حسن ملاط
أوفدت الإدارة السعودية مستشاراً في الديوان الملكي إلى
لبنان وعقد اجتماعات مع الرؤساء الثلاثة وقيادات سياسية سنية ومع قائد حزب القوات
اللبنانية سمير جعجع.
والأبرز هو الدعوة التي تلقاها الرئيس الحريري لزيارة
المملكة من الملك سلمان وقد لباها على وجه السرعة.
كان استقبال الملك للرئيس مميزاً، بمعنى معاملته،
بروتوكولياً، كرئيس دولة.
هذا لا يعني أن استقبال الملك له سيُحدد مستقبل العلاقات
بين السعودية والرئيس الحريري شخصياً أو بين السعودية والحكومة اللبنانية. فالقرار
بهذا الشأن هو في مكان آخر... في مكتب ولي العهد، محمد بن سلمان.
ظروف الزيارة
قيل الكثير، ولكننا سنركز على روايتين تبدوان مهمتين،
حسب تقييمنا.
الرواية الأولى والتي تقول بأن القيادة الإماراتية هي
التي مهدت لهذا الموضوع. وهناك إمكانية لقبولها بسبب التنسيق اليومي بين بن سلمان
وبن زايد. كما وبسبب من حملهم نفس التخطيط لإقامة علاقات علنية مع العدو الصهيوني.
ومن المعروف أن الإمارات قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار.
أما الرواية الثانية فتقول بأن القيادة السياسية
السعودية رأت ضرورة لإعادة إحياء العلاقات المتينة مع لبنان حكومة ومجتمعاً وطائفة
سنية. من أجل ذلك قررت إيفاد المستشار في الديوان الملكي إلى لبنان.
التحضير للزيارة
التحضير لهذه الزيارة كان الأسوأ في تاريخ الزيارات بين
الدول. فقد صرح ولي العهد السعودي قبل الزيارة بأن وضع الحريري حالياً هو أحسن من
وضع حزب الله! هذا الكلام يعني إصراراً من القيادة السعودية على الإستمرار في
النهج الذي قامت به مع الرئيس الحريري. فقد اعتبر ابن سلمان أن إجبار الحريري على
الإستقالة أعطى أكله. وهذا الكلام يناقض الواقع. من هنا نرى أن البناء في إعادة
إحياء العلاقة على هذا التصريح يعني فشل الزيارة السعودية واللبنانية.
ماذا تريد السعودية من لبنان؟
ما تريده هو عين ما تريده إيران من لبنان: "قرار
الحرب والسلم مع العدو الصهيوني". وهذا يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للسعودية.
فما يمكنها تقديمه للبنان هو السمسرة مع العدو من أجل عدم العدوان أو التخريب على
الوضع الداخلي اللبناني. بينما إيران تملك ورقة إضافية وهي التهديد بالحرب في حال
عدم التزام العدو بموجبات الهدنة القائمة منذ ال2006.
هذا ما يجعلنا نقول بأن التحضير كان سيئاً.
ليس هذا فحسب، فقد أعلن أن الحريري سيجتمع مع الملك ومع
ولي عهده. وهاكم رئيس مجلس الوزراء اللبناني موجود في السعودية ولا يتسرب أي نبأ
عما يقوم به. ألا يوحي هذا التصرف المرفوض مع رئيس وزراء دولة بأن التعامل مع
الرئيس الحريري لا يتسم بالإيجابية. فمن المستحيل أن يجتمع الحريري مع ابن سلمان
(الجهاز التنفيذي) إذا لم يصل إلى اتفاقات معينة مع مستشاري ولي العهد.
هل الإتفاق ممكن؟
تريد السعودية أن تخرب الوضع القائم في لبنان والذي يحقق
مآرب إيران. وتريد من الحريري أن يقوم بهذه المهمة المستحيلة. الحريري لا يمكنه
لعب الورقة الخاسرة بالنسبة له وبالنسبة لكافة المجتمع اللبناني. هل يمكن تخريب
الستاتيكو القائم حالياً ؟ هل يخدم أية فئة سياسية أو إجتماعية لبنانية. لا يمكن
أن تكون الإجابة إلا سلبية.
هل بإمكان إبن سلمان أن يصل مع الحريري إلى نقاط مشتركة؟
يبدو هذا الأمر صعباً لأن هذا النمط من الحكام يريد أن يفرض رؤيته على الآخرين
وليس الوصول إلى تسويات.
ماذا عن التهديد بالحرب؟
علينا أن نعي أولاً بأن الوضع اللبناني لا يمكنه أن يكون
موجِهاً للوضع الإقليمي. الوضع في لبنان تابع للوضع السوري.
أما التهديدات ضد إيران، والتي لا وجود لها إلا في
الصحف، حتى وإن كانت أمريكية، لا قيمة لها. هل الحرب المشتركة التي خاضها
الأمريكيون والإيرانيون في العراق قد ذهب مفعولها؟ هل إدخال إيران إلى العراق بعد
القضاء على أجهزة الدولة العراقية جاء نتيجة خطأ في التخطيط الأمريكي؟ هل من يريد
الدخول إلى النظام افلمصرفي الأمريكي يريد الحرب مع أمريكا؟ لكل من يفكر في حرب
بين أمريكا وإيران، نقول أضغاث أحلام.
هل من إمكانية لعدوان صهيوني على لبنان؟
الصهاينة وضعوا شروطاً لهذا العدوان:
1-
الإنتصار الحتمي في الحرب.
2-
انتهاء الحرب البينية في الدول العربية.
3-
الشرط الثالث هي المصلحة الصهيونية في هذه
الحرب.
بما أنه لا يمكن للحرب أن تحصل إلا من جانبين هما العدو
وحزب الله (إيران)، وبما أن لا مصلحة آنية لأي طرف بهذه الحرب، من هنا يمكن القول
أن الطبول تدق والحرب لن تقع!
النتيجة
لا يمكن للزيارة أن تنجح بسبب تعنت المفاوضين السعوديين.
ما معنى أن يهدد الحريري بوجود قيادات سنية أخرى؟
للأسف، الحريري يعلم أن هذا التهديد غير قابل للإستثمار
في لبنان. فكلام السيد حسن نصرالله في هذا المجال كان واضحاً ولا يحتمل كثيراً من
التفسيرات: لا نقبل أن يُهزم الحريري. بم يمكن للسعودية أن تُغريه؟ بلا شيء... حتى
التهديد بالتعامل مع قيادات سنية أخرى لا يشكل أي خطر على موقع الحريري في السلطة
في لبنان.
2 آذار 2018