المشهد
العام
حسن ملاط
اتخذت أمريكا قرارها بنقل نشاطها إلى المحيط
الهادي، حيث تكون قريبة من منافسها الإقتصادي الأول، الصين. ولا تكون بعيدة عن
منافسها العسكري، روسيا. ولكن القرار هو غير التنفيذ. فتنفيذه منوط بضرورة ترتيب
وضع الشرق الأوسط قبل تركه. كما أنه عليها أن تعرف من ستكون الدول الفاعلة في هذا
الإقليم (الشرق الأوسط)، وإن كانت توافق على هذه الدول.
من هنا، فإن اتجاه أمريكا لتسليم روسيا الملف
السوري تحت إشرافها هي خطوة جدية. لذلك نراها التزمت بما تقتضيه هذه الخطوة في
مؤتمر أصدقاء سوريا في روما. فهي زادت مساعداتها الإنسانية للمعارضة وألزمت
الآخرين بضرورة عدم المساعدة العسكرية النوعية. وهذا يعني استمرار الوضع على ما هو
عليه في سوريا: عدم إمكانية النظام على الحسم، وعدم إمكانية المعارضة على
الإنتصار. هذا الوضع يقوي ارتباط النظام بروسيا ويقوي ارتباط المعارضة بمموليها
المرتبطين سياسياً بالإدارة الأمريكية. هذا الوضع يجعل النظام يتفوق بنقطة على
المعارضة، وهي إمكانيته التمرد على إملاءات روسيا عليه بسبب إمكانيته على الإتكاء
على الدعم الإيراني المفتوح.
ما تقدم يعني أن اتجاه أمريكا وروسيا بإيجاد حل
للمسألة السورية هو اتجاه جدي.
هناك ملف آخر بحاجة للحل في الشرق الأوسط، وهو
الملف الإيراني الذي يرتبط مباشرة بدول الخليج. ما جرى في ألما آتا في كازاخستان
يؤشر إلى أن هذا الملف مفتوح على مصراعيه. فالإيراني صرح بأن الوضع إيجابي. وكذلك
فعل الأمريكي. نشير أن الفرنسي أعلن أنه لا تقدم في المباحثات حول الملف النووي
الإيراني. هذا ما يمكننا أن نفهم أن التقدم هو بالإتجاه نحو مباحثات ثنائية
إيرانية أمريكية بمعزل عن الدول الأخرى، رغم عدم قبول المندوب الإيراني التحادث مع
المندوبة الأميركية في العاصمة الكازاكية. وفي حال عدم قبولنا بافتراض التقدم،
فعلينا القول أن التصريحات الأمريكية من صالحي وكيري هي عبثية، وهذا خطأ.
كانت إيران الدولة الأقوى ارتباطاً بأمريكا ما قبل
الثورة. فالأمريكي يفهم الإيراني، وكذلك الإيراني أيضاً. وكانت إيران تدعى
"شرطي الخليج" لصالح الإدارة الأمريكية. أي أن إمكانية التفاهم بين
طرفين يفهمان بعضهما البعض هي أسهل من الدخول إلى ملف غامض. هذا لا يعني أن إيران
سوف تعود إلى لعب الدور الذي كانت تلعبه في السابق. إنما يعني أن إمكانية وجود
قواسم مشتركة لاتفاق ما بين الطرفين البرغماتيين قائمة. ولنتذكر أفغانستان والعراق
وأخيراً حكومة المالكي التي تعبر عن التوافق الإيراني الأمريكي.
من دون توافق ما بين أمريكا وإيران، لن يكون سهلاً
نقل النشاط الأمريكي إلى الهادي. فأمن الخليج يبقى أولوية مع أن أمريكا خلال سنوات
لن تعود بحاجة إلى نفط الخليج. فنفط الخليج هو ثروة أمريكية قبل أن يكون ثروة
خليجية. واستقرار الخليج منوط بوجود القواعد الأمريكية. فكيف يمكن للأميركيين من
تخفيف وجودهم بدون اتفاق ما مع إيران.
ما تقدم يجعل من المرجح اتجاه الطرفين إلى
التفاوض، ويجعل تصريحات كيري وصالحي جدية.
لا يمكن التحدث الآن عن مستقبل هذه العلاقات، إنما
يمكن التحدث فقط عن إمكانية قيامها. كما لابد من التأكيد على أن تحسن العلاقات
الأمريكية الإيرانية لن يؤثر سلباً على أطراف أخرى. فالتجارة ما بين إيران وروسيا
يبلغ حجمها 3,65مليار دولار وهذا رقم تافه. بينما التجارة بين تركيا وروسيا هي
50مليار دولار وباتجاه رفعها إلى 100مليار دولار. بينما التجارة بين إيران وتركيا
باتجاه أن تصل إلى 35مليار دولار، ولكن ربما تجاوزت هذا الرقم. فتركيا هي البلد
الوحيد، ربما، الذي لا يلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، بخلاف روسيا والصين
اللذان تلتزمان بهذه العقوبات. نتحدث عن الأرقام لأن الحديث عن تفاهم بين الدول
بدون الأرقام يبدو بدون حاملة شرعية.
أما عن أثر انتقال النشاط الأمريكي إلى المحيط
الهادي، فهو سيقوي الخلافات بين الصين وجيرانها مثل الفيليبين وفيتنام وغيرها على
ثروات بحر الصين الجنوبي. ويعقد الخلاف بين اليابان والصين حول بحر الصين الشرقي.
كما أنه سيظهر الخلاف الصيني الأوسترالي، خاصة إذا قررت أمريكا تدعيم قاعدتها في
أوستراليا. ولكن الصين منذ الآن تتحضر لهذا التغيير في النشاطات الأمريكية. فقد
دعمت بحريتها بحاملة طائرات، وقررت رفع العدد إلى ست حاملات. وكذلك فإن روسيا، على
لسان بوتين، خصصت 700مليار دولار لتحديث الجيش الروسي....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق