بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

اطلالة على أزمة 2008




منذ حوالي الف ومايتي سنة وقف هارون الرشيد على شرفة قصره ونظر الى الغيمة التي أبت أن ترسل ما تحمل من خير فوق بغداد، عاصمة ملكه، وقال لها "اذهبي أنى شئت فان خراجك سيعود الي".
وما أشبه اليوم بالبارحة، ولكن مع تغير الشخصيات. فبوش يقف وقفة الأسد فوق فريسته ويتحدث الى العالم بأجمعه (فريسته)، عربه وعجمه، اوروبييه وأفريقييه وجيرانه الأميركيين أيضا، ويقول لهم: سوف أظل أستهلك على هواي وأوهمكم أنني أسدد ثمن ما أستهلكه وسوف تظلون تدفعون بدل استهلاكي موهمين أنفسكم أنكم لا تدفعون ثمن ما أستهلكه. ثم يضيف متحدياً وافعلوا ما شئتم.
يومياً يدبج الكثير من المقالات واصفة هذه الأزمة وامكانية حلها. والملفت للانتباه هو أنني لم أر مقالاً أو دراسةً تقول لنا لماذا اذا تأزمت في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يحصد العالم أجمع ارتدادات الأخطاء الأمريكية. تأزمت في أمريكا فبدأ انخفاض اليورو مقابل الدولار. ومن المعروف أنه عندما تكون أزمة اقتصادية في احدى الدول، يكون انعكاس هذه الأزمة انخفاض قيمة نقدها. أما الدولار فقد تحسن سعر صرفه مقابل اليورو. وعندما بدأ ارتفاع السعر الجنوني للنفط، كان التبرير أنه ناتج عن انخفاض سعر الدولار مقابل اليورو والين و... فما بال البترول ذاهب الآن، الى الانخفاض بوتيرة أسرع من وتيرة ارتفاعه عندما كان سعر الدولار منخفضا؟ هل بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي. وبذلك يكون الجواب نفسه: اذا ارتفع سعر البترول أو انخفض سعر البترول يكون بسبب ضعف الدولار. أنا لا أتحدث للتسلية انما أنقل ما يكتبه "الخبراء".
طالعتنا وسائل الاعلام اليوم بالنبأ التالي: انخفاض كبير في البورصات الأسيوية (المقصود اليابان والصين وتايوان وهونغ كونغ والهند...) وانخفاض في سعر البورصات في أوروبا والدول الخليجية وذلك ناتج عن انهيار البورصة في وول ستريت في نيويورك. تغيم في أمريكا وتمطر في كل القارات! ألا يعني هذا بصيغة أخرى أن هنا سوقاً واحدةً لها استقلالية وجميع الأسواق الأخرى تابعة؟ من الأكيد أن ديغول سعيد في قبره حيث أنه لا يرى أن جميع جهوده التي قام بها من أجل ايجاد أوروبا مستقلة عن التبعية لأمريكا قد باءت في الفشل. على الصعيد العسكري وعقب الحرب الأمريكية على صربيا أعلن وزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي أن آلتهم العسكرية متخلفة أي أنها غير مهيئة لخوض حرب والانتصار. أما على الصعيد الاقتصادي فما علينا الا أن نتفرج على انهيار جميع الاقتصاديات في العالم بسبب تبعيتها للاقتصاد الأمريكي. اذن في هذا العالم يوجد دولة واحدة مستقلة هي الولايات المتحدة الأمريكية.
العالم أجمع يعلم أن حجم الانتاج الأمريكي يساوي حوالي خمسة عشر تريليون دولار. و العالم أجمع يعلم أن الكتلة النقدية التي يتعامل فيها الأمريكان في بلادهم هي عشرين ضعف حجم انتاجهم القومي، رغم الاحتيال في حسابهم لحجم الانتاج القومي كما قال أحد الخبراء الآقتصاديين. أي هناك 285 تريليون دولارا ورقيا من غير قيمةً. لماذا السكوت عن هذا الأمر الذي يهم العالم بأجمعه؟ هناك أجوبة مباشرة. منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 –
لأن مصالح الطبقات المسيطرة على صعيد العالم الرأسمالي واحدة.
2 –
لأن الاقتصادات في الدول الأخرى تابعة للاقتصاد الأمريكي.
3 –
لأن الانهيار في الاقتصاد الأمريكي سوف يؤدي حتماً الى انهيار الاقتصاديات الأخرى...
ولكن الأنكى من جميع ما تقدم هو عندما ترى توصيفاً للأزمة من خبراء تابعين للدول المنتجة للنفط. يتحدثون وكأنهم محقون بتبعيتهم لأمريكا. انهم يقدمون الطاقة للأمريكان ويأخذون بدل هذه الطاقة أرقاماً وهمية لاقيمة لها. وأضف الى ذلك أنهم حتى هذه الأرقام الوهمية قد خسروها. نتعامل مع أمريكا باقتصاد حقيقي وتتعامل معنا باقتصاد وهمي ونقبل بذلك. هل يعقل ذلك؟ وكيف يمكن تفسيره الا بالتيعية المطلقة. أي التخلي عن مصالح أمتنا واعطائها لأمريكا من غير بدل الا حماية العروش المنهارة.
نصل الى السؤال التقليدي، هل من خروج من هذه الأزمة؟ هناك الكثير ممن تحدث أن هذه الأزمة بنيوية ولا يمكن للنظام الرأسمالي الخروج منها، علماً أن أزمة 1929 كانت أكبر منها بكثير فقد كان هناك كساد امتد لأكثر من أربع سنوات. ولما يصل الاقتصاد الأمريكي الى الكساد في أزمته الراهنة. لا تزال الأزمة مالية ولم تتحول بعد الى أزمة اقتصادية. وعلينا أن نضيف بأن العالم بأجمعه يتكاتف للدفاع عن استغلال الأمريكي له، وكلنا يرى مئات المليارات التي ضخت من أجل حماية استمتاع الأمريكي بخيرات العالم من غير مقابل. أي يمكننا القول أن النظام المعولم سوف يتمكن من تجاوز هذه الأزمة وبصعوبة كبيرة لأنه لا وجود لقوى حية منظمة يمكنها من أن تكون بديلا لهذا النظام الظالم. وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فلا بديل لهذا النظام الا هذا النظام ويا للأسف!
قبل أن أختم أود أن أشير الى أن السبب الحقيقي لهذه الأزمة هو أن الأمريكي أراد أن يعطي قيمة لما ليس له قيمة حقيقية، فأبت الطبيعة ذلك. 285 تريليون دولار من غير تغطية أي من غير قيمة حقيقية يتعامل فيها الأمريكي يعطيها للناس بدل قوة عملهم، يكتشفون أنها من غير قيمة. ألم نقل في بداية المقالة أننا نوهم أنفسنا بأن الأمريكي يدفع ثمن استهلاكه. التوازن الحقيقي يحصل عندما تصبح الكتلة النقدية في العالم موازية لقيمتها الحقيقية من الانتاج. أما التغيير فلا يتم تلقائيا، انما هو بحاجة الى قوى حية.
حسن ملاط                          الخميس، 16 أكتوبر، 2008



الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

عن مشاريع قانون الإنتخاب

           
حسن ملاط
إقرار قانون للإنتخاب في الظروف الراهنة ليس مسألة سهلة على الإطلاق. قانون الإنتخاب هو تعبير عن ميزان قوى واضح لا لبس فيه بين الأطراف المتخاصمة. وهذا الميزان ليس بهذا الوضوح رغم تفوق حزب الله على سائر الأطراف. أما السبب بذلك فيعود إلى أن الصراع القائم ليس بين أحزاب سياسية، إنما هو بين مكونات طائفية يرتدي أحياناً مظاهر سياسية. وهذه المكونات تملك امتدادات خارجية تلعب دوراً في التوازنات الداخلية بالرغم من أنها لا تكون حاسمة. وعليه، نقاشنا للموضوع سيكون نظرياً على أغلب الظن!
تجري الإنتخابات حالياً حسب قانون الستين مع بعض التعديلات التي أصر التيار الوطني الحر على إدخالها في اتفاق الدوحة بعد "غزوة بيروت" أو "اليوم المجيد" تبعاً للقائل!
أما المشاريع المطروحة، فأهمها:
1-        قانون الطائف الذي يطرح انتخابات نسبية من غير قيد طائفي بالنسبة للبرلمان وتأسيس مجلس للشيوخ يضم مختلف ممثلي الطوائف اللبنانية. وهذا القانون يُعتبر متقدماً على القانون القائم حالياً. أما في حال إلغاء مجلس الشيوخ فهو القانون الذي يمكن أن يُنتج مواطنين لبنانيين.
2-        القانون الأرثوذكسي، وهو القانون الذي يقر إنتخاب كل طائفة لممثليها. هذا القانون الذي يقضي على فكرة المواطنة من أساسها.
3-        القانون المختلط على أن يتم انتخاب 68 نائباً بالأكثري و 60 نائباً بالنسبي. هذا القانون الذي يُبقي على القيد الطائفي سيساهم فقط بتوسيع دائرة الطبقة السياسية من دون أي تغيير نوعي على الصعيد السياسي.
جميع هذه المشاريع لا تُنتج مواطناً يؤمن بانتمائه لوطن لأن المقدم على الوطن هو الطائفة.
القانون الوحيد الصالح لإنتاج تغيير على الصعيد السياسي هو اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة. يتم الترشح على أساس الإنتماء الوطني ضمن لوائح مقفلة وعلى أساس نسبي. إن قانوناً كهذا سوف ينتج عنه طبقة سياسية منتمية وطنياً، وهذا ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة التي تهيمن فيها الإنتماءات المذهبية التي تهدم الأوطان.
                          30 تشرين الثاني 2016


الأحد، 27 نوفمبر 2016

التسوية المبتورة

                   
حسن ملاط
استضافت السيدة ناريمان الجمل غانم في صالونها الثقافي، السياسي المعروف الدكتور خلدون الشريف، الذي تحدث عن الأوضاع السياسية في لبنان.
ولكن، وقبل التعليق على موضوع التسوية الذي أعلن الدكتور الشريف تأييده لها، أود أن أعبر عن إعجابي بإصرار السيدة ناريمان على العمل الثقافي في ظل التصحر ثقافياً في بلدنا والذي يؤدي إلى التصحر الأخلاقي الذي نلمس نتائجه يومياً.
عن التسوية
أعلن الرئيس الحريري عن اتفاقه مع العماد عون على انجاز الإنتخابات الرئاسية على أن يُكلف الأول بتشكيل الحكومة العتيدة المكلفة بإنجاز الإنتخابات النيابية وبإنهاء الجمود على صعيد السلطة الذي ينعكس سلباً على حياة الناس ويهدد بانكشاف الوضع الأمني.
أعلن حزب الله ترحيبه بهذه التسوية وأعلن أمينه العام السيد حسن نصر الله أنه لا يُمانع بتكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة. ولكنه لم يتعهد بتسهيل مهمة التشكيل.
ما معنى التسوية؟
التسوية هي إعادة تشكيل سلطة السياسيين بشكل جديد يتوافق مع موازين القوى المستجدة والتي لم تكن في السابق على شكلها الحالي. وهذا يؤدي حتماً إلى توزيع مختلف للمكاسب التي تتصارع عليها القوى السياسية.
أما القوى السياسية التي تتصارع على المكاسب فهي الشيعية السياسية المتمثلة بحزب الله وحركة أمل والسنية السياسية المتمثلة بالرئيس الحريري والمسيحية السياسية المتمثلة بالرئيس عون وسمير جعجع. أما القوى الأخرى فهي تدخل في ظل هذه أو تلك من القوى التي ذكرناها.
والجوهري في هذه التسوية أن بعض رجالات السياسة يكسب أو يخسر من دون أن يكون مشاركاً في إنتاجها. والمثال الواضح على هذا الكلام هو أن الرئيس ميقاتي سيربح إذا تحسن وضع الحريري في السلطة لأنه سيرث الموقع الذي يمثله الحريري اليوم، وهذا ما ينطبق على سائر الأقطاب السياسيين في مختلف الطوائف لأن التسوية قامت بين الممثلين الفعليين لها في لبنان في هذه المرحلة من تاريخه.
كيف قامت التسوية؟
قامت التسوية كما أخبرنا سماحة الأمين العام لحزب الله بين الحريري والرئيس عون، حليف حزب الله. وتعهد سماحته بتسهيل مهمة انتخاب حليفه لرئاسة الجمهورية.
وبما أن هذه التسوية لم تتم مع الطرف ذي الفعالية الأكبر في الساحة اللبنانية، لذلك فهذه التسوية تُعتبر مبتورة ولن تُنتج الإستقرار الذي ينشده اللبنانيون.
التسوية، حتى تكون لها صفة الديمومة، يجب أن تكون مع الطرف الذي يملك القرار. وهذا ما لم يتم. وهذا يبدو واضحاً في التشكيل الحكومي. نبدأ بعقبة، يلي حلها عقبات. إذا تم حل عقبة بري، تظهر عقبة القوات، تليها عقبة المردة فالأرثوكس والكاثوليك الذين تستولي على مقاعد طوائفهم القوات والتيار الوطني. كما وأن المستقبل يستولي على مقاعد سنة معارضة الحريري...إلخ من يحل جميع هذه المشاكل والعقبات؟ هل الحريري قادر على حلها؟ بالطبع لا! هل الرئيس قادر على حلها؟ بالطبع لا!
القادر على حل جميع العقبات هو الذي يملك القدرة والقوة، الطرف الذي لم يفاوضه الحريري على إنتاج التسوية.
ما الذي يُمكن عمله الآن؟
إما أن يُقدم الحريري التنازلات لمنافسيه من الطبقة السياسية السنية، وإما أن يدع تشكيل الحكومة لغيره بانتظار إعادة إنتاج ميزان قوى جديد بين المسيطرين على أقوات الشعب اللبناني. أما الإحتمال الأخير أن يترك للقوي تشكيل الحكومة تحت مسمى الوحدة الوطنية!
الإحتمال الأول مارسته الطبقة السياسية السنية عند تكليف أمين الحافظ تشكيل الحكومة، حيث رفع الجميع عنه الغطاء (حالياً رفع الغطاء عن أي سياسي سني يوافق على تشكيل الحكومة في حال اعتذار الحريري). أما الإحتمال الثاني، فقد مارسه الرئيس رفيق الحريري عندما تمنع عن تشكيل الحكومة. والإحتمال الثالث هو ما كان يتم إبان سيطرة المارونية السياسية على النظام.
صراع الطوائف يقوم على الغلبة كما يقول الدكتور جوزيف عبدالله!
أين التسوية التي تؤيدها يا دكتور خلدون الشريف؟
                                 27 تشرين الثاني 2016


الخميس، 17 نوفمبر 2016

العرض العسكري في القصير

              
حسن ملاط
منذ أيام عدة، وبمناسبة يوم الشهيد، أقام حزب الله، وعلى غير عادته، عرضاً عسكرياً في مدينة القصير السورية. هذه المدينة التي كانت باكورة تدخله المعلن في الحرب السورية. وتميز هذا العرض بفرقته المدرعة والتي كانت تضم ثلاث آليات أمريكية الصنع، مما أدى إلى إعلان أمريكي بالمباشرة بالتحقيق، خاصة وأن الجيش اللبناني يستخدم هذا النوع من الآليات. ولكن حزب الله سارع للإعلان أن هذه الآليات الثلاثة كان الحزب قد غنمها من حربه ضد جيش العملاء بقيادة انطوان لحد، في الجنوب اللبناني.
ردود الفعل على هذا الحدث كانت عديدة. فقد توقفت كتلة "المستقبل" أمام "العمل المستنكر والمستهجن والمرفوض المتمثل في ما بثته وسائل إعلام متعددة عن عرض عسكري أجراه حزب الله في بلدة القصير الحدودية في سوريا". ورأت فيه "رسائل يرسلها حزب الله في مختلف الاتجاهات أولها انه يؤكد من جديد على انه يقدم مصلحة ايران على المصلحة الوطنية وثانيها انه يوجه رسائل تهديد دولية وإقليمية وأخرى داخلية للدولة اللبنانية خاصة، وأنّ الحزب يقوم بهذه الخطوة التي في حد ذاتها لها دلالة على عدم اكتراثه بمصلحة لبنان واللبنانيين، ولا بانطلاقة العهد الرئاسي الجديد، التي شدّدت على استعادة الدولة لدورها وحضورها وهيبتها كما أكّد عليها خطاب القسم للرئيس ميشال عون".
أما في ما يخص الجيش اللبناني بعد الإعلان الأمريكي عن التحقيق في هذه الحادثة، فقد أوضحت مديرية التوجيه في قيادة الجيش، تعقيباً على ما تناقله بعض وسائل الإعلام من صور لآليات عسكرية (عرضها "حزب الله" في القصير السورية)، "أن هذه الآليات ليست من مخزون الجيش اللبناني وغير عائدة إليه".
وفي هذا السياق علم ان احتجاجا اميركيا ابلغ الى جهات لبنانية معنية على خلفية ظهور ثلاث ملالات اميركية الصنع ام 113 في العرض العسكري الذي اقامه "حزب الله " في القصير قبل ايام وهي ملالات مماثلة لتلك التي يستعملها الجيش اللبناني.
أما على صعيد الحزب فقد قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام، إن «التنسيق بيننا وبين القيادة السورية عال جدا والاستعراض العسكري جزء من الممارسة الميدانية»، مشيراً إلى أنه «أصبح لدينا جيش مدرب (وهذا الكلام ما لبثت أن نفته الوحدة الإعلامية في الحزب)، ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلحا وتدريبا وامتلكنا خبرات متطورة، وكل ذلك من أجل حماية لبنان ولمصلحة لبنان".
وأكد أن المقاومة «لا تريد استثمار قوتها العسكرية في الصراع الداخلي اللبناني، وبالرغم من قوتها، فنحن نشارك في العمل السياسي والانتخابي مثل بقية الأطراف فنربح أو نخسر".
وتابع قاسم: نحن جزء من تركيبة الدولة اللبنانية ومعنيون بكل ما يصلح الشأن اللبناني، لكننا وحدنا لا نستطيع تغيير المعادلة ونحن متمسكون بتطبيق اتفاق الطائف كاملا ولا نطرح تغييره أو تعديله حاليا.
نقتصر على ردود الفعل هذه لأن إعادة تشكيل السلطة في لبنان كانت نتيجة للتفاهم السياسي الذي جرى بين ممثلي السنة السياسية والشيعة السياسية.
أما عن قراءتنا لهذا الحدث فهي كالتالي:
وجه الحزب من خلال هذا العرض العسكري المميز رسائل إلى الداخل اللبناني وأخرى إلى الخارج.
رسائل الداخل
1- رسالة إلى جمهور الحزب يُعلمه فيها أنه لم يحن بعد وضع السلاح وأن الحفاظ على المكاسب يتطلب أن تظل جماهير الحزب مستعدة لإمداده بما يحتاجه من الرجال والدعم.
2- رسالة ثانية إلى كافة القوى الداخلية يعلمها فيها بأن الحزب قد قرر أخيراً أن يفصل بين نشاطه المسلح الخارجي ونشاطه الداخلي الذي يحمل طابعاً سياسياً سيما وأن القتال مع العدو الصهيوني مجمد حالياً. من أجل ذلك كان العرض العسكري خارج الأراضي اللبنانية، علماً أن بإمكان الحزب إجراءه حيث يريد.
والإيجابية تكمن بإعلانه عن تسهيل تشكيل الحكومة فهو لا يضع شروطاً على تسلمه الحقائب الوزارية. أما عن اشتراطه عدم تسلم قوات جعجع لوزارة الدفاع، فهو محق بذلك. القوى المسلحة العميلة التي حاربها الحزب طوال عشرين عاماً كانت تحمل الأفكار التي يبشر بها جعجع. فكيف له أن يثق بتسليم القوى العسكرية لهؤلاء. أضف إلى ذلك أن الحزب، ونتيجة ثقته الكبيرة بالعماد قهوجي لم يقبل التنازل لحلفائه من التيار العوني بالتخلي عن قيادة الجيش وآثر بقاءها مع العماد قهوجي. أما خلاف ذلك فلا شروط اشترطها لتشكيل الحكومة.
رسائل الخارج
وهي تتضمن رسائل كثيرة منها للنظام السوري، ومنها للروس والأمريكيين أيضاً، ومنها للعدو من غير شك. وطبيعة هذه الرسائل أنها مشتركة بينه وبين إيران.
أ‌-     رسالته للأمريكي تقول بأنه لن يتخلى عن الساحة السورية ويتركها للإدارة الأمريكية والروسية لتقرير فيها ما تريدان بعد "التضحيات" التي قدمها الحزب وإيران من أجل الحفاظ على النظام السوري. فقصف الأمريكان لدير الزور هي رسالة موجهة للإيراني أنه لن تقبل الإدارة الأمريكية بإعطائهم خطاً برياً ساخناً يمتد من لبنان مروراً بحمص ودير الزور وصولاً إلى ديالى العراقية فالأراضي الإيرانية. من هنا كانت رمزية القصير كباب لولوج هذا الممر.
ب‌-                       رسالة النظام السوري تعبر عن الإمتعاض من قبول النظام السوري بالشروط التي تضعها روسيا والتي تتمثل بالإذعان للإشتراطات الصهيونية بإبعاد إيران والحزب عن الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني إبعاد إيران عن دمشق وريفها ودرعا وكامل الجولان السوري المحتل. وهذا ما يبعد إيران عن التماس مع العدو الصهيوني بحيث تنتفي إمكانية الإيراني في الضغط على الأمريكي بخاصرته الموجعة: أمن العدو الصهيوني. وقد تمثل هذا بإعلان النظام السوري عن تصديه للطائرات الصهيونية المعتدية. وهذا الإعلان يتضمن فتح باب التفاوض على ما يقبله ويرفضه العدو الصهيوني. وهذا يعني فتح باب التدخل الصهيوني من بابه الواسع وليس من الباب الروسي أو الأمريكي.
ت‌-                       أما رسالة الروسي فتقول بأننا نحن كما أنت، لا ندافع عنك في ريف حماه وريف اللاذقية وحلب وريفها، وندافع عن النظام لأننا جمعية خيرية. كما أنك أنت لا تدافع عن النظام لأنك جمعية خيرية. أما الفرق بيننا وبينك أنك قد قبضت سلفاً، وذلك بحيازتك على حق التنقيب واستخراج النفط والغاز في الساحل السوري ومحافظة حمص، في الوقت الذي لم تحصل فيه إيران على أي مكسب. كما الإتفاق العسكري بينك وبين النظام والذي يتيح لك البقاء على الأراضي السورية إلى ما شاء الله.
إذن، نحن هنا (الحزب وإيران) حتى الوصول إلى الحل النهائي للصراع السوري.
ث‌-                       أما عن العدو، فهي رسالة بأن ساحة المواجهة أصبحت أكثر اتساعاً وأن الخبرة أصبحت أكبر. هذا بالرغم من أن قادة العدو العسكريين قد أعلنوا عن عدم نيتهم القيام بأي عدوان حالياً، لأنهم ليسوا من الغباء الذي يجعلهم يوحدوا القوى المتقاتلة ضدهم.
أما التحرشات التي يقوم بها النظام من وقت لآخر بجوار القوات التركية المتواجدة داخل الأراضي السورية لم تصبح حتى الآن ذات طابع جدي تفتح لقتال بين إيران وحلفائها من جهة والجانب التركي من جهة ثانية.
هذه أهم النقاط التي رأيناها من خلال حركة حزب الله السورية في القصير. أما التحريض المذهبي، رغم إيجابية حركة الحزب خارج الأراضي اللبنانية، فهي "عدة الشغل" للقوى السياسية اللبنانية التي تتاجر بدم المواطن.
                                       17 تشرين الثاني 2016


الخميس، 27 أكتوبر 2016

عن مبادرة الحريري الرئاسية

               
حسن ملاط
منذ تعثر الإنتخابات الرئاسية والطبقة السياسية في لبنان تعيد مشاكل البلاد والعباد إلى عدم إتمام هذا الإستحقاق. الرئيس الحريري قام بمبادرات عديدة في هذا المجال: من ترشيحه سمير جعجع، إلى اقتراحه أمين الجميل ثم إلى ترشيحه سليمان فرنجية. وجميع هذه المحاولات باءت بالفشل. وكانت المحاولة الأخيرة المنتجة هي ترشيحه للعماد ميشال عون. وهذه المحاولة الأخيرة يبدو أنها ستكون ناجحة.
ما أن بدت إمكانية نجاح هذه المحاولة حتى بدأت الترانيم الجنائزية لما قام به الحريري من القضاء على استقلالية لبنان وعلى إرث والده الرئيس رفيق الحريري، على ألسنة حلفائه ومحازبيه. وهذا ما جعلني أذكر تلك الأقصوصة التي تتحدث عن امرأة عجوز تعيش وحيدة مع هرها. رأت أن تعلمه الكلام حتى تتمكن من التحادث معه، خاصة أنها لا ترتاح إلا لصحبته. فعلت المستحيل من أجل ذلك ولم تتمكن من النجاح في مسعاها، إلى أن اهتدت إلى طريقة، ربما سيكون فيها النجاح النهائي. رأت أن تُطعمه ببغاء يتكلم. وفعلت. ولكنه لم يتحدث!
بينما هي جالسة تنظر إليه بأسى، إذا به يناديها بأعلى صونه: إنتبهي إلى السقف إنه يقع عليك. وبدلاً من أن تأخذ حذرها لتنبيهه لها، نظرت إليه مستعجبة ونزل الحجر على رأسها.
هذا ما فعلته الطبقة السياسية. فبدلاً من تطوير المبادرة إن كان فيها نقص، راحت تنعي على الحريري بيعه للقضية. طالبته بالمبادرات، وعندما حصلت المبادرة، نراها ترفض الإستفادة من هذه المبادرة.
هل صحيح أن المبادرة هي استسلام من الحريري لحزب الله الذي لا يقبل برئيس إلا ميشال عون؟
كل اتفاق بين قوى سياسية مختلفة يأتي نتيجة تنازل من الطرفين كل منهما للآخر. وخلاف ذلك، يكون فيه قضاء مبرم على الطرف المهزوم.
قبل الحريري بعون رئيساً للجمهورية ولم يتعهد بأن تنتخب كتلته جميعها العماد عون، لأنه كان يعرف مسبقاً أنه لا يمكنه إلزامها جميعاً.
بالمقابل، اعترف الحزب بالإتفاق الذي جرى بين الحريري وعون وتعهد بالقبول برئاسة الحريري لمجلس الوزراء.
هذا ما جرى بين الطرفين. أما الأخطر مما جرى هو انعكاسات ما جرى على الساحة اللبنانية في المستقبل الآتي!
لقد أعلن الحزب أنه سيفصل بين الملف الإقليمي وبين الملف المحلي، وعقب هذا الإعلان كان قبوله بالتسوية الداخلية التي جرت بين المستقبل والتيار الوطني الحر.
اللافت كان رد الفعل العنيف للرئيس بري على هذه المبادرة وعلى القبول. واعتبر فيها إعادة إنتاج للتوافق التاريخي بين المارونية السياسية والسنية السياسية، علماً أن هذا الكلام بعيد عن الواقعية بعد السماء عن الأرض. الواقع الحقيقي أن هناك مارونية سياسية وسنية سياسية مهزومتان أمام شيعية سياسية منتصرة. وليس صحيحاً أن مهزومين ينتجان انتصاراً. الحريري وعون يتحالفان مع حزب الله المنتصر حتى يتمكنا من الإستمرار في لعب دور سياسي على الساحة المحلية. أما الوضع بالنسبة للحريري فيختلف نوعياً عن وضع عون.
العالم كله بقيادة أمريكا يقوم بمحاربة الإرهاب السني. والسنة في جميع الإقليم يشعرون بالمظلومية لأن العالم لا يعاملهم بعدالة. وهذا الشعور بالمظلومية يكون أرضاً خصبة لتوليد الحركات الإرهابية. هذا لا يعني ميكانيكية توليد الحركات الإرهابية مطلقاً. ولبنان هو ساحة سنية كغيرها من الساحات. وما يميز السنة في لبنان انتشارهم على كامل الأراضي اللبنانية. الحريري هو السياسي السني الوحيد الذي يملك تأثيراً على امتداد الساحة اللبنانية.
إن إصرار حزب الله على الإستمرار في المشاركة في الحرب السورية يتطلب استقرار الساحة الداخلية. هذا العامل هو الذي يفرض على الحزب الإتفاق مع الحريري لإعادة إنتاج السلطة في لبنان. فالحاجات متبادلة بين الطرفين، وكذلك المصالح.
أما ردة فعل الرئيس بري العنيفة فهي ناتجة عن ما تفرضه ضرورة فصل الملف الإقليمي عن الملف الداخلي من إنخراط الحزب في الإدارة اللبنانية، والذي يؤدي مباشرة إلى خسران بري نصف الوظائف لمؤيديه. فحركة أمل ترتبط بشخص الرئيس. أما الحزب فلا يرتبط بشخص السيد نصرالله. من هنا فتحالف الحريري مع مؤسسة سيكون منتجاً حتماً بعكس التحالف مع شخصية سياسية مهما كانت قوتها.
الخلاصة
إن ردود الفعل التي قام بها بعض المؤيدين للحريري تدل على أنهم لم يأخذوا مبادرة الحريري بجميع أبعادها، وخاصة المستقبلية منها!
                                    27 تشرين الأول 2016



الجمعة، 14 أكتوبر 2016

ماذا تريد الإدارة الأمريكية

             
حسن ملاط
لا نريد تتبع النصائح التي أسداها الكثير من الكتاب الصحافيين العرب والأجانب للإدارة الأمريكية في معالجتها للأحداث التي تجري في إقليمنا. فهذه المهمة مستحيلة! لقد بين الرئيس أوباما عقيدته في قيادة الولايات المتحدة بشكل مفصل في حديثه مع مجلة أتلانتيك، وبين أن جميع القرارات التي اتخذها في جميع بقاع الأرض كانت تتوافق مع رؤيته. وبالرغم من ذلك، لا يزال الكثير من الكتاب يقولون بأن أوباما غير حاسم في قراراته!
نحن نرى بأن ما تقوم به الإدارة الأمريكية يستجيب بشكل فعلي لسياستها في منطقتنا.
إن الثابتة الأولى في السياسة الأمريكية هي حماية الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين. وحماية هذا الكيان يتطلب مساعدته مادياً، وعليه فقد رفعت المساعدة السنوية من ثلاثة مليارات دولاراً بمقدار 800مليون دولاراً سنوياً. وهي ساهمت بحض الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، على تطبيع علاقاتها مع هذا الكيان. أما الأهم الذي فعلته الولايات المتحدة فهو إخواء الدول العربية من تماسكها الداخلي، بحيث تصبح هذه الدول فاقدة لأية فعالية.
ليس هذا فحسب، بل إنها تريد منع قيام أي تكتل لا تتطابق سياسته مع سياستها. والمؤشرات على هذه السياسة بدت واضحة في تصريحها الأخير عن الوجود العسكري التركي في الأراضي العراقية: "قال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ «الحياة»، إن القوات التركية الموجودة قرب الموصل «ليست جزءاً من التحالف الدولي». ودعا «كل جيران العراق إلى احترام سيادته ووحدة أراضيه»، كما دعا بغداد وأنقرة إلى الحوار «للوصول إلى حل سريع لهذه المسألة والتركيز على عدوهما المشترك داعش، فعلى جميع الأطراف التنسيق بشكل وثيق لتوحيد الجهود في المعركة". وشددت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، على أن «على كل القوات الدولية التنسيق مع الحكومة، برعاية التحالف». وقال الناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) جيف ديفيس، إن «العراق دولة ذات سيادة، وأي قوات على الأرض يجب أن تأخذ موافقة حكومته".
ما هي دلالات هذا البيان؟
علينا التذكير أولاً بأن تركيا هي عضو أساسي في حلف الناتو. كما وأنها حليفة موثوقة للولايات المتحدة، وأن دخول قواتها إلى سورية حظي بتغطية أمريكية، علماً أنه كان مستحيلاً من دون التنسيق مع القيادة الروسية. كما ولا بد من التذكير أيضاً أن حرب تركيا مع داعش أدت إلى اعتبارها من قبل الإدارة الأمريكية أنها من ضمن التحالف، بالرغم من تناقض موقفيهما من قوات الحماية الكردية التي تعتبرها تركيا إرهابية مثل البي كا كا، في حين تعتبرها أمريكا حليفة وتسلحها وترعاها أيضاً.
من المعروف أنه منذ أكثر من سنة كانت القوات التركية في بعشيقة وتقوم بعملية تدريب للقوات الكردية من البيشمركة وبتدريب بعض الأطراف العراقية "السنية". عندما أرادت تركيا زيادة عدد هذه القوات، عندما طُرحت مسألة تحرير الموصل بصورة جدية، اعترض العبادي على هذا الموضوع وطلب انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية. لم تُعلن يومها الإدارة الأمريكية أن القوات التركية ليست من ضمن التحالف الدولي الذي يحارب داعش. ولكن العكس هو الصحيح، فعندما كانت تُعلن القوات الموالية لإيران أن تركيا حليفة لداعش، كانت الإدارة الأمريكية تنفي ذلك. ما الذي استُجد حتى أعلنت أمريكا أن تركيا خارج التحالف وأن عليها أخذ إذن السلطات العراقية في حال تريد الإحتفاظ بقواتها في "بعشيقة" أو المشاركة بعملية تحرير الموصل؟
1- عند فشل المحاولة الإنقلابية في تركيا، تبين أن القوات العسكرية المشاركة في هذه المحاولة تنتمي إلى الألوية الثلاثة التي تتدرب مع الجيش الأمريكي.
2- لم يتصل أي مسؤول من الإدارة الأمريكية بالقيادة التركية مستنكراً هذه المحاولة الإنقلابية.
3- كان الرئيس بوتين هو أول المتصلين بأردوغان مهنئاً إياه بالسلامة لأن الإنقلابيين حاولوا قتله ولم ينجحوا بذلك. وكان الإتصال الثاني من الرئيس الإيراني. هذا مع العلم أن التوتر هو الذي كان يسود العلاقات السياسية بين كل من روسيا وإيران من جهة وتركيا من جهة ثانية بسبب الموقف من سورية.
4- شنت الإدارة الأمريكية وصحفها إلى جانب حلفائها الغربيين حملة مركزة على السلطات التركية بسبب حملة التطهير التي قامت بها الأخيرة ضد الإنقلابيين. كما أن أمريكا رفضت تسليم غولن المتهم الرئيس من قبل تركيا بالمحاولة الإنقلابية، والموجود في الولايات المتحدة الأمريكية.
5- جاهرت تركيا باتهامها للإدارة الأمريكية بالضلوع بالمحاولة الإنقلابية، بشكل أو بآخر، وبادرت فوراً إلى تحسين علاقاتها مع روسيا وإيران بشكل لافت. فقد عادت العلاقات الإقتصادية المقطوعة بين روسيا وتركيا إلى سابق عهدها، وتم التوقيع على البدء بتنفيذ مد أنابيب الغاز في البحر الأسود...إلخ وزار أردوغان بوتين ورد الأخير الزيارة. أما على الصعيد الإيراني فقد زار ظريف، وزير الخارجية الإيراني، تركيا ثلاث مرات خلال شهر واحد...
علينا النظر إلى تصريح الخارجية الأمريكية من ضمن هذه المعطيات جميعها. ليس هذا فحسب، بل علينا أن نُضيف أيضاً، أن الكلام عن تحالف أو تفاهم وتنسيق بين روسيا وتركيا وإيران كان ولا يزال جدياً.
أ‌-    دخلت القوات التركية سورية بعد تفاهم مع روسيا وإيران. فهذان الطرفان اللذان يشاركان بنشاط في الحرب الدائرة في سورية لم يتفوها بكلمة عن التدخل التركي، علماً أنه كان ممنوعاً على الطيران التركي التحليق في الأجواء السورية.
ب‌-                    ما أن أعلنت السلطات العراقية موقفها من الوجود العسكري التركي وصمت الطرف الإيراني، حتى سارعت المملكة العربية السعودية إلى تلقف الموضوع وفتح طريقاً واسعاً للعلاقات البينية الخليجية التركية. وهذه هي التطورات التي حصلت خلال فترة وجيزة جداً:
1-   اعتبر مجلس التعاون الخليجي، منظمة "فتح الله غولن"، الضالعة في محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، "منظمة إرهابية".
3-   استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وزيري الخارجية والاقتصاد التركيين مولود جاويش أوغلو، ونهاد زيبكجي، على هامش زيارة يقومان بها للرياض.
وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن اللقاء جرى في مكتب العاهل السعودي بقصر اليمامة في العاصمة الرياض، و"استعرض العلاقات الثنائية، وآفاق التعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات".
هذا على صعيد العلاقات التركية الخليجية. أما على صعيد العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني، فقد قال وزير طاقة الكيان الصهيوني "يوفال ستينيتز"، إن الأخيرة تفكر في نقل الغاز الطبيعي إلى القارة الأوروبية عبر تركيا.
كما وأن الكيان الصهيوني، مساهمة منه بتخفيف الحرج عن إردوغان، فقد بحث وزبر الطاقة والموارد الطبيعية التركي، براءات ألبيرق، مع نظيره الإسرائيلي، يوفال ستينيتز، سبل توفير الكهرباء للفلسطينيين، بما في ذلك محطتي الطاقة الكهربائية في جنين وغزة.
كيف يمكن الربط بين جميع هذه المعطيات؟
بعد مرور أشهر على المحاولة الإنقلابية، لا تزال أنقرة تُصعد ضد الولايات المتحدة لعدم تسليمها غولن من أجل محاكمته. فقد قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن المسؤولين الأمريكيين لم يدركوا على ما يبدو جدية طلب تركيا تسليم رجل الدين فتح الله كولن الذي تنحي أنقرة باللائمة عليه في تدبير انقلاب فاشل في يوليو تموز. وهذا يعني أن الخط التي تمشي فيه تركيا بتوثيق علاقاتها مع روسيا وإيران لا زال مستمراً. فما كان من الإدارة الأمريكية إلا أن زرعت إسفيناً في هذه العلاقات بتأييدها إيران على تركيا في المسألة العراقية، باعتبارها التدخل التركي غير قانوني. وسكوت إيران على التصريح الأمريكي يعني القبول بمضمونه. وبما أن الموصل الذي تملك حدوداً مشتركة مع تركيا، والتي تضم الجالية الأكبر من أصول تركية كما وأن أكثريتها "سنية" وليست "شيعية"، يجعل تراجع تركيا عن التدخل مسنحيلاً. وإذا كانت إيران بصراعها مع السعودية تحت العنوان المذهبي يجعل تأييدها لتركيا شبه مستحيل، تكون أمريكا قد تمكنت من منع تطور العلاقات السياسية بين إيران وتركيا. علماً أن إيران بإمكانها السكوت عن التدخل التركي في الموصل كما سكتت تركيا عن التغييرات الديموغرافية التي قامت بها إيران في ديالى العراقية المحاذية لحدودها من تهجير لسنة هذه المحافظة واستبدال سكانها بسكان شيعة من أصول إيرانية وأفغانية وغيرها.
إن انفتاح الدول الخليجية على تركيا، وكذلك الكيان الصهيوني فيه إغواء لتركيا بعدم الإنخراط بمحور إيراني روسي بعيداً عن أمريكا، الحليف التاريخي، لما لهذا الإنفتاح من تحقيق لمصالح إقتصادية واعدة. هذا، بالرغم من تأكيد الرئيس التركي على عدم وجود أطماع تركية في الأراضي العراقية. أكد أردوغان على أن "تركيا ليست لديها مطامع ولا في شبر واحد من أراضي وسيادة غيرها، ولا نملك هدفا غير حماية أراضينا وسلامة المسلمين في المنطقة".... "لا يمكن أن نبقى متفرجين حيال ما يحدث في العراق، ولا يمكن أن نصم آذاننا لدعوات أشقائنا هناك". هذا النداء يدل على مدى حراجة الموقف التركي إزاء الأقلية التركمانية في الموصل وكذلك الأكثرية السنية، بعد ما حصل في صلاح الدين والأنبار على أيدي الميليشيات العراقية التابعة لإيران. ولكن العبادي لم يرد أن يستمع بسبب تأييد الإدارة الأمريكية لمواقفه وسكوت إيران لما في موقفه دعم لمصالحها الآنية وليس الاستراتيجية. بدوره وصف المكتب الإعلامي للعبادي تصريحات أردوغان، "بغير المسؤولة"، معتبرا أن الحديث مع الجانب التركي "لم يعد مجديا".
ما تقدم يبين أن الإدارة الأمريكية بصدد جر المنطقة إلى مزيد من التفتيت وإلى منع قيام أي تكتل يملك إمكانية الدفاع عن مصالحه، برشوة هنا أو بإغواء هناك. وارتباط مصالح جميع الأطراف مع أمريكا بوصفها قائدة العولمة النيوليبيرالية يجعل مقاومتهم لإملاءاتها ضعيفة. إضافة إلى الإستنزاف الذي يصيب جميع الأطراف بسبب انخراطهم في الحروب الدائرة سواء في العراق أو سورية أو اليمن.
                                        14 تشرين الأول 2016






                         


الأحد، 2 أكتوبر 2016

حلب وديرالزور!

                  
حسن ملاط
منذ زمن بعيد كانت "الخرائط" تلعب دوراً أساسياً في حياة الناس والمجتمعات. من القبائل والعشائر والأفخاذ، إلى الأمم والطوائف والمذاهب والطبقات والأحزاب. ومن الجبال والأنهر، إلى الصحاري والبحار والمحيطات...
كنا نتحدث عن الهجرات وكأنها توقفت! ماذا جرى في ليبيا والعراق؟ وماذا يجري في سوريا؟ ألم يحدث مثيله في جورجيا وأوكرانيا؟ انهار الإتحاد السوفياتي، وبقيت العلاقات على قوتها بين روسيا وروسيا البيضاء وبين روسيا وكازاخستان. أليس الخريطة الجغرافية والديموغرافية من فعل ذلك؟
لنعد إلى سورية... ماذا يحصل الآن؟
اتفقت روسيا وأمريكا على وقف القتال في سوريا. وكان الإتفاق سرياً. لم تقبل أمريكا بإذاعة بنوده حسب روسيا. وكشف بنود الإتفاق من أي من الطرفين سوف لن يكون صحيحاً، لأن كل منهما سيذيع الإتفاق بما يتوافق مع مصالحه. يمكن معرفة بنود الإتفاق إذا أذاعوه سوية فقط. على كل حال، أذيعت بنود الإتفاق أم لم تُذع، لن يُغير من الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري شيئاً.
ما هو دور كل من الأطراف الفاعلة بتدمير سورية؟
أمريكا
ما تريده أمريكا هو أن تصبح جميع دول الإقليم من دون أية فعالية، مجتمعاتها مفككة إلى طوائف ومذاهب وإتنيات، يستحيل إعادة اللحمة لها بعد هذه الحروب البينية المدمرة. واستمرار الحرب في ليبيا والعراق واليمن وسوريا، وتجييش مشاعر العداء بين مختلف مكونات المجتمعات هي حتى تطمئن الإدارة الأمريكية إلى استحالة بناء دول تتمكن من تأمين استقلالها عن العولمة النيوليبيرالية واستحالة تحرير الأراضي المحتلة من براثن العدو الصهيوني.
روسيا
ورثت روسيا الإتحاد السوفياتي من دون أن تتمكن من وراثة الدور العالمي الذي كان يقوم به. وحيث أنها تسيطر على ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، تود أن يكون دورها السياسي موازياً لقوتها العسكرية. وبما أنها متخلفة إقتصادياً ويُعتبر اقتصادها ريعياً، لذلك ترى نفسها خاضعة للسوق العالمية التي تتحكم بها أمريكا من حيث تحديد أسعار السلع الرئيسية التي يقوم عليها الإقتصاد الروسي (نفط، غاز ومعادن...). تدخلت في الشيشان وأخضعتها عسكرياً، وكذلك فعلت في جورجيا وأوكرانيا. وهذا ما تفعله الآن في سوريا. أمريكا لا تقبل أن تصنف روسيا إلا كدولة إقليمية مهمة. روسيا تفرض وجودها في سوريا بقوة السلاح. أمريكا لا تقبل إلا بدور محدود لها في هذا البلد. من أجل ذلك نرى أن الإتفاقات التي يتوصل إليها الطرفان، لا تُنفذ. عدم تنفيذ هذه الإتفاقات يترك آثاراً سلبية على الروس، لمشاركتهم الفعلية بالحرب. أما أمريكا، فقد وضعت أجندة لحركتها، بحيث لا تتأثر بالتغيرات القائمة. روسيا اضطرت حالياً لمضاعفة ترسانتها العسكرية. وهذا الأمر ينطبق على حلفائها أيضاً. أمريكا تقاتل بحلفائها. روسيا تقاتل هي وحلفاؤها.
صحيح أن روسيا تكسب الآن بتوريط إيران بحرب لصالحها، لن يستفيد منها الإيراني شيئاً، ولكن هذا لن يعوض الخسائر الروسية التي تبلغ أكثر من ثلاثة ملايين دولاراً يومياً.
تركيا
تركيا، حصتها محفوظة من جميع الأطراف. مهمتها إبعاد "الدولة الإسلامية" عن الحدود التركية وقد فعلت. ومهمتها الخاصة هي الفصل بين مختلف المناطق الكردية في سوريا، لأنها تتهم الأكراد بتبعيتهم لل"بي كا كا"، عدوها الرئيسي. وقد فعلت أيضاً. وهذه المهمة نالت استحسان الإيرانيين والنظام السوري أيضاً، ولكنها مسألة معلقة مع الإدارة الأمريكية.
إيران
وهي الطرف الذي أخذ الكثيرمن أمام شعبه ليقدمه من أجل الحفاظ على النظام السوري. فإيران تعتبر أن بقاء هذا النظام يؤمن لها مصالحها في المنطقة. من أجل ذلك، جندت له ميليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية وغيرها، بالإضافة إلى مشاركة حزب الله اللبناني المعلنة. ولكن المؤشرات تعطي انطباعاً أن "التضحيات" الإيرانية تصب في سلة الروس والنظام. كما وأن المعركة الوحيدة التي يمكن أن تخدم التوجه الإيراني هي معركة القصير.
الخريطة السورية تقول أن المنطقة الساحلية، حيث توجد القواعد العسكرية الروسية سوف تكون منطقة نفوذ روسية، خاصة بعد تعزيز الترسانة العسكرية بأسلحة جديدة. وهذه ستمتد حتى حلب. أما دمشق وريفها امتداداً إلى درعا ستكون المنطقة التي سيسيطر عليها النظام الرسمي، كائناً من كان الرئيس، خاصة أن الكيان الصهيوني لن يقبل بتواجد إيراني في جوار الأرض المحتلة ولا يقبل أيضاً بوجود لحزب الله.
 يبقى لإيران أن تحلم بشريط يمتد من شرقي لبنان مروراً بحمص فديرالزور فديالى العراقية إلى أن تصل إلى الأراضي الإيرانية. هذا من حيث الجغرافيا، أما من حيث الديموغرافيا، فهذا يستدعي عملية تهجير محدودة من ديرالزور كما يحصل في حلب وكما حصل في دمشق وكما حصل في ديالى أيضاً. ولكن تنبه أمريكا لهذا المخرج الذي يجعل الجميع منتصراً، دفعها إلى الإغارة على الجيش السوري الموجود في ديرالزور، وكأنها رسالة معلنة لرفضها لهذا المخرج.
السؤال الذي يطرح نفسه، لم تحارب إيران في سورية؟ وهل ستستمر بالسماح للروس والنظام باستغلال "تضحياتها" إن كانت ستخرج من "المولد من دون حمص"؟
النظام
النظام الصوري ستكون حصته دمشق وضواحيها إلى درعا، حيث يعيش بأمان وسلام مع العدو الصهيوني.
أما الداخل السوري فهو أرض استنزاف الأطراف المشاركة في الحرب على الشعب السوري، إلى أن تجد الإدارة الأمريكية ضرورة لإيقاف الحرب بشكل متناغم مع العراق واليمن وليبيا ربما.
خلاصة
إن هذا التصور هو الذي يجعل شعوب هذه المنطقة قبائل تتعامل مع بعضها البعض بهذه العقلية، بحيث يصبح من شبه المستحيل أن تصل إلى تضامن اجتماعي فيما بينها، شرط اللحمة الوطنية المستقبلية. هذا ما يحافظ على استمرارية الكيان الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين. كما ويؤمن نهب الخيرات التي لا تزال متبقية في بلادنا لصالح العولمة النيوليبيرالية.

                                           2 تشرين الأول 2016