينوي تخفيف التوتر مع السعودية، بل هو في طريق تصعيده، حيث أن الأمين العام اعتبر مظلومية الشعب اليمني أكبر من مظلومية الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن قتال السعودية أصبح أولوية بالنسبة للحزب أكثر من قتال العدو الصهيوني. ولكنه لا يزال عند اقتراحه بالتقاتل مع أعدائه خارج الساحة اللبنانية، وهو اقتراح وجيه، فهل تقبل السعودية بمساعدة حلفائها على التنافس السلمي مع الحزب في لبنان ومحاربته خارج البلد، في الساحة التي تختارها: سورية، العراق أو اليمن؟
نقطة الضعف الوحيدة عند الحزب، هي أنه لا يمكنه الإستئثار بالسلطة السياسية لأن الولايات المتحدة لا تقبل بذلك. والنتيجة ستكون الإنهيار الإقتصادي. هو يعلم أنه يمكنه السيطرة العسكرية على البلاد ولكن ليس السيطرة الأمنية. من أجل ذلك، ليس من بديل عن التشارك. وهذا التشارك طرفه الآخر هو الحريري، الذي يعرف بدوره حاجة الحزب له. لذلك عاد متجاوزاً كل المخاوف الأمنية.
من هنا، نرى بأن كل ما يمكن للسعودية أن تفعله، هو العمل على دعم التحالف المنافس للحزب من أجل الضغط السلمي على هذا الأخير للإنسحاب من الساحات الخارجية حفاظاً على قوته في مواجهة العدو الصهيوني.
                                                                  1 آذار 2016
hassanmallat.blogspot.com