د. جوزيف عبد الله
الشيخ ابراهيم
الصالح
حسن ملاط
مقدمة
منذ الثلاثين من
حزيران الفائت والوضع اللبناني متوتر إلى حد جعل الكثير يستذكر عشية الحرب
الأهلية. والجهود المضنية لم تُفد بلجم التوتر، إلى أن حصل اجتماع بعبدا بين الرؤساء
الثلاثة ووليد جنبلاط وطلال أرسلان.
في الوقائع
لم يتمكن الوزير
باسيل من الافصاح عما يختلج في قلبه بحضور جنبلاط وشهيب وأبو فاعور في كنيسة سيدة
التلة في دير القمر، لذا وجد أنه من الأفضل أن يقوم بزيارة إلى الجبل من دون حماية
ملائكة وليد جنبلاط. قرر الدخول إلى الجبل هذه المرة بمواكبة من أنصار أرسلان،
الزعيم الدرزي الذي يريده باسيل أن ينافس جنبلاط. ورافقه مستطلعاً الوزير الغريب.
كانت الكحالة هي
المحطة الأولى. هنا كان الخطاب الأول لباسيل الذي أثار فيه جميع مآسي الحرب
الأهلية. سمع هذا الخطاب أنصار جنبلاط ، الطرف الخصم في حرب الجبل التي استذكرها
باسيل. فما كان منهم إلا أن قطعوا الطرقات رافضين زيارة باسيل إلى بعض القرى التي
قدمت ضحايا في حرب الجبل.
في هذه الأثناء،
اتصل الوزير شهيب بالوزير أبو صعب وأخبره بأنه مرحب بهم في الجبل وسأله عن سر
الخطاب المتشنج. في نفس الوقت كان الوزير الغريب يستطلع الطريق التي سيسلكها
باسيل. فوجد أن الطرقات مقطوعة من قبل الأهالي. إقتحم موكبه حاجز قبر شمون بعد أن
أطلق مرافقوه النار باتجاهات مختلفة. وهذا ما عبر عنه النائب أرسلان بالقول: من
الطبيعي أن يطلق النار مرافقو الوزير الغريب من أجل فتح الطريق.
المهم أن باسيل
قرر عدم اتمام الزيارة. وهذا ما أبلغه الوزير أبو صعب للوزير شهيب.
نتج عن هذه
المغامرة خسائر بشرية ومادية.
طالب أرسلان ومن
يسانده بالمجلس العدلي بعد أن اتفقوا فيما بينهم أن هناك كميناً لاغتيال الوزير
الغريب.
الحزب الاشتراكي
طلب من القضاء القيام بالتحقيق بالأحداث وسلم عدداً من المطلوبين. في المقابل، لم
يسلم الطرف الآخر أحداً من الذين شاركوا في اطلاق النار للقضاء.
القراءة
انقسمت القوى
السياسية حول ما جرى تبعاً لمصالحها. أيد أرسلان في روايته حول الكمين المعد لصالح
الغريب: حزب الله، التيار الوطني الحر ووئام وهاب.
أما القوى التي
رفضت هذه الرواية، فهي إلى جانب جنبلاط، الرئيس بري والرئيس الحريري والقوات
اللبنانية والكتائب.
قبل أن نتحدث عن
أسباب هذا الاصطفاف، لا بد من الاشارة إلى أن الجهة الأمنية التي أشرفت على
التحقيقات وهي فرع المعلومات أنكر نظرية الكمين جملة وتفصيلا.
جنبلاط يُشكل قوة
ثابتة في الجبل تمتد لعشرات السنين. ونحن نعلم أنه بوجود كميل شمعون كقوة مارونية
لها قوتها وتأثيرها وكرئيس للجمهورية، لم يتمكن من إزاحة كمال جنبلاط عن زعامة
الجبل. أما السبب فيعود للعصبية الدرزية المتجذرة أكثر من العصبية المارونية. كان
الموارنة يشكلون الطائفة الأكثر عدداً والمسيطرين على الدولة. وهذا ما خفف الرابطة
العصبية لشعورهم بالقوة وبامساكهم بالسلطة. أما الدروز فقد ظلت الرابطة العصبية
كأقلية مستهدفة، نتيجة الحروب الطائفية المتكررة ، قوية وحاسمة. وقد بدا هذا جلياً
بعد أحداث أيار في لبنان وذلك بالتفاف الدروز حول جنبلاط بمجموعهم. وبما يحصل
حالياً. فالدروز، على المستوى الشعبي، يصطفون إلى جانب جنبلاط. ولم يتمكن أرسلان
ووهاب من استقطاب كتلة درزية إلى جانبهما.
الحزب وكذلك
التيار الحر لا يناسبهما وجود تكتل لا يمكن اختراقه، لذلك كان وقوفهما بمواجهة
جنبلاط.
أما بري والحريري
وجعجع والجميل، فقد عرفوا جميعاً أن استهداف جنبلاط فهو اختراق للقلعة الأقوى
عصبياً، وانهيارها سيعني انهيار تكتلاتهم جميعاً، مع قليل من الاستثناءات لأسباب
غير داخلية.
بعد فشل رواية
استهداف الغريب بالكمين الجنبلاطي المزعوم، تقدم الرئيس برواية تقول أن المستهدف بالكمين كان جبران باسيل.
إستهداف باسيل
يعني فتنة مسيحية درزية لا يمكن لأحد أن يعرف نتائجها. ولكن الأكيد أن الأمن في
لبنان سيكون مهدداً.
هنا، انكفأ حزب
الله عن تأييد هذه الرواية، مدركاً خطورة نتائجها على الوضع اللبناني برمته. وكذلك
فعلت السفارة الأمريكية عندما أعلنت أنها لا تقبل بأن يتحول لبنان إلى ساحة
للتقاتل الطائفي لما يشكله هذا الوضع من خطر على الكيان الصهيوني.
جميع الوطنيين لم
يرحبوا ببيان السفارة الأمريكية لأنه يعني تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية.
بعد هذا الموقف
الحاسم من حزب الله الرافض للفتنة الطائفية، تجددت المساعي التوفيقية، وكان اجتماع
بعبدا.
النتيجة
إن اعتماد الصيغ
الطائفية والمذهبية هو طريق لعدم الوصول إلى حلول للأزمات اللبنانية المستمرة.
فالصيغ الطائفية والمذهبية هي ولادة حروب بينية بسبب طبيعتها.
من هنا، فان
الاتفاق الذي حصل هو محطة بانتظار تجميع القوى لهجوم من احدى الطوائف على طائفة
أخرى من أجل تحسين ظروف زعمائها.
إشارة أخيرة إلى
أن هذه الحروب بين الطوائف لا يمكن إضفاء صفة الوطنية عليها. وما يحصل في اقليمنا
هو الدليل الواضح على ذلك. فجميع القوى من دون استثناء تتحالف مع الدول
الاستعمارية ضد شعوبنا.
أما على الصعيد
المحلي، فلننتظر معركة التعيينات!
13 آب 2019