حكومة السيادة والإستقلال
حسن ملاط
تكاد الحكومة اللبنانية الحالية هي الأولى التي تمثل السيادة والإستقلال منذ
الربع الأخير من القرن الماضي. أما الإستقلاليون (أعني الذين يدعون تمسكهم
بالإستقلال)، لم يشكلوا، ولو لمرة واحدة، حكومة تعبر عن شعاراتهم. فالحكومات التي
شكلها هؤلاء، منذ توليهم السلطة، كانت تعبر عن التوازنات العربية وبرعاية أمريكية
أولاً وأوروبية ثانياً.
كيف تحكم هذه الحكومة؟
يقول أطراف 14 آذار أن الحكومة الحالية كانت نتيجة إنقلاب أطراف الثامن من
آذار على إتفاق الدوحة الذي ينص على عدم الإستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري.
وحمَلت هذه الأطراف حزب الله المسؤولية. كما وأنها حمَلت المسؤولية لحزب الله
بإجبار جنبلاط على اختيار الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة.
المهم أن هذه الحكومة قد شُكلت بعد مخاض عسير وسُميت بحكومة حزب الله، مع
أن الحزب لا يشارك إلا بوزيرين اثنين، وأن العدد الأكبر هو للعماد عون. ولكن هذه
التسمية من أطراف 14 آذار كانت حتى لا تجد هذه الحكومة قبولاً من الأوروبيين
والأمريكان. وكان للرابع عشر من آذار ما أرادت. فقد حوصرت هذه الحكومة من
الأوروبيين والأمريكان ومن أتباعهم من الخليجيين. ولكن ماجعل الأمريكان والأوربيين
يغيرون رأيهم في الحكومة هو أن رئيسها ما وعد بشيء إلا نفذه مع أنه كان يتناقض مع
السياسة المعلنة لحزب الله. والأهم في هذا الموضوع هو تمويل المحكمة الدولية
والتجديد لها.
وفاتنا أن نذكر أن أكثر المعارك التي خيضت ضد الحكومة كانت من أطراف في هذه
الحكومة، وعلى وجه الخصوص من جماعة العماد عون. فهو كان يريد أن يستأثر بالحكومة
كلها وكذلك يريد أن يفرض رأيه في جميع الأمور. وقد جوبه من قبل الرئيس ميقاتي
والرئيس سليمان ووليد جنبلاط، مع أن العماد عون كان مدعوماً من حزب الله. فقد حمل
حزب الله العماد عون، كرمى لعيون السوريين، بالرغم من الآثار السلبية التي تركها
على الحزب، لأن العماد عون كان يمثل في طروحاته الداخلية الطائفية بأبشع صورها.
وهذا ما أثر على الحكومة بشكل سلبي. فقد اعتبر القسم الأكبر من الشارع السني أن
العماد عون يريد أن يكسر شوكة السنة، فهو لم يوجه أي انتقاد إلا للسياسيين السنة
أو الموظفين الكبار من هذا المذهب.
ولكن الحكومة صمدت لأسباب عديدة منها:
1 – لاإمكانية لتأليف حكومة أخرى.
2 – الدعم السوري لهذه الحكومة،
لأنه لا بديل للميقاتي إلا الميقاتي، فلماذا التغيير إذن؟
3 – الدعم الأوروبي والأمريكي
المعلن.
وأخيراً فإن أطراف الإئتلاف
الحكومي لا يريدون استبدال هذه الحكومة. كما وعلينا أن لانغفل أن حظوظ أطراف 14
آذار في تشكيل حكومة على المدى المنظور تكاد تكون صفراً.
حكومة السيادة والإستقلال
تمكن فرع المعلومات من القبض على وزير سابق مقرب جداً من النظام السوري
بتهمة نقل متفجرات بقصد تفجيرها في عكار بقصد إحداث فتنة طائفية بين المسلمين
والمسيحيين للفت النظر عن الأحداث في سوريا. لقد قدم الرئيس سليمان دعمه المطلق
للواء ريفي والعميد الحسن بالرغم من أن المذكورين مغضوب عليهما من قبل النظام
السوري وحلفائه في لبنان. وكذلك فعل الرئيس ميقاتي.
طالت بعض قذائف الجيش السوري الأراضي اللبنانية، فما كان من الرئيسين
سليمان وميقاتي إلا أن طالبوا الطرف السوري باحترام سيادة الأراضي اللبنانية.
ما ذكرته حصل فعلاً. وهذا لم يحصل في تاريخ العلاقات اللبنانية السورية منذ
تسلم الحريريون الحكم، أي منذ 1992. ولكن كل ما حصل لم يمنع أطراف 14 آذار من
اتهام الحكومة بالتبعية، مع أن هذا الكلام غير صحيح، ذلك أنهم لم يتمكنوا من إيجاد
نغمة أخرى ليعزفوا عليها. كما وأنهم يعلمون حق المعرفة أن ممثلهم في الحكم كان على
استعداد تام لتقديم التنازلات الأكثر إيلاماً، كرمى بقائه في الحكم، ولكن الحظ لم
يحالفه لتقديم هذه التنازلات.
ما هي العوامل التي ساعدت هذه الحكومة؟
هناك عوامل عدة ساعدت الرئيس ميقاتي على التمتع بقسط كبير من الحرية بأخذ
القرارات وبتحديد الإتجاهات التي يريدها لحكومته. ومن هذه العوامل:
1 – حالة انعدام الوزن التي تميز
النظام السوري حالياً. فهو لا يتمكن من حسم الأمور مع المعارضة في أي منطقة من
مناطق سورية. فريف دمشق يطهره من الإرهابيين يومياً إن لم يكن أسبوعياً. وكذلك لم
يتمكن من حسم معركة حمص رغم أنه هدمها كلياً تقريباً. ويمكن سحب هذا الكلام على
مختلف المناطق السورية.
هذا الوضع أثر سلباً على حلفاء النظام السوري في لبنان، وخاصة على العماد
عون. فقد أصبح صوته خافتاً. علماً أنه كان المميز بخلق المشاكل لرئيس الحكومة
ورئيس الجمهورية.
2 – هذا الوضع السوري الذي لم
يتمكن أي طرف من أطرافه حسم الصراع لصالحه قد أثر سلباً على حلفاء الطرفين. لذلك
نرى بأن جماعة 14 آذار لا يخوضون معركة جدية ضد الحكومة. فهم يعرفون سلفاً أن من
غير الممكن إسقاط هذه الحكومة. كما أن رئيس الحكومة يعرف أن كل معركة تخاض ضد هذه
الحكومة هي خاسرة قبل بدئها.
أما أطراف 8 آذار فقد تركوا لرئيس
الحكومة حرية ممارسة الحكم من دون ضغوطات تشل الحكم وتتلف أعصاب الناس. فكل طرف من
هذه الأطراف عنده من المشاكل الداخلية ما يكفيه حتى ينسى الحكومة ومعاركها الغير
مجدية.
3 – محاولة الحكومة إيجاد الحلول
لبعض المشاكل الإجتماعية ساهم في استقرار الوضع الحكومي نسبياً. فقد صححت هذه
الحكومة الأجور، وأصدرت تصحيحاً لسلسلة الرواتب للقطاع العام والمتقاعدين. هذه
الأمور ساهمت بخلق نوع من الإرتياح عند قسم كبير من ما يسمى بالطبقة الوسطى التي
تفتقر بوتيرة متسارعة. بالرغم من أن هذه الأمور لم ترق للهيئات الإقتصادية
(الرأسماليين بجميع تلاوينهم)، علماً أنهم هم المستفيدون من وجود أموال في جيوب
الناس لأنه ينشط الدورة الإقتصادية.
هذه هي أهم العوامل التي أدت بالحكومة إلى التمتع النسبي بالحرية
والإستقلالية. وهذا ما جعلنا نطلق عليها حكومة السيادة والإستقلال. كما ويمكننا أن
نؤكد أن هذا الوضع سوف يمتد إلى الإنتخابات النيابة في السنة المقبلة على أقل
تقدير.
18 أيلول 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق