مرسي رئيساً.. توقعات وتمنيات!
حسن ملاط
للمرة الأولى سوف أتحدث عن مشاعري
عندما كنت بانتظار المذياع حتى نتعرف على اسم رئيس مصر الأول بعد ثورة 25 يناير
2011. كانت الدقائق ثقال بسبب المستشار الذي أجبرني على سماعه وهو يتحدث بلغة
لاتمت إلى العربية بصلة. هذا ما جعلني أعتقد أن الرئيس المخلوع قد عينه مستشاراً
من دون أن يكون قد دخل أية مدرسة أو كُتّاب. وأصدقكم القول بأنني لم أتمكن من
متابعته. إن ما جعلني أغفر لنفسي إقفال المذياع (أنا مقاطع التلفزيون منذ أكثر من
عشر سنوات) هو أنني لا أقوى على سماع المستشار يتلفظ باسم أحمد شفيق كرئيس لمصر.
فبظل حكومته سقط عشرات الشهداء تعميداً لثورة الشعب المصري. فكيف يُسمح له بخوض
الإنتخابات؟ هذا دليل على أن إدارة مبارك لازالت هي الآمرة الناهية في مصر حتى
الآن.
المهم أن مرسي أصبح رئيساً. لست مع
القائلين بأن اختيار مرسي كان نتيجة مفاوضات بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين
على مستقبل السلطة السياسية بعد ثورة الشعب المصري المباركة. ولست من الذين يقولون
بأن الولايات المتحدة قد تدخلت في اختيار رئيس مصر. فمرسي رئيساً باختيار أكثر من
ثلاثة عشر مليوناً من الشعب المصري.
هذا ما يجعل التحدث عن التوقعات
والآمال مشروعاً.
أما التوقعات فهي متواضعة جداً، بعكس
الآمال الكبيرة التي تغطي مستقبل أمتنا. وهذا ما يجعل من المحتم العودة إلى الوراء
قليلاً. فالإخوان المسلمون لعبوا دوراً لابأس به بإضفاء الشرعية على حكم حسني
مبارك، عندما كانوا يشاركون في الإنتخابات التشريعية رغم الزج بهم في سجون النظام.
وهذا ناتج عن أنهم (أي الإخوان) غير جذريين. وليتنا نتذكر أن الإنتخابات ما قبل
الأخيرة للمجالس المحلية في ظل مبارك كانت نسبة المشاركة فيها 5% فقط. لم تستنكر
الدول الغربية هذه الإنتخابات. فالديموقراطية تتمثل بالتبعية. هذه الملاحظة هي حتى
لا نتفاءل بضغط الولايات المتحدة على المجلس العسكري بتسليم السلطة للرئيس المنتخب،
وخاصة بعد صدور التعديلات الدستورية التي تجعل من الرئيس صورياً وتجعل من المجلس
العسكري الحاكم الفعلي، مع تحميل الرئيس للسلبيات التي سوف تنتج عن حكم العسكر.
إن ما يبشر به مرسي من حيث نيته
التعاون مع مختلف تشكيلات الشعب المصري يعتبر إيجابياً. فهذا يوسع قاعدة السلطة
الجديدة من حيث تمثيلها لفئات أوسع من الشعب المصري، ومن حيث إشراك شريحة واسعة
جداً في صراع الحكم الجديد مع العسكر المتربص بمرسي وبالثورة. كما وأن نيته بإنشاء
ما يشبه المجلس الرئاسي باختيار عدة شخصيات كنواب للرئيس فيهم المرأة والقبطي يعد
توجهاً إيجابياً بجميع المقاييس. ولكن ما ذكرناه لايعفي الرئيس من التنبه إلى
الأمور التالية، هذه الأمور التي تجعل من الرئيس معبراً عن آمال الشعب المصري
بالتغيير الذي قدم الشهداء من أجله. كما أن على الرئيس أن يضع أمام ناظريه حقيقة
أن 37 مليوناً من الشعب المصري لم يشاركوا في انتخابه، وأن عليه تمثيلهم خير
تمثيل.
1 – منذ أكثر من ثلاث سنوات على انبثاق
الثورة في مصر كانت الإحتجاجات الإجتماعية في مصر تتم بوتيرة مرتفعة رغم فظاعة قمع
أجهزة الأمن المصرية المختلفة. وكانت هذه التحركات بمجملها ذات طابع إجتماعي
إقتصادي، وكانت تفوق على الخمس تحركات يومياً.
ما تقدم يفيد بأن الرئيس مرسي، حتى
يكون ممثلاً لهؤلاء الثوار، عليه أن يجد حلولاً لمشاكلهم المتمثلة بإمكانيتهم على
الإستمرار في عملية الإنتاج. وهذا يتطلب بالإضافة إلى القضاء على الفساد، تحويل
الإقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي عوض أن يكون اقتصاداً ريعياً.
البرنامج السياسي للحزب الذي يمثله مرسي يتحدث عن إقتصاد موجه للخارج بدل
توجهه إلى حل المشاكل الداخلية. فهو يتحدث عن كيفية تنمية التجارة الخارجية التي
لا تفيد في حل مشكلة الغذاء للشعب المصري. ليتنا نتذكر أنه قد ذهب عدة قتلى نتيجة
التصارع أمام الأفران. فقد جاء في البرنامج السياسي لحزب العدالة والحرية مايلي:
"العمل على زيادة القدرة التنافسية
للاقتصاد المصري في السوق الدولي».
«تحقيق تنوع اقتصادي لمصادر توليد الدخل القومي حتى يصبح الاقتصاد
المصري قادرًاً على مواجهة التحديات الاقتصادية الدولية وأزمات الاقتصاد العالمي».
ما تقدم لايعني الشعب المصري الذي لايجد قوت يومه، إنما يعني كبار
التجار الذين يعملون في التجارة الخارجية. كما يعني ربط الإقتصاد المصري بمنظمة
التجارة العالمية، ما يجعل الإقتصاد المصري يتأثر بجميع المشاكل التي تصيب
الإقتصاد العالمي. وكلنا يعلم ما تعانيه الإقتصادات العالمية، وخاصة الأوروبية
والأمريكية، من أزمات لن يجدوا حلاً لها في المدى المنظور. هذا يعني أن مصلحة
الشعب المصري تقتضي عدم ربط الإقتصاد المصري بهذه الإقتصادات وتحويله باتجاه حل
المشاكل الفعلية التي يعاني منها المواطن المصري.
2 – المسألة الوطنية: إذا كان مرسي
يريد أن يتهرب من إيجاد حل للمسألة الوطنية، فالشعب المصري، وخاصة ثواره، لايوافقون
مرسي وحزبه هذا التوجه. فقد أعلن مرسي بأنه سوف يحترم الإتفاقات الدولية، أي
سيحترم اتفاقية كامب ديفيد. ولكن الشعب المصري الذي انتخب مرسي قد قرأ مايلي في
البرنامج السياسي للحزب الذي رشح مرسي: "إن الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول لابد أن تكون مقبولة
شعبياً، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت هذه الاتفاقيات والمعاهدات قائمة على أساس
العدل وتحقق المصالح لأطرافها، إضافة إلى ضرورة التزام هؤلاء الأطراف بتطبيق
نصوصها بأمانة ودقة، ويتيح القانون الدولى للأطراف مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات
المعقودة بينهم فى ضوء هذه الشروط، وهى عملية مستقرة فى المعاملات الدولية، لذلك
يرى الحزب ضرورة مراجعة كثير من الاتفاقيات التى تم إبرامها فى مختلف المجالات فى
ظل نظام كان يفتقد إلى الشرعية الشعبية بل والدستورية السليمة".
ماتقدم يعني بأن حزب العدالة والحرية قد ألزم نفسه بعرض إتفاق
كامب ديفيد على الإستفتاء الشعبي، فلماذا يتراجع، في الوقت الذي هجم فيه ثوار
ميدان التحرير على السفارة الإسرائيلية وطردوا السفير الإسرائيلي. فوجود السفارة
الإسرائيلية في مصر هو تعبير عن حقبة القمع ضد الشعب المصري الذي كان يمثلها نظام
مبارك وأعوانه. أم أن مرسي يريد أن يلتزم بما ألزم به نفسه الدرديري الذي ذهب إلى
الولايات المتحدة الأمريكية كممثل للإخوان المسلمين حيث صرح في زيارته التطمينية
لامريكا والوفد الذي رافقه بان "الاخوان سيحترمون التزامات مصر الدولية ولن
تعرض اتفاقات كامب ديفد على الاستفتاء". هذا التعهد يناقض برنامج حزب العدالة
والحرية ويناقض توجه شباب الثورة في ميدان التحرير وميادين مصر.
3 – المسألة الفلسطينية: إن ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية ليست
مسألة علينا إيجاد البرهان على صحتها. أما الإخوان المسلمون فهم من أوائل من حمل
السلاح دفاعاً عن عروبة فلسطين. لذلك نرى بأن ما ورد في البرنامج السياسي لحزب
العدالة والحرية لا يعبر عن روحية الإخوان المسلمين. فقد ورد في البرنامج ما يلي:
"بذل كافة الجهود للوصول إلى حل جذري وعادل للقضية الفلسطينية، يضمن لجميع
الفلسطينيين داخل وخارج الأرض المحتلة حقهم في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس".. فهذا النص ملتبس
لأنه ليس واضحاً إن كان يتحدث عن فلسطين أم عن قسم من فلسطين كما هي حال الأنظمة
العربية. إن التزام الشعب المصري بالقضية الفلسطينية لا لبس فيه، من هنا ضرورة
التزام السلطة الجديدة بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني من دون خوف أو وجل من
الإدارة الأمريكية.
ما تقدم هي الوقائع الحقيقية التي انطلقنا منها لنعبر عن
توقعاتنا لماستؤول إليه رئاسة مرسي لمصر. أما آمالنا فهي أكبر من ذلك بكثير.
فأملنا أن تلتزم مصر بالمقاومات العربية والإسلامية التي لن ينتج عنها سوى طرد
المحتلين من بلادنا وفي مقدمهم الإسرائيلي.
ومن آمالنا قيام جبهة حقيقية تتشكل من تركيا وإيران ومصر، ينتج
عنها مسارعة الدول الأخرى إلى الإلتحاق بهذه الجبهة التي يمكنها أن تجابه العولمة
الليبيرالية، وهي وحدها التي تتمكن من تحرير الإنسان المسلم والعربي من التبعبة.
إن ما يضفي بعض المصداقية على آمالنا أن الإخوان المسلمين لا
يمكنهم التخلي عن تاريخهم النضالي. وتركيا الحزب الحاكم يعتبر من تلاميذ الإخوان
المسلمين. كما أن الحركة الثورية في إيران تعتبر نفسها امتداداً لمدرسة الإخوان
المسلمين. من هنا تفاؤلنا بالخير لنجده.
26 حزيران 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق