الصيام
ونحن على أبواب رمضان، الشهر الذي تُصفد فيه الشياطين، إيذاناً بإمكانيتنا على فعل الخيرات من دون عوائق، سوف نتذكر سوية فوائد الصوم. فرمضان هو شهر الصوم.
نبينا صلى الله عليه وسلم صام صيامين، واحد قبل الفريضة وآخر بعد الفريضة. أما الصيام الذي مارسه قبل الفريضة، اختياراً، هو وصحابته ومن والاه من ربعه كأبي طالب وآل عبد المطلب، فكان قبولهم جميعاً بأن يعيشوا حياة الحصار في شعب أبي طالب. هذا الحصار الذي فرضه المشركون على المسلمين ومن والاهم، حتى يعودوا عن الدين القويم إلى الشرك الذي كانت عليه قريش. هذا الصيام لم يكن له قواعد الفريضة، إنما مقاومة عنيدة لا تلين لكل أشكال الإضطهاد التي ابتدعها المشركون ضد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن والاهم.
لقد انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصيام على أعدائه، وعاد إلى مكة منتصراً هو والأصحاب والأقارب.
صيام الفريضة لن أتكلم عنه في هذه المقالة.
هل من أحد صام صياماً ملفتاً متأثراً بصيام النبي عليه السلام؟
غاندي، زعيم الهند المشهور صام متأثراً بصيام المسلمين شركائه في الوطن. قال لمؤيديه:"سأقدم لكم سلاحاً فريداً لا تقدر الشرطة ولا الجيش على الوقوف ضده. انه سلاح النبي لكن لا علم لكم به. هذا السلاح هو الصبر والاستقامة ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف ضده".
اتخذ قراراً بخلعه ملابسه الانكليزية احتجاجاً على وجود الانكليز في الهند. فالمعروف ان مصانع النسيج الانكليزية كانت تعتمد بشكل رئيس على صادراتها للهند. وبنفس الوقت كانت هذه المنتوجات تشكل في الثلث الأول من القرن الماضي مصدراً رئيساً من مصادر الدخل الوطني البريطاني. وعندما اتبع الشعب الهندي زعيمه في خلع المنسوجات الانكليزية واعتماد الصناعات اليدوية الهندية لحياكة وصناعة الملابس أغلقت مصانع لانكستر أبوابها وتعرض الاقتصاد الانكليزي إلى هزة عنيفة فاضطر الانكليز إلى مفاوضة الوطنيين الهنود الذين حصلوا على امتيازات تراكمت شيئاً فشيئاً حتى أمكن لهم الخلاص من الاحتلال الانكليزي والاستفادة من خبراته في الوقت نفسه.
بعد أن صام عن استخدام المنتوجات البريطانية التي يمكن للهنود انتاجها، استخدم الصوم في النضال ضد الفرقة الطائفية التي أوجدها الإنكليز ما بين المسلمين والهندوس. كان غاندي يعلن على الملأ أنه سيصوم حتى الموت ما لم تتوقف الحوادث الطائفية المشينة ما بين مكونات الشعب الواحد. وقد انتصر في أحايين كثيرة.
وحيث أن الشيء بالشيء يُذكر، لم نتمكن حتى الآن من الإلتزام في الصوم عن المنتجات التي بثمنها تشتري إسرائيل الأسلحة لقتلنا، مثل منتجات نستلة أو سلسلة مطاعم ماغدونالد أو غيرها الكثير.
سوف نتحدث أيضاً عن صيام الميرزا محمد حسن النائيني أحد مجتهدي النجف الأشرف الذي اتخذ قراراً بالامتناع عن تدخين السجائر. سمي هذا الأمر واشتهر بـ"فتوى التنباك". وكان أغلب مقلدي الميرزا النائيني في إيران عندما كانت تحكم من قبل القاجاريين "والد الشاه". كانت شركة التنباك البريطانية على علاقة مع السلطة الحاكمة وبهذه الفتوى أسقط من يدها أحد الأسلحة التي كانت تستقوي بها على المجتمع الإيراني. وذلك بسبب إلتزام الناس بفتواه وبتقليده بامتناعهم عن التدخين.
ولا يخلو تاريخ أمتنا من الأمثلة التي يترك فيها الصيام أثراً محموداً في مقاومة شعبنا لأعدائه.
الإمام الخميني، بعد انتصار الثورة المباركة واتخاذ الإدارة الأمريكية وأتباعها من المجتمع الدولي بمحاصرة إيران الإسلامية، الدولة الفتية، اتخذ قراراُ بالصيام. لقد أعلن الإمام الخميني أنه سيصوم ثلاثة أيام ويفطر أربعة أيام. فما كان من الشعب المؤمن بثورته، وبقيادة الخميني إلا أن أعلن أنه سيصوم مثل صيام قائده. وسقط الحصار الأمريكي لأنه أفرغ من محتواه. أفرغه الشعب الإيراني وقائده الخميني من مضمونه، وجرت أمريكا أذيال الفشل.
الصيام له أهمية كبيرة إذا فكرنا بالإمكانات الكبيرة التي يتضمنها. وهل أهم من الصيام الذي يُعتبر لله تبارك وتعالى " أما الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
تحية لرمضان ولكل من يريد أن يصل إلى المغفرة عبره.
30 تموز 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق