هل من فرصة
لحكومة جديدة؟
حسن ملاط
استقال الرئيس ميقاتي من الحكومة بعد أن عجز عن البقاء
على رأسها لأسباب عديدة، لم تكن مسألة التجديد للواء ريفي إلا الصاعق الذي فجر
الإستقالة.
لماذا استقال الرئيس؟
السبب الأهم للإستقالة هو عدم تمكن الرئيس ميقاتي من
تغطية ممارسات لا يستطيع تغطيتها، وهو غير مقتنع أصلاً في ضرورة تغطيتها. فالرئيس
قد بقي على رئاسة الحكومة بعد العملية الإجرامية التي أودت باللواء الحسن بعد ضغوط
شديدة مارسها عليه معظم السفراء الأوروبيين وكذلك الإدارة الأمريكية. وقد فرح
حلفاؤه كثيراً بهذه التغطية للحكومة. وقد كان موقف الغرب لائماً لجميع التحركات
المعارضة للحكومة التي قامت بها أطراف 14 آذار وعلى رأسهم تيار المستقبل، من
الإغارة على السراي الكبير إلى الإعتصام المفتوح سواء في بيروت أو طرابلس. وقد
أبدى هؤلاء السفراء إعجابهم بقيادة الرئيس ميقاتي للعمل الحكومي رغم صعوبة الأوضاع
الداخلية منها والمحيطة.
إن الأحداث في سوريا أضحت ضاغطة كثيراً على الوضع
اللبناني، خاصة بعد أن أكدت بعض الأطراف اللبنانية تدخلها في الأحداث الجارية.
وهذه الأطراف تريد من رئاسة الحكومة تغطية هذا التدخل والسكوت عنه، في نفس الوقت
الذي تريد فيه هذه الأطراف نفسها من الحكومة إدانة تدخل أطراف لبنانية أخرى. ليس
هذا فحسب، ولكنها تريد أيضاً تدخل القوى العسكرية اللبنانية ضد هؤلاء ونزع سلاحهم،
كما جرى في مشاريع القاع، على ما جاء على لسان النائب معين المرعبي.
لم يتصور أحد أن يكون الرئيس ميقاتي على هذا القدر من
العناد في موقفه فيما يراه صواباً. فهو أصر على موقفه بالرغم من تدخل جهات عديدة،
ومنها سفراء أوروبيون، على ما جاء في إحدى الوسائل الإعلامية.
هل هناك فرصة لتشكيل حكومة جديدة؟
حاولت بعض الوسائل الإعلامية المقربة أو الناطقة بلسان
8آذار أن توحي بأن الإستقالة جاءت لصالح التحالف الأمريكي السعودي. ولكن الوقائع
هي بخلاف ذلك. فالسبب الرئيس للإستقالة يتعلق بحوادث الإقليم وليس بالوضع الداخلي.
فالإقليم الذي بادر الروسي والأمريكي لمحاولة إيجاد حل له، تبين أن الأمريكي يريد
إبعاد الإيراني عن أي تدخل في الوضع السوري، وهذا ما لا يمكن القبول به من إيران.
لذلك باشرت الأخيرة بالهجوم المضاد على هذا الإتجاه. وبدأت الإشاعات عن هجوم مضاد
يقوم به النظام على مختلف الجبهات. كما وأن هذه الإشاعات تحدثت عن انتصارات لقوات
النظام، خاصة بعد الهمروجة الإعلامية التي قادها مفتي سوريا الموالي للنظام عن
ضرورة الجهاد مع النظام، إلى جانب ما قيل عن تعبئة عامة. ولكن هذه الضجة بقيت
إعلامية وتبين بعد أن زال الغبار أن من يتقدم هي المعارضة وليس النظام.
ثم بدأ بلعبة ثانية عن زعم ضرب المقاومة لصاروخ كيميائي.
أكد الروسي هذا الزعم، ولكن سرعان ما تراجع عنه عندما أكدت أمريكا أنها ستتدخل إن
كان هذا الزعم صحيحاً.
وكانت المحاولة الأخيرة هي تأكيد النظام أنه سيحرر حمص
من المعارضة، حتى يتمكن من إقامة منطقة آمنة في الساحل وحمص تمكنه من الإنقضاض على
المناطق الأخرى، وخاصة دعم دمشق التي لا يريد التخلي عنها. وتحرير حمص يتطلب تحرير
ريف حمص أيضاً من أجل تأمين طريق دمشق. هذا الأمر يتطلب نقل الحرب جزئياً إلى تخوم
لبنان. هذا الأمر لا يمكن لأي حكومة لبنانية أن تغطيه. لذلك كان لا بد من
الإستقالة. وحيث أنه لا يمكن تأليف حكومة تغطي هذا الأمر، فلبنان من دون حكومة حتى
إشعار آخر.
تأليف حكومة جديدة يتطلب تغير الظروف الإقليمية، قبل
تغير الظروف المحلية. ولكن ما يساهم في تغيير جميع هذه المعادلات التي سبق ذكرها،
هو طاولة حوار تضم زعماء السنة السياسيين وزعماء الشيعة السياسيين أيضاً تتوصل إلى
اتفاقات تؤطر العلاقة ما بين هذين الطرفين في الساحة اللبنانية. إن حواراً كهذا هو
وحده الذي يمكن أن يسحب إلى أجل بعيد تأثير الساحة الإقليمية على الوضع اللبناني
وينقل لبنان من ساحة متفجرة إلى واحة للسلام، في حال عدم اعتداء إسرائيل على
بلادنا.