حسن ملاط
يتفق جميع الذين يتعاملون مع القرآن أنه لم يتبدل منذ
الإتفاق على نشره بعد وفاة النبي، عليه الصلاة والسلام. ولكن، رغم هذا، فالتعامل
مع القرآن يختلف من فئة إلى أخرى. سنحاول الإطلالة على هذه القراءات، وبعدها سندلي
برأينا.
اولاً: يمكننا التأكيد بأن جميع الفرق الإسلامية أو
المذاهب تعتبر بأن التفاسير التي صدرت عن علماء الفرق ترتدي نفس قدسية القرآن، إن
لم يكن أكثر. لذلك نراهم يُخضعون النص لتأويل المفسر. وبذلك، تصبح الأولوية لما
جاء به المفسر وليس للنص المقدس.
ثانياً: منذ عقود، صدرت قراءات جديدة للنص المقدس نبذت
بطبيعة الحال التفاسير السائدة. ولا بأس بخطوة مثل هذه لولا أنها تميزت بعدة مزايا
تجعلنا نرفض معظمها، مع تأكيدنا على ضرورة القراءات الجديدة للنص القرآني.
أ-
معظم هذه القراءات تتعامل مع النص القرآني
وكأنه نص عادي كباقي النصوص. وهذا مرفوض لأن النص القرآني حسب رأينا هو نص مقدس من
عند الله وليس نصاً بشرياً. هذا لا يعني مطلقاً أن أي الدارس لا يحق له التعامل مع
القرآن على أنه نص بشري. ولكن هذه القراءات نعتقدها قاصرة لأنها سلبت النص أهم ما
يميزه.
ب- تعاملت مع النص على أن التعابير المستخدمة تدخل في ميدان اللغة التي تم
تقعيدها استناداً إلى اللغة الجاهلية، علماً أن النص القرآني قد أتانا بلسان عربي
مبين. أي أن كل ما يحويه النص هو أصيل وليس دخيلاً. أي أنه لا يجوز القول أن هذه
الكلمة فارسية أو أعجمية... كما لا يجوز القول أن هذه الكلمة لم تكن معروفة...
وإلا نكون قد اعتبرنا أن القرآن لم ينزل بلسان القوم الذين يفهمونه، وهذا سبب
إنزاله بهذه التعابير والمفردات والتركيبات التي نزل فيها. والأهم لا يحق لنا
القول "غريب القرآن" وإلا نكون قد اعتبرناه طلاسم وليس كتاب هداية كما
أوضح تبارك وتعالى.
ت- ما أثاره هؤلاء من مفهوم تاريخية النص. بمعنى أن النص القرآني مرتبط بزمان
ومكان، وهذا ما يسلب الرسالة أبديتها وعموميتها. حتى أن البعض يقول بأن النداء
الموجود في القرآن يختص بالشخص المنادى فقط. وبذلك، يتم إعفاء الناس من أكثر
الأوامر والنواهي. وهذا ما يُعطل جزءاً كبيراً من الكتاب. نراهم يرفضون الناسخ والمنسوخ،
وهم محقون بهذا الرفض، لأنه يلغي العديد من الآيات، ونراهم في المقابل يقولون بأن
نداء "يا أيها النبي، يختص بالنبي وحده" وغيره من النداءات المشابهة.
وفي هذا تعطيل لجزء كبير من النص القرآني. وهنا يحسُن الإشارة إلى الحديث النبوي
بأن من له القرآن فله النبوة ولكن لا يوحى إليه.
ث- القول بأن القرآن يفسر بعضه البعض، أو بصيغة أخرى أن القرآن يتم الدخول
إليه من داخله. وهذا فيه تعطيل للتجربة الإنسانية التي يؤكد عليها القرآن نفسه.
لن نورد جميع الملاحظات، فمقالة لا تكفي، ولكن أعطينا
إشارات لما حصل ويحصل في التعامل مع القرآن الكريم.
ثالثاً: كيف يتم التعامل مع القرآن؟
القرآن يتنزل يومياً على المؤمنين، فهو ليس تراثاً ولا
تاريخا. من هنا يأتي معنى أنه لكل زمان ومكان. وهذا ما يوجب الدخول إلى القرآن من
خارج. أي علينا أن نقرأ الخطاب الإلهي ونحن نحمل جميع التجارب التاريخية
لمجتمعاتنا، ومحملين أيضاً بجميع ما اكتسبناه من علوم، سخرها الله لنا، ونحاول فهم
ما الذي يريده الله منا في هذا الزمن وفي هذه البقعة من الكرة الأرضية. ليس هذا
فحسب، بل ما الذي علينا فعله من أجل تأمين السعادة للناس في المجتمع الذي نعيش فيه
لأن الله أرسل رسوله رحمة للعالمين.
وهل الدخول إلى القرآن من خارج يكون من غير ضوابط؟
بالطبع لا! إنه مسور بالتأسي برسول الله. الله تبارك في
علاه يأمرنا بالتأسي في كل زمان ومكان، وهذا الخطاب ليس تاريخياً بل تعليمي. علينا
دراسة العمليات العقلية وغيرها التي قام بها الرسول لأخذ قرار ما في ظروف معينة.
التأسي هو بمعرفة الآليات وليس بالتكرار للعملية، أو بالمحاكاة... التأسي هو عملية
علمية تتضمن استخدامنا للعلوم المكتسبة من أجل معرفة أسرار ممارسة النبي المتضمنة
في الممارسة نفسها.
للحديث تتمات!
14 أيلول 2017