إشكالية التقييم إزاء الطريقة التعليمية في الصف الأول أساسي
يعطي التربويون أهميةً خاصة للتقييم، لذلك رأيناهم يخصون كل مرحلة من مراحل عملية التعليم بتقييم خاص بها. فهناك التقييم التشخيصي والتقييم التكويني والتقييم النهائي وبين هذه الأنواع هناك أنواع أخرى تبعاً لما يريد المعلم القيام به.
ولكنني أرى بأن المعطى الأساسي لامكانية إجراء عملية التقييم لا ولم يتم التحدث عنه: وهو إستعداد المتعلم لإجراء التقييم. ما من أحد من التربويين طرح السؤال أو إشكالية إستعداد المتعلم للقيام بهذه العملية. وهذه الاشكالية تتعلق بالتقييم التكويني الذي يجريه المعلم خلال قيامه بعملية التعليم. ولا عجب من ذلك إذا انطلقنا من مسلمة تقول "ما من أحد يمكنه أن يعلم طفلاً لا يريد أن يتعلم" ومن حقيقة اخرى iي أن بإمكان الطفل أن يقيم نفسه ومعلمه. للإشارة فقط أن الأمم المتحدة من خلال الأونيسكو قد أقرت تجربة المدارس التي يديرها الأهالي بسبب نجاحاتها الباهرة في أكثر من عشرين بلداً، والتي كانت تجربتها الأولى في أمريكا اللاتينية، حيث تقييم المعلمين كان يقوم به التلاميذ.
في غابر الأيام كان التلميذ يخضع لامتحان على صعيد الوطن يسمى شهادة الدروس الابتدائية، وقد تراجعت السلطات عن هذا الاجراء لأنها لم تر فائدة منه. ولكن هذا الامتحان لا يزال قائماً في فرنسا وفي العديد من الدول الأوروبية ويسمونه تقييماً مستقبلياً لامكانية الطالب أن يلج إلى التعليم المتوسط. والمسؤولون التربوين في هذه البلاد يعتبرون بأن لهذا التقييم أهمية كبيرة لأنه يعطيهم فكرة واضحة عن مكتسبات التلميذ خلال سني تعلمه السابقة. أي بصيغة أخرى، هذا الامتحان هو تقييم حقيقي للطرق التربوية المتبعة في تلك البلاد. وحيث أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الطرق التربوية المتبعة في بلادنا هي نفسها المتبعة في البلدان الأوروبية: الطريقة المجملة في تعليم القراءة. Méthode globale
وحيث أن حديثنا هو عن إشكالية التقييم إزاء الطريقة التربوية المتبعة فإليكم هذه الاحصاءات:
في فرنسا 62% من الأولاد الذين كانوا قد دخلوا الى الصف السادس لم يكن بامكانهم فهم التعليمات الموجودة في نص سهل. كما وأنه عند دخول الصف السادس واحد من سبعة لا يعرف القراءة ولا الكتابة. (1997 ).
في سويسرا نتائج سنة 2001 بينت أن جزءاً هاماً من التلامذة أعطى نتائج ضعيفة في القراءة.
في ألمانيا 20% من المراهقين في نهاية المدرسة الالزامية لا يمكنهم فهم نصوص بسيطة أو إعطاء المحتوى من غير تبديل المعنى.
في فرنسا 2004 كل فرنسي من عشرين وكل بالغ من عشرة لا يعرف تهجئة وفهم نص سهل من الحياة اليومية. ثلاثة ملايين فرنسي تخرجوا من المدرسة يعتبرون أميين.
5,4% من السكان الفرنسيين كانوا يعتبرون أميين في 1997 أصبحوا في 2004 ما بين 7% الى 10%.
لا أعتقد أنه يجب إيراد إحصاءات أكثر من ذلك. ما يهمنا جميعاً هو النتيجة التي توصل إليها الخبراء من هذه الاحصاءات: النتيجة أن الطريقة المجملة في تعليم القراءة هي السبب في هذه الكوارث. لذلك رأينا بريطانيا قد تخلت عنها بمجرد إعتراض المعلمين عليها، وفرنسا قد تخلت عنها في العام الدراسي 2009 – 2010 .
نتساءل هل من سند علمي لهذا الاستنتاج؟
جميع علماء التربية وعلماء النفس الذين ساهموا في وضع الطرق المتبعة في التعليم قد وضعوا فرضيات وحاولوا أن يؤكدوا فرضياتهم من خلال عملهم في الصفوف. والفرضية كما تعلمون لا تصبح حقيقةً علميةً إلا عندما يمكن إثباتها بالدليل العلمي، أي بالاختبار العلمي. لايمكن لأحد منا ولا من غيرنا أن يثبت بأن الادراك يتم بطريقة مجملة كما يقول أصحاب نظرية الجشتالت. ولكن يمكننا أن نثبت علمياً أن الأوكسيجين مع الهيدروجين يعطي ماءً مع وجود الشرارة الكهربائية. هذا هو الفرق بين الفرضية والتجربة العلمية.
تمكن سبيري الحائز على جائزة نوبل من البرهان أن الدماغ يميز بين حقيقتين مختلفتين من الرموز الشكلية: منها ما يعود إلى المحيط (الطاولة مثلاً) ومنها رموز لا يمكن اكتشافها دفعة واحدة (الكلمات مثلاً). يضيف سبيري بأن الصور تتم معالجتها في النصف الأيمن من الدماغ، أما الرموز التي تحمل معان صوتية (phonémique ) فتتم معالجتها في القسم الأيسر من الدماغ. الطريقة المجملة تعتبر الكلمة صورة وهي ليست كذلك. لا يقبلها الدماغ على أنها صورة.
لوسيان اسرائيل يقول أن الطريقة الكلية لا تعلم القراءة لأنها مخالفة لآلية عمل الدماغ.
عالم الأعصاب ويتيستان بدور قال: الخيارات البيداغوجية تكيف مورفولوجية وصياغة الدماغ. structuration
إليز تامبل بعد تعليم عشرين ديسلاكياً القراءة بالطريقة الألفبائية رأت أنه أصبح دماغ كل منهم مشابهاً للدماغ الغير ديسلكسي.
ف. غريك الحائز على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا قال أنه يمكننا أن نعرف كيف يعمل الدماغ لانتاج الأفكار.
المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية في الولايات المتحدة NICHED توصل علماؤه إلى الحقيقة التالية: إن الخيارات التربوية تتحكم بمورفولوجية الدماغ وبنيته، structureوتضغط أيضاً وبشكل سلبي على نوعية المعارف، كما وتؤثر سلباً أيضاً على نمو وتطور العملية المعرفية والذكاء.
لقد تمكن العلماء من معرفة كيفية عمل الدماغ عند تعلم القراءة: يقول ميشال مازو وهو عالم نفس وأعصاب: من وجهة نظر الكفايات الدماغية لا نتعلم القراءة كما نتعلم الكلام. اللغة المكتوبة لا يمكن تعلمها إلا بواسطة المبدأ الألفبائي الذي يصل كل رمز بصوته. ويضيف: إذا كنا لا نعرف العمليات العقلية التي تتيح لنا أن نقرأ، فهذا لا يعني عدم وجودها.
أعارض مازو وأقول أنه أصبح الآن بامكاننا أن نعرف هذه العمليات، مع البروفيسور ستانسلاس دوهايين الحائز على أكثر من عشرة جوائز عالمية في ميدانه. فهو أستاذ كرسي علم النفس المعرفي الاختباري في الكوليج دو فرانس. وقد نشر كتاباً في آب 2007 وأسماه الخلايا العصبية للقراءة Les neurones de la lecture
ويمكننا أن نرى في هذا الكتاب كيف يعمل الدماغ عند تعلم القراءة. مع هذا الأستاذ أصبح تعلم القراءة يتبع لعلماء الأعصاب في جانب كبير منه وليس علماء النفس. وأصبح اختيار الطريقة التربوية لا يتبع النظرية، إنما أصبح حقيقة علمية: تعلم القراءة يجب أن يتم من خلال تعليم الرموز graphème-phonèmeأو كما يقول الفرنسيون b, a, ba وليس بأي طريقة أخرى، لأن الطرق الأخرى مضرة وهذا ثبت علمياً.
لا أريد أن أثقل عليكم فمن يريد الاستزادة في هذا الموضوع يمكن أن نتحدث معه بعد انتهاء البرنامج المعلن. وأصل إلى النتيجة في موضوعة إشكالية التقييم والطريقة التربوية المتبعة في الصف الأول. إن القيام بالتقييم لا يرتدي شرعية إلا إذا اخترنا للتلاميذ الطريقة العلمية التي تعلمهم القراءة، أي الطريقة التركيبية الصوتمية. إنها الطريقة الوحيدة التي يقرها العلم الحديث. فعندما يتعلم الطفل يمكن إختباره، هكذا فقط.
بقي أن أضيف، أنه تبعاً للكشوفات الحديثة والتي جعلت للقراءة خلايا عصبية أصبح كل تقييم في الروضة الكبرى والصف الأول أساسي لا تكون نتائجه التحقق ماية بالماية يعتبر سلبياً ويمنع المدرس من الانتقال إلى هدف جديد.
أما للذين يريدون أن يطرحوا السؤال "كيف يتعلم أولادنا حالياً" نقول بأن العلماء يقولون بأن التلاميذ يقسمون إلى ثلاث فئات: الموهوبون وهم قلة، المتوسطون وهم كثر وأخيراً الضعفاء وهم قلة. فالفئة الأولى تتعلم بأية طريقة. أما المتوسطون فأكثريتهم لا تتوصل إلى تعلم القراءة، بل يحفظون. أما الضعفاء فيمكنهم تعلم القراءة بواسطة الطريقة الهجائية فقط. وحيث أن طريقة التعليم يجب اختيارها لتعليم الجميع لذلك يرفض العلماء الطريقة الكلية التي تتعارض مع آلية عمل الدماغ.
ألله تبارك وتعالى يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا". إن شرط الحساب هو المعرفة نعلم التلميذ ثم نقيمه ونحاسبه.
ختاماً، أود أن أتوجه إلى المسؤولين التربويين في بلادنا والذين يرعون هذا اللقاء مشكورين. كفانا تمسكاً بالطريقة الكلية في تعليم القراءة بعد أن ثبت علمياً ضررها على أطفالنا، ولنقر الطريقة الألفبائية لأنها الوحيدة التي تتماشى مع آلية عمل الدماغ عند تعلم القراءة. وزارة التربية هي التي تمثل الوجه العلمي للبنان فحري بها التمسك بالعلم وبمواكبة العلوم.
بقي ملاحظة، إذا لم نسارع منذ الآن إلى تبسيط تعليم اللغات باعتماد الطريقة التي تتماشى مع آلية عمل الدماغ أي الطريقة التركيبية فسوف نقع في مشكلة كبيرة جداً تفرضها علينا ثورة الاتصالات في العقد الطالع والتي بدأت بوادرها منذ مدة، وهي ضرورة تعلم لغة جديدة وهي لغة الانترنت. مثال:
J’m t id = j’aim tes idées
how are you = how R U
أو عزيزي حمادا: 3azizi 7amada
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16 كانون الثاني 2010
حسن ملاط
محاضرة ألقيت في الرابطة الثقافية في طرابلس في 22 كانون الثاني 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق