بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 17 مارس 2012

مقاربة جديدة

هل اتخذ "حزب الله" قراراً بترميم علاقته مع جمهوره العريض؟

كان "حزب الله" النجم الساطع في مجمل الدول العربية والإسلامية. وكان السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب هو الشخصية التي يصعب على المرء انتقادها، لأن الناس لم تكن لتتقبل هذا النقد. فالسيد هو سيد المقاومة، والمقاومة هي من المقدسات عند جميع المجتمعات الإسلامية. المقاومة كانت قدسيتها في مصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا وسوريا ولبنان و... لا ضرورة لكتابة أسماء جميع البلدان.

ففي مصر، رغم كل الوحشية للنظام المباركي في قمعه لكل ما يمت إلى المقاومة بصلة، فقد كان الشعب المصري يجاهر في دعمه للمقاومة. والتنظيم الإسلامي الأعرق كان يعلن جهاراً نهاراً تأييده لحزب الله وللمقاومة، عنيت الإخوان المسلمين. وهذا الوضع لا يختلف عنه وضع سائر الدول العربية ، ومنها سوريا ولبنان.

في سوريا لم يكن النظام معادياً للمقاومة، بل كان يقدم لها يد العون نتيجة ظروف عديدة. وكان الشعب السوري ممتناً لنظامه لتقديمه يد العون للمقاومة. ودلالة على التزام الشعب السوري بالمقاومة، وبمعزل عن نظامه، أنه في حرب تموز لم يقبل استقبال النازحين اللبنانيين إلا في بيوته، وليس في المؤسسات الرسمية من مدارس وغيرها.

والرئيس السوري، عندما أعلن أن الربيع العربي لن يصل إلى سوريا، قال أن ذلك بسبب تأييده للمقاومة وسياسته "الممانعة".

أما في لبنان، فما من أحد إلا ويعلم أن أهم شخصيتين لبنانيتين عند أهل السنة والجماعة كانتا رفيق الحريري وحسن نصر الله. أما الأول فلأسباب مذهبية وأما الثاني فلأسباب وطنية وعقائدية، فهو سيد المقاومة.

بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري، تبدل الوضع في لبنان تبدلاً نوعياً. فقد انقسم المجتمع اللبناني انقساماً عمودياً إلى ما سمي 14 آذار والثامن منه، وكأن ليس بين هاتين الفئتين أية قواسم مشتركة. هذا بالرغم من محاولة الجمع بينهما فيما سمي الحلف الرباعي في الإنتخابات، هذا الحلف الذي لم يدم طويلاً.

هذا الإنقسام لم يأت عن عبث، فهو مطلب للفئات التي كانت تستمع إلى نصائح الأمريكي فيلتمان. لذلك رأينا جماعة الرابع عشر من آذار تغذي الإنقسام الطائفي والمذهبي، حتى أن أي صاعق كان بإمكانه تفجير حرب ضروس لا تبقي ولا تذر. ولكن العامل الهام في عدم تفجر هذه الحرب هو عدم قبول حزب الله الدخول في المخطط الذي أراده فيلتمان وجماعته.

ما تقدم لايعني مطلقاً أن ممارسة الثامن من آذار وعلى رأسها حزب الله كانت كلها ممارسات مدروسة بشكل يحافظ على المقاومة. كلا! فالحفاظ على المقاومة يتطلب أول ما يتطلب عدم الإنقسام العمودي للمجتمع اللبناني. فهكذا إنقسام يفرز أفراد المجتمع بالرغم منهم، إلى فئات، ربما يرفض البعض مجرد التفكير بأن يكون جزءاً منها. وهذا ماحصل.

هل كان بالإمكان التصدي لهذه الظاهرة. نعم! لو تأمنت النيات للقيام بمثل هذا العمل. إن ماحصل هذه السنة، إبتداء من بدء الإنتفاضة السورية، هو نفس ما حصل بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري. لم يدرس حزب المقاومة النتائج التي يمكن أن تترتب عن أخذه موقف مؤيد للنظام السوري من غير تحفظ، كما فعل عندما رفع شعار "شكراً سوريا"، من دون أن يدرس أبعاد هذا الشعار على الطرف اللبناني الآخر. إن حزب المقاومة مسؤول عن استمرار المقاومة وتأييد المقاومة ليس عند جمهوره المذهبي فقط ولكن عند الجمهور العربي والإسلامي على امتداد العالم. هذه المسؤولية لا نحملها للأطراف الأخرى لأنها ليست معنية بحماية المقاومة كأهل المقاومة.

لقد كان موقف الحزب من الثورات العربية مشرفاً باستثناء الموقف من التحركات الجماهيرية السورية. إن المقاربة التي جعلت الحزب يأخذ جانب النظام ولم تجعله يأخذ جانب المعارضة، نعني المعارضة الداخلية التي رفعت شعار الإصلاحات قبل أن يجبرها النظام على رفع شعار تغيير النظام، كانت مقاربة خاطئة، حتى لا نقول ظالمة. فالشعب السوري أيد المقاومة بدون تحفظ. لذلك كان على المقاومة أن تؤيده.

هل كان ذلك ممكناً؟ نعم!

إن الموقف الذي أعلنه السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، عندما قال: "في سوريا لا يوجد إلا حل سياسي يقوم على إلقاء متزامن للسلاح وفق آلية متفق عليها للدخول في الحل".

وأضاف: "هناك شعب في سوريا يريد الاصلاح ولا يريد التقسيم ولا الحرب الاهلية ولا الحرب الطائفية، ولا يريد ان يكون عرب خيانة ولا عرب اعتدال بل عرب مقاومة ونحن مع هذا الجزء من الشعب"! هذا الموقف ينم عن مقاربة صحيحة بلا شك، بمعنى الموازنة بين تأييد النظام وعدم التنكر للمعارضة الداخلية التي تعمل من أجل الإصلاح. ولكن كانت هذه المقاربة أصح لو صدرت منذ بدء الأحداث حيث لم يكن سلاح ولا قتل ولا قصف على الأحياء والمدن ولا تحضير لحرب أهلية.

نحن نرى بهذا الموقف للأمين العام لحزب الله موقفاً مسؤولاً يمكن الدفاع عنه، حتى لا تغوص سوريا بحرب أهلية تقضي على كل مكتسبات الشعب السوري عبر السنين. هذا من غيرأن نشير إلى انعكاساتها الممكنة على دول الجوار، وخاصة لبنان. ولكن من الملاحظ أن إعلام الحزب لم يتعامل مع الموقف الجديد لسماحة السيد، بالطريقة التي يجب. فإبراز هذا الموقف يمكن أن يخفف الإحتقان القائم حالياً، شريطة إبراز الموقف وإبراز أبعاده. إن الإنقسام العمودي القائم اليوم يتطلب الكثير من العمل لنقض بنيانه، والمعنيون هم أهل البيت، نعني الحزب، بجميع دوائره.

كما أن هذا الموقف المستجد يمكن أن يخفف من الحرب الضروس المعلنة عل المجموعات المؤيدة للمقاومة والحزب في المناطق ذات الأغلبية السنية. ولكن هذا كله مرهون بحسن إبراز هذا الموقف للمعنيين وللناس أجمعين.

هذا الموقف، وتطويره بحيث يبرز مدى حرص الحزب على مصالح الشعب السوري سوف يساهم حتماً بردم الهوة القائمة اليوم بين المقاومة وجمهورها العريض في مختلف الدول العربية والإسلامية.

17 آذار 2012 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: