حرب القلمون
السورية
حسن ملاط
يتساءل الكثير عن تأثير نتائج معارك القلمون
السورية التي بدأت والتي لا يعلم أحد عن مستقبلها: هل ستتوقف أم أنها ستستمر؟ هل
تطورات الشمال السوري هي التي استدعت فتح هذه المعركة أم تطورات درعا والجولان؟ أم
أن هذه المعركة لها علاقة ما بتطورات التدخل السعودي في اليمن بعد تقدم القوات
الموالية لإيران في ذلك البلد؟ وأخيراً، وهو الأهم بالنسبة لنا، تأثير هذه الحرب
على الداخل اللبناني، سيما وأن أرض المعركة هي منطقة تداخل لبناني سوري؟ سنحاول الإجابة
على ما نراه مهماً.
في هوية المعركة
تتأتى أهمية منطقة القلمون من عوامل عديدة
أهمها خمسة وهي: قربها من دمشق العاصمة، السيطرة على هذه المنطقة يمكن من قطع
الطريق التي تربط دمشق بالساحل السوري وبحمص، وحيث أن الزبداني هو امتداد لهذه
المنطقة، فالسيطرة عليها يمكن من قطع طريق دمشق بيروت، ارتباط المنطقة بعرسال
اللبنانية السنية قد يجعل من هذه البلدة قاعدة خلفية لمعارضي النظام السوري.
وأخيراً، يمكن أن تشكل هذه المنطقة في حال عدائها لحزب الله عنصر ضغط على بيئته
الحاضنة في البقاع.
العوامل التي ذكرناها هي التي تمنع النظام
السوري من جهة وحزب الله من جهة ثانية من إغفال الإنتباه عن أي تطور يحصل في هذه
المنطقة. لذلك يمكننا القول أن المعركة يكاد يستحيل عدم وقوعها، مع عدم استبعاد
الوصول إلى تسوية ما مع المسلحين تجنب المنطقة ويلات هذه الحرب على الصعد كافة،
المادية منها والمعنوية، ونخص بالذكر الشحن المذهبي.
المعركة مطلوبة إذن لعوامل سورية، تخص النظام
وبامتياز.
النتائج المرتقبة وتأثيرها على الداخل
اللبناني
ضرورة التحدث عن نتائج هذه المعركة على
الداخل اللبناني ناتج عن أن أحد أهم الأحزاب اللبنانية هو العنصر الأكثر فاعلية
فيها. عنينا حزب الله.
1 – انتصار الحزب: بما أن الحرب في القلمون
تقوم لأسباب سورية تخص النظام، من أجل ذلك ستكون نتائجها اللبنانية متواضعة. صحيح
أنه في حال انتصار الحزب، فإن الجهة التي سيتراجع دورها نسبياً هي الجهة الحليفة
ل14آذار منافس الحزب الأساسي، ولكن هل يمكن للحزب أن يستغني عن اقتسام السلطة مع
الطرف الفاعل في 14آذار أعني تيار المستقبل؟ الجواب بالطبع لا. وإذا أضفنا إلى ما
تقدم أن التوازن في لبنان قائم على قوى طوائفية مذهبية، كان علينا أن نستنتج أن
التوافق ما بين حزب الله وتيار المستقبل هو قدر للبنان كي يستمر على ماهو عليه
الآن. إن وجود قوى سنية فاعلة أمام تيار المستقبل كان سيستتبع حتماً تغيرات هامة
على صعيد السلطة السياسية ولكن هذه الفرضية لا وجود لها، لذلك نقول بأن انتصار حزب
الله في معركة القلمون لن تكون له نتائج دراماتيكية على الصعيد السياسي اللبناني.
حتى على الصعيد السوري، ستكون النتائج
محدودة. يأتي ذلك من أن الحديث عن التوازنات القائمة في سوريا تعتبر المنطقة
الممتدة من دمشق وحتى الساحل السوري، بما فيها اللاذقية وطرطوس هي من ضمن مناطق
النظام. فانتصار الحزب في القلمون يصلب هذه الفرضية من دون أن يشكل إضافة نوعية،
لاأكثر ولاأقل. ولكن يصبح الأمر مختلفاً إذا تمكن الإيرانيون وحلفاؤهم من تحقيق
نتائج إيجابية في المنطقة الجنوبية: درعا والهضبة السورية المحاذية للكيان
الصهيوني الغاصب.
أما ما يجعل هذه الفرضية الأخيرة مستبعدة، هو
تصريح أحد المسؤولين الإيرانيين بضرورة نقل العاصمة السورية إلى طرطوس لتأمين
الحماية لها. فحماية دمشق تستدعي وجود منطقة القلمون ودرعا والهضبة السورية في
أيدي الموالين للنظام أو الحلفاء. وفرضية نقل العاصمة أو الوثائق تعني إقرارا بعدم
الإمكانية على تحرير هذه المناطق من القوى المعارضة للنظام حالياً.
هذا ما يدفعنا للقول أن النتائج في سوريا
ستكون محدودة في حال الإنتصار.
2 – في حال عدم الإنتصار: علينا التنبيه هنا
على أن حرب القلمون هي بالنسبة للحزب معركة محدودة وليست حرباً مصيرية. فالعدو
الإسرائيلي لايزال يهدد الحزب بالإعداد الحثيث للقضاء عليه. وهذا يستتبع التهيؤ
لهذه الحرب المحتملة في كل حين. من هنا، فإن عدم انتصار الحزب في معركة القلمون لن
يكون له تأثيرات دراماتيكية على التوازنات في الوضع اللبناني. الحزب هو القوة
الأقوى في لبنان منذ الآن وحتى إشعار آخر. كما أن الحزب هو حاجة ضرورية في
الإستقرار الداخلي. لهذه الأسباب، لا يكون منصفاً من يريد بناء نتائج سياسية
داخلية على إمكانية عدم انتصار الحزب في معركة القلمون.
أضف إلى ما تقدم أن مجرد تراجع الحزب إلى
الداخل اللبناني سيضاعف قوته أمام أعدائه الخارجيين الذين يجابهونه. اما الأعداء
الداخليون، فمعركتهم سياسية تقوم على التوازنات على المستوى السياسي. أما عسكرياً
فلا قوة موازية لقوة الحزب، مع ضرورة الإشارة أن استخدام القوة العسكرية في
التوازنات السياسية الداخلية سيصبح محدوداً.
من هنا، نقول بأنه لا يمكن بناء نتائج سياسية
ذات أهمية على عدم انتصار الحزب في معركة القلمون.
3 – أما في حال عدم الحسم، فسيظل الوضع على
ما هو عليه مع ترجيح تسلم القوى الرسمية اللبنانية مهمة التعامل مع القوى الخارجية
في حال اعتدائها على اللبنانيين.
***
يبقى نقطة من المهم الإضاءة عليها. هل أن
الدور العسكري المتعاظم للحزب في الإقليم سيترجم سياسياً؟
نعني بالإقليم الدول العربية مع إضافة إيران
وتركيا. ومن يتابع الأحداث السياسية يرى بأن القوى العظمى تتعامل مع دولنا على
أنها جزء من هذا الإقليم. أما عوامل ضعفنا على مختلف الأصعدة تجعلنا نتعامل مع
الحقائق بشكل جزئي يفقد معه هذا التعامل فعاليته وتأثيره.
إن مجرد إعلان الحزب عن نفسه كحركة مقاومة
للكيان الصهيوني، حجزت له مكاناً ضمن المنظمات الشعبية العربية والإسلامية. وقد
أصبح يملك شرعية التعبير عن استراتيجيته في جميع ما يريد الوصول إليه من أهداف.
أما تصديه اليومي للعدو فقد جعل منه قبلة جميع أعداء أمريكا وإسرائيل في جميع
الدول العربية والإسلامية، كما وأنه تعداها إلى الدول المعادية للهيمنة الأمريكية
وصولاً إلى أمريكا اللاتينية.
رغم تصدي الكثير من الأنظمة العربية لانتشار
الأفكار المقاومة للصهيونية للحزب والمعادية للهيمنة الأمريكية، لم تتمكن هذه
الأنظمة من جبه انتشار تأثير الحزب في كثير من هذه البلدان، إن لم يكن فيها
جميعاً. وأحد أهم العوامل في هذا التأثير كان انتصار أيار 2000 وإجبار الصهاينة
على الإنسحاب من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة من دون قيد أو شرط. وهي المرة
الأولى في تاريخ الصراع الوجودي العربي الإسرائيلي، الذي ينسحب فيها العدو من دون
فرض شروطه كما حصل في سيناء ووادي عربة والجولان السوري المحتل.
أما ولعوامل عديدة لسنا في معرض ذكرها أو
مناقشتها، فقد قررت قيادة الحزب أن يقتصر نشاطه على الشريحة المذهبية التي يمثلها.
وفي هذا الصدد أعلن سماحة الأمين العام أن حزبه يمثل الشيعة هو وتنظيم آخر، وفي
أكثر من مناسبة. فبدلاً من تمثيل طموحات عشرات ملايين البشر، أراد الحزب أن يمثل
طموحات أقل من مليونين من الشيعة اللبنانيين.
ألا يتناقض هذا الكلام مع الدور الذي يلعبه
الحزب في سوريا والعراق والبحرين واليمن؟
بما أن الحزب قد حدد هويته، فهذا يعني أن
الدور الذي أراده لنفسه سيتماهى حتماً مع الهوية التي ارتضاها أيضاً. من هنا
فالدور الذي يلعبه هو دور عسكري مٌفرغ من انعكاساته السياسية التي حددها مسبقاً.
إن النصر أو الهزيمة التي تصيبه ستكون انعكاساتها على من يُلعب الدور من أجله. أما
الترويج للإنعكاسات المحلية على بيئته الحاضنة، فهذا مما لا بد منه من أجل تبرير
مشاركته في معارك بعيدة عن "أهله". وهذا ما يتماثل مع ما أعلنه مستشار
الرئيس الإيراني عندما أعلن أن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، أو مع ذلك
الإعلان الذي قال أن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الإيرانية . إن هذه التصريحات
مهمة لتغطية الخسائر التي يمنى فيها هؤلاء على الصعيد البشري للرد على السؤال
لماذا يموت أولادنا بعيداً عن وطنهم؟
لو أنه يُراد لحزب الله أن يلعب دوراً
سياسياً على صعيد الإقليم الذي ننتمي إليه، وهو قادر على ذلك، لأبقى على شعاراته
التي توحد الإقليم ولما لجأ إلى شعارات تساهم بقسمة الناس على أساس مذهبي. هذا
الإنقسام الذي لا يمكن أن يحصل في الإعداد لمعركة تُخاض ضد إسرائيل أو ضد الهيمنة
النيوليبيرالية.
معركة القلمون معركة محدودة لن يكون لها
انعكاسات دراماتيكية لا على صعيد لبنان ولا على صعيد سوريا، أكثر من تصليب عود
النظام في ظل بعض الإنهيارات إذا تم النصر، أو بالحفاظ على التوازن القائم بين
مختلف القوى في الداخل السوري، الموالية منها والمعارضة.
10 أيار 2015