الاندماج في المجتمعات الغربية
مقدمة :
مسألة الاندماج في المجتمعات الغربية ، و نعني اندماج المهاجرين من المستعمرات السابقة في دول المركز، هي مسألة مطروحة منذ بدء حركة الهجرة و لما تنته. كما و يمكننا أن نؤكد أن امكانية حلها صعب جدا. و أهم الأسباب هو أن المجتمعات الغربية لا تريد تقبل اندماج هؤلاء. و قد تحدث الكثير في هذا الموضوع و تمت دراسته من وجهات متعددة ، و رغم ذلك لم نتقدم الى الأمام.
أما الاندماج فهو : سعي المهاجر إلى التأقلم مع المجتمع، الذي يحيا فيه، وذلك دون أن يفقد هويته الخاصة.
رؤى حول المشكلة:
المعلق السياسي بيتر فيليب يرى "بأنه يجب تقليل الخطر (خطر المهاجرين ح.م) بأن تعطى كل الأقليات بما فيها الأقلية المسلمة الشعور بأنها تنتمي إلى المجتمع وبذا تتم مساعده هذه الأقليات وتتم مساعدة المجتمع كافة أيضا". و هذا السياق يدلل بأن السيد فيليب يرى بأن المجتمعات الغربية هي التي تتحمل وزر عدم الاندماج و ليس المهاجرين انفسهم. و هل يمكن أن يتحمل المهاجرون مسؤولية عدم اندماجهم؟ نعم فاليهود هم الذين لا يريدون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، علما ان هذه المجتمعات لا نقول أنها تتقبل اندماجهم بل يمكننا القول بأنها تريد اندماجهم . فالمطلعون على الفكر السياسي ، يعلمون أن الكثير من المفكرين السياسيين قد تحدثوا عن عنوان هو "المسألة اليهودية"، و طبعا المسألة اليهودية في المجتمعات الغربية (أوروبا الشرقية و الغربية). و منهم على سبيل المثال لا الحصر :" قبل ظهور الفكر الصهيوني الذي تمثل في تأسيس الحركة الصهيوينة، كانت هناك كتابات وضعت حلولاً للمشكلة، فمن الكتاب الذين كتبوا حول المسألة اليهودية: كارل ماركس، جان بول سارتر، سيجموند فرويد، مارتن بوبر، ويل ديورانت، تشمبر لين، فيودور دوستويفسكي، فمنهم من رأى الحل في تخلي اليهودي عن ديانته واعتناق المسيحية وأديان الشعوب التي يحيون بينها، وآخرون رأوا أن الاندماج في المجتمعات القائمة هو الحل، وغيرهم رأوا أن المشكلة لها جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية وطبقية". (المسـألة اليهودية والحل الصهيوني : ناهض زقوت).
و المسألة المطروحة كانت : عدم تقبل اليهود الاندماج في هذه المجتمعات!!
نابليون بونابارت حاول حل هذه المسألة (المسألة اليهودية) بأن توصل الى عقد مع اليهود في سنة 1807 اذ جمع في بلدية باريس المؤسسة الدينية ليهود فرنسا السانهدرين Sanhedrin لتحويل يهود فرنسا إلى "مواطنين صالحين"، وذلك عبر تكييف أحكام الشريعة اليهودية مع القيم الفرنسية العلمانية، ليصبح اليهود جزءًا من الأمة الفرنسية بعد أن كانوا في العهد البائد مجموعة دينية منطوية على نفسها. ردّ السانهدرين بالإيجاب على مطلب نابليون وقامت سنة 1808 مؤسسة الكونسيستوار (الجالية في consistoire) وأعلنت أنّ المظاهر السياسية للتوراة لم تعد صالحة (valides)، لأنّ اليهود لم يعودوا يشكلون أمة (nation). لذلك تمّ التخلّي عن كل شكل من الاستقلال الشرعي اليهودي.(العفيف الأخضر).
و من الجدير ذكره أن ماركس و الآخرين قد أصدروا كتبهم عن "المسألة اليهودية" بعد هذا التاريخ بكثير و هذا دليل أن هذا الاتفاق لم يدفع اليهود الى القبول بالاندماج في المجتمع الفرنسي.
و لكن بعد تأسيس دولة اسرائيل على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي طرد من أرضه بفضل الديموقراطية الغربية ( التي تساعد اللبنانيين على الخروج من أزمتهم في هذه الأيام !!) ، و بعد أن تبين لليهود أن تأسيس دولة اسرائيل لم يكن الترياق الذي يوصل الى السعادة ، أعادوا النظر في مسألة اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . فمنهم الآن من يعيش في هذه المجتمعات كمواطن عادي لأنه تقبل العيش في هذا المجتمع( ليس كما المواطن العربي أو المسلم أو الأفريقي يمنع من الاندماج في هذه المجتمعات).
في حوار مع القسم العربي بموقع دويتشه فيلّه أكد الدكتور ديتر جراومان، عضو رئاسة المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، على أهمية تأقلم المهاجرين المقيمين في ألمانيا مع المجتمع، لكن دون فقدان هويتهم الخاصة. "لا أحد من المهاجرين سيصبح مواطناً ألمانياً بصورة أفضل عندما ينسى هويته اليهودية. ولا غرو أن الإقرار بالهوية الخاصة والحفاظ عليها لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع كون المرء مواطناً ألمانياً مقدراً لواجباته. هذا الأمر لا ينطبق على المهاجرين اليهود فحسب، وإنما ينطبق على كافة المهاجرين المقيمين في ألمانيا (هذا ليس صحيحا. ح.م).الدين بحد ذاته لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني (على أن لا يكون الاسلام ح.م) ، كما أنه لا يساعد على الاندماج.لا أريد أن ألقن أحداً درساً ولكن اليهود في ألمانيا لديهم تجربة على هذا الصعيد تتلخص في أنه من المفيد ألا نشتت قوانا وأن نوحد صفوفنا. من يوحد صوته وقواه يؤخذ مأخذ الجد ويحظى بثقل سياسي،( و هذا ما يسمى اللوبي الصهيوني. ح.م) على عكس ما هو عليه الحال عندما تقوم عدة منظمات متفرقة بتمثيل مجموعة واحدة من المهاجرين. المحافظة على وحدة الموقف السياسي لا تعدو أمراً سهلاً بالنسبة لنا دائماً، لذالك فإننا نبذل باستمرار قصارى الجهد للحفاظ على وحدة الصف".
هذا من حيث عدم تقبل المهاجر للاندماج، أما القضية التي نناقشها فهي خلاف ذلك : عدم قبول المجتمعات بالوافدين اليهم رغم حاجتهم الماسة لهم.
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد في مدينة سراييفو / البوسنة والهرسك ناقش عملية الاندماج الى جانب مسائل أخرى تهم المهاجرين المسلمين و أهل البلاد من المسلمين الذين يصيبهم بعض شظايا التمييز.
في الفترة من: 28 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق لـ 15-19 أيار (مايو) 2007 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ
ناقش المؤتمر ما يلي:
المحور الأول: الإطار الشرعي للمواطنة والاندماج.
واستعرض فيه البحثان التاليان:
- 1 – الإطار العقدي والمقاصدي للمواطنة والاندماج. للدكتور يوسف القرضاوي.
- 2 – الولاء بين الدين والمواطنة. للشيخ عبدالله بن بية.
وانتهت خلاصة البحثين إلى أن مواطنة المسلمين في المجتمع الأوروبي واندماجَهم فيه أمر مشروع من حيث المبدأ، تسعه مقاصد هذا الدين، إذ هذه المواطنة تمثل جسراً بين العالم الأوروبي والعالم الإسلامي مما يعود على العلاقة بين الطرفين بالخير. ولا يتعارض اندماج المسلمين مع مبدأ الولاء والبراء، فهذا إذا ما أعيد إلى معناه الأصلي الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإنه لا يكون معارِضاً لمواطنة المسلمين وتفاعلهم مع المجتمع الأوروبي.
وقد أكدت المناقشات والتعقيبات على أن اندماج المسلمين ينبغي أن يكون اندماجاً فاعلاً، يقدمون لمجتمعهم الخير المادي والمعنوي، ولكن سُجلت مداخلاتٌ كثيرة تُظهر قصور المسلمين إلى حد الآن في هذا الشأن، وغفلتهم عن هذا الهدف الذي هو أحد المداخل المهمة للاندماج.
المواطنة ومقتضياتها:
تم استعراض ومناقشة عدد من البحوث العلمية في قضية المواطنة، وحيث إن المجلس قد أصدر قراراً سابقاً (قرار 3/16)، فإنه خلص إلى توكيده، مع إضافة ما يلي:
الصواب صحة المواطنة في غير ديار الإسلام سواءٌ للمسلم الأصلي أم المتجنس، وأدلة المانعين إما صحيحة لا تدل على المنع أو أحاديث غير صحيحة لا يعتد بها في الاستدلال الفقهي.
ورأى أن المواطنة لا تخالف الولاء الشرعي، إذ لا يلزم من وجود المسلم في غير ديار الإسلام الالتزام بما يخالف دينه من مقتضيات المواطنة، كالدفاع عنها إذا اعتدي عليها، والأصل أن يكون المسلمون في مقدمة من يدفع الضرر عن بلده (الأصلي أو الذي يعيش فيه ، و هذا ما يقتضيه السياق ح.م)، كما لا يحل له (للمسلم) أن يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على أي بلد آخر سواء كان إسلامياً أم لا.
ومن واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.
قرار 2/17
تحديد مفهوم الاندماج ومقتضياته
مما تحصَّل من الأبحاث والمناقشات التي تناولت موضوعات الدورة، قرر المجلس ما يلي:
إن سياسات "الاندماج" المتبعة في الدول الأوروبية تتراوح بين اتجاهين:
اتجاه يغلّب جانب الانصهار في المجتمع ولو أدّى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة.
واتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية.
ويرى المجلس أن الاتجاه الثاني هو الذي يعبّر عن الاندماج الإيجابي، الذي يجب أن تحدد مقتضياته بوضوح: أن مقتضيات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية مسؤولية مشتركة بين المسلمين أفراداً ومؤسسات من جانب، وبقية المجتمع الأوروبي أفراداً ومؤسسات من جانب آخر. وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي تُطلب من المسلمين، التي لا حرج فيها عليهم، بل إن الإسلام يحث عليها، ما يلي:
أ - ضرورة معرفة لغة المجتمع الأوروبي وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعاً لذلك بالقوانين العامة، في ضوء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1
ب - المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)[الحج: 77].
ج - العمل على الخروج من وضع البطالة؛ ليكون المسلم فاعلاً منتجاً يكفي نفسه وينفع غيره، عملاً بالهدي النبوي الشريف: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" (متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما).
وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي نرجو أن يحققها المجتمع:
أ - العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها حق العمل وضمان تكافؤ الفرص.
ب - مقاومة مظاهر العنصرية والحدّ من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام، وخصوصاً في مجال الإعلام.
ج - تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.
ولتحقيق الاندماج الإيجابي المتوازن:
ـ يدعو المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.
ـ ويدعو المجتمعات الأوروبية، وخصوصاً الهيئات المعنية بقضية الاندماج، إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير السبل المحققة له، بما يفيد المجتمع ويدعم استقراره وازدهاره، وبما يمكّن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوروبية. انتهى.
لا أعلم ان كان من الضروري أن أضيف أن جميع هذه التوجيهات ، بالرغم من أهميتها و وجاهتها ، لم تساعد أهل البلاد على تقبل الوافدين اليهم .
و قد دخل فوكوياما على خط الحديث عن الاندماج و دراسة الظاهرة : "كما عبَّر فوكوياما عن اعتقاده بأن الفرضية التي تقوم عليها الحرب الأمريكية على الإرهاب والتي تسعى لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط للقضاء على الإرهاب هي فرضية خاطئة، حيث رأى فوكوياما أن مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجمات مدريد ولندن هم بالأساس مجموعة من الأفراد الذين عانوا الاغتراب داخل المجتمعات الأوروبية والغربية بسبب صدمتهم مع الحداثة التي تعيشها تلك المجتمعات. لذا أكد فوكوياما في مقاله - المنشور بعد أبريل 2006 من دورية جرنال الديمقراطية - أن الإسراع بعجلة الديمقراطية والحداثة بالمجتمعات المسلمة التقليدية سوف يزيد من شعور الجماعات المسلمة المتشددة بالاغتراب مما قد يدفعها لاتجاه أكثر تشدداً. في المقابل رأى فوكوياما أن الأجدر بالدول الغربية التركيز على دمج الأقليات المسلمة التي تعيش على أراضيها كأسلوب أفضل في مكافحة الإرهاب، كما رأى فوكوياما أن أوروبا هي الموقع الحقيقي للحرب على الإرهاب وليس الشرق الأوسط أو المجتمعات المسلمة التقليدية. ويقول فوكوياما أن النموذج الأمريكي يقوم على ثلاث خصائص أساسية هامة ومفيدة أولها الفصل الكامل للدين عن الدولة وعدم إعطاء أية مزايا سياسية لدين بعينه أو لمجموعة دينية معينة، وهنا يرى فوكوياما أن فصل الدين عن الدولة بالصورة الأمريكية يساوي بين الأديان كما أنه يقضي على مصادر خلافات دينية سياسية عديدة. الدعامة الثانية هي طبيعة الهوية الأمريكية المفتوحة وقوة المشاعر الوطنية الأمريكية، ويقول فوكوياما بأن الأمريكيين يتميزون بالفخر بهويتهم الوطنية وبالاحتفال بها بشكل متكرر في الوقت الذي تعتبر فيه الهوية الأمريكية هوية مفتوحة لا ترتبط بخلفية إثنية أو عرقية معينة فأي مهاجر يمكنه أن يصبح مواطناً أمريكياً، كما أن احتفال الأمريكيين بهويتهم الوطنية يقلل من فرص الجماعات اليمينية المتشددة في مهاجمة الأقليات بحكم أن الحوار حول الهوية الأمريكية حوار مفتوح وثري وقابل للخلاف السياسي بين اليسار واليمين. في المقابل تعاني المجتمعات الأوروبية من أزمة في التعامل مع هوياتها الوطنية فقد أقنعت ويلات الحرب العالمية الثانية تلك المجتمعات بضرورة التخفيف من نعراتها القومية والذوبان في هويات إنسانية عالمية مختلفة، في المقابل أثبت الواقع الراهن - كما يرى فوكوياما - أن المجتمعات الغربية فشلت في إذابة هوياتها الوطنية والتي ما زالت قائمة خاصة مع صعود حركات اليمين الراديكالي وانتشارها في أوروبا. أما الدعامة الإيجابية الثالثة لأسلوب الاندماج الأمريكي - كما يراه ويروج له فوكوياما - فهي الحد من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها الدولة لمواطنيها وللمهاجرين الجدد ضمن ما يُعرف ببرامج الرفاهية، حيث يرى فوكوياما أن تبني الدول الأوروبية لبرامج رفاهية يضعف من قدرتها على دمج الأقليات الجديدة لأن برامج الرفاهية تسمح للمهاجرين الجدد بالحصول على مساعدات من الدولة في حالة البطالة مما يضعف من رغبة هؤلاء المهاجرين في التنافس في سوق العمل القاسي ويدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم مما يجعلهم فريسة لمشاعر الاغتراب عن المجتمعات التي يعيشون فيها. في المقابل يرى فوكوياما أن النظام الرأسمالي الأمريكي والذي تنخفض فيه مساعدات الدولة للمواطنين بشكل كبير خاصة إذا قورن بأوروبا يدفع المهاجرين الجدد إلى الانخراط الدائم في سوق العمل مما يساعدهم على الانخراط في المجتمع كما يساعدهم على الشعور بالعديد من المشاعر الإيجابية بحكم قدرتهم على العمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي، وبذلك يصبح العمل أداة رئيسية في يد بوتقة الصهر الأمريكية، وهي أداة ينصح فوكوياما الأوروبيين بتبنيها". واشنطن - مكتب «الرياض ."
هذا الرأي لفوكوياما يعتبر ايجابيا بالنسبة لاندماج المهاجرين و لا يحمل ضغينة أو تمييزا يؤدي الى استبعادهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . كما و أن توصيفه للمجتمعات الأوروبية فيه الكثير من الواقعية و الصحة.
أما العفيف الأخضر فهو يسير في منحى لم يرتاده غيره . فصاحبنا ملكي أكثر من الملك و هو أيضا مواطن كوني يعيش في "لامجتمع" أعني مجتمع لا يحمل أية صفة من صفات المجتمعات الواقعية الموجودة على الأرض. فلنقرأ هذه المداخلة و لنعجب:
... في الواقع لا توجد إلى اليوم إلا حضارة واحدة عالمية لكن توجد ثقافات عدة لا تستطيع أن تكون مقبولة إلا إذا كيفت تقاليدها البربرية (يقصد الاسلام ح.م) أحياناً مع قيم حقوق الإنسان.
الاتجاه المعادي للاندماج يستمد قوته من أربعة عوامل أساسية:
1- من كون الخطاب الديني أي خطب الجمعة، الوعظ والتعليم الإسلامي الخاص والإعلام... محتكراً من أنصار هذا الاتجاه
2 - العامل الثاني البترودولارات التي تتدفق على أنصار الاتجاه المعادي للاندماج لتكون له صحافة خاصة به، وليترجم كتب القرضاوي ( القرضاوي غير مقبول حاليا ممن يدعون "متشددون". ح.م) إلى اللغات الأوروبية، وليكون دعاة يرسلهم إلى الضواحي وجميع المدن الفرنسية لحشو أمخاخ مسلمي أوربا بدعايته المضادة للاندماج والمحرضة على انتهاك قيم حقوق الإنسان...( مر معنا رأي القرضاوي في الاندماج ح.م)
3- العامل الثالث تنظيم المسلمين في أوربا وخاصة في فرنسا يحابي الاتجاه المضاد لاندماج الإسلام الأوروبي في المجتمعات الأوروبية على حساب الاتجاه المطالب باندماجهم.
4- العامل الرابع فقه الولاء والبراء أي الولاء حصراً للمؤمنين والبراء الكامل من الكفار.( مر معنا أيضا رأي المجمع الفقهي من هذه المسألة ح.م)
صعوبة اندماج المسلمين في المجتمعات غير المسلمة سببه ثقافة الكراهية هذه التي رضعوها في التعليم والإعلام في بلدانهم: من هنا ضرورة وقف تكوين الكادر الديني الإسلامي الأوربي بهذا الفقه الانطوائي (autiste) والعنصري جدير بالأقليات المسلمة الفرنسية تقليد السانهدرين.
لا يمكنني التأكيد أو النفي ان كان هذا اللامنتمي قد أصبح مقبولا من المجتمعات الغربية أم لا؟ علما أن ما يطرحه هذا العفيف الأخضر هو قطعا ما يريده الأوروبيون من المهاجرين المسلمين : قوة عملهم و تنكرهم لقيمهم. و لكنه ليت أنه قرأ رأي الدكتور ديتر جراومان المسؤول اليهودي الألماني بالاندماج.
أما جمال البنا فقد حاول ان يقارب الموضوع و لكن بصيغة مختلفة عن مقاربة العفيف الأخضر. و لكنها مقاربة ، أزعم أنها لا تلبي طموحات الأوروبيين و ممجوجة من أكثرية المسلمين.
"وقضية الهوية من أعقد المشكلات الحضارية التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي المعاصر، نتيجة لأن ثقافته، وأصوله، ومثالياته.. وآماله كلها ترتبط بالماضي المجيد، بينما يثير الحاضر في وجهه مشكلات معقدة كما يعرض رؤى ساحرة لها جاذبيتها، ولكنها لا تتفق – إن لم تكن تتعارض- مع مثله، ومن هنا يأتي التمزق والحيرة ما بين الشرق وماضيه.. وما بين الغرب وحاضره"..
"على أن هذه المشكلة إذا كانت تمثل تحدياً من أكبر التحديات بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فإنها بالنسبة للأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا تمثل أعظم التحديات قاطبة، وفى نظرنا أن المسلكين خاطئان.. فالمسلك الأول يقضى على الشخصية الخاصة للمغترب طالباً أو عاملاً دون أن يكسب – ضرورة – الشخصية الأوروبية الأمريكية – ويغلب دائماً أن يستشعر نوعاً من النقص إزاء المجتمع الجديد الذي لم يبح له بكل أسراره ولم يفتح له كل أبوابه واعتبره رغم استعداده للذوبان دخيلاً. كما أن الرفض والتقوقع لن يمكن صاحبه من أن يفيد مما يقدمه المجتمع من مزايا وفرص وسيعسر عليه أن يحقق تماماً ما جاء من أجله دراسة أو تجارة أو مهنة".
"الموقف السليم، وهو صعب وشائك وحساس، لا يمكن التوصل إليه بالتلقائية أو العشوائية أو الهوى أو حتى الاجتهاد الفردي. فهو مرتبط بعوامل موضوعية قدر ما هو مرتبط بنزعات ذاتية، وهناك عدد من المبادئ والأصول تحكمه وتحدده وتقيمه على أساس "أيدلوجي" أو على الأقل "مبدئي" بعيدا عن الهوى والعواطف"،
أولاً: أن المسلم "النمطي" بريء من عقدة النقص أو نزعة الاستعلاء..
ثانيا- يرتبط بالصفتين السابقتين وينشأ عنهما أن أصبح للإسلام طبيعة موضوعية وليست ذاتية.. بحيث تكون" الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها"،
ثالثاً: إن الإسلام ليس عبادات فحسب"...
"إن العبادة ليست إلا مكونا واحدا من مكونات الإسلام.. ومن المكونات الأخرى العمل وما يرتبط بالعمل من صلة بالمجتمع أو علاقات بين الناس من وفاء بالالتزامات وصدق في المعاملات وإحسان في الأداء، ومن مكونات الإسلام الشريعة وكل ما يدخل في عالم السياسة والاقتصاد والقانون وإتاحة الحرية والطمأنينة للناس وتحقيق العدالة الخ...
1 - . قضية الزي: ليس الزي جزءً من العقيدة".
"... وبالنسبة للمرأة المسلمة فالمفروض أن تلتزم بآداب الحشمة الإسلامية وهذا لا يعنى ضرورة التمسك بالحجاب المألوف وإذا أرادت أن تستر شعرها فيمكن أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب. ويجب أن نتذكر أنه قد كان من أسباب الحجاب "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وهذه الحكمة نفسها تُملي صرف النظر عن الحجاب التقليدي حتى لا يؤذين، المهم أن لا يكون هناك تبذل أو تبرج "الجاهلية الأولى".
2. الأكل والشرب: يحرم الإسلام كما هو معروف – لحم الخنزير كما يحرم شرب الخمر وليس هناك صعوبة في اجتنابهما تماما وسيمكن للطالب المغترب أن يلم بالأطعمة التي يدخلها لحم أو شحم الخنزير فيتجنبها.
3. الحياة الاجتماعية والعلاقة بالمرأة: إن دخول المرأة في المجتمع الأوروبي بالصورة التي نعرفها قد يوجد حرجا شديدا للطالب المغترب في حالات عديدة، فقد يدعى إلى حفلات راقصة تعقدها اتحادات الطلبة وغيرها في مختلف المناسبات ويصعب على الطالب المغترب مقاطعتها لأن ذلك يمكن أن يمس وضعه فى الجامعة أو يعطى انطباعا معينا عنه. والأمر في الحقيقة يتطلب قدراً من الكياسة فيمكن الاعتذار
4. العلاقات الجنسية: هذه هي أشد القضايا حرجا وإرهاقا للطالب المغترب وقد يرى فيها تحديا يكون عليه أن ينتصر بإيمانه عليه فيسمو بغرائزه ويوجهها نحو مختلف المجالات السليمة. ولكن هذا إن صدق بالنسبة لواحد فإنه يصعب بالنسبة للآخرين لأن الغريزة غلابة والطالب المغترب والعامل المهاجر قد يقضى في دار غربته بضع سنوات في ريعان الشباب ووسط المغريات ولن يكون مفر من إقامة علاقات جنسية. وقد وضع الإسلام الحل لهذه القضية ولكن المسلمين لا يريدون الإفادة من الرخصة التي قررها ومن الحل الذي وضعه الرسول وفرضوا على أنفسهم العنت الذي رفضه الرسول "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم". وهذا الحل هو ما يطلق عليه الفقهاء "نكاح المتعة" وكلمة المتعة في حد ذاتها توضح لنا كيف تجرد المسلمون الأول من "العقد" التي استبعدت ألفاظ المتعة والاستمتاع والتمتع كما لو كانت خروجا على سمت الإسلام وما ينبغي له من حفاظ، والله تعالى أعلم من المؤمنين بأنفسهم وهو يعلم من الناس ما يخفون وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. وقد رخص الرسول بهذا النوع من الزواج المحدد المدة وجعل أحكامه كأحكام الزواج باستثناء المدة وقيل إن الرسول نهى عنه بعد ذلك ولكن المسلمين ظلوا يمارسونه طوال خلافة أبى بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنه عمر وحرّمه. وتحريم عمر يفهم منه بوضوح أنه هو الذي حرمه وليس الرسول ولو كان نهي عمر مبنيا على نهى الرسول لما احتاج إلى أن ينهى هو ولأحال الأمر على نهى الرسول فهو أولى. ويكاد يكون من المحقق أن عمر رضى الله عنه خشي إساءة استخدام الناس لهذه الرخصة فبادر بسد بابها وكان مصيبا في اجتهاده هذا. ولكن التحليل والتحريم مردهما إلى الله تعالى وليس إلى أحد من البشر وتحريم عمر لها لا يعنى استمرار تحريمها إذا جدت الأسباب التي من أجلها رخص الشارع فيها. وهو ما نعتقد أنه ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، حالة المغتربين.
(ملاحظة: ان المؤتمر الاسلامي الذي عقد في سراييفو قد أفتى بما يسمى " الزواج بنية الطلاق" ( زواج المتعة) بما يلي : فتوى 7/17
الزواج بنية الطلاق
"كما أن هذا الزواج يقع خارج إطار المشروعية القانونية، في دوائر التوثيق المدني، وفي إطار المراكز الشرعية التي تقوم بالتأكد من انطباق الأركان والشروط المتعلقة به، وقد سبق للمجلس أن قرر في الدورة الخامسة عشرة ضرورة التزام المسلمين بتوثيق عقود الزواج في الدوائر المدنية مع إجرائه في المراكز الإسلامية حفظاً للحقوق المتعلقة بالزوجين والأولاد"). ( هذه الملاحظة لنا. ح.م )
يضيف جمال البنا : "إن الأخذ بفكرة الاندماج يجب أن يكون عن طريق "استراتيجية" بعيدة المدى لها أهداف قد لا تتم إلا في المستقبل البعيد وبعد عدة أجيال".
"إن الاندماج في المجتمع الأوروبي – الأمريكي قد يتطلب الأخذ بمعظم مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه لا يتطلب – ضرورة – الأخذ بها كلها.
1. البعد عن المحرمات صراحة كشرب الخمر واكل لحم الخنزير والزنا.
2. ممارسة الصلاة وصيام رمضان
3. الحفاظ على اللغة العربية بأن يتحدث بها الأب فى المنزل مع الأبناء ويعلمهم إياها من الصغر ولا يهمل هذا الواجب فإنه سيكون الرباط بينهم وبين عالم الإسلام بحيث يمكن للأبناء أن يتحدثوا ويقرأوا ويكتبوا العربية.
4. يجب أن توجد تجمعات وتكتلات وتنظيمات تضم شمل الجالية الإسلامية وتعنى بمشاكلها وتساعدها للتغلب عليها وتطمئن على مُضى الاستراتيجية الموضوعة".
* فصل من كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث وبحوث أخرى". وفي هذا الفصل يوصي جمال البنّا بإمكانية أن ترتدي المرأة المسلمة القبّعة في الغرب، وبإمكانية زواج المتعة، الذي قال عنه الإمام علي: لولا أن عمر حرّم نكاح المتعة لما زنا إلا شقي. ويبدو أن هذين الموضوعين هما ما دفع الأزهر لمصادرة كتاب البنّا.
جمال البنا - jamala55@hotmail.comالحوار المتمدن - العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15
و هذه مداخلة أخرى فيها توصيف للواقع القائم في المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا 16 مليون مسلم.. وهم غير مندمجين تماماً في المجتمعات الأوروبية.. ليس لأنهم لا يرغبون في الاندماج ولكن لأن هذه المجتمعات ترفض استيعابهم والاعتراف بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.
يقول سايمون كيوبر ان هذا الاستعداد يحبط رفضا اجتماعيا من خلال تعامل تمييزي ضد شباب المهاجرين يمارسه المجتمع الأوروبي بتشجيع ضمني غير مباشر وغير معلن من أجهزة الدولة، فبعد 50 عاماً من هجرة الجيل الأول وحتى اليوم تبقى معدلات البطالة بين الشباب المسلمين عالية جداً رغم انهم مواطنون بحكم القانون، فالمؤسسات الإنتاجية والخدمية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص تمارس تحايلاً على القانون بشتى الوسائل لحرمانهم من التوظيف.
هستيريا «الحرب على الإرهاب» التي انطلقت بعد «أحداث سبتمبر» في الولايات المتحدة عام 2001 شحنت المشاعر الأوروبية ضد الأقليات المسلمة.. لكن التمييز ضد المسلمين المهاجرين سابق على هذه الأحداث بعشرات السنين،... احمد عمرابي عن صحيفة البيان الاماراتية6/10/2007.
أما الآن فسوف نقرأ مقاربة مسيحية للاندماج في المجتمعات الأوروبية: نحو مستقبل مشترك
بين المسلمين والمسيحيين
د.عادل تيودور خورى
أستاذ بكلية اللاهوت الكاثوليكية بجامعة مونستر
مدير معهد علوم الأديان المقارنة بألمانيا
كتب البابا بولس السادس سنة 1972 بمناسبة عيد الفطر إلى الأمة الإسلامية " ولماذا لا نقوم بتوسيع هذا اللقاء (بين المسيحيين والمسلمين)؟ فإن الغرض منه أن نقدم أمام وعى الناس بطريقة أشد شهادتنا للعدل والاحترام والمحبة… وبما أننا مشتركون فى الإيمان بالله الواحد، فعلينا أن ندعوه لكي يقربنا بعضنا إلى بعض كل يوم أكثر، حتى نستطيع، كل على طريقته، أن نعمل معا في سبيل حقيقة أسمى، وفى سبيل العدل والسلام في العالم. "(6).
. وإن المؤتمر الثاني المسيحي الإسلامي الدولي الذي عقد في فيينا من 14 إلى 16 أيار/ مايو 1997 قد اتخذ قرارا بهذا الصدد عن اقتراح قدمه الزميل الأستاذ الدكتور على مراد، أستاذ الإسلاميات في جامعة السربون في باريس. وينص القرار على ما يلي:
" إننا نؤيد عقد معاهدة صداقة بين المسيحيين والمسلمين على أساس الأهداف التالية:
بالنظر إلى عبء تاريخنا المشترك، نعلن رغبتنا وجهدنا في وضع حد نهائي لاتهاماتنا المتبادلة وفى التغلب على أخطائنا ومظالمنا بالغفران والتصالح المتبادلين.
إننا لا نتنكر لهذا التاريخ بل نقابله جاهدين في استنباط عبره وتخطى نقائصه. إننا نريد أن نبحث معا عن الطرق المؤدية إلى تسوية الخلافات بالوسائل السليمة وإلى تنحية أسبابها والحد من مظاهر التوتر المختلفة.
أما بالنسبة إلى الحاضر والمستقبل، فإننا نريد أن نعمل معا على أن نسهم إسهاما مشتركا في بناء حاضر أكثر إنسانية ونعد للأجيال المقبلة عالما يستطيع فيه المسلمون والمسيحيون أن يقيموا علاقة شراكة ويشدوا أواصر الصداقة فيما بينهم.
إن معاهدة الصداقة هذه نعيها كانفتاح عريض على الكل وكدعوة موجهة إلى الجميع."
إن مثل هذا القرار لمن دواعى الأمل بالنظر إلى مستقبل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
ا- أسئلة موجهة إلى المجتمع الأوروبى
إن هناك أولا قضية مبدئية تتعلق بإرادة البلدان الأوروبية استقبال المسلمين القادمين من أقطار مختلفة وتسهيل إقامتهم فى ربوع أوروبا والعمل على صهرهم فى المجتمع الأوروبى صهرا لا يلاشى ذاتيتهم ولا يجعل منهم من بعد أجانب قابعين فى زواياهم يتنكرون للمجتمع المضيف وأنظمته وثقافته وأساليب حياته. وينجم عن هذا الوضع السؤال عن الوسائل الناجعة للوصول إلى هذه الغاية. فإن المجتمع الأوروبى والمسلمين الذى قدموا إلى أوروبا لم يعوا فى الوقت المناسب خطورة هذه القضية ولم يستعدوا الاستعداد الملائم للعمل على إيجاد حل موافق يتنبه إلى جميع أبعاد القضية.
وهناك أسئلة أخرى جذرية يجب التعرض لها بإمعان، ويمكن التعبيرعنها بالكلمات التالية:
- كم يستطيع مجتمع ما، والمعنى هنا هو المجتمع الأوروبى والغربى، أن يتحمل ويستسيغ من الاختلاف والخلاف فى إطار نظامه وبمقتضى وعيه لأسس ذاته الخاصة؟
- ما مبلغ التوافق (وينبغى أن يتم الاتفاق على ذلك) اللازم لكى نبلغ إلى مجاورة سلمية ايجابية للأنظمة المختلفة؟
- ما مبلغ التوافق الممكن نظريا والممكن البلوغ إليه عمليا لننتقل من مجاراة الأنظمة ومجاورتها إلى مرحلة التعاون فيما بينها؟.
2- أسئلة موجهة إلى المسلمين فى المجتمع الأوروبى والغربى
- إن السؤال الأول، وهناك حاجة ملحة للأجابة عنه إجابة صريحة، هو هل يحق للمسلم وهل يمكنه، دون أن يفقد ذاتيته الإسلامية، أن يعيش فى بلد ديمقراطى قانونه ليس الشريعة الإسلامية، ولكنه يضمن لجميع المواطنين صيانة حياتهم ومالهم وحرية دينهم عقيدة وعبادات، كما هو الحال فى بلدان أوروبا والغرب؟
- والسؤال الثانى هو هل يرغب المسلمون فى الاندماج بالمجتمع الأوروبى والغربى، علماً بأن هذا المجتمع يحترم دينهم كما ورد فى المقطع السابق؟
هل هم مستعدون أن يشجعوا أولادهم على سلوك هذا الطريق لكى لا يبقوا غرباء فى الأوطان التى نزحوا إليها قابعين فى زاويتهم دون الاشتراك مع مواطنيهم فى ميادين الثقافة والحضارة؟ وهل هم مستعدون وهل عندهم الكفاءة اللازمة كى يشتركوا فى تصميم نماذج هذا التعايش الإيجابى مع غير المسلمين؟
- وأما السؤال الثالث فيتعلق بموقف المسلمين. نشأ كلام كثير عن قيام "إسلام أوروبى" ولكن القضية فى ذلك أنه لا يكفى مجرد وجود مسلمين فى أوروبا حتى يقوم " إسلام أوروبى" السؤال هو أن على المسلمين اتخاذ موقف واضح من أمور أساسية تتعلق بأنظمة المجتمع الأوروبى ومفاهيمه وهى الديمقراطية، والحرية الدينية للجميع، وحقوق الإنسان، ونظام الأسرة بما فيه مكانة المرأة فى الأسرة والمجتمع، وقوانين الحدود والعقوبات. وهناك أيضا ضرورة أخذ موقف واضح من نظام الدولة العلمانى، ولا تعنى العلمنة معاداة الدين فى أكثر بلدان أوروبا، بل توزيع الوظائف فى نطاق المجتمع دون تعرض الدين للتسلط على الدولة.
كل هذا يقتضى أن يكون لدى المسلمين علماء يقودونهم سبل الرشاد علماء متضلعون في علوم الإسلام عقيدة وشريعة، يتنبهون إلى أوضاع الجماعات الإسلامية فى البلدان المختلفة.
إننا مسيحيون ومسلمون نظرا إلى وعينا لمسئوليتنا المشتركة فى سبيل إقامة نظام اجتماعى عادل، يقع على عاتقنا واجب تضامن بعضنا مع بعض وجمع قوانا وتشغيل إمكاناتنا لإيجاد حلول موافقة لمشاكل عالمنا المشترك.
لا يجوز للمسيحيين والمسلمين أن يظلوا خصوما وأن يعمل الواحد منهم ضد الآخر. عليهم أن يضحوا شركاء يعمل الواحد منهم مع الآخر. أجل، وهناك أكثر من ذلك. عليهم أن يمسوا أصدقاء يعمل الواحد منهم فى سبيل الآخر ويعملون معاً فى سبيل البشرية جمعاء؛ أصدقاء تربطهم المودة التى ذكرها القران الكريم فى سورة المائدة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) .
حديث جميل جدا لا ينقصه الا أن يقبله الغرب الأوروبي و خاصة الكاثوليكي الذي ينطق باسمه البابا الذي بدأنا فيه مداخلة السيد خوري. ليت أننا نعي أنه لا قيمة للدين في الغرب ان لم يكن خادما للسياسة.
و هذا السيد خليل العناني يبين في مقالة له بعنوان "أوروبا العلمانية في مواجهة أوروبا الدينية" كيف يمارس المجتمع الفرنسي، الرسمي و المدني، مع المسلمين. أي بشكل لا يمكن أن يؤدي بأية حال الى الاندماج.
"بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أن قضية الحريات الدينية ـ خاصة فيما يتعلق بالمسلمين في أوروبا ـ ترتبط ببعدين أساسين:
أولهما: يتعلق بمدى القدرة على الحفاظ على أكبر قدر من التوازن بين ممارسة الحريات، وبين فصل الانعكاسات السياسية لهذه الحريات عن المجتمعات الأوروبية، أي فصل الدين عن الدولة فيما يعرف مجازاً بـ «العلمانية».
والبعد الثاني: هو مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه ممارسات المسلمين في أوروبا على غيرهم من ذوي الديانات الأخرى.
وعليه فإن التفرقة بين سلوكيات المسلمين وعاداتهم بشكل عام وبين سلوكيات وتصرفات الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية تثير تساؤلات عديدة حول حقيقة التعاطي الأوروبي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بشكل عام.
؛ فعلى سبيل المثال بات يُنظر إليه( أي سلوك المسلمين ح.م.) في فرنسا باعتباره عنواناً للأقلية المسلمة التي تعيش هناك، وتحولت المعاداة والريبة من قطعة القماش ( المقصود الحجاب ح.م) إلى النسيج الاجتماعي نفسه، ومن الحجاب إلى الديانة الإسلامية. وأصبحت مناطق الحظر تتوسع، وأخذ إطار الحرية لهذه الأقلية يتقلص شيئاً فشيئاً. فمن المدرسة أصبح الحديث عن المستشفيات، وطالب بعضٌ بأن تحترم العلمانية من طرف الطبيب والمريض؛ حيث تبين أن بعضاً من الطاقم الطبي النسائي يلبسن الحجاب؛ فقبل أن تكون طبيباً أو مريضاً عليك أن تكون علمانياً، ثم تم غلق مسبح كان يسمح فيه لسويعات معدودة في الأسبوع للنساء المسلمات بالترفيه عن أنفسهن بعيداً عن أعين الغرباء، حتى لا يتناقض مع مياه العلمانية التي ترفض الفصل بين المواطنين! ثم قام رئيس بلدية إحدى الضواحي الباريسية (Nogent sur marne) برفض الإشراف وقبول الزواج المدني لعروس؛ لأنها رفضت نزع الخمار، بدعوى عدم احترام القيم العلمانية للدول؛ لأن مقر البلدية رمز ومكان مبجل للجمهورية، ثم تلاه رفض أحد مديري المدارس دخول أولياء متحجبات إلى المدرسة لحضور حوار داخلي دعت إليه الدولة لمناقشة دور المدرسة، بدعوى علمانية المكان.
وكل هذه المظاهر الجديدة في المجتمع الفرنسي ليست شواذاً، ولكنها تعبير خطير عن عقلية جديدة بدأت تُنسج خيوطها في البيت السياسي أولاً، ثم تفشت في النسيج الاجتماعي، وهي الخوف والتوجس من هذا الدين ومن أصحابه، واعتبار أن جزءاً من هذا الوطن غير مرغوب فيه.
. ومن هنا فإن فرنسا لم تخفق في محاولتها دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي، وإنما تعمدت تهميشهم، وحصارهم داخل المناطق والجماعات المهمشة، وحشرهم داخل الأطر المشابهة، غير المؤهلة بطبيعتها للتمدد والتأثير الثقافي."
و في دراسة عن أوضاع المسلمين في أوروبا يقول د. توفيق بن عبدالعزيز السديري ما يلي: ... فمثلاً الوافدون من البلاد التي كانت مستعمرة من فرنسا فإنهم يفدون إليها، والذين كانت بلادهم مستعمرة من المملكة المتحدة فإنهم يفدون إلى انجلترا وهكذا، نسبة لروابط وعوامل ثقافية واقتصادية معروفة وبشكل عام فان الاقليات المسلمة في اوروبا تتشكل من فئات أربع وهم:
-1- الدارسون.
2- - الباحثون عن العمل.
-3- المسلمون من سكان البلاد الأصليين.
-4- اللاجئون السياسيون.
ففي بريطانيا تأتي أغلبية المسلمين من شبه القارة الهندية، أما في ألمانيا فالغالبية العظمى تركية المنشأ، وفي فرنسا حيث توجد أربع وعشرون جنسية مسلمة فإن معظم المسلمين من شمال افريقيا وبقية الدول الأفريقية، والمهاجرون المسلمون إلى أوروبا هم من الطبقة العاملة ومن البيئات الريفية، ونتيجة لذلك فإن المجتمعات المسلمة في أوروبا وبخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا تتضمن بصورة عامة مهاجرين فقراء مهرة أو غير مهرة حاولوا خلق نسخ عن بيئتهم الريفية في البلاد التي يقيمون فيها حديثاً، أما المستوى الثقافي والتنظيمي لهذه المجتمعات فهو متواضع، وقد ظهرت مشكلات جدية في التواصل حين تفاعلت مجتمعات الأقليات هذه مع المجتمعات المضيفة.
ففي بريطانيا توضح جميع الدلائل المتوفرة أن التمييز العنصري الواسع الانتشار يمثل عاملاً اساسياً يساهم في ارتفاع نسبة البطالة بين الأقليات العرقية وفي نوعية الأعمال الضئيلة الدخل التي يمارسونها، هناك ثلاثة وأربعون بالمائة من الباكستانيين والبنغلادشيين عاطلون عن العمل، بينما نجد في بعض مناطق لندن أن نسبة العاطلين عن العمل بين الأقليات العرقية بمن فيهم المسلمون هي نحو ستين إلى سبعين في المائة، ونجد النموذج ذاته في مدينة برادفورد التي يعيش فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
اما الذين يعملون فلديهم مهن ذات أجور ضئيلة ومرتبة اجتماعية أقل من العمال البريطانيي المنشأ، وقد بينت الأبحاث ان المسلمين يواجهون تمييزاً عنصرياً حتى في الوظائف الإدارية وفي بعض المهن مثل الطب والتعليم. وفي دراسة حول الأطباء تبين أنه في حين يشكل الأطباء المسلمون الذين يعملون وراء البحار ثلث عدد جميع اطباء المستشفيات في إنجلترا وويلز، إلا أنهم ينحصرون في المراتب الدنيا وفي اختصاصات غير مفضلة، وتبين الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأطباء ينتظرون مدة اطول من أجل ترقيتهم، وعليهم تقديم طلبات أكثر من زملائهم البريطانيين لشغل المناصب، وقد وجدت دراسة اخرى ان المعلمين من المسلمين قد وضعوا في اسفل السلم التصنيفي بشكل غير متكافىء مع زملائهم البريطانيين، وأظهرت دراسة جرت حول الذين يتخرجون في الجامعات انه يصعب على المتخرجين من الأقليات العرقية الحصول على عمل مقارنة مع زملائهم البريطانيين الذين يماثلونهم في الكفاءات.
وهكذا نجد الغربيين ينظرون إلى المسلمين في ديارهم على أنهم وجود غير مرغوب فيه، والغربيون في تصورهم أن الصدام بين الإسلام والغرب لابد منه، ففي سنة 1993م كتب مدير معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة هارفارد «هانتينجتون» كتابه عن حتمية الصدام بين الحضارات وزعم ان الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين المناطق الحضارية وخاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.
فالذهنية الغربية بل الاستراتيجية الغربية صراع وصدام لا تعايش ووئام، وفي هذا النحو المشحون بالكراهية والتربص كيف نتخيل أن تعيش الأقليات المسلمة في دول الغرب آمنة ومطمئنة. و نحن من جهتنا نوافق على استنتاج الكاتب.
و في دراسة هامة عن إشكاليات حوار الثقافات في عالم متغيّرللدكتور عبدالله تركماني
التاريخ: 2005/08/18يقول
اختلاف المرجعيات الثقافية: يعود السبب الرئيسي لفشل الحوار العربي ـ الإسلامي مع الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى اختلاف المرجعيات الثقافية والعقائدية والتجارب التاريخية، والذاكرات الجماعية التي ينطلق منها كل فريق حين يخاطب الآخر من ناحية، وتباين طرق الحياة والتفكير السائدة في مجتمعات المتحاورين من ناحية ثانية، وتباعد وأحيانا تناقض الأهداف التي يسعى كل فريق إلى تحقيقها من خلال قيامه بمحاورة الآخر من ناحية ثالثة.
الدعوة إلى " صراع الحضارات ": ثمة اتجاهات في الغرب تعمل على تعطيل الميل نحو ثقافة عالمية قائمة على التنوّع البشري الخلاّق، ومن ذلك فكرة " صراع الحضارات " التي أطلقها صموئيل هنتغتون والتي تتناقض مع فكرة العولمة التي يفترض فيها أن تقوم على التنميط أو التوحيد الثقافي. إذ يقول: " إنّ الحضارات هي القبائل الإنسانية، وصدام الحضارات هو صراع قبلي على نطاق كوني ". ويذهب هنتغتون إلى تعريف موضوعه بالقول " إنّ الثقافة والهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة ". ويبشّر بعالم تكون فيه الهويات الثقافية - العرقية والقومية والدينية والحضارية - واضحة، وتصبح " هي المركز الرئيسي، وتتشكل فيه العداوات والتحالفات وسياسات الدول طبقا لعوامل التقارب أو الاختلاف الثقافي ".
ثم أنّ مقولة " صراع الحضارات " تحيل واقعيا إلى مقولة " العدو الضروري " الذي تقتضيه قواعد اللعبة السياسية، بعد أن تم القضاء على " إمبراطورية الشر ". فما أن فرغت الولايات المتحدة الأمريكية من حربها على " المعسكر الاشتراكي " حتى برز الإسلام، و" التطرف الإسلامي " عدوا جديدا يهدد " العالم الحر "، المتمدن، على افتراض أنّ الإسلام هو " القبائل البربرية " التي تهدد حصون روما الجديدة.
هنتغتون الثاني
وحدد هنتغتون في كتابه ثلاثة عوامل تلعب دورا رئيسيا في تكوين الشخصية: اللغة والثقافة والهوية. وقال: إنّ هذه العوامل الثلاثة لدى الكاثوليك المكسيكيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة تختلف عن العوامل المكونة لشخصية الأنغلو- سكسون البروتستانت البيض. وأنه نتيجة لذلك فإنّ الولايات المتحدة معرضة لأزمة قد تؤدي بها إلى انقسام يشطرها إلى شطرين وطنيين، ذلك أنه إلى جانب الجذور الإنجيلية البريطانية المتأصلة في التيار السائد في السياسة الأمريكية، تنغرس الآن في المجتمع الأمريكي جذور الكاثوليكية المكسيكية، مما يعني احتمال ـ بل بداية ـ نشوء تيار جديد، ومما يعني تاليا أنه لابد للتيارين الحضاريين من الصدام نظرا للاختلافات وللتباينات العميقة بينهما.
في الكتابين يجعل من الإسلام ومن الكاثوليكية عدوين للقيم البروتستانتية الأنغلو- سكسونية ويدعو إلى مواجهتهما معا. الإسلام في الجبهة الخارجية علي مستوى العالم، والكاثوليكية في الجبهة الداخلية على مستوى المجتمع الأمريكي.
اللاتكافؤ الثقافي وصورة العربي والمسلم في الوعي الغربي
العلاقة بين الطرفين الإسلامي والغربي تتسم بالنزاعات وغياب الثقة، وتعود هذه المشكلات إلى اسباب ثلاثة هي: المصالح المتباينة والسياسات الراهنة والعوامل الثقافية والنفسية. إضافة إلى اتجاه العلاقات التاريخية المتجذرة والتي حكمت الصور السلبية المتبادلة والحذرة، فهذه العلاقات كانت تقوم في مجملها على صراعات سياسية وعسكرية بنت خلافات ثقافية ومعرفية تؤسس للصراع ولا تدعو إلى الحوار.
وللعرب مع السينما الغربية قصة طويلة، هي التي دفعت إلى أبلسة العربي والمسلم تمهيدا للانقضاض عليه، وفي سبيل ذلك استدعى الغرب مخزونا من الوعي الاستشراقي بالمنطقة ترجع بداياته إلى عصور الحروب الصليبية، وابتدع معلومات مشوهة ليس لها جذور على أرض الواقع، اختلط الحق فيها بالباطل، والزيف بالحقيقة، والتضليل بالإعلام، غير أنّ إجمالى عدد الأفلام التي تصور العرب بصورة إيجابية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وتحصي دراسة أعدها جاك شاهين واستمرت 20 عاما 12 فيلما فقط أنتجتها هوليوود وتضمنت صورا إيجابية للعرب وذلك من بين نحو ألف فيلم.
وحول الصور النمطية السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن العرب والمسلمين، رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز " A . D . C " الكتب المدرسية فوجدت أنّ هذه الصور تصف العرب بأنهم عبيد الرمال وراكبو الجمال، وأنهم سفاحون ومحاربون ومتطرفون، ومغتصبون، ومضطهدون للمرأة، كما تصف هذه الصور الفلسطينيين بأنهم إرهابيون ومفجرو طائرات، يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر. أما النساء العربيات فينظر إليهن على أنهن مضطهدات من الرجال، وأنهن راقصات سلبيات عاريات يقعن في حب الرجل الغربي لينقذهن من شر الرجل العربي، ليست لهن شخصية ولا صوت. كما تبين أنّ مناهج الدراسة في عديد من الدول الأوروبية تخلط بين العرب والمسلمين، وتصور الإسلام بأنه دين جبري وقدري لأنه يدعو إلى التسليم للأقدار، ويدفع معتنقيه إلى اتخاذ مواقف تتسم بالاستكانة وعدم التفاعل مع الأحداث، وأنّ هذه الفلسفة الحياتية هي السبب الرئيسي في تأخر المسلمين.
ليس لنا أن ننهي بحثنا من غير أن نطل على جزء من الشعب الفرنسي و الذين يدعون ب "Pieds-Noirs "، اي " الأقدام السوداء" و هؤلاء هم أبناء المستعمرين الفرنسيين الذين اضطروا للبقاء في الجزائر ابان الاستعمار الفرنسي لها. و حيث أنهم اختلطوا بالشعب الجزائري بشكل أو بآخر أصبحوا منبوذين من الشعب الفرنسي. جاء في الموسوععة "ويكبيديا" ما يلي:" بشكل عام شعر "الأقدام السود" أنهم منبوذون عند عودتهم الى فرنسا. كان عليهم أن يجابهوا الشتائم العنصرية ، و خاصة من اليسار الشيوعي الذي اعتبرهم كمستغلين قدامى.
مصابون بالاحباط ، بعد أن فقدوا ما كانوا اغتصبوه في الجزائر وصل هؤلاء الى فرنسا على مراكب محملة بالكثير منهم، استقبلوا من قبل الفيديرالية العامة للعمل، و ذلك في مرسيليا . فما كان من المسؤولين في المدينة الا أن طلبوا مغادرتهم ، على خلفية عنصرية.
أشهر هؤلاء كان "ألبير كامو" "Albert Camus " الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1957 . و حيث أنه كان يشعر نفس الشعور الذي كان يعانيه أقرانه، كتب روايته "الغريب" "L'étranger " . و هذه الرواية رائعة في رمزيتها.
تتحدث الرواية عن شاب فرنسي يدعى "مورسو" "Meursault" يعيش في الجزائر عندما كانت لا تزال مستعمرة فرنسية. و بعد فترة أبلغ بطل الرواية بواسطة برقية ، أن أمه قد ماتت على التو. ذهب الى مأوى العجزة حيث كانت ترقد أمه. و عوض أن يجلس بجانب أمه المتوفاة بانتظار انتهاء مراسم تهيئتها للدفن راح يحتسي الجعة في المقهى و لم يظهر أي شعور يوحي بأنه ولد مفجوع بوالدته.
بعد زمن التقى بأحد جيرانه و يدعى "ريمون" " Raymond Sintès الذي دعاه الى الذهاب الى الشاطىء . و هذا الأخير كان قاسيا مع عشيقته المغربية و كان يخاف من ردة فعلها. لذلك ترك الشاطىء و ذهب. التقى صاحبنا بأحد العرب ( من غير اسم) و يظهر أنهما تناكفا ، فأخرج العربي سكينا ، فما كان من بطل الرواية الا أن عاجله بعدة رصاصات من مسدس تركه معه جاره الفرنسي، فقتله.
سجن لمدة سنة و حكم عليه بالاعدام لأنه خالف عادات مجتمعه الفرنسي و لم يظهر الأسى على وفاة والدته.
رمزية رائعة! يعيش في الجزائر، بعيد عن أمه (الأم ترمز الى الأرض)، و أعلم بوفاة أمه و لم يظهر الأسى لأن أرضه فرنسا قد نبذته و تركته في الجزائر . جاره أعطاه السلاح . و هكذا كانت تفعل الدولة الفرنسية ،تسلح الموجودين في المستعمرات حتى تتمكن من استغلال هذه المستعمرات و اضطهاد أهلها. فجاره الفرنسي عشيقته مغربية، تؤمن له ما يريد و يعاملها بقسوة. اذن تأمين متطلباته منها واجب عليها، و ليس لها بذلك منة ( و هل هناك عنصرية أكثر من هذا ؟). و نضيف أن العربي الذي التقاه ليس له اسم ( فالعربي دور و وظيفة و ليس انسانا، لذلك يجب أن يموت عندما يحاول أن يدافع عن وجوده).
لم يلتزم بتقاليد المجتمع الفرنسي لأن هذا المجتمع نبذه. لذلك حكم عليه بالاعدام. اذن عليه الخضوع لعادات هذا المجتمع سواء تقبله أم لمن يتقبله . نضيف بأن قتل العربي ،كما تبين الرواية، ليست جريمة يعاقب عليها القانون.
ان روعة هذه الرواية هي باظهارها مدى عظم العنصرية عند الفرنسي . كما و أنها تظهر و بوضوح مدى الاحباط الذي يعيشه " الأقدام السود". و هل نعجب عندما يقول "ألبير كامو" ان بلدي هو اللغة الفرنسية. "Ma patrie est la langue française ".
نسأل : اذا كانت معاملتهم ( السلطات و أبناء المجتمع) لأبناء جلدتهم بهذا القدر من التمييز و العنصرية، فبالله عليكم كيف يعاملون العربي أو الافريقي أو المسلم؟
منذ عدة أيام اصطدمت دراجة نارية صغيرة باحدى سيارات الشرطة في احدى الضواحي الباريسية ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن شهود ان ركاب سيارة الشرطة لم يكلفوا أنفسهم، التحقق من حال الشابين المرميين أرضاً واكتفوا بمغادرة المكان بواسطة سيارة أُرسلت لهم خصيصاً.
وقالت شاهدة قدمت نفسها على انها من أعضاء المجلس البلدي للمنطقة ان رجال الإسعاف تأخروا كثيراً ولمدة ربما تفوق الساعتين قبل وصولهما الى مكان الحادث. (– أرليت خوري الحياة - 27/11/07//).
و مات هذان الشابان لأنهما تركا ينزفان ، ذلك أنهما من أصول عربية . صحيح أن هذا الحادث قد تسبب بأحداث عنف . و لكن كيف لهؤلاء أن يتحملوا هذه المعاملة و هم يدرسون ليل نهار عن حقوق الانسان و المجتمع المتحضر الذي يحترم الانسان .... الخ من هذه لترهات البالية الذي لا يصدقها الا موهوم، حتى لا نقول خلاف ذلك.
لن نطيل أكثر ، و لكن بقي أن نشير الى نمط مختلف من التحليل لظاهرة عدم الاندماج جاء به د.محمد البشاري في مقالة بعنوان " أبعاد مفهوم الأقليات". يقول :
"الأقلية مفهوم استفزازي: ليس مصطلح "الأقلية" و"الأقليات" مصطلحا حياديا… إنه مصطلح استفزازي، بمعنى أنه مثير للتمايز المزدوج. فمن جهة الأكثرية يعزز المصطلح / المفهوم شعور بالفوقية والاسترخاء في نرجسية راضية عن الذات، مطمئنة إلى سلطانها وهيمنتها، لكنه في الوقت عينه يبعث على "الاسترابة" بالآخر والتشكك فيه. أما من جهة الأقلية نفسها، فالمصطلح / المفهوم يثير الإحساس بالدونية والقلق على الذات والمصير، والرغبة في الاحتياط من خطر الذوبان، أما الاجتياح، أو الابتلاع… وهو خطر قد يكون حقيقيا، وقد يكون ممكنا أو متخيلا أو موهوما… كما أنه محفز للبحث عن ملجأ أو حماية داخلية أو خارجية.إنه من أكثر المصطلحات اكتنازا بمغريات الفتنة والواقعية… والتعريض عليها، فيه ثمة تذكير دائم "باللاأمان" الاجتماعي والسياسي والوجودي والاعتقادي، وبالتالي فهو مفاعل تقسيدي، أو ممانع للحمة، أو قابلية اختراقية".
ان هذا التحليل مهم جدا لعله يكون أحد العوامل التي تدفع الجانبان الى التباعد أحدهما عن الآخر.
نضيف فنقول بأن أحد أهم العوامل التي تساعد ان لم نقل تدفع الى عدم تقبل كل طرف للطرف الآخر هو كون أحد الطرفين كان مستعمرا (بفتح الميم) و الطرف الآخر مستعمرا (بكسر الميم). فالطرف الذي استعمر الشعوب و استخرج خيراتها و خرب بيئتها و ترك هذه البلاد قاعا صفصفا يتحمل وبشكل حتمي مسؤولية ما قدمت يداه . وحيث أن المستعمرين يتصرفون و كأنهم لم يدمروا هذه البلاد ، فهذا ما يترك شعورا في لاوعي الشعوب التي تعرضت للاستعمار بأن لهم دينا مع الدول التي استعمرتهم . لذلك نرى تصرفاتهم تصرفات غير سوية أحيانا و كأنها تعبر عن ردة فعل ازاء مستعمريهم السابقين . و هذا يذكرنا بتصرف العامل ازاء الآلة التي يعمل عليها ، عندما يخربها انتقاما من استغلال رب العمل له باستيلائه على قوة عمله من دون بدل عادل. هذا من جهة الوافد. أما تصرف الغربي ازاء المهاجر فانما يتسم بالفوقية و التمييز لأنه لم يتعود على معاملة الشعوب التي استعمرها كما يجب معاملة الانسان ، فكيف له أن يعامله الآن على سبيل المساواة. فيبدو ذلك شبه مستحيل ، ان لم يكن كذلك.
ما الحل اذن لهذا الوضع؟ هل علينا تأبيد عدم الاندماج ؟ أم علينا التفكير بحل ما؟
لا يمكن المساواة بين هذه الشعوب و تقبل كل منها للآخر قبل أن يأخذ كل ذي حق حقه من الطرف الآخر . و هذا يستدعي :
أولا: التعويض النفسي للشعوب التي كانت مستعمرة (بفتح الميم). و ذلك باعتذار رسمي و شعبي و تلاوة فعل الندامة عما اقترفت أيادي المستعمرين من جرائم بحق هذه الشعوب. يقول كارل ماركس في البيان الشيوعي :"ان شعبا يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون حرا".
ثانيا : و حيث ان تلاوة فعل الندامة وحده لا يكفي ، لذلك يجب على هذه الدول التعويض العادل لهذه الشعوب عن استغلالهم للأراضي الزراعية و استغلال المناجم و استيلائهم على الخامات و تخريبهم البيئة ، بيئة البلاد التي استعمروها سابقا.
ثالثا: مساعدة الشعوب على النهضة الفعلية في جميع الصعد الاقتصادية و السياسية و التربوية ....
ان مثل هذا التعويض سوف يؤمن نوعا من المساواة بين هذه الشعوب مما يمكنها من التعايش سوية من غير أي نوع من أنواع عقد النقص الدونية منها أو الفوقية. و هذا ما يؤمن حسب تصورنا امكانية الاندماج . فجميع النصائح و الفتاوى و زواج المتعة أو الرقص مع الفتيات أو وضع القبعة بدل الحجاب أو التخلي عن الدين، جميع ما تقدم لا يؤمن الاندماج . ان ما يمكن الطرفان من الاندماج هو شعورهم بالمساواة و بحاجة كل طرف للآخر بحيث يمكنهما معا من تامين التكامل الذي يحتاجانه.
حسن ملاط – القلمون
mallat8@googlemail.com
كانون الأول - ديسمبر 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق