كي تعود طرابلس إلى ذاتها!
كانت الظاهرة الحريرية عابرة في تاريخ بلدنا. ولم تكن لتعمر هذا العمر المديد، أكثر من عشر سنوات، لو لم يُقدر للرئيس رفيق الحريري أن يُقتل على الشكل الوحشي الذي جرى عليه الإغتيال. فهذا الإغتيال لعب دوراً كبيراً في إطالة عمر هذه الظاهرة على يد ابنه الرئيس سعد الحريري ومن حوله من جوقة المسبحين بحمده.
أسميتها عابرة، لأنها بجميع مكوناتها لم تكن مولوداً طبيعياً في بلدنا، إنما نزلت علينا من خارج. كما وأن الدور الذي أعطيه الرئيس رفيق الحريري كان أكبر بكثير من الدور الذي يمكن أن يلعبه أي رئيس لبناني. لماذا أعطي هذا الدور؟ أضف إلى ذلك أن الرئيس رفيق الحريري، حتى عندما كان خارج السلطة كان يُعامل من جميع الدول الأجنبية منها والعربية معاملة الرؤساء. ولا نعتقد أن دور لبنان على الصعيد العالمي هو الذي فرض هذا التعامل مع الرئيس رفيق الحريري.
إن أهمية الدور اللبناني تكمن بحكم جيرته للعدو الإسرائيلي الذي أفردت له (أي للعدو) الإدارة الأمريكية دوراً كبيراً بالقضاء على كل محاولة تحررية يقوم بها أي قطر عربي. وما أعطى أهمية قصوى للبنان هو وجود المقاومة الإسلامية التي تمكنت من الإنتصار على العدو الإسرائيلي في أيار 2000 وفي آب 2006 الإنتصار الذي حان وقت الإحتفال به هذا العام.
إن مناسبة هذا الحديث هو البدء بانطلاقة الحكومة الجديدة التي تحوي تمثيلاً استثنائيا لطرابلس. فالرئيس هو من أهل المدينة وإلى جانبه أربعة وزراء. وهذا التمثيل الغير مسبوق يمكن أن يعول عليه بإعادة طرابلس إلى ذاتها. فهذه المدينة الأصيلة لم تكن يوماً بحاجة إلى من يربط مسيرتها ببعدها القومي. ولكن ما حصل مع هذه المدينة أنها عاشت منذ ال2005 بسياق مناقض لجميع ما تعودته في تاريخها المديد. طرابلس كانت تتحرك تأييداً للقضية الفلسطينية والقضية الجزائرية وعدوان ال56 على السويس وحتى ضد العدوان على كوبا (خليج الخنازير)، ولن نتحدث عن الإحتفالات التي كانت تعمها عندما كانت المقاومة الإسلامية بعملية ناجحة ضد العدو الإسرائيلي.
بعد ال2005، جاء من يقطع طرابلس عن تاريخها. لم تقاوم لأنها عاشت هول جريمة الإغتيال لمن سايرها في مسيرتها ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على أمتنا، نعني الرئيس رفيق الحريري ووقوفه مع المقاومة الإسلامية وتغطيته لها دولياً في محطات عديدة. ولكن ورثته، ليس بإرادته، قطعوا مع تاريخه النضالي، ولم تتنبه طرابلس لذلك. ولكن تماديهم ودوسهم على تاريخ المدينة الناصع جعلهم يتمادون، حتى أنهم لم يستحيوا من التحالف مع من أدين باغتيال أهم رجالاتها نعني الرئيس رشيد كرامي.
لم يعد بإمكان المدينة أن تستمر بما يريدون لها. لذلك لا بد للحكومة الجديدة أن تساعد هذه المدينة أن تعود لسابق عهدها الناصع بالإرتباط بأمتها وبجميع قضاياها. من أجل ذلك هناك بعض الأمور لا مناص من القيام بها، وهي على سبيل المثال لاالحصر:
1- إن القضية الأهم التي تؤرق أهل طرابلس والشمال هي موضوعة التبانة- البعل. هذه القضية لابد من حلها. والحل لا يكون بتدبيج الخطابات الجميلة، إنما تكون ب:
أ – إعمار ما تهدم على مر الجولات البائدة.
ب – إعمار شارع سوريا بحيث يعود إلى سابق عهده من الحركة الدائمة والإنتاج.
ج – إعادة تشغيل جميع الحرفيين الذين تركوا التبانة هرباً من قلة العمل أو تعطله نهائياً.
د – إقامة مشاريع تؤمن فرص عمل للعاطلين عن العمل في محيط التبانة البعل.
بالإضافة إلى إقامة أماكن تمكن الأهل أن يجدوا متنفساً لهم، مثل الحدائق العامة والملاعب للشباب والأطفال...
2 – إعادة الحركة إلى أسواق طرابلس المشلولة، خاصة ونحن على أبواب رمضان، شهر الخير والبركات.
3 – إيجاد مشاريع تمكن أهل هذه المدينة من التمتع بفرص عمل. فطرابلس حسب الأمم المتحدة هي الأفقر في لبنان. كما وأن نسبة الأمية هي الأكثر أيضاً.
4 – لا أريد أن أعدد الكثير من الإقتراحات، ولكن ما أريد التأكيد عليه هو أنه من دون خطوات عملية تقوم بها هذه الحكومة، يمكننا أن نؤكد أن طرابلس لن تتمكن من أن تعود إلى ذاتها.
التحدي هو أن يتمكن الطاقم الحكومي الطرابلسي من أن يساعد طرابلس في التعبير عن ذاتها.
26 تموز 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق