بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الاثنين، 31 ديسمبر 2018

الانسحاب الأمريكي من سورية

        
تقديم
بدأت تتضح الصورة حول الانسحاب الأمريكي من سورية. الانسحاب الذي فسرته بعض الأطراف التي دفعت غالياً ثمن تدخلها في هذا البلد من دون أن تعرف ما الذي ستجنيه نتيجة لهذاالتدخل.
وهل صحيح أن الانسحاب المحتمل جاء نتيجة عزوف الادارة الأمريكية عن التدخل في سورية؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
دعونا نعود إلى الصورة الحقيقية لهذا القرار الذي سيتم "بتمهل"، حسب ما أدلى به الرئيس الأمريكي.
في البداية، أعلنت الادارة الأمريكية بوضوح أن تدخلها في سورية هو للآطاحة بالحكومة القائمة الداعمة للإرهاب والحليفة لإيران. كما أن هذه الادارة قدمت بعض المساعدات الغير نوعية لبعض المنظمات التي كانت تقاتل النظام السوري والقوى الحليفة له.
بعد وصول القوى المؤيدة للنظام إلى طريق مسدود في قتالها مع المجموعات المعادية، طلبت إيران من الرئيس الروسي التدخل لدعم النظام من الانهيار.
الروسي لبى النداء مرفقاً بوضع شروط تنتقص من سيادة الدولة السورية على أراضيها. من هذه الشروط إقامة قاعدة جوية في حميميم لا يحق للجانب السوري الدخول إليها أو تفتيش ما يدخل إليها أو يخرج منها. كما ولا يحق للجانب السوري معرفة أي شيء عما يجري داخل القاعدة.
وإلى جانب هذه القاعدة كانت قاعدة طرطوس البحرية. وأهم ما في الاتفاقية، أنه لا يحق لأي جانب بمفرده إلغاء هذه المعاهدة كما وأنه في حال الاتفاق على انسحاب القوات الروسية تكون مدة الانسحاب سنة واحدة. ومدة الاتفاقية 40 سنة قابلة للتجديد.
ليس هذا فحسب، بل إن الجانب الروسي قد وقع اتفاقات اقتصادية مع الجانب السوري تتعلق باستخراج النفط والغاز وخاصة من البحر الذي لا يشاركه أي طرف في التنقيب أو الاستخراج. هذا إلى جانب اتفاقات أخرى.
ومن الجدير ذكره أن الجانب الأمريكي لم ينتقد هذه الاتفاقيات ولم يُعلق عليها بشكل سلبي. وعندما سُئل بريجنسكي عن التواجد الروسي في سورية أبدى عدم اهتمامه بالموضوع، وأضاف أن بإمكان القوات الأمريكية طرد الروس من المنطقة ولكن هذا الأمر لا يعنيهم.
أما الإدارة الأمريكية فقد بعثت بخمسين جندياً (مسمار جحا) إلى المنطقة الشرقية حيث يوجد النفط لتراقب تحركات القوى التي تسميها ارهابية. كما أنها كانت ترعى القوات الكردية، بالرغم من اعتراض حليفتها تركيا.
بعد تقدم القوات الروسية وقوات النظام، أصبح المطلب الأمريكي منع إيران من التمدد وإيجاد طريق آمن يمتد من إيران حتى لبنان من أجل نقل السلاح إلى حزب الله.
ومنذ فتح المفاوضات بين تركيا، إيران وروسيا، أصبح المطلب الأمريكي إبعاد القوات الإيرانية عن الحدود الفلسطينية هي وحزب الله.
أعلن الأمريكي إيقاف أي مساعدات للمعارضات السورية باستثناء قوات الأكراد. وهذا ما مكن النظام وحلفاءه من الاستيلاء على كثير من الأراضي التي كانت تحت ظل المعارضة. وقد أيد الجانب الأمريكي المفاوضات الروسية التركية حول المناطق الآمنة والتزم بها.
أما وأنه يبدو أن جميع الأطراف هي بتوجه إيجاد حل نهائي للوضع السوري، أعلنت الادارة الأمريكية أنها تلتزم بمطالب العدو الصهيوني بإبعاد القوات الإيرانية والقوات الموالية لها مسافة أربعين كلم عن الحدود الفلسطينية. أعلنت روسيا التزامها بتنفيذ هذا المطلب. ثم تغير المطلب الصهيوني إلى إبعاد هذه القوات 100 كلم. التزمت جميع الأطراف بهذه المطالب. ولكن العدو أصبح يطالب بانسحاب القوات الإيرانية والقوات الحليفة من سورية نهائياً. كما ومنع إيران من نقل الأسلحة لحزب الله.
أما الموقف الإيراني فقد تطور تبعاً لتبدل المعطيات على الأرض السورية. أعلن الإيراني أنه موجود في سورية بصورة شرعية بناء لاستدعاء من الحكومة السورية المعترف بها دولياً. بعد الاعتداءات الصهيونية المتكررة والتي كانت تشترط منع إقامة قواعد عسكرية إيرانية في سورية، أعلنت إيران على لسان مصادر رسمية أنها لا تمتلك أية قواعد عسكرية في سورية.
هذا الإعلان يعني تراجعاً من قبل الإيراني إزاء العدو الصهيوني، لأن العدو لا علاقة له بالعلاقات بين سورية وإيران وطبيعتها.
أما على صعيد علاقتها مع الجانب التركي والروسي، فكان الناظم لهذه العلاقات هو الاتفاقات البينية التي كانت تحصل بعد الاجتماعات المتكررة بين هذه الأطراف.
الجانب التركي يهمه القضاء على كل إمكانية لتحرك كردي "معادي" من الأراضي السورية. لم يتجاوب معه الجانب الأمريكي الذي كان يتمسك بالبقاء في سورية. ولكن الإدارة الأمريكية أعلنت أخيراً ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية باستثناء القوات الروسية. ولكن روسيا أعلنت من جانبها ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية بما فيها الروسية أيضاً.
وهذا يعني ضمناً ضرورة انسحاب القوات الإيرانية وحلفائها. في الوقت الذي قامت به روسيا بتنسيق الوضع في إدلب مع القوات التركية المتواجدة في هذه المدينة.
ماذا يعني الانسحاب الأمريكي؟
انطلاقاً من المعطيات التي أوردناها، بالاضافة إلى الهجمة العربية لحلفاء أمريكا على تطبيع علاقاتهم مع النظام السوري، يمكننا القول، أن النظام السوري أصبح مدجناً بالشكل الذي يُرضي الإدارة الأمريكية. ولا يخرج عن هذا الإطار الإيراني أيضاً الذي صرح مراراً وتكراراً أنه لا قواعد له في سورية. وبما أن الوضع على الحدود الفلسطينية هادىء، فلم يعد هناك من ضرورة للتواجد الأمريكي.
إن أكثر ما يثير الانتباه هو إعادة تركيز المرتبطين بالنظام السوري وليس بالنظام الإيراني على عروبة سورية وضرورة إحياء العلاقات العربية... وهذا الخطاب لا يلجأ إليه النظام إلا عندما يريد إقامة مسافة ما بينه وبين النظام الإيراني.
بكلمة واحدة، الوضع في إقليمنا لم يعد يُشكل أي خشية للإدارة الأمريكية، لذلك قررت الانسحاب. الإدارة الأمريكية لم تتغير، ولكن بقية الأطراف هي التي تغيرت.
جميع الأطراف تؤمن بالهيمنة الأمريكية، فهي تقبل بالخضوع من دون مقاومة رافعة شعار"المجد للدولار"، كما يقول صديقنا العزيز!
                                  31 كانون الأول 2018

الأحد، 23 ديسمبر 2018

تحديد العدو


من سيرة المصطفى

   يقول تبارك وتعالى موجهاً خطابه للمؤمنين: "إن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدواً". (فاطر 6 ). إن الله تبارك وتعالى يريد من المؤمنين أن يكونوا إيجابيين بمقاتلة العدو، أي أن يبادروا بعداوتهم للشيطان. وحيث أن الشيطان يمكن أن يكون إنساناً، فهذا يعني أن مبادرته بالعداوة ممكنة. أما إذا كان من الجن مثلاً، فنستعيذ بالله منه حيث أنه من عالم الغيب الذي لا يمكننا ولوجه.
   بما أن الله أمرنا أن نتخذ الشيطان عدواً فهذا يعني أن الخطوة الأولى هي تحديد هذا العدو. هل أن تحديد العدو هي ممارسة ذاتية أم ممارسة موضوعية. نعتقد أن الجواب على هذا السؤال يتطلب، بل يفرض علينا العودة إلى من "كان خلقه القرآن"، يفرض العودة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. علينا أن نعود إلى سيرة المصطفى حتى نعرف كيف كان يحدد عدو المسلمين وعدوه. فحديثنا نحن لا ينطلق من منطلقات فردية، بل من منطلقات تتعلق بالمجتمع الذي نعيش فيه.
   مكة: كانت مكة حاضرة جزيرة العرب. "المتتبع لتاريخ مكة وجغرافيتها، يجد أنها كانت وادياً غير ذي زرع، لا ماء فيه ولا شجر، تحيط به الجبال الوعرة من كل الإتجاهات. ولم يكن يتصور أن تكون في يوم صالحة للحياة، لكن حكمة الله سبحانه وتعالى تجلت في أن يجعلها قبلة الناس حين أمر سيدنا إبراهيم، وابنه عليهما السلام، بالهجرة إليها، فتحققت المعجزة الخالدة بتفجر عين زمزم فيها، وبناء البيت العتيق (الكعبة) ليصبح مكاناً مقدساً يفد إليه الناس، ركباناً ورجالاً، ليؤدوا فريضة الحج، حيث أصبحت مكة قبلة العالم ومحط الأفئدة. وقد صور القرآن هذه المراحل في عدة آيات. يقول تعالى: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"(37إبراهيم). وقوله تعالى: "أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون".(72 النحل) وقوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر. قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير".(128 البقرة) هذه القدسية والخصوصية جعلت لمكة مكانة إقتصادية مرموقة عبر التاريخ، من خلال القوافل التجارية وأسواقها، ولكن المصادر لم تقف على تاريخ محدد لنشأة الأسواق في مكة. ويبدو أن القبائل التي كانت تحكم مكة قبل قريش(جرهم وخزاعة) لم ترجح موقعا ًآمناً لإقامة الأسواق فيها، مما يؤكد أن أمر الأسواق ظهر في مكة بظهور قبيلة قريش، خاصة في عهد زعيمها التاريخي قصي بن كلاب".
   "ازدادت مكانة مكة عندما قامت على أمرها قبيلة قريش، التي اشتهرت بتنظيماتها الإدارية وحنكة رجالها. وقد ذهب أحد الباحثين إلى أن تاريخ مكة الحقيقي يبدأ منذ تولي قصي بن كلاب القرشي أمر مكة، في منتصف القرن الخامس الميلادي تقريباً (ولكن الثابت أن تاريخها أقدم من ذلك بكثير. فقد أثبتت دراسات حديثة أن اليهود والنصارى كانوا يحجون إلى مكة وليس إلى بيت المقدس). فقد قام قصي بعدة أعمال جعلت مكة مركزاً إقتصادياً مرموقاً. والمعروف أن مكة في عهد قريش أقامت علاقات متنوعة مع البلدان المجاورة لها كالطائف ويثرب، ومع بعض القبائل التي كانت تقطن على الطريق، لتحمي تجارتها، فحدث لها ما ارادت وازدهرت أسواقها".
   "جاء ذكر قريش صريحاً في القرآن والسنة. فلا غرابة أن يصف القرآن قبيلة قريش وتجارتها في سورة قريش: "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".(سورة قريش) وقد أشارت المصادر والدراسات إلى مصطلح الإيلاف، وتجارة قريش، ورحلة الشتاء والصيف، وبينت دور قادتهم في بناء أحلاف ومعاهدات مع قبائل ودول كبرى، لإبرام صفقات تجارية، كالروم والفرس واليمن والحبشة. فأصبحت مكة بسبب إتفاقية الإيلاف موقعاً متميزاً على طريق التجارة العالمية آنذاك، مما ساهم في ازدهار أسواق مكة وتجارتها".
   "وردت في كتب السنة عدة أحاديث في قبيلة قريش وفضلها ومكانتها، وهذا الأمر حددت له العديد من مصادر الحديث أبواباً وفصولاً".
   "بعد حملة أبرهة الحبشي لهدم الكعبة المعظمة، والمؤرخة بعام الفيل (570 – 571 ) والواردة في سورة الفيل: "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول". زاد صيت القرشيين الذين لم يتصدوا لهذه الحملة متيقنين أن للبيت رباً يحميه، فحدث ما تيقنوه، وباءت الحملة بالفشل، مما زاد في مكانة مكة دينياً وارتفعت مكانة قريش، فاشتهروا بأنهم أهل الله، وولاة الكعبة، وجيران الحرم".
   "يمثل القرن السادس الميلادي بعداً إقتصادياً جيداً لقريش، حين أمسكت مكة بزمام التجارة في بلاد العرب، فطريق التجارة الذي يمر بها أصبح أكثر أمناً بعد إتفاقية الإيلاف، وأصبحت مكة في منآى عن الصراع الدولي القائم آنذاك بين الفرس والروم، وخاصة حين أخذت قريش مواقف حيادية اتجاه الأطراف".
   "أشارت الدراسات إلى أن مكة أصبحت بعلاقاتها الخارجية وأحلافها مع المجاورين لها آنذاك، مركزاً تجارياً تعج أسواقها بالخيرات القادمة من الشام والحبشة وبلاد فارس. وظهرت منها شخصيات قرشية عظيمة، وأسر ثرية قبيل الإسلام في أسواق مكة، ، كعبد الله بن جدعان التيمي، والوليد بن المغيرة المخزومي، وأبي سفيان الأموي. كما كان للنساء نشاط ملحوظ كالسيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت تمارس التجارة في سوق مكة، وكانت معها أختها هالة، فكانتا تبيعان الأدم. ومثلهما هند بنت عتبة التي كانت من النساء الشهيرات بمكة في عمل التجارة بالأسواق، وكانت تصحب زوجها أبا سفيان، في رحلاته للتجارة".
   "صارت أسواق مكة قبل الإسلام وكالات مهمة للروم والأحباش، حيث ظهرت تنظيمات تجارية وتعاملات حسابية، وعملات ونقود، ومكاييل، استخدمت في تلك الأسواق، وقد أكد ذلك العديد من المصادر، خاصة الأجنبية".
   "أشارت المصادر إلى أسواق العرب الموسمية القائمة في الجاهلية وطبيعتها، وما يهمنا منها أسواق مكة. فقد ذكر الأزرقي، وغيره من المؤرخين، عدة روايات عن مواسم العرب وأيامهم وتجمعاتهم بمكة وما حولها، ومفادها: إنه إذا كان موسم الحج، خرج الناس من عدة قبائل يوم هلال ذي القعدة، إلى سوق عكاظ، كل له مكانه، ورايته منصوبة، يضبط كل قبيلة أشرافها وقادتها، ويتم بينهم البيع والشراء مدة عشرين يوماً. ثم يمضون إلى سوق مجنة فيقيمون بها عشراً، أسواقهم قائمة، وإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى سوق ذي المجاز بعرفة، أقاموا بها ثماني ليال أسواقهم قائمة. وكان يحضر هذه الأسواق التجار ومن يريد التجارة. وكان العرب لا يتبايعون في يوم عرفة، ولما جاء الإسلام أحل الله لهم ذلك. قال تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم".(البقرة 198) وفي قراءة أبي بن كعب "في موسم الحج"، يعني: منى وعرفة وعكاظ ومجنة وذي المجاز، فهذه مواسم الحج. وقد وضع البخاري في صحيحه باب "الأسواق التي كانت في الجاهلية فيتبايع بها الناس في الإسلام".                                                                     المصدر (http://www.kunoooz.com/vb374/showthread.php?p=180900)
   ومن الجدير ذكره أن العرب كانوا يتناشدون الشعر في الأسواق ويتبادلون الأسرى ويدعو كل منهم إلى ما يؤمن به.
   ما تقدم يبين أن مكة كانت قبلة العرب الأولى في جميع ما يتعاطى به العرب آنذاك. المكانة الدينية، المكانة الإقتصادية والمكانة العسكرية، حيث أن قريشاً كانت تملك جيشاً شبه منظم هم الأحابيش الذين كانوا يقومون بالذود عن قريش عندما يُطلب منهم ذلك. هذا، ومن دون أن ننسى الهالة التاريخية التي تحملها قريش لوجود الكعبة في بلدها، وخدمتها المجانية للحجيج.
   مكانة مكة وقريش يعرفها النبي عليه السلام. فهو يعلم أن قريشاً هي العقدة في جميع جزيرة العرب. من هنا فإن ضرب هذه العقدة تجعل جميع العقد تتحلل من دون لأي ولا تعب. لذلك، بعد ان استقر بالنبي عليه السلام المقام في المدينة (يثرب)، باشر ببعث السرايا لملاحقة قريش بتجارتها، وخاصة تلك التي تذهب إلى الشام. ونحن نعلم أن عصب الاقتصاد المكي (القرشي) هو التجارة. فعندما تصبح طريق القوافل غير آمنة فهذا يعني تهديداً للإقتصاد المكي، وليس للإقتصاد فقط، إنما لمجمل الدور التي تلعبه هذه القبيلة القائدة لجزيرة العرب.
   هذا ما جعل النبي يحدد أن قريشاً هي العدو. ومن ينتصر على هذا العدو يسود على جزيرة العرب بمجملها. وقد كان تحديد الرسول صلوات الله وسلامه عليه للعدو صحيحاً على الإطلاق لأنه بعد فتح مكة، أي الإنتصار على قريش كان عام الوفود. العام الذي دخل فيه العرب إلى دين الله أفواجاً، من غير بعوث ولا إغارات.
   لمن يريد الإستزادة في هذا المجال فليرجع إلى السرايا والغزوات التي قام بها النبي أو أرسلها فسوف يجد أن مجملها كان ضد قريش. والقليل القليل منها كانت لتأديب من يتطاول على المسلمين أو يتآمر مع العدو أي مع قريش عليهم. وهنا علينا أن نتذكر أن الوثيقة التي درسناها في المقالة السابقة، كانت هذه الوثيقة تحرم على أصحابها أن تتعامل مع قريش أو تؤازرها.
   وننهي فنقول أن من يسيطر على عصب الحياة، أي على الإقتصاد، ويملك القوة العسكرية، ويستخدمهما في استغلال واستعباد العالم يكون هو العدو، وانهياره يعني إنهيار جميع مفاصل الإستغلال والإستبداد والإستعباد في العالم.
   أما في منطقتنا العربية، فالكيان الصهيوني هو الذي احتل فلسطين وطرد أهلها، وهو الذي يمنع أي تطور للعرب لأنه يعتدي عليهم باستمرار، كما أنه يمنع الوحدة بين العرب لوجوده بين القسم الأسيوي والإفريقي للوطن العربي. لكل ما تقدم نقول أن العدو المباشر لأمتنا هو الكيان الصهيوني، ولا تتقدم هذه الأمة إلا إذا تمكنت من القضاء على هذا لعدو. من هنا ضرورة التوجه الكلي من قبل العرب والمسلمين إلى حل القضية الفلسطينية بالقضاء على الإستعمار الإستيطاني الصهيونيي.
كما وأن الهيمنة الأمريكية على بلادنا، سواء اقتصادياً أو عسكرياً، عبر تواجد قواعدها العسكرية في البر والبحر، يجعل من هذه الإدارة العدو الأول لجميع شعوب العالم بما أنها هي مركز العولمة النيوليبيرالية التي تنهب جميع الشعوب.


السبت، 8 ديسمبر 2018

الوضع اللبناني بعد المستجدات الاقليمية

           
حسن ملاط
مقدمة
منذ بدء الأحداث في سورية والتي كانت بقصد تغيير الوضع السوري لصالح الأكثرية الساحقة من الشعب، تحولت هذه الأحداث إلى حرب على الشعب السوري، شاركت فيها قوىً متصارعة تتبع كل منها محالفة إقليمية.
أما وأن هذه الحرب شارفت على النهاية، بعد أن أُنهكت جميع الأطراف من دون استثناء، فقد أظهر كل طرف ما الذي يريده من مشاركته في هذه الحرب الظالمة.
وبما أن الأطراف التي يمكنها فرض إرادتها أكثر من غيرها، هي الإدارة الأمريكية وروسيا، لذلك علينا معرفة أهداف هاتين الدولتين. وبعدهما يأتي دور الأطراف الإقليمية: إيران، تركيا والكيان الصهيوني.
* أمريكا صرحت مرات عديدة بأنها لا تريد أي وجود لقوات أجنبية في سوريا باستثناء القوات الروسية.
* روسيا تريد انسحاب جميع القوات الأجنبية، بما فيها قواتها أيضاً، ولكن بعد تنفيذ إجراءات معينة.
* إيران صرحت مرات عديدة أنها موجودة في سورية بناء لطلب من الحكومة السورية ولن تُغادر حتى تطلب منها القيادة السورية ذلك.
* تركيا تريد أن تكون المناطق المحاذية لها تحت رقابتها حتى تقضي على أي فعالية لأعدائها من الكرد.
* العدو الصهيوني لا يريد أي تواجد لقوات إيرانية أو من حزب الله اللبناني في المناطق المحاذية للأراضي المحتلة.
هذا ما تريده الأطراف المشاركة في الحرب على الشعب السوري.
ولكن ما هي المستجدات التي حصلت مؤخراً والتي تتطلب نظرة مختلفة للوضع اللبناني؟
1- المستجد الأول: هو أن التهديدات الأمريكية بالعقوبات على إيران أرادتها الولايات المتحدة من دون فعالية حتى تكون أداة ضغط محتملة في محادثاتها الغير مباشرة مع الطرف الإيراني. فالدول الرئيسة المستوردة للنفط الإيراني، هي معفاة من العقوبات لمدة ستة أشهر. أضف أن تركيا أعلنت على لسان كبار المسؤولين أنها لن تلتزم بأية عقوبات على إيران وستستمر باستيراد النفط والغاز الإيرانيين.
كما أن المسؤولين الأمريكان قد صرحوا بأنهم لا يريدون تغيير النظام الإيراني، إنما تغيير سلوكه. وهذا يعني أنهم يريدون اتفاقاً مع النظام الإيراني ينظم التواجد المشترك في المناطق التي تسمح الإدارة الأمريكية للجانب الإيراني التواجد فيها.
أما عن سورية فقد صرح أحد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين أنه لا وجود لقواعد عسكرية إيرانية في سورية. علماً أن التصريحات الإيرانية السابقة كانت تنص على عدم الإنسحاب إلا بطلب من الحكومة السورية. هذه التصريحات تعني تراجعاً سياسياً إيرانياً أمام الضغوط الأمريكية. ليس هذا فحسب، بل إن الجانب الروسي صرح أكثر من مرة أنه بناءً لرغبة العدو الصهيوني فقد تم انسحاب القوات الإيرانية والقوات الموالية لها إلى بعد يزيد على مئة كيلومتر من حدود الجولان المحتل.
أليس هذا تحضيراً لتنفيذ الرغبة الأمريكية بضرورة انسحاب القوات الإيرانية والقوات الموالية لها من سورية؟ ولكن بعد تنفيذ بعض الشروط التي من الممكن أن تشترطها إيران على أمريكا.
2- المستجد الثاني هو استبعاد أي حرب مع العدو الصهيوني. وهذا بارز جداً في ما يحصل من تطورات على الأرض.
ففي سورية كانت جميع الجبهات مشتعلة ما عدا الجبهة مع العدو، من دون أن نعدد التهديدات الفارغة التي كان يُطلقها الجانب الإيراني. وحتى بعد الاعتداءات المتكررة للجانب الصهيوني على القوات الإيرانية وقوات حزب الله، وعندما قررت إيران الرد، فقد كان الرد في المنطقة السورية المحتلة (إيضاح من السيد حسن نصرالله) مع تهديد بتجاوزها حدود الجولان المحتل في حال كرر العدو عدوانه (وقد كرر عدوانه ومن دون رد).
أما إيران فقد أنكرت أنها ضربت العدو واتهمت الجيش السوري بأنه هو من ضرب العدو والذي أنكر بدوره القيام بذلك.
ما ذكرناه يبين بوضوح أن العدو ليس على أجندة أي من الأطراف المتحاربة في سورية.
عن لبنان
بما أن الوضع السوري هو المؤثر الفعلي على الوضع اللبناني، 
وبما أن الوضع السوري هو باتجاه الحل بإشراف أمريكي وروسي مشترك،
وبما أن أمريكا والعدو لا يقبلان بالتواجد الإيراني في سورية،
وبما أن الجانب الإيراني قد أعلن أنه لا قواعد عسكرية له في سورية،
وبما أن لبنان محاصر من قبل سورية من جهة ومن قبل العدو في الجهة الأخرى،
فإن القبول بالنفوذ الإيراني في لبنان لن يكون له تأثير سلبي على الوضع الإقليمي، لذلك فإن الإدارة الأمريكية لن تعترض على هذا النفوذ.
كيف ظهر ذلك؟
لم يكن الاهتمام الإعلامي الإيراني بالوضع الداخلي اللبناني بارزاً خلال أزمة تعثر تشكيل الحكومة. ولكن بعد المستجدات التي تحدثنا عنها، قامت صحيفة كيهان المقربة من القائد بكتابة مقال من دون توقيع، أي يعبر عن رأي الجريدة، يتضمن هجوماً شرساً على الرئيس الحريري. وكان صداه في بيروت معروفاً. من هنا، نرى بأن اللعبة المذهبية والطائفية أصبح مسموحاً بها في لبنان، ومن دون اعتراض من أي من الأطراف الدولية. فلتُنتج الطائفة الأقوى حكومة تعبر عن ميزان القوى الفعلي للأطراف الموجودة على الساحة. وليتم استلحاق جميع الطوائف بالطائفة الأقوى بعد أن يتم تشتيت تلك الطوائف. لقد تم الانتهاء من جميع الطوائف الأخرى باستثناء السنة الذين جاء دورهم الآن.
الحريري لم يعد حاجة لحزب الله في لبنان. الحرب في سورية والتي فرضت التنازل من قبل الحزب لصالح الحريري ولصالح وحدة الطائفة السنية، حتى يطمئن الحزب إلى قاعدته الخلفية، باتت في نهايتها. لذلك، فقد انتفت هذه الحاجة. ومن هنا ضرورة العمل على تفتيت هذه الطائفة كما بقية الطوائف.
إما أن يقبل الحريري بالتركيبة التي يريدها الحزب، وإما الابتعاد عن الميدان. وهذا الموقف لن يعترض عليه أحد سواء من القوى المحلية أو الدولية الفاعلة.
على الجميع أن يعلم أن الفاعل في لبنان هو الحزب ومن ورائه إيران. أما الشرط الدولي الوحيد فهو الاستقرار على الحدود الجنوبية، وهذا حاصل.
        8 كانون الأول 2018 
 

الاثنين، 3 ديسمبر 2018

حول لباس المرأة المسلمة


حسن ملاط
مقدمة
الزي الذي تلبسه النساء أو ذلك الذي يلبسه الرجال هو ظاهرة إجتماعية، تختلف من مجتمع إلى آخر. كما وأنها تتأثر بعوامل عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: المناخ، الغنى والفقر، التقدم الاقتصادي وغيرها من العوامل وأهمها على الاطلاق المفاهيم السائدة في هذا المجتمع. وتأثير هذه العوامل على الزي لا يستدعي إقناع الرجل أو المرأة بارتداء هذا الزي لأن ارتداءه شيء طبيعي. أما الحديث عن الزي في أيامنا هذه فهو ناتج عن اعتبار الأكثرية المطلقة أن الزي مفروض عليهم من خارج.
كيف تحدث القرآن الكريم عن الموضوع
قال ربنا تبارك وتعالى متحدثاً عن زي النساء بهذه الكلمات المختصرات " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها". وعندما تأتي صيغة "إلا ما ظهر منها" فهذا يعني أن جميع الناس يعلمون ما هو مدلول هذا الكلام، لأنه ما أنزل إلا لإفهام الناس ما هو المطلوب منهم، أو منهن إذا كان الحديث موجهاً للنساء. وأما المطولات في أيامنا هذه عن الزي ومتطلباته فهو ناتج عن أن كاتبي هذه المطولات يضيفون إلى كلام الله تبارك وتعالى جميع مفاهيم وعادات وتقاليد الشعوب المختلفة التي دخلت في دين الإسلام.
كلنا يعلم أن الاسلام دين الفطرة، أي أن الانسان يتقبله من غير تعقيد. إنه يدخل قلب الانسان من غير وسائط إصطناعية. من أين نتج التعقيد إذن في جميع الأمور التي يطرحها الناس في هذا الدين الحنيف؟
أتساءل هل كان من المعقول دخول الناس في هذا الدين "أفواجاً" لو كان الدخول فيه يتطلب من الذي يريد أن يؤمن أن يحمل امتيازاً في الفلسفة أو في العلوم؟ إن هذا السؤال يتضمن الجواب وهو أن التعقيد ليس من أصل الدين، إنما الذين فرضوا هذه التعقيدات هم العاملون على إيضاح متطلبات هذا الدين. وعوضاً عن تبسيط المفاهيم، البسيطة أصلاً، كما مر معنا، يعقدونها.
لماذا السؤال عن اللباس الشرعي في أيامنا هذه؟ الأكثرية الساحقة من المسلمين والمسلمات هم كذلك بالتقليد، أي لأن أهاليهم مسلمون. فلماذا لا تطرح الأنثى على أمها المسلمة هذا السؤال وكذلك يفعل الشاب المسلم. ولماذا التحدث عن اللباس الشرعي للأنثى وليس عن اللباس الشرعي للفتى؟ أليس الفتى مكلفاً كما الفتاة؟ (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم)، (وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن). هذا الخطاب القرآني موجه للنساء وللرجال على السواء. وهذا يعني أن المساواة في الخطاب تتطلب أن يرى الرجال والنساء أنفسهم متساوين لأن الله تبارك وتعالى تحدث معهم بنفس الأسلوب. أليس من الطبيعي أن تعرف الأم الاجابة عن السؤال حول اللباس وكذلك الأب؟
إن طرحي لهذه الأسئلة هو حتى أقول أن السؤال عن اللباس الشرعي للفتاة هو سؤال من خارج، إنه سؤال مفتعل، إنه لا يتناسب مع الفطرة. والإسلام دين الفطرة.
أوضح فأقول، إن التشوهات التي أدخلها المجتمع على عقولنا هي التي أفسدتنا. وهذا ما يجعلنا نتذكر حديث نبينا صلى الله عليه وسلم "يولد الانسان على الفطرة فأبواه يهودانه..." إلى آخر الحديث. فالنبي عليه السلام يبين لنا أن المجتمع هو الذي يشوه فطرة الانسان، أو هو الذي يدخل التعقيدات على المفاهيم والممارسات التي تفهم بالفطرة من غير واسطة من أحد.
هل أني بحديثي هذا أقوم بتعطيل دور العلماء أو الدعاة إلى الله تبارك وتعالى؟ بالطبع لا، ولكن ما أدعو إليه هو أن يتواضع العلماء ويطرحوا قضايا ديننا الحنيف بالشكل الذي يمكن عامة الناس من فهم قضاياه. كما وأدعو إلى تواضع من نوع آخر وهو أن لا يعتبر هؤلاء العلماء أنفسهم أشد غيرة على دين الله من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بما يسمى "سد الذرائع" كما جاء في الفتوى التي أوردها شيخنا الجليل يوسف القرضاوي، أطال الله في عمره.
عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس وكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لأن لا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع قال: هكذا ونظر من تحت إبطه، وجافى يديه فأنزل الله عز وجل في شأنهم "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين".أورده الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الاسناد.
عن أسباط بن نصر عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه وائل بن حجر زعم أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد فاستغاثت بهم فأدركوا التي استغاثت به وسبقهم الآخر فذهب فجاؤا يقودونه إليها فقال: إنما أنا الذي أغثتك وذهب الآخر فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم...إلخ. هذه الواقعة رواها البيهقي في السنن الصغرى.
في الروايتين نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب من الأولى أن تغطي وجهها ولم يطلب من النساء عدم المجيء إلى الصلاة في المسجد بحجة "سد الذرائع". كما وأني على يقين أن النبي صلى الله عليه وسلم يغار على نسائنا أكثر من أنفسنا.
قال نافع مولى عبد الله بن عمر: حدثني عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في احرامهن عن النقاب والقفازين وما مس الورس (لون أحمر) والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من الألوان معصفراً أو خزاً أو حلياً أو سراويل أو قمصاً أو خفاً. أورده البيهقي في السنن الصغرى.
عن الحسن قال: رأيت نساءً من نساء المدينة يصلين في الخضاب. أورده الدارمي في سننه.
وعن ابن عباس قال: كن نساءنا إذا صلين العشاء الآخرة اختضبن فإذا أصبحن أطلقنه وتوضأن وإذا صلين الظهر اختضبن فإذا أردن أن يصلين العصر أطلقنه وتوضأن وإذا صلين الظهر اختضبن فإذا أردن أن يصلين العصر أطلقنه فأحسن خضابه ولا يحبسن عن الصلاة. أورده الدارمي في سننه.
ويصف أحدهم عائشة فيقول: ورأيت عليها درعاً مورداً. أورده البخاري في صحيحه.
عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني قال: لا، حتى تغيري كفيك، كأنهما كف سبع. أورده أبو داود في سننه.
قال لامرأة أخرى: ألا اختضبي، تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل. أورده السيوطي في جمع الجوامع.
وعن صفية بنت عصمة عن عائشة رضي الله عنها: أومت امرأة من وراء سترها بيدها كتاباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة، قالت: بل امرأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك، يعني بالحناء. أورده أبو داود في سننه.
عن ابن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مسدد من الاناء جميعاً. أورده أبو داود في سننه.

و عن ابن عمر قال: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء أحد ندلي فيه أيدينا. أورده أبو داود في سننه.
عن ابن عباس قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس، يوم النحر على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من حقم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها – وفي رواية أخرى: فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده وأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها. رواه البخاري ومسلم في الصحيحين والبيهقي في الصغرى.
لو أن هذه القصة حصلت في أيامنا هذه لرأينا من يفتي بعدم ذهاب النساء إلى الحج كما أفتوا بعدم ذهابهن إلى المسجد.
حدثنا عثمان بن عمر: وأما الأمة قبل أن تعتق فرأسها ورقبتها وجذور يديها وقدمها وما يظهر منها حال المهنة ليس بعورة. أورده البيهقي في السنن الصغرى.
إن قراءة هذه الأحاديث تبين بشكل جلي أنه لا تعقيد في لباس المرأة حسب الشريعة الاسلامية، كما وأنه لا تعقيد في علاقة المرأة بالرجل خاصة إذا جعلنا الشرع الحنيف هو ميزان هذه العلاقة.
إن أحد أهم الأسباب التي جعلتنا جميعاً، رجالاً ونساءًً معقدين هو خوضنا في مفاهيم المجتمع الاستهلاكي. هذه المفاهيم التي حولتنا من منتجين إلى مستهلكين. فقد أصبح لزاماً علينا أن نقارن ما يفرضه المجتمع الاستهلاكي علينا من أزياء، نقارنها بما يفرضه علينا ديننا الحنيف. وهنا يكمن المرض. حيث أننا نتصور أن الدين يفرض علينا ممارسة معينة ونحسبها مفروضة علينا من خارج. وكأن الدين لم يعد قناعة داخلية له الأولوية في محاكمة جميع المفاهيم التي نصادفها في حياتنا العملية، فنقبل ما يتوافق مع فطرتنا ونرفض ما لا يتوافق مع هذه الفطرة. والدين لا يفرض ما لا يتوافق مع الفطرة. ولكن مفاهيم المجتمع الاستهلاكي هي التي تناقض فطرتنا وبالتالي ديننا.
فلينظر كل منا إلى نفسه، ألا يستحيي من أن لا يلبس آخر زي فرضه علينا بيار كاردان مثلاً. ألا يستحي من أن لا يلبس حذاءً موجود عليه ماركة معينة؟ ثم يروح أو يلجأ إلى سيل التبريرات أن هذا أقوى وأمتن. ولم يفكر أنه إذا استهلك من مصنوعات بلده يخف ارتباطه بأعداء أمتنا ومضطهدينا، وبالتالي تصبح إمكانية التحرر منهم أقرب منالاً. وهكذا نكون مستهلكين لثقافتهم ومستهلكين لمصنوعاتهم. وكيف سنبني ديننا إذا لم نكن منتجين؟
لايمكننا أن نكون غربيين في فكرنا ومسلمين في عقيدتنا. إن الكلام عن زي المرأة المسلمة فرضه علينا الكم الهائل من الأزياء التي تفرضه علينا دور الأزياء الغربية التي تصادر أموالنا وعقولنا في آن.
أختم فأقول أن إيماننا لا يترسخ حتى يصبح هوانا تبعاً لما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.