هل حقاً من أجل
داعش؟
حسن ملاط
ما استُجد في الإقليم بعد الإضطرابات التي
عمت العديد من أقطاره، كان الإتفاق الأمريكي الإيراني، بعد خلاف بينهما دام أكثر
من ثلاثة عقود. فهل انتهى مفعول هذا الإتفاق، أم هناك ما يمنع تنفيذه، أو أن كل
شيء لازال على ما هو عليه؟
الداعي لهذه الأسئلة المشروعة هو استبعاد
إيران من التحالف ضد الدولة الإسلامية، الذي أقامته أمريكا بحجة القضاء على
الإرهاب السني في المنطقة. من أجل ذلك، فهي، حسب زعمها، بحاجة إلى تحالف من دول
سنية. هذه الحجة سرعان ما سقطت عندما أعلن جون كيري أنه بحاجة إلى تعاون إيران من
أجل القضاء على داعش. ولكنه يريد لهذا التعاون أن يكون من تحت الطاولة (كما كان في
أفغانستان ضد طالبان)، حتى لا يخوف القادة الخليجيين من تعاون معلن مع إيران
يذكرهم بدور الشاه الإيراني قبل الثورة الإسلامية.
إيران لم تقبل بأن ترسم أمريكا لها دورها في
الإقليم. لذلك رأينا أكبر سلطة في إيران، المرشد الأعلى، تعلن رفضها للتعاون مع
أمريكا. ما هو مدلول ذلك؟
إيران لا تريد أن تتعامل مع أمريكا تعامل
"العشيق"، إنما تريد تعامل الشريك، وإن كان شريكاً مضارباً كما تقول لغة
التجارة. فالتعامل الأول والذي جربته إيران في أفغانستان، خرجت منه من دون مكاسب.
أما اليوم فلا يمكنها الخروج كذلك لأن هذا سيورثها خسارة دورها في الإقليم.
إيران اليوم هي اللاعب الأساسي في العراق
وسوريا واليمن، كما وأن دورها في باقي الإقليم لا يمكن إغفاله، فكيف لها أن تتخلى
عن جميع هذه المكاسب؟ هذا لا يمكن القبول به إلا مرغمة.
أمريكا، التي غازلت إيران منذ أكثر من سنة،
كانت تعلم حاجة إيران للتخلص من العقوبات، كما وأنها كانت تعلم حاجة إيران للإستثمارات
الغربية والخبرات التكنولوجية من أجل إعادة بناء الإقتصاد الإيراني وتطوير أنتاج
النفط والغاز، المورد الأساسي للمداخيل الإيرانية. الرئيس الإيراني السابق أنفق
700مليار دولار كمساعدات للفقراء الإيرانيين بدلاً من بناء قاعدة للإنتاج وتأمين
فرص للعمل. الرئيس الحالي أخبر الإيرانيين بخططه من أجل استجلاب الإستثمارات وبناء
قاعدة إقتصادية صلبة تؤمن مستقبل الشعب الإيراني، وأخبرهم بأن هذا يتطلب بعض
التضحيات، ومنها على سبيل المثال وقف المساعدات العينية. الإستفتاء الذي جرى في
إيران أظهر أن هناك 97% يريدون استمرار المساعدات. وهذا يعني، آلياً، الحاجة إلى
استثمارات خارجية.
هذا الواقع جعل الولايات المتحدة تضغط على
إيران من أجل التراجع في ملفات معينة، ومنها على سبيل المثال، الملف العراقي. وكان
لها ما أرادت. تخلت إيران عن المالكي ورضيت بعبادي بديلاً عنه. أمريكا لم تكتف
بذلك، بل أرادت إعادة بناء الجيش العراقي تحت أنظارها، وتشكيل حكومة ترضى هي وحلفاؤها
عنها. وكان لها ما أرادت. ولكن ما قصم ظهر البعير، كما يُقال، هو أنها تريد، فضلاً
عن ذلك، تخلي إيران عن بشار الأسد في سوريا وأن يكون التحالف مع أمريكا والقوى
الدولية غير معلن. وهذا ما رفضته إيران بإصرار. وكذلك فعل النظام السوري. فبعد أن
أعلن فيصل المقداد عدم تحفظه على ضرب الدولة الإسلامية في سوريا، مع ضرورة للتنسيق
العملاني، عاد وأعلن رفضه المطلق واعتبره اعتداء على السيادة السورية. كل ذلك بعد
أن أعلن الأميركي أن الأسد ليس شريكاً في محاربة الإرهاب، إنما هو ممن صنعوه.
الرد الإيراني على الإستكبار الأمريكي وتعنته
كان سريعاً. فهي بعثت خبراءها إلى العراق لقيادة التحركات العراقية من قبل
الميليشيات الشيعية وجيش المالكي، وهذا ما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية. ليس هذا
فحسب، بل تحرك حلفاء إيران في اليمن وحاصروا صنعاء، ويخوضون معارك مع الجيش وانصار
الإخوان المسلمين. وهذا الرد يعني خربطة الخطة الخليجية المعلنة بالتعاون مع الأمم
المتحدة لحل المشكلة اليمنية. أما انعكاسات هذا الأمر، فهي هامة أيضاً. الساحة
اليمنية أكثر أهمية من الساحة السورية بالنسبة للسعودية. فبدلاً من أن تكون
المقايضة في سوريا (الساحة الأهم بالنسبة لإيران)، تصبح في اليمن، وهذا ما يناسب
الإيرانيين أكثر.
أمريكا تقوم بعمليات مدروسة ضد الدولة
الإسلامية. فهي تضرب حيث يفيد حلفاءها، ولا تقدم حيث يسبب أذىً للإيرانيين. فهي
تريد أن تورط إيران بمعركة على حدودها تلهيها عن كل ما عداها. ولكن هذا لا يعني
مطلقاً التخلي عن التفاهم مع إيران، وإنما يعني اللعب من أجل تحسين شروط الإتفاق
فقط. أمريكا تريد التوافق مع إيران بشروطها، كما وأن إيران تريد التفاهم مع أمريكا
بشروطها هي.
ما هي نتائج هذه التجاذبات على الساحة
اللبنانية والسورية؟
كان دور حزب الله في سوريا حاسماً بالنسبة
لدعم النظام السوري الذي كان مهدداً بالإنهيار. ولكن الحزب دفع ثمناً غالياً نتيجة
هذا التدخل، لن تنتهي مفاعيله في الأمد القريب. وحيث أن أمريكا تعرف حجم فعالية
الحزب في الحرب السورية، لذلك كان لابد من إشغاله، لذلك كانت هذه الأحداث التي
نراها في ما يسمى جبهة القلمون، والتي تُعتبر عرسال من ضمنها، خاصة وأنه يبدو من
المستبعد أن تكون القوى الأمنية في لبنان ذات دور فعال في هذا الصراع. فهل بإمكان
الحزب أن يغطي جبهة القلمون ويساهم مساهمة فعالة في حماية النظام في سوريا، خاصة
بعد انسحاب الميليشيات الشيعية العراقية لضرورة وجودها في العراق نتيجة الأخطار
المحدقة بالتوازنات التي أرساها المالكي بدعم إيراني.
ليس هذا فحسب، بل يمكن أن نضيف أن التحريض
الطائفي والمذهبي الذي تقوم به قوى فاعلة في الساحة اللبنانية، والتي تحمل عنوان
تسلح الساحة المسيحية في وجه الساحة السنية، وبدعم من الشيعة على حد زعم هؤلاء،
يحمل الكثير من المخاطر. إن تصور امتداد هذه الخلافات والتباينات يمكن أن يغطي كل
قرية ومدينة وحي في لبنان. هل هذا يمكن أن يخدم أي مشروع له توجه وطني؟ ولماذا هذا
التحريض إذن؟
هناك خلط عند هذه القوى بين الأولويات، هل
يجب التوجه نحو تدعيم حلف الأقليات في المنطقة، أم مجابهة الهجمة الأمريكية على
الدور الإيراني، وذلك بشغل حلفاء إيران بمعارك جزئية تشتت قواهم وتجعلها من دون
فعالية. هذا ما يجعل حركتهم عشوائية، وفي هذا خدمة لعدوهم.
إنسحاب حزب الله من سوريا بسبب المعارك الجانبية،
وانسحاب الميليشيات العراقية، يجعل الجو مؤاتياً لأمريكا حتى تتمكن من بناء
ميليشيات موالية لمحاربة الجيش السوري الموالي للنظام. هذا السيناريو، في حال نجاحه،
يعني أن إيران قد خسرت ساحاتها في ظل توافقها مع الأمريكي. هل تقبل إيران
بالإنكفاء إلى داخل بلدها لإعادة بنائه وخسارة دورها الإقليمي. نحن نستبعد ذلك،
ولكن التطورات الإقليمية هي التي تجيب على هذا التساؤل.
ننهي فنقول بأن الوضع مفتوح على خيارات
عديدة، أما الخيار المستبعد فهو القتال مع العدو الإسرائيلي، الطريق الوحيد الذي
يوحد الساحة العربية والإسلامية.
20 أيلول 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق