ما الذي يعيق تشكيل الحكومة اللبنانية؟
بعد حوالي مئة يوم على التكليف بتشكيل الحكومة، قيل أنهم تمكنوا من الإتفاق على العميد مروان شربل وزيراً للداخلية. وزير للداخلية لحكومة لم تتشكل بعد، ولا نعلم حجم الحظوظ لتشكيلها. ولكن كان لافتاً قبول الرئيس سليمان باقتراح وزير الداخلية، علماً أنه لم يلب شروطه (أي أن يقترح هو الأسماء وأن يقبل الآخرون بتسمية واحد من تلك الأسماء). ونحن نعتقد أن هذا القبول كان مدروساً لأن الرئيس يعلم أن قبوله هذا لن يؤدي إلى تشكيل الحكومة. فالعوائق دون التشكيل تكمن في مكان آخر؟
الإستقرار هو دلالة على قبول جميع الأطراف بميزان القوى القائم في وقت معين. وهذا ما يُعبر عنه في المثل الشعبي، بتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر (حيث يوضع المحصول). لقد حاربت بعض القوى في لبنان ضد ما يسمى المثالثة، مع إنكار الجميع بتفكيرهم بتعديل إتفاق الطائف باتجاه المثالثة بدل المناصفة. لقد كانت هذه القوى ساذجة وللأسف. إن قانون التناتش الطائفي يقوم على قواعد ثابتة لا يمكن لأحد أن يتخلى عنها. فلكل طائفة حقوقها التي تحصلت عليها بفضل قوتها الفعلية. وهذا ما تم ترجمته في اتفاق الطائف. أما الآن فقد تم تغير ميزان القوى عما كانه عند إقرار قانون الطائف. فقد تغيرت وتبدلت المناصفة من مسلمين ومسيحيين إلى مناصفة ما بين السنة والشيعة. وقد كان الرئيس رفيق الحريري خير من ترجم هذا الإتفاق عملياً من دون أن يمس الوثيقة المكتوبة. فقد أتى بالمسيحيين جميعهم إلى خانته مع احتفاظهم بالعدد حسب ما ينص عليه إتفاق الطائف. ولكن ما قام به هو أنهم اصبحوا على خانته بدل أن يكون لهم كيان خاص بهم. وكلنا يتذكر المقاطعة المسيحية التي لم تنتج شيئاً. لم يكن بإمكانها أن تنتج شيئاً لأن ميزان القوى الفعلي على الأرض يختلف عن التمنيات.
هذه الإلتفاتة ضرورية حتى نقول، أن الميزان الفعلي على الأرض يتطلب تفاهماً بين القوى الأساسية التي تملك حيثية حقيقية على الأرض وليس حيثية مفترضة. إن المجموعة التي تستمد قوتها من غيرها لا يمكنها أن تفرض شروطها. ومن يريد أن يستعيد مجداً ضائعاً بقوة غيره يكون واهماً. من هنا فإن تشكيل الحكومة يتطلب نظرة مبنية على ما عليه الواقع الفعلي القائم في هذا الوقت بالذات. لقد تمكن حزب الله من تحقيق إنتصار فعلي على الرئيس سعد الحريري عندما أقصاه عن سدة رئاسة مجلس الوزراء، والإتيان بالرئيس نجيب ميقاتي. ولكن حيث أن الرئيس ميقاتي قد درس الواقع اللبناني دراسة متأنية تمكن من أن يوجد لنفسه حيثية شعبية تمكنه من أن يدافع عن ما يريده من تشكيل الحكومة التي يرأسها. فالمراقب المحايد يرى أن الكثير من القوى المحايدة في الطائفة السنية أصبح منحازاً للرئيس ميقاتي، كما أن هناك أطرافاً كانت محسوبة على الرئيس الحريري أصبحت تجاهر بتأييدها لإدارة الأمور السياسية من قبل الرئيس ميقاتي وعلى رأس هؤلاء سماحة المفتي قباني نفسه.
إن أول من أعطى الإشارة الواقعية التي يمكن أن تؤدي إلى تشكيل الحكومة كان سماحة السيد حسن نصر الله، عندما سربت أوساطه " أنه لا يمانع بأن يتعامل رئيس الحكومة مع ما تقتضيه المحكمة الدولية" مع علمنا أن حزب الله يعارض المحكمة الدولية لأنه يراها مسيسة (وهي كذلك) وتريد أن تنتقم من المقاومة لأنها انتصرت على إسرائيل. أما الطرف الثاني الذي أعطى الإشارة إلى ضرورة تأليف الحكومة فكان فايز شكر مسؤول حزب البعث عندما أعلن بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية. أما الطرف الثالث فقد كان علي حسن خليل عندما تحدث عن حكومة إنقاذ وطني (بالرغم من اضطراره إلى إعطاء تفسيرات لمضمون الإنقاذ). وأخيراً النائب وليد جنبلاط. ونضيف إلى كل ما تقدم مانقله الأستاذ جنبلاط عن الأوساط السورية بضرورة تأليف هذه الحكومة.
إن تشكيل الحكومة في لبنان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما عليه الواقع الفعلي في لبنان. إن توهم البعض أن بإمكانه أن يعطي الآخرين مما لا يملك، يعيق تشكيل الحكومة ولا يسرعها رغم كل أدبيات ضرورة التشكيل. من هنا على الجميع أن يتعاون في أن تعكس الحكومة واقع ميزان القوى بين الأحزاب والطوائف اللبنانية، وأن يستفيد من تجربة الرئيس رفيق الحريري في فرز القوى وتمثيلها.
إن الوضع الإقليمي يميل في جميع تحولاته إلى ما ذهبنا إليه. إن الحوادث القائمة سوف تؤدي حتماً إلى إصلاحات تحدثت عنها أرفع الأوساط. وهذه الإصلاحات سوف تسمح للقوى بالتعبير عن نفسها. ولن تكون إنعكاسات هذه الإصلاحات إلا لصالح المقاومة في لبنان، أي تأكيد إتجاه السياسة القائمة اليوم بتأييد خط المقاومة اللبنانية والفلسطينية. من هنا ضرورة الإطمئنان إلى الوضع الإقليمي الذي لن يكون إلا لصالح القوى الحية التي تمثل مستقبل هذه الأمة.
إن الحكومة اللبنانية يجب أن تكون ذات أفق يقوم على ضرورة التعامل من دون ضوابط مع الجارة الوحيدة سورية ومن دون أي تحفظ. إن الوضع العربي الذي بدأت ترتسم خطوطه المستقبلية يفرض سياسة الإنفتاح الفعلي على سوريا والتعدي إلى العراق، وإلا لن يكون إنفراج للوضع الإقتصادي الذي نعاني منه جميعاً. وهذا يتطلب بالتالي التعجيل بتشكيل الحكومة على الأسس التي يقتضيها هذا التأليف.
13 أيار 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق