لماذا على ميقاتي أن يشكل الحكومة الآن؟
لقد تغيرت الكثير من المعطيات التي تجعل من التمهل في تشكيل الحكومة يحمل الكثير من الأضرار . فالمبادرة إلى التشكيل يملك الكثير من المبررات. فالوضع الإقتصادي متدهور، والهيئات الإقتصادية سوف تبادر إلى التحرك باتجاه إيجاد حل للتعثر في تشكيل الحكومة. الغلاء ما من أحد يتصدى له، والتحركات العمالية ومختلف شرائح المجتمع لم يعد بإمكانها الإنتظار إلى أن تُشكل الحكومة. أما الوضع الأمني فليس على ما يُرام. فالعملية على اليونيفيل والتي سبقتها عملية إختطاف الإستونيين... من الأمور التي تؤثر سلباً على سمعة لبنان في الخارج، هذا إن لم تحمل مؤشرات أخرى لسنا في صدد بحثها الآن.
لن نعدد جميع العوامل التي تجعل من تشكيل الحكومة أمراً ملحاً، إنما سوف نشير إلى مؤشرات تجعل من عدم التشكيل أمراً مؤذياً بشكل عام ويؤثر على وضع الرئيس ميقاتي بشكل خاص.
لقد تمكن الرئيس ميقاتي خلال المرحلة السابقة من أن يفرض نفسه كلاعب أساسي في ساحته. فهو كان عند تكليفه تشكيل الحكومة قوياً بغيره، أما الآن فقد أصبح قوياً بنفسه. لقد تمكن من فرض شروطه على كل من يريد أن يتصدى إلى تشكيل حكومة في لبنان. فهو لم يقبل بنصف تنازل كما فعل السنيورة، ولم يقبل بتنازل كامل كما فعل سعد الحريري. وهذا سوف يجبر جميع من يأتي بعده إلى نفس الممارسة، مما يجعل من العبث التفكير باستبداله، إذا أراد أن يتنحى. ولكن طرأت بعض التغيرات التي تجعل من عدم تأليف الحكومة الآن تأكل من رصيده.
ما هي هذه المتغيرات؟
إن الكمين الذي نصبه عون للواء ريفي قد أصاب به الرئيس ميقاتي، سواء كان ريفي محسوباً على الرئيس ميقاتي، ام لم يكن كذلك، ذلك أن اللواء ريفي ينتمي إلى نفس الطائفة التي ينتمي لها الرئيس المكلف. فالرئيس مناط به الدفاع عنه عرفاً. أي أن العماد عون قد جر الرئيس ميقاتي إلى معركة لم يخطط الأخير لها وليس بذهنه التخطيط لها. حيث أنه لم يخطط لا للدفاع عن ريفي ولا لإغراق ريفي، فالمعركة ليست معركته. والأنكى من ذلك أنه لا يمكنه التهرب منها، كما أنه لا يمكنه خسارتها.
والذي لم يكن بالحسبان تغطية حلفاء عون وميقاتي، تغطيتهم لعون من دون حساب لمترتبات هذه المعركة على الأرض. فهل يريدون كشف ميقاتي أمام عون؟ وما هو الثمن الذي سوف يُدفع تبعاً لذلك؟ نحن نعتقد أن ليس بإمكان عون أن يدفع شيئاً لحلفائه مقابل هذه المعارك التي يخوضونها إكراماً له. ولكن من بإمكانه أن يدفع على الصعيد الشعبي هو الرئيس ميقاتي، وخاصة على الصعيد الاستراتيجي، ولا أقصد العسكري. إن دراسة المتغيرات التي تحصل في عالمنا العربي وتقييمها بنظرة مستقبلية سوف تدفع من يهمه مستقبل المقاومة على الصعيد الاستراتيجي أن يفكر بشكل مختلف بالنسبة لتحالفاته وأولوياتها. هذا الكلام لا يعني مطلقاً حصر تحالفاته بطرف واحد، إنما يعني أن العلاقات بين الحلفاء يجب أن تكون مع كل حليف تبعاً لأهميته الاستراتيجية، ونحن لا نعني استراتيجية الزاروب والحي، إنما استراتيجية الساحة العربية بامتداداتها التي تصل إلى تركيا وإيران.
ما انعكاس هذا الدعم اللامحدود؟
لقد تم استثمار هذا الدعم في أماكن لا ندري إن كانت مهمة بالنسبة للمقاومة. يقول البطرك الراعي: إن "علينا العمل لاعادة صلاحيات رئيس الجمهورية كي تسير البلاد الى الامام، واتفاق الطائف ليس منزلاً". وأشار الى أننا "مع نظام المشاركة، ولكن لسنا معها عندما يكون رئيس الجمهورية لا يملك اي امكان لكي يقرر بالثغرات الموجودة". هل من أجل هذا خيضت معركة اللواء ريفي؟
أما عضو التكتل العوني النائب أبو النصر فقد قال: "فلنواجه الوقائع بصراحة ولنسمّ الاشياء بأسمائها،ان ازمة تشكيل الحكومة اليوم في عمقها ازمة النظام السياسي الذي جرى تعديله في الطائف في غفلة من الزمن، حيث تم تجريد رئيس الجمهورية من صلاحيات دستورية كانت تؤهله ليكون هو نقطة الارتكاز والجاذبية في النظام، فجرى توزيع الصلاحيات عشوائيا بشيء من قصر النظر. فوقعنا في خضم ازمة كيانية خطيرة مما ادى الى تولي الوصاية السورية طوال وجودها في لبنان، القيام بالدور الذي كان يتولاه رئيس الجمهورية قبل الطائف (...).
هذا الامر يستلزم اتفاق القيادات المارونية على المطالبة باسترداد الصلاحيات الاساسية التي سلبت من رئاسة الجمهورية، على امل ان تمارس بحزم وحكمة وتجرد. هذا الموضوع الكياني يستحق ان يتصدر جدول أعمال الاجتماع المنتظر برئاستكم في بكركي(...).
هل أن معركة الإتصالات قد خيضت من أجل توحيد الموارنة من حلفاء إسرائيل إلى حلفاء المقاومة من أجل تعديل الطائف (لا يعنيني الطائف سواء عُدل أم لم يعدل)، أم من أجل أهداف أخرى؟
نصل إلى رئيس الجمهورية الذي وحد موقفه مع أبناء طائفته، لا ندري إن كان نتيجة الضغوط التي مورست عليه من حلفاء عون، أم أنه قد راى ضرورة توحيد موقف الموارنة. فليتوحدوا إذن تحت عباءته وعباءة الراعي، خير من توحدهم وراء عباءة أخرى، خاصة أنهم قليل من يأخذون مواقف تبعاً لإرادتهم.
أما المسيحي الوحيد الذي انبرى للدفاع عن ممارسة اللواء الريفي فكان بطرس حرب. أما اليوم فقد تحدث سمير جعجع عن الموضوع، ربما أعادته ذاكرته بضرورة التحالف مع الأكثريات وليس مع الأقليات.
هذه المتغيرات تستدعي المسارعة إلى تشكيل الحكومة إنطلاقاً من الثوابت التي طرحها الرئيس ميقاتي. كل يمارس صلاحياته تبعاً لما ينص عليه الدستور. ويمكن الإستناد إلى هذا الكلام لأن ميزان القوى في لبنان لم يجعل من طائفة رئيس الوزراء هنوداً حمراً.
اليوم كل يريد تناتش ما يمكنه من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، لذلك لا بد من تشكيل الحكومة، حتى بمن حضر. وليتحمل كل مسؤوليته.
31 أيار 2011 حسن ملاط