حسن ملاط
هناك مخاوف يومية تتردد على لسان السياسيين أو المحللين السياسيين
في وسائل الإعلام على الإستقرار في الداخل اللبناني. هل هذه المخاوف لها ما
يبررها، أم أنها بروباغندا يُراد مصالح معينة من وراء بثها؟
عوامل الإستقرار في لبنان
ما يجعل لبنان مستقراً في محيط متفجر هي الأسباب
التالية. ومن خلال دراستها يمكننا الوصول إلى النتيجة المرجوة رداً على التساؤل في
عنوان المقال.
1-
العامل الأهم هو أن حزب الله الذي يملك جميع
أدوات خربطة الإستقرار القائم يريد الإستقرار. ولكن لا بد من الإشارة هنا بأن رغم
امتلاكه هذه الأدوات لا يستطيع بمفرده تأمينه داخلياً. وهذا يعود إلى طبيعة
الإجتماع اللبناني الذي يقوم على تآلف بين مختلف المذاهب والطوائف. وإذا أحببنا أن
نحدد أكثر، نقول التوافق بين الشيعة والسنة والمسيحيين.
وبما أن التوافق بين الطوائف يقوم على الغلبة، لذلك نرى كل طائفة متربصة
بالطوائف الأخرى من أجل الدخول في لعبة التناتش للمصالح. وهذا ما يجعلنا نقول بأن هذا
التآلف لا يكون مستقراً إلا بصورة مؤقتة.
2-
العامل الثاني في الإستقرار اللبناني هو
العدو الصهيوني. لقد أكد العدو مراراً أنه يتهيأ لشن عدوان على لبنان بقصد تدمير
البنى التحتية للمجتمع اللبناني وذلك للقضاء على البيئة الحاضنة لحزب الله
والمقاومة. وما يجعلنا نقول ذلك هو أن العدو ليس متأكداً من إمكانيته على الإنتصار
على المقاومة. وبما أن استقرار المجتمع الصهيوني محوره الجيش، وبما أن هذا الجيش
قد تلقى ثلاث هزائم متتالية من حزب الله، فقد أصبحت اللحمة في هذا المجتمع هشة،
ولا شيء يمكنه إعادتها إلا هزيمة حزب الله التي تبدو مستحيلة في أعين العدو. وهذا
ما سيجعله يستعيض عن ذلك بحرب تدميرية ضد المدنيين بحيث يشل القدرة المستقبلية
للمقاومة، بزعمه.
أما عن توقيت العدوان، فهذا مرهون حسب قادة العدو، العسكريون منهم والأمنيون،
بانتهاء الحرب البينية بين مختلف الأطراف التي يعتبرها العدو في دائرة الأعداء (جميع
المتحاربين في سورية باستثناء الأطراف الدولية).
3-
المجتمع الدولي الذي لا يزال يرى ضرورة
الإستقرار في لبنان، ليس إكراماً للبنانيين ولكن إكراماً للعدو.
هذه هي عوامل الإستقرار. ولكن الحفاظ على الإستقرار
وتصليبه يتطلب أموراً أخرى. وهي على سبيل المثال لا الحصر:
أ-
إحياء العلاقات بين مختلف الأطراف الداخلية
مشروطة باحترام متطلبات كل طرف من الأطراف الأخرى بحيث يبدو الإتفاق بينهم ممكناً
مصحوباً بشعور كل طرف بالوصول إلى ما أراده من الحوار.
ب- النقطة المركزية في الخلاف هي مشاركة الحزب في الحروب الإقليمية، وخاصة في
سورية. وحيث أن وقف المشاركة يبدو مستحيلاً لأنه مرهون بقرار إقليمي، لذلك يمكن
اللجوء إلى أمر آخر وهو الفصل بين المسار الداخلي للحزب والمسار الإقليمي.
هذا الفصل يجعل القرار الداخلي غير مرهون بالمسار الإقليمي بحيث يخفف من
الإحتقان الداخلي.
مسار الحرب في سورية يُظهر وكأن الحسم أصبح قريباً. وهذا يجافي الحقيقة.
فانتهاء الحرب مرهون بتوافق دولي إقليمي يُفرض على الأطراف الداخلية من دون النظر
إلى نتيجة التذابح الداخلي. وهذا ما يجعل إمكانية عودة عسكر الحزب من سورية
مستبعدة على المدى المنظور. من هنا ضرورة فصل المسارين يبدو مطلوباً. أما تأثير نتيجة
الخارج على الداخل، فهذا لا بد منه. ولكن توافق الأطراف الداخلية يقلل من سلبيات
هذا التأثير.
ومن تداعيات هذه الحرب مسألة الترابط بين الحزب وإيران وارتباط الحريري
بالقيادة السعودية. فعدم إقحام هذه العلاقات في الصراع الداخلي سيكون له الكثير من
النتائج الإيجابية.
ت- القيام بهذا الأمر يتطلب من الأطراف الداخلية التي تنشد الإستقرار عدم
التعامل مع بعضها البعض على أنهم أعداء ولكن على أنهم خصوم فقط. العدو يجب إزالته
أو تغيير طبيعته، بينما الخصم، يكون التعامل معه من أجل تبديل الخصومة إلى صداقة
أو تعايش.
هل ما طرحناه يمكن تحقيقه؟ جوابنا هو
بالإيجاب، فهذا الأمر لا يؤثر سلباً على أي طرف، وبالأخص على الطرف المعني أكثر من
غيره، وفي حالتنا الراهنة هو حزب الله. ومع ذلك فإن تحقيق هذا التوافق يتطلب الكثير
من النقاشات التي تخفف الإحتقان في ساحتنا الداخلية.
7 أيلول 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق