جوزف عبد الله
حسن ملاط
مقدمة
منذ مجيء
ترامب إلى السلطة
في الولايات المتحدة
الأمريكية بدأت مرحلة
جديدة تركت تأثيرها
على مختلف بلدان
العالم.
دولياً
أقدم ترامب
على التلاعب بالقوانين
التي تنظم التجارة
العالمية، والتي كانت
قد أرستها الولايات
المتحدة نفسها.
وكانت من أبرز أدواتها منظمة التجارة
العالمية.
أعاد
ترامب العمل ببعض إجراءات الحمائية بعد
أن كانت التجارة
حرة. فهو قد
رأى أن مصلحة
المواطن الأمريكي تتطلب
الحمائية، ففرضها من
دون احترام القوانين
التي تحكم التبادل
التجاري في العالم
الرأسمالي المعولم .
كما أعاد ترامب
صياغة الاتفاقات الدولية
بين أمريكا وسائر
بلدان العالم.
إنسحب من بعض
المعاهدات الدولية وخاصة
الاتفاق النووي مع
إيران.
لماذا فعل ترامب ذلك؟
المواطن الأمريكي
الأبيض تأثر سلبياً
من انتقال الانتاج
الصناعي إلى خارج
الولايات المتحدة مما
أدى إلى أزمات
متلاحقة، واهمها في
ال. 2008 لذلك كان
برنامج ترامب هو
إعادة العمل إلى
المصانع داخل أمريكا،
بالرغم من أن
هذا الإجراء يُعد
سلبياً بالنسبة لأرباح
كبار المستثمرين الأمريكيين. فأجر الساعة
في أمريكا
9 دولارات، بينما أجر
العامل السوري على
سبيل المثال كان
في 2010، 50 ليرة سورية
ل8 ساعات عمل،
أي ما كان
يعادل دولاراً واحداً.
ولكن ما
رآه ترامب أن
المواطن الأمريكي عليه
أن لا يخسر
حياته إكراماً للحفاظ
على قواعد العولمة
التي أرستها الإدارات
الأمريكية المتعاقبة منذ
رونالد ريغان.
وهذا ما جعله
يضغط على أصحاب
الاستثمارات بإعادة العمل
في المصانع الأمريكية. وهذا ما
جعله يمنع الهجرة
إلى أمريكا لوقف
منافسة العامل الأجنبي
للعامل الأمريكي.
وما إقفال الحدود
مع المكسيك ومحاولة
بناء الجدار إلا
لمنع العمالة الرخيصة
التي تنافس العامل
الأمريكي الأبيض.
ليس هذا
فحسب، بل ذهب
ترامب إلى لعب
دور البلطجي:
على جميع الدول
التي تريد حماية
أمريكا لها، أن
تدفع أجر هذه
الحماية. هذا ما
طلبه ترامب من
دول حلف الناتو. وهذا ما
طلبه من دول
الخليج التي تتمتع
بالحماية الأمريكية...
إلخ
أوروبا
وهي ليست
بعيدة عن الأزمات. ففي فرنسا
وبلجيكا وهولاندا وإيطاليا
وحتى ألمانيا، هناك
تحركات تحت عناوين
مختلفة، ومن أهمها المطالبة بالعودة إلى سياسات حماية وإعادة
المكتسبات الاجتماعية ووقف الهجرة، والمحافظة على استقلالية القرارات الداخلية
للدول الأوروبية. ولكن أهم
هذه التحركات هي
التحرك الفرنسي الذي
بدأ أسبوعه السادس
عشر.
إزاء مطالب
ترامب، تداعى الرئيس
الفرنسي والرئيسة الألمانية
إلى دراسة هذه
المطالب واقترحا تأسيس
جيش أوروبي لحماية
استقلال أوروبا عن
الصين وروسيا وأمريكا
نفسها. جاء هذا الطلب رداً
على مطالبة الإدارة
الأمريكية بمضاعفة المساهمات
الأوروبية في مصاريف
حلف الناتو.
وقد بدأت المساهمات
الأوروبية تتضاعف.
مطلب تأسيس
قوة عسكرية أوروبية
ليست جديدة.
فقد تحدث عنها
الجنرال ديغول منذ
تأسيس السوق الأوروبية
المشتركة لحماية أوروبا
من الاتحاد السوفياتي
واستقلالها عن الإدارة
الأمريكية.
روسيا
جلي جداً،
عدم رغبة روسيا
في مجابهة واسعة
مع الولايات المتحدة في
أي مكان في
العالم باستثناء جوارها المباشر وحيث لها مصلحة حيوية كسورية حيث تسعى
إلى تفاهمات قبل الذهاب إلى مجابهة مع الأدوات الأميركية، وهذه حال أميركا أيضاً.
روسيا تريد منافسة
غريمتها الأمريكية ببيع
الأسلحة كما وتريد
الحفاظ على تدفق الغاز
والنفط إلى أوروبة
من دون أية
منافسة من أي
من الأطراف.
هنا لا بد
من الإشارة أن
أمريكا بعثت بشحنة
غاز إلى أوروبا
وباعت بسعر أرخص
من مثيلاتها الروسية
ولكنها لم تكرر
المحاولة.
ومن الجدير
ذكره أنه لا
محاولات جدية لتهديد
الدولار كعملة عالمية
من روسيا أو
من أوروبا أو
من أي طرف
آخر.
الصين
تقوم الصين
بمحاولات جادة من
أجل الاستقلال العلمي
والتكنولوجي عن الولايات
المتحدة.
ولكنها
تعمل للمحافظة على توجيه منتجاتها إلى سوق الولايات المتحدة، أكبر سوق استهلاكية
في العالم واحترام رغبات ترامب في سياساته الحمائية، كما تتجه المنتوجات الصينية
إلى الأسواق العالمية، وتخضع لمقتضيات هذه الأسواق.
إشارة: يظهر واضحاً
عدم تفعيل دور
محالفة البريكس أو
محالفة شنغهاي للتصدي
لهيمنة الدولار على
السوق العالمية.
وعليه يمكننا
الاستنتاج أن أمريكا
لا تزال تهيمن
على العالم بالرغم
من تراجعها الفعلي. ذلك، أنه
لم تتقدم أي
قوة عالمية لتلعب
دور البديل الفعلي،
وعليه، لا تزال أمريكا
تتبوأ زعامة العولمة
النيوليبيرالية.
الإقليم
الدول الفاعلة
في الاقليم هي: تركيا، إيران،
السعودية والكيان الصهيوني. ولكن لا
تعمل أي من
هذه الدول بمفردها. أي لا
توجد سياسة مستقلة
لأي من هذه
الدول. إيران تعمل
مع روسيا وتركيا وتطمح لعلاقات مع أمريكا على شيء من التكافؤ. تركيا تعمل
مع روسيا وأمريكا
وإيران والكيان الصهيوني. السعودية
تعمل مع أمريكا
وروسيا والكيان الصهيوني. العدو
الصهيوني يعمل مع
أمريكا وروسيا وبعض
الدول العربية وتركيا. أما الميدان
الذي يعمل فيه
الجميع فهو دولنا
العربية وعلى الأخص: فلسطين،
العراق، سورية، اليمن
وليبيا.
العراق هو
ملعب أمريكي، إيراني
وتركي وصهيوني (الأكراد). أمريكا
تريد تواجداً إيرانياً
شريطة أن تكون
فعاليته محدودة. الفعالية المحدودة
تعني تهديداً لجارته
السعودية من الحدود
العراقية ومن الحدود
اليمنية والخليج الذي
يفصل بينهما. فاستيلاء أمريكا
على خيرات شعب
الحجاز تتطلب أن
يكون النظام مهدداً... وهذا
هو ما تريده أميركا من
الدور الإيراني.
سورية تريدها
أمريكا لروسيا ولها
مع دور محدود
لإيران وتركيا.
وهي تريد الدور
الإيراني مقتصراً على
الاقتصاد فقط.
لذلك نرى بأن
مطلب انسحاب القوات
الإيرانية هو على
رأس أولويات الإدارة
الأمريكية في سورية. وهذا المطلب
هو مطلب صهيوني
أيضاً يلحق به
ضرورة انسحاب حزب
الله من سورية
أيضاً.
اليمن هو
التهديد الأكبر للسعودية
من حدودها الجنوبية،
وهي لا يمكنها
التغاضي عنه مطلقاً. وهذا ما
جعل التدخل الإيراني
في اليمن خطيراً
جداً بالنسبة للنظام
السعودي ولا يمكن
تجاوزه. فالتعاون مع
العدو الصهيوني أصبح
معلناً لمجابهة إيران. كما وأن
إيران تعتبر أن
الأولوية هي لعدائها
مع السعودية.
وهذا جلي جداً
في وسائل الإعلام
الإيرانية.
فلسطين أصبحت
منسية. التنافس بين
السلطتين هو بحقيقته
تنافس على السلطة
وليس على كيفية
تحرير الأرض.
فالتحرير ليس من
ضمن برنامج أي
من المتنافسين.
العدو الصهيوني يصول
ويجول ويستولي على
الأراضي ويبني المستوطنات
ولا يجد من
يجابهه إلا بعض
الفتية والأبطال
من أبناء الشعب
الفلسطيني المقاوم.
أما الأنظمة فهي
تلعب دوراً تخريبياً
للحمة الشعب الفلسطيني
في جميع الأماكن.
ملاحظة: السائد
في الإقليم حالياً هو التقاتل البيني على أسس مذهبية تتغذى من الصراع السعودي (السنية
السياسية الوهابية) الإيراني (الشيعية السياسية) هذه الأسس المذهبية التي تغذيها
السعودية وإيران بالمستندات التاريخية المزورة وبالمال والسلاح. أما الفرق (وهو
ليس أمراً عابراً، ولكنه يفقد أهميته لكون الصراع على وجه مذهبي) بين إيران
والسعودية فهو أن الأولى تقاتل العدو الصهيوني في أنحاء سورية والعراق واليمن (أي
خارج حضوره الفعلي، فلسطين المحتلة). أما السعودية فهي تتجه نحو تمتين العلاقة مع
العدو الصهيوني لمجابهة إيران.
وهذا ما
يجعلنا نؤكد أن تجهيل العدو الرئيسي لإقليمنا والذي يتمثل بالكيان الصهيوني وبالحضور
الأميركي العسكري والسياسي والمقيم في سورية والعراق دون أي إزعاج من أحد، هو الذي
جعل التقاتل الداخلي مشروعاً.
لبنان
إن تأخر
تشكيل الحكومة لمدة تسعة أشهر ناتج عن عدم اليقين في الساحة السورية.
فأمريكا
وروسيا تريدان انسحاب القوات الأجنبية من سورية. صرح الأمريكي ما عدا القوات
الروسية، ولكن موسكو أصرت وقالت بما فيها الروسية. روسيا جاءت إلى سورية بناء
لاتفاقات مدتها حوالي الخمسين سنة. ولكن ما هو المكسب الإيراني من إنفاق مليارات الدولارات
في سورية؟
بعد توقيع
اتفاقات إقتصادية متعددة الجوانب بين الجانب الإيراني والجانب السوري، أصبح تشكيل
الحكومة ممكناً. وهذا ما حصل.
أما
الانعكاسات على الساحة اللبنانية فهو مبشر باستقرار لمدة طويلة. خاصة وأن حزب الله
يُشارك في الحكومة بفعالية كبيرة، ولكن، بشروط الطبقة السياسية. فالحزب يُشارك
كطائفة، تنتصر على باقي الطوائف وتمد أصابعها إلى حصص الطوائف الأخرى. (هذا هو
منطق الطوائف).
كما أن
هذه الشروط لا تزعج الأمريكي، لأن الأمريكي لا يريد شعوباً في المنطقة إنما يريد
محالفة طوائف ومذاهب، لا مكان للمواطن فيها.
نعود إلى
لبنان ونؤكد أن لبنان سيكون مستقراً إذا فهمنا الاستقرار توافقاً بين القوى
السياسية. ويمكننا التأكيد أن لا أحد ضد أحد، أللهم إلا التنافس على المكاسب.
هل هذا
التوافق هو لصالح الطبقات المسحوقة من الشعب اللبناني؟ بالطبع لا! فهذا التوافق لم
يكن على برنامج اقتصادي واجتماعي لإنقاذ الطبقات المسحوقة من الفقر المدقع
والبطالة وإلخ
28 شباط 2019