بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 13 مايو 2012

أحداث طرابلس


                          أحداث طرابلس في سياقها الحقيقي
   ينقسم السياسيون في لبنان إلى معسكرين كبيرين هما معسكر الثامن من آذار ومعسكر الرابع عشر من آذار. وتعودنا أنه في الدول التي يسيطر عليها حزبان أن يتناوبا على الحكم، كما في الولايات المتحدة وبريطانيا. ويعمل كل من هذين الحزبين على الإحتفاظ بالسلطة إلى أطول مدة ممكنة، وذلك بتنفيذ برامج توافق عليها الأكثرية من الناس، وإلا لن يربح أصواتها.
   هل يحدث الشيء نفسه في لبنان؟
   لقد تمكنت قوى الثامن من آذار من إزاحة سعد الحريري عن رئاسة الحكومة وتمكنت من تأمين أكثرية جديدة سيطرت من خلالها على الحكومة التي يرأسها الأستاذ نجيب ميقاتي. صحيح أنها جاءت بتوافق عدة قوى، ولكن هذا لا ينفي أن الأكثرية تملكها قوى الثامن من آذار.
   واللافت في هذه الحكومة أنها تسير على نفس النهج التي سارت عليه الحكومات السابقة من حيث عدم الإنتاجية. ولا يخفى على أحد أن هناك أطرافاً في الحكومة تمنع عن هذه الحكومة الإنتاج، كما كانت تفعل مع الحكومات السابقة. وهذه الممارسة ليست عن خطأ أو عن عدم انتباه، إنما هو نهج مقصود ومخطط له.
   هناك أطراف في هذه الحكومة، كما في الحكومات السابقة، تصوب دائماً على إتفاق الطائف، كما تصوب على الصلاحيات. وهي تنطلق من وقائع حقيقية لا يمكن الشك في صحتها. فاتفاق الطائف جاء نتيجة موازين قوى حقيقي بين المسلمين والمسيحيين عشية هذا الإتفاق. لذلك جاءت بنود هذا الإتفاق تعبيراً عن هذا الميزان للقوى. ولكن الأمور تغيرت كثيراً، وأصبح هذا الإتفاق لا يعبر عن الميزان الحقيقي للقوى القائم اليوم. فالثقل المسيحي قد تغير وتبدل نتيجة تراجع دور هذه القوى ونتيجة الهجرة المستمرة التي خفضت أعداد المسيحيين حتى باتوا يشكلون أقل من عشرين بالماية من تعداد المقيمين اللبنانيين. وقد أصبح الثقل الحقيقي في لبنان حالياً للسنة والشيعة. لذلك يرى البعض أنه لابد من اتفاق جديد يعبر عن الميزان المستجد للقوى في لبنان.
   كيف يتم التعبير عن هذا المطلب؟
   لقد كان مركز رئيس مجلس الوزراء هو الموقع الذي يملك الكم الأكبر من الصلاحيات تبعاً لاتفاق الطائف. وحيث أنه من المستحيل أن يتخلى أحد من الرؤساء عن صلاحياته بملء إرادته، لذلك لابد من البرهنة أنه لاإمكانية للتمتع بهذه الصلاحيات إلا بالتوافق وتبعاً لميزان القوى الجديد. لذلك رأينا سعد الحريري يُمنع من الحكم، وكذلك نرى نجيب ميقاتي يُمنع من الحكم أيضاً. صحيح أن القوى الفاعلة ليست هي التي تتصدى لهذا الأمر مباشرة، إنما يتصدى لها من لا يملك القوة الفاعلة بنفسه، إنما يملكها بغيره. لذلك علينا أن لانعجب من الوضع المتردي الذي وصلت إليه الحكومة الحالية، والتي ستصل إليه أية حكومة طالما لم يتعدل إتفاق الطائف تبعاً للميزان الحقيقي للقوى القائم اليوم.
   هل من فرصة واقعية لهذا التعديل؟
   صرح أحد النواب أن اتفاق الطائف قام بين المسلمين والمسيحيين، ولكن الوضع الحالي يتميز بوجود سنة وشيعة ومسيحيين ودروز. أما إذا أخذنا بعين الإعتبار ما عبر عنه وليد جنبلاط بأن واقع المسيحيين والدروز هو كواقع الهنود الحمر في الولايات المتحدة، فيكون المطلب الحقيقي والصريح لهذا النائب أنه يجب اقتسام الصلاحيات ما بين السنة والشيعة، حتى يستقيم الوضع في لبنان، حيث أن الطرفين الآخرين قويان بغيرهما وليس بقواهما الذاتية. وطالما ان هذا الخلل قائم فلا مجال للحكم بطريقة طبيعية. لذلك لا نرى قوى الثامن من آذار تدافع عن حكومتها. إنما تتركها في مهب الريح.
   ولكن ما غاب عن ذهن هذا النائب أن الوضع في لبنان لا يعبر عن ميزان قوى داخلي فقط، إنما هو تعبير عن ميزان قوى محلي، إقليمي ودولي. وحيث أن الميزان الإقليمي والدولي لم يصبح مؤاتياً للتغيير الذي يريده هذا النائب ومن يمثل، فما على هذه القوى إلا أن تتحلى بالواقعية وتعيد حساباتها. تعيد حساباتها بشكل يسمح لهذه الحكومة أن تحكم باسم من تمثل أي قوى الثامن من آذار.
   أين موقع أحداث طرابلس مما تقدم؟
   نحن لا نريد أن نحكم على نوايا من تحركوا استنكاراً لاعتقال أحد الشبان. ولكن هذه الأحداث تأتي في سياقها، أي خدمة للقوى التي لاتريد لهذه الحكومة أن تحكم والتي تريد أن تمنع أرفع منصب سني من أن يمارس دوره. كما أننا لانعتقد أن من قام بهذه التحركات يريد ذلك، ولكن ليس بالنوايا يتم الحكم على الوقائع، إنما بمسارها الحقيقي. لذلك على هذه القوى، وعلى جميع القوى الحريصة على لبنان وعلى التوازنات فيه أن تدرس الوضع بكثير من الواقعية، حتى تتمكن من خدمة الناس، والتصدي لكل من لايريد لهذا الوطن أن ينعم بالهدوء والسكينة والإزدهار.
   لازالت إسرائيل على حدودنا الجنوبية. وبناء الجدار العازل قرب كفركلا لايمنع إسرائيل من ممارسة عدوانها في كل وقت كما كانت تفعل وكما تفعل حالياً. لذلك لازال التناقض الرئيسي بيننا وبين إسرائيل وليس بين مكونات المجتمع اللبناني. من هنا وجب على قوى المقاومة وعلى جميع الوطنيين والإسلاميين أن يوجهوا جميع قواهم باتجاه العدو الصهيوني ويفتشوا عن نقاط الإلتقاء ويوسعوا مساحة التعاون بين جميع هذه القوى خدمة للهدف الأساسي، وهو القضاء على العدو الصهيوني.

    13 أيار 2012                                                       حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: