قراءة في انعكاسات الربيع العربي على لبنان
في الذكرى السنوية الأولى لانتصار الشعب التونسي والشعب المصري على جلاديهم، أصبح من الممكن القيام بقراءة أولية لانعكاسات هذا الانتصار على لبنان، من دون أن نغفل بعض الملاحظات فيما يخص الواقع التونسي والمصري.
لاخلاف أن الإسلاميين سواء في تونس أو في مصر لم يكونوا على رأس الثائرين على الأنظمة الطاغوتية. بل بالعكس فقد كان الإخوان المسلمون على استعداد لمساومة النظام القائم على بعض المكاسب السياسية التي يمكن أن يستحصلوا عليها من خلال تنكرهم للحراك الشعبي الذي قاده الشباب من مختلف الإنتماءات السياسية والطائفية. وقد اجتمع وفد الإخوان المسلمين مع نائب الرئيس المعين من قبل حسني مبارك من أجل المساومة. ولكن شباب ميدان التحرير، ومنهم شباب الإخوان رفضوا أية مساومة وكان الإنتصار الباهر الذي اضطر الطاغية إلى التخلي عن مسؤولياته وتسليمها للمجلس العسكري الذي لا يزال في الحكم حتى الآن.
وجرت الإنتخابات في تونس وفي مصر. وفاز في تونس حزب النهضة الذي تمرس مناضلوه في سجون زين العابدين بن علي، ولكنهم لم يكونوا قادة الثورة على هذا الطاغية. وفاز في مصر الإخوان المسلمون كذلك. وليس لنا أن نعترض على الشعب التونسي لأنه اختار النهضة، ولا على الشعب المصري لأنه اختار الإخوان المسلمين والسلفيين. ولكن ما يمكننا فعله هو دراسة ما جرى والإنعكاسات المتوقعة لما جرى.
جميع الحركات الإسلامية القائمة في الوطن العربي وبعض البلدان الإسلامية مثل تركيا وباكستان، جميعها كانت جزءاً من تنظيم الإخوان المسلمين أو تأثرت بهذا التنظيم. فقد كان لهذا التنظيم فرع يسمى التنظيم الدولي وتتاثر جميع التنظيمات به. من هنا نرى بأن نجاح الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب سوف يكون له انعكاسات على باقي البلدان العربية ومنها لبنان.
في لبنان، كان انتصار الإسلاميين في بلاد الجوار مناسبة لرسم سياسة جديدة للإسلاميين الذين يتأثرون بالإخوان المسلمين، وهذا حقهم. فقد اختلفت لهجة التخاطب مع المجموعات الإسلامية الأخرى. فنرى السيد إبراهيم المصري ينتقد "حزب الله" بألفاظ لم نتعود عليها وخاصة عبر الإعلام. ولا نخفي بأن هذا النقد، أو التجني، قد أصاب الحزب الحليف بأذىً في وقت غير مناسب لهذه الأذية. ولم يقتصر هذا الأذى على حزب الله وحده بل تعداه ليصيب بشظاياه المجموعات الإسلامية الصديقة للحزب وعلى رأسها حركة التوحيد الإسلامي.
إن ما مكن السيد المصري من ذلك هو شعوره بالتماهي مع الإخوان الذين نجحوا في مصر وتونس والمغرب. ولن يكون الأردن بعيداً عن ذلك وكذلك ليبيا، إن جرت الإنتخابات في هذه الأقطار. نضيف أن حزب الله قد تعامل مع الجماعة الإسلامية على أنها جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهو يريد ذلك حتى يتمكن من فتح علاقات مع الإخوان لأنه لايرى نفسه بعيداً عنهم. هذا لايعني أن الحزب يتبنى نفس النهج الإخواني الذي لم نعلم حتى الآن كيف سيتصرف عندما يصبح في السلطة. هل سيلتزم بتلك التسريبات التي تشكل تراجعاً عن كل الشعارات التي ميزت الإخوان المسلمين عن السلطات التي أقامت العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب. فنرى أحدهم يصرح بأن الإخوان سوف يلتزمون باتفاقية كمب ديفيد، ونرى آخر يصرح أنه لامجال للتفاهم مع الكيان الصهيوني الذي اغتصب فلسطين، ونرى ثالثاً يقول بأنهم سوف يعدلون اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني. هذا لايعني تخبطاً، إنما يعني أن القرار بكيفية التعامل لن يتخذ حتى يصبح الإخوان في السلطة. ويمكن أن يكون هذا التكتيك مقبولاً. ولكن هذا يختلف قطعاً عن سياسات حزب الله الإسرائيلية.
ماذا يعني هذا الإستقواء من قبل الجماعة الإسلامية؟ إنه يعني أن الجماعة تطالب حزب الله بتعديل قواعد التعامل مع الجماعة. فالجماعة ما قبل انتصار الإخوان هي غير الجماعة بعد انتصارهم، وهذا مما لايفسد للود قضية. ولكن ما معنى إدخال الجماعات السنية التي لها علاقات تاريخية مع الحزب في هذا البزار؟ أعني حركة التوحيد الإسلامي. هل يمكن أن يعني أن علاقة الحزب مع هذه المجموعات سوف تمر عبر الجماعة الإسلامية، أو أن الجماعة تريد ذلك. نحن لانميل إلى هذا الإعتقاد، إنما نميل إلى أن الجماعة تريد أن تكون علاقة الحزب بالمجموعات السنية معروفة من حيث الكيف والأهداف. أي بمعنى آخر لاتريد الجماعة أن يستغل الحزب علاقته مع المجموعات السنية بحيث يشكل ضغطاً على الجماعة. أو ربما تريد الجماعة من الحزب أن يكف يده عن "العبث" بالساحة السنية.
جميع هذه الإحتمالات لا تربك الحزب. ذلك أن الحزب يعرف ما يريد. فالعلاقة الصحية مع الإخوان المسلمين يستأهل من الحزب المجازفة. ولكن لن يتم ذلك الآن. لأن صورة ممارسة الإخوان في السلطة لم تتوضح بعد. لذلك فالحزب عليه أن يمد الحبال بانتظار إمساكها من الطرف الآخر بعد توضح الأمور.
نحن لانميل إلى أن الإخوان المسلمين سوف يتماهون مع الأمريكان إذا فتحوا حواراً معهم. ولكن التفاوض يستدعي الأخذ والرد ولن يكون القرار إلا بالشكل الذي يبقي على التمايز بين كل طرف والآخر. فالعداء المطلق للعدو الصهيوني هو من مميزات الإخوان المسلمين. وخلاف ذلك سوف ينزع صفة الإخوان عن أولئك الذين يضعون أيديهم بأيدي العدو. نحن نعتقد بأن حزب الله يعرف ذلك. لذلك نراه يعمل من أجل فتح قناة اتصال مع الاخوان، وهو محق بذلك. فمصلحة الأمة تتقدم على ما عداها. من هنا لايضير الحزب إن أراد الإخوة في الجماعة الإسلامية تحسين شروط التفاوض معه.
يبقى الحديث عن المجموعات المؤتلفة مع حزب الله، وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي. ففي خضم هذه التغيرات التي طرأت على أمتنا، أصبح من الضروري أن يأخذ كل حجمه ومكانه. فالجبهة لم تكن مولوداً طبيعيا لساحتها السنية. إنما كانت نتيجة مفاوضات أملت تشكيلها نتيجة ظروف معينة تستدعي وجود مجموعة إسلامية سنية بإمكانها في حال ترعرعت ونمت أن تجابه أوضاع استجدت في الساحة السنية نتيجة إغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولكن الجبهة، ومنذ نشأتها لم تتمكن من معرفة الساحة التي عليها التحرك في رحابها. لذلك رأيناها تقيم الإحتفالات في الضاحية الجنوبية، وكأنها تريد استقطاب جماهير الضاحية ليكونوا مع المقاومة. أما الساحة الطرابلسية والعكارية والضناوية فقد تركت لتيار المستقبل. فما هو مبرر وجودها إذن؟
نحن نعلم أن الجسم الأساسي للجبهة هو حركة التوحيد الإسلامي. لماذا لا تهتم هذه الحركة بأوضاعها الدعوية والسياسية من أجل أن تعود كما كانت الرقم الصعب في الساحة الشمالية. إن العمل الحقيقي للحركة هو في الساحة الشمالية وكل ما عدا ذلك يعتبر إضاعة للوقت وحرث في أرض غير صالحة. من هنا وجب دفن الميت وشحذ الهمم من أجل إعادة الساحة السنية إلى موقعها الطبيعي في مجابهة العدو الصهيوني وجميع أعوانه. جميع الثورات أفرزت من تريد أن يقودها. والساحة اللبنانية، حتى تتكامل، تفرض حركة في الساحة الشمالية تتماهى مع شعارات المقاومة، ليس بدعمها فقط، إنما بالإنخراط في صفوفها. وبذلك نترجم عملياً شعار الوحدة الذي مر على رفعه عشرات السنين.
13 كانون الثاني 2012 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق