حسن ملاط
الإشكالات الأمنية المتكررة التي تحصل في بلدات البقاع، لم يتم إيجاد حل
لها، ومنذ عشرات السنين.
هذه الحلول لم توجد لأن المتولين للأمور لا يريدون حلاً لها. فمعظم الحوادث
التي يتم التحدث عنها تتمحور حول ثلاثة أمور:
·
الثارات
·
سرقة السيارات
·
المخدرات
أما بالنسبة للنقطة الأولى، فمعروف كيف يتم حلها عشائرياً. أما النقطتين
الأخيرتين فهما تتعلقان بتأمين متطلبات الحياة اليومية. ما من أحد في العالم يفرح
أن يُقال عنه سارق. وبالنسبة للمخدرات، فلم تقل السلطات الرسمية أوغيرها بمحاولة
جدية لتأمين سبل الحياة الشريفة لمعظم أهالي هذه المنطقة.
وادي البقاع مشهور بأنه منطقة زراعية خصبة، فكيف يتحول إلى صحراء أو إلى
زراعة الممنوعات؟
أولاً: منذ الإستقلال وحتى الآن، لم يتم التعامل مع هذه المنطقة بمنطق
التطوير الإقتصادي والإجتماعي. لم يُنظر لها، كما جارتها عكار، إلا كمولدة لحماية
الإقطاع السياسي أو العشائري الذي كان يفرض سطوته تاريخياً على هذه المناطق.
ثانياً: مع تأسيس المقاومة الإسلامية، كانت منطقة البقاع هي الخزان الفعلي
لهذه المقاومة، سواء على صعيد التدريب والتنظيم، أوعلى صعيد الإنتماء إلى صفوفها.
ومن المعروف أن معسكرات التدريب قد استقبلت الشباب اللبناني من مختلف الطوائف
والمذاهب. كما وأنه معروف أيضاً أن قتال العدو الصهيوني هو الذي تمكن من توحيد
الشعب اللبناني حتى عندما كانت قيادة المقاومة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين. كما
لا يمكننا إنكار فضل قيادة الشهيد السيد عباس الموسوي الذي كان يبذل قصارى جهده
للمحافظة على الأخوة التي تربط جميع المقاومين ضد الإحتلال الصهيوني. لذلك كنا
نراه يمنع الهتافات ذات الطابع المذهبي ويؤكد على تلك التي تؤكد أواصر الوحدة بين
مختلف المجاهدين.
هل تمكنت المقاومة من تغيير العلاقات الموجودة ضمن المجتمع البقاعي؟
الواضح للعيان أن الجواب هو بالنفي. منذ أوائل
قيام الجمهورية، كان البقاع يزرع المخدرات وحتى اليوم. كان التحدث عن
الخارجين عن القانون ولا يزال. يصعدون إلى الجرود عند الحملات الأمنية ثم يعودون
بعد ذهابها. ربما قد تحسن الوضع نسبياً بالنسبة لما يسمى بالفرّار بسبب وجود مناطق
يُمنع الوصول إليها.
هل يمكن الحديث عن بيئة حاضنة للمقاومة تعيش على زراعة الممنوعات أو تحمي
السارقين؟ بالطبع، لن يكون الجواب إلا بالنفي.
هل يمكن الحديث عن بيئة حاضنة للمقاومة ضمن علاقات عشائرية تربط الناس فيما
بينهم؟ الجواب هو بالنفي أيضاً.
عودة إلى الوراء
عند موت النبي، تداعى بعض المسلمين لاجتماع في سقيفة بني ساعدة، لم يُدع
إليه أي من أنسباء النبي. كان يضم وجوهاً من الأنصار ووجوهاً من قريش. وقد توصلوا
بعد نقاشات إلى أن الأئمة من قريش والوزراء من الأنصار.
كان هذا حلاً عشائرياً بين عشائر تنتسب إلى الإسلام. عندما قالوا أن الأئمة
من قريش فهذا يعني لزاماً استبعاد عشيرة النبي لأنها لم تكن الأقوى في قريش. ليس
هذا فحسب، بل أن ممثل عشيرة النبي هو علي بن أبي طالب الذي قتل أئمة الكفر من
القرشيين. من هنا كان رفع هذا الشعار هو استبعاد لعلي عن سدة الولاية.
لماذا لا يزال الإصرار قائماً حتى الآن على الحلول العشائرية والمذهبية؟
هذه نتائجها السلبية تطال البيئة الرئيسية الحاضنة للمقاومة، ولا يزال
الإصرار عليها قائماً.
كيف تُطرح الحلول لمشاكل البقاع من مقربين من الحزب؟
-
العفو العام عن الجرائم التي تطال المخدرات
والسرقات، أما تلك التي تتعلق بمجابهة القوى الأمنية فلا يطالها العفو العام.
هذا الشاطر كثيراً يريد أن يقول أن الجرائم التي تعني البيئة السنية لا
يطالها العفو، أما تلك التي تطال البيئة الشيعية فيجب أن يطالها العفو. وكأن زراعة
المخدرات والسرقة تأخذ من يفعلها إلى الجنة. هذا التشاطر المذهبي مصيره محتوم!
****
لماذا لم يتم تزريع البقاع؟
هذا مشروع يتطلب سلطة! هل تحرير لبنان لا يتطلب سلطة؟ لماذا تصدت المقاومة
لحمل السلاح من أجل تحرير الجنوب ولم تحمل المعول من أجل تزريع البقاع.
هل تذكرون شعار النظام من الإيمان؟
تخيلوا أنه تم استبدال زراعة الممنوعات بدوار الشمس أو القمح وتم رفع شعار:
استهلاك الزيوت اللبنانية والطحين اللبناني من الإيمان. تصوروا زراعة الأماكن
الصالحة لزراعة الفواكه مع إقامة مصانع للعصائر والمربيات...إلخ هل كان سيُضطر
المواطن البقاعي لزراعة الممنوعات؟
جميع الدول الرأسمالية سواء في أوروبا أو زعيمة العولمة أو اليابان يساعدون
المزارعين. فالزراعة لا يمكنها تغطية حياة المزارع إذا لم تكن مدعومة من الدولة.
عشرات مليارت الدولارات ذهبت هباء على الكهرباء المعاقة. ألم يكن بإمكان
جزء بسيط منها تحويل البقاع إلى جنائن؟
ليس المواطن البقاعي هو المسؤول عن الأوضاع التي وصل إليها. ليس القادة
الأمنيون أو العسكريون هم من يتحمل المسؤولية، كما يشيع بعض المعنيين طلباً
للبراءة من الواقع المزري. الذي يتحمل المسؤولية هم القادة السياسيون الذين يهملون
القيام بواجبهم إزاء المنطقة وأهلها وإزاء الشعب اللبناني بمجموعه.
حلول المسألة الأمنية في البقاع هي إنمائية: إجتماعيا، إقتصادياً وسياسياً.
وكفى تستراً وراء العجز.
24
حزيران 2018