د. جوزيف عبدالله
الشيخ ابراهيم الصالح
حسن ملاط
التغيير،
عملية لا تقوم بها نخبة حزبية مهما كانت متفانية، بل تقوم بها الجموع الشعبية
المقتنعة بضرورة التغيير والمستعدة للسير بها بقيادة المحالفة الحزبية الموثوقة من
قبلها. وما لم تحصل هذه القناعة وهذه الثقة لدى الجماهير فمن العبث الكلام عن ثورة
لإسقاط النظام و «تغيير هذه الدولة الفاشلة".
وعليه، فإن الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية التي انفجرت في لبنان
مؤخراً استولدت انتفاضة شعبية هي استكمال على نطاق أوسع للنضالات التي قامت بها
الجماهير الشعبية اللبنانية مع بدايات الربيع العربي، منذ مطلع هذا العقد وعلى مدى
سنواته.
هذه الأزمة تلازمت بوضع ثوري بكل معنى الكلمة في لبنان. في هذا الوضع
الثوري وعلى قاعدة الأزمة العميقة في النظام قامت انتفاضة متعددة المشارب
والاتجاهات والمرجعيات. ولكن نواتها
الصلبة طرحت مطلباً مركزياً: "إعادة تكوين السلطة". وذلك على اعتبار أن
محالفة الطبقة السائدة عاجزة عن مواجهة الأزمة الشاملة والتقدم بحلول منطقية
وفعالة. وعليه لا بد من إسقاط النظام السياسي، وهذا هو معنى إعادة تكوين السلطة.
ولكن هذه المهمة الشاقة تتطلب تكوين الكتلة الشعبية الفاعلة من أولئك الذين
ينخرطون في عملية الانتاج الفعلي.
فالكتلة
الشعبية ليست مجرد محالفة طبقية يسيرة التحقيق بل هي عملية معقّدة تبدأ بالعمل على
تفكيك (كسر) كتل رأسمالية طائفية متموضعة في محالفة رأسمالية أعمّ (هي الطبقة
السائدة المكونة من رأسماليي: المصارف، الاحتكارات التجارية والعقارية، الفساد
والمافيا). كما أن تفكيك هذه الكتل الرأسمالية يبدأ بالضرورة من تفكيك الكتل
الفكرية المرتبطة بها والمبررة لها، أي تفكيك الفكر الطائفي بجوهره الواحد وتنوعه
المتعدّد (معركة الأفكار). ومن دون ذلك لا يمكن قيام محالفة طبقية بين الفئات
الشعبية العمالية والفلاحية والفئات الوسطى وأفراد من ذوي المعرفة العلمية
والمشاعر الإنسانية الطيبة.
ما تقدم هو الذي يمكن أن يُنتج إعادة تكوين السلطة والتي
تبدأ بتشكيل حكومة من خارج الطبقة الحاكمة، حكومة بصلاحيات استثنائية (تشريعية)
مؤقتة ومستقلة. هذه الحكومة تطرح قانوناً انتخابياً خارج القيد الطائفي ولبنان
دائرة انتخابية واحدة، إصلاح القضاء، استعادة المال المهرب والمنهوب، برنامج
اقتصادي إجتماعي...
حتى الآن، لم تتمكن الانتفاضة من تحقيق سوى مطلب واحد: استقالة حكومة السيد
سعد الحريري.
ماذا يفعل المنتفضون؟
يجتمع المنتفضون في الساحات ويجرون النقاشات فيما بينهم، ويتظاهرون أمام
المصارف وأمام بيوت بعض السياسيين. يشتبكون أحياناً مع بعض الغوغاء وأحياناً مع
قوى السلطة.
صحيح أن الحياة لم تعد الى طبيعتها في البلد، ولكن الصحيح أيضاً انه أصبح
لزاماً تفعيل الانتفاضة وذلك من خلال:
(1) تنظيم القوى الجذرية للانتفاضة وتنسيق
نضالاتها، وتكييف أحزابها مع مستلزمات الانتفاض لتصبح هذه الأحزاب أكثر قدرة على
استقطاب الجماهير وعلى الممارسات التعبوية.
(2) اشراك قوى اجتماعية جديدة في الانتفاضة
لها مصلحة فعلية في إعادة تكوين السلطة. من هي القوى التي نقصدها؟ هي القوى
المنتجة (في الزراعة والصناعة والسياحة) التي حول النظام المرتبط بالرأسمال
المعولم وسائل إنتاجها إلى سلعة لا علاقة لها بما خُلقت من أجله. وعليه فالقوى
الاجتماعية المطلوب العمل على استقطابها هي المزارعون، والصناعيون.
لبنان مهدد بالمجاعة لأن عملته تكاد تصبح ورقاً لا قيمة لها بسبب تهريب
العملات الأجنبية الى خارج البلد من قِبل الطبقة السياسية وشركائها من كبار أصحاب
رؤوس الأموال وأصحاب المصارف.
من هنا، أصبح لزاماً على شعبنا أن يفكر كيف يحمي نفسه من مصاصي دمائه. لذا
على اللبنانيين أن يبادروا بالعودة إلى أمنا الأرض.
ما العمل؟
على مالكي الأرض "المُبَوَّرة" بانتظار بيعها ووضع الأموال في
البنوك للتمتع ب"فوائدها" أن يعلموا أن هذا أصبح من الماضي. لذا لا بد
أن تعود الأرض إلى وظيفتها وهي انتاج الغذاء لسكان هذه البلاد.
إن نزول المزارعين إلى الساحات، ساحات الانتفاضة القائمة حالياً، أو
استحداث ساحات جديدة أصبح ملحاً ليفرضوا على الحكومة العتيدة الأمور التالية:
1- إختيار
الزراعات الواجب إنتاجها في الحالة التي تمر بها البلاد. وهي تتركز على الزراعات
ذات الطابع الاستراتيجي مثل القمح والذرة والعدس والحمص وغيرها من الحبوب التي
يستهلكها المواطن اللبناني.
2- تحديد
الأسعار لهذه المنتجات بما يتناسب مع امكانية تأمين الحياة للمزارع. وهذا يتطلب
إما شراء السلطات للمنتوج أو منع استيراد هذه السلع حتى يتم استهلاك الانتاج
المحلي.
3- تأمين
البذار والسماد للمزارعين الذين سيستصلحون أراضيهم، على أن لا يكون هذا البذار
معدلاً جينياً لأنه يُفسد الأرض ويجعلها عقيماً. وكذلك أن يكون السماد عضوياً.
4- تشجيع
تربية الأبقار في الريف من أجل تأمين استهلاك المواطن اللبناني بحيث لا يُضطر
لاستيراد الحليب ومشتقاته.
إن تأمين الأمور سابقة الذكر تتطلب مشاركة المزارعين في الحراكات القائمة.
كما وعلى المزارعين أن يبينوا للناس أن العودة إلى الأرض تؤمن الحياة الكريمة
لجميع اللبنانيين. كما وأنها تحمي اقتصادهم الذي يقوم على الاستهلاك من دون
الانتاج.
ولا بد من التواصل مع الصناعيين ورفع مطالبهم بوصفها مطالب جدية للانتفاضة
لأن في استمرار هذه الصناعة تلبية لحاجات محلية وتوفيراً لفرص العمل...
في النهاية، يمكننا التأكيد أن إشراك قوى جديدة في الانتفاضة أو استحداث
ساحات جديدة لفتح الطريق أمام ما يُسمى اقتصاد انتاجي وليس ريعياً لا يكون
بالشعارات الاستهلاكية، إنما بوضع برنامج فعلي وعملي لهذا التحول.
إلى مزيد من التلاحم بين مختلف أبناء وبنات شعبنا من أجل تحقيق هذه المطالب
التي تفتح الطريق إلى تحويلنا من مستهلكين إلى منتجين للخيرات المادية التي نحتاجها
من أجل حياة كريمة لنا وللأجيال القادمة.
30 كانون الأول 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق