حسن ملاط
الحروب التي لا زالت مستمرة في
الاقليم والتي أنهكت الجميع، باستثناء القوة العظمى، فرضت توازنات جديدة يبدو أنها
بدأت تفعل فعلها في اقليمنا.
في ليبيا، تشارك بشكل أو بآخر تركيا والامارات وروسيا والسعودية ومصر وفرنسا
ووو... أمريكا تتفرج!
في العراق، وبعد القضاء على حكومة صدام حسين، كانت الجهود التي شاركت فيها
ايران أمريكا للقضاء على امكانية قيام عراق موحد. وما نراه، أنه حتى اللحظة، لا
يزال المواطن العراقي يعيش حياة الكفاف في ظل الفساد المستشري والمحمي من الثنائي
الأمريكي الايراني، والذي يجعل من الشعب الذي ينتج أكثر من أربعة ملايين برميل نفط
يومياً يخسر حاضره ومستقبله.
أما في سورية، فلا زالت الحرب على الشعب السوري مستمرة ويشارك فيها بنشاط كل
من روسيا وايران وتركيا وتوابعهم. أما أمريكا فأخذت حصتها ووقفت تتفرج على المشهد.
في لبنان، الصراع بين مختلف المكونات الطائفية والمذهبية والتي ترتبط بقوى
إقليمية والتي تقيم جميعها علاقات بالقوة العظمى، إما تفاهماً أو تعارضاً، لا يزال
مستمراً منذ انطلاقة الانتفاضة المباركة في السابع عشر من تشرين الفائت. وقد تعقد هذا
الصراع أكثر بعد سقوط حكومة الحريري وتشكيل حكومة جديدة.
هذا الانهاك لجميع القوى نتج عنه توازنات جديدة يمكن تلخيصها كما يلي:
ليبيا: يُعتبر تأثير الوضع الليبي على
بلادنا قليل الأهمية لولا انعكاس التناقض بين الروس والأتراك من حيث تأييدهم لقوى
متصارعة!
العراق: تمكنت القوى المؤيدة لايران من
الصمود أمام المظاهرات التي قامت بها جماهير المحافظات الجنوبية خاصة والوسطى
والتي تنتمي بأكثريتها الساحقة للمذهب الشيعي التي تدعي ايران أنها تقوم بحماية
ناسه. وكانت هذه الجماهير تهتف بضرورة كنس الفاسدين وداعميهم من الأمريكان
والإيرانيين.
ولكن اغتيال الجنرال قاسم سليماني،
المشرف المباشر على حماية أصدقاء النظام الايراني في الحكومة العراقية والذي كان يقود
التصدي للمظاهرات التي اتهمها المرشد الايراني بتبعيتها للأمريكان، ساهم بشكل
مباشر بتراجع حدة هذه المواجهة. هذا بالاضافة الى عامل هام جداً وهو عدم تخلي
مرجعية النجف عن التأييد العلني لمطالب المتظاهرين ودعوة الحكومة الى حماية هؤلاء
المتظاهرين من الميليشيات المذهبية.
سورية: منذ تغير الموقف الأمريكي
العلني من الوجود الروسي في سورية، طفا على السطح التباين الروسي الايراني من مستقبل
الوضع السوري. فالتفاهم التركي الروسي بالنسبة للمنطقة الحدودية التركية السورية
يتم بمعزل عن رأي الايرانيين والنظام السوري. والحملة الممنهجة من الصحافة الروسية
على الرئيس السوري تحمل دلالات هامة، أبرزها إفهام الرئيس السوري أن مستقبله يحدده
الروسي وليس غيره.
وهنا لا يجب أن يغيب عن بالنا الهجمات
المتكررة التي يقوم بها العدو الصهيوني على أماكن تواجد القوات الايرانية في سورية
أو حلفائها والتي لا تلقى رداً من أي من الأطراف المتواجدة على الساحة السورية.
وفي هذا ايحاء بأن مستقبل سورية يحدده الصراع في الداخل السوري وليس الصراع مع
العدو الصهيوني.
هذه الجرأة الصهيونية على ايران
وحلفائها تعطي انطباعاً بضعف الامكانات الايرانية على التصدي للعدوان رغم
التهديدات الاعلامية اليومية لهذا العدو.
لبنان: أما في لبنان، فقد لعبت
الانتفاضة دوراً هاماً في تطور الأوضاع الداخلية وأبرزها كانت استقالة الحكومة
التي لم يعد بامكانها الاستمرار في السلطة برضىً من الناس. وقد كان لافتاً عدم موافقة
الحزب على هذه الاستقالة حتى بعد إعلانها من الرئيس الحريري.
هذه الاستقالة أدت الى تفجر الخلافات
بين الأطراف السياسية الطائفية والمذهبية. فقد كان اختيار شخصية لا تغطية مذهبية
لها وغير قادرة على أخذ قرارات شعبية تؤمن تغطية لها، غير موفق. وهذا ما أدى الى
انهيار سريع للأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. كما وأدى إلى
تفجر الخلافات بين الحلفاء على خلفية الفساد المستشري في الادارة وعلى صعيد الطبقة
السياسية.
هذه الممارسات السلطوية كانت صاعقاً
لتفجر الخلافات المذهبية والطائفية بأبشع أشكالها. علينا أن لا ننسى أن الشعار
الذي رفعه العهد وحلفاؤه هو تحالف الأقوياء بين طوائفهم. إنسحاب السني من هذا
التحالف أدى الى خلل أدى فيما أدى اليه الى إظهار الخلل بين الأطراف ضمن كل طائفة.
هل يمكن الاستمرار في هذا الوضع سواء
في العراق، سورية أو لبنان؟ بالطبع لا!
هذا الخلل في توازنات القوة هو المدخل
إلى التسويات القادمة.
ففي العراق، لا يمكن تفسير القبول
الايراني بالكاظمي المتهم من قبل العراقيين المرتبطين بايران بأنه المسؤول عن
اغتيال سليماني والمهندس إلا بأنه مدخل لتفاهم أمريكي ايراني على مستقبل العراق
يقوم على الانسحاب الأمني الايراني من العراق والابقاء على الدور الاقتصادي. وهذا
هو معنى التمديد ستة أشهر لاعفاء الحكومة العراقية من العقوبات بسبب استيرادها
للغاز الايراني. وهذا هو سبب مباركة حكومة الكاظمي التي أعلنت بأنه لا سلاح سوى
السلاح الرسمي وبأنها ستلبي مطالب المتظاهرين وقد باشرت باعتقال أفراد الميليشيا
التي قتلت المتظاهر العراقي في البصرة. وكذلك قبول هذه الحكومة بانتخابات مبكرة
وبضرورة انسحاب القوات الأمريكية والايرانية وهذه هي مطالب المتظاهرين والمرجعية
في النجف الأشرف.
أما في سورية، فلن يكون الوضع مختلفاً
عما هو في العراق، أي القبول الروسي الأمريكي بدور اقتصادي لايران حتى تتمكن من
تعويض مليارات الدولارات التي أنفقتها على دعم النظام في سورية.
أما في لبنان، فالدور الايراني مرهون
بضرورة التفاهم على أمن العدو الصهيوني مضافاً إلى أن يكون لبنان منصة اعلامية
للنظام الايراني، أي الاحتفاظ بالدور السياسي الهام للحزب في الحياة السياسية
الرسمية اللبنانية.
هذا الدور يستوجب تشكيل حكومة جديدة
يمكنها تأمين الاستقرار في البلد، أي تُرضي جميع الطوائف الفاعلة.
ما تقدم يجعلنا نقول بأن الوضع
الاقليمي والمحلي يسيران باتجاه تسوية تؤمن نوعاً من الاستقرار بانتظار تمكن القوى
الحية من العمل على تشكيل البديل الذي يمكنه تأمين مصالح أكثر الناس.
التسوية الآتية هي بين الأطراف
السياسية لا علاقة لجماهير الكادحين بها. تسوية مفروضة من أطراف الصراع الدوليين والاقليميين
الذين يهمهم الحفاظ على نظام النهب القائم في العالم أجمع.
12
أيار 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق