المبادىء الكبرى
لتعليم القراءة
حسن ملاط
بات الأمر معروفاً، فقد أصبح ما يسمى ب"علم
القراءة" حقيقة علمية نتيجة الكشوفات العلمية الكبيرة في مجال معرفة الدماغ.
الدوائر الدماغية الكبرى أصبحت محددة، وكيفية عملها في طريق المعرفة. كما ويوجد
مخططات للهندسة العصبية التي تنتج مظاهر متعددة من السلوك المتعلق بالقراءة
وتعلمها. يمكن القول أن هناك آلية دماغية تختفي وراء كل قارىء.
هل يمكن القول أن هناك طريقة واحدة لتعليم القراءة؟ كلا
يجيب بعض المهتمين بتعليم القراءة. ولكن هناك فريقاً آخر يرى أن الطريقة المندوبة
لتعليم القراءة والتي تستجيب لآلية عمل الدماغ، هي الطريقة التي تعتمد التعليم
المباشر للحروف وأصواتها. الفريق الأول يؤكد أنها الطريقة الأفضل بدون أي تحفظ،
ولكنه لا يستثني الطرق الأخرى.
ستانسلاس دوهايين، صاحب كتاب "تعليم القراءة"
و "الخلايا العصبية للقراءة" يقول بأن الطريقة التركيبية والطريقة
التحليلية مقبولتان في تعليم القراءة شرط تعليم العلاقة بين الروسم والصوتم. ولكن
صاحبنا تجاوز عن جميع التجارب العملية والتي أثبتت، إحصائياً، أن الطريقة
التركيبية هي التي تؤدي إلى النتائج الإيجابية في تعليم القراءة، سواء كان الوسط
السكاني فقيراً أم ميسوراً.
ثم يقول بأن هدفه متواضع، ليس إدخال الطريقة لتعليم
القراءة، إنما عرض قائمة من المبادىء التربوية التي إذا طُبقت بشكل منهجي، سوف
تسهل تعليم القراءة. يضيف أن هذه المبادىء ليست ثورية، ولكن الكثير من المعلمين
سيحكمون عليها بأنها طبيعية. كما وأن هذه القائمة ليست محصورة، أي يمكن إضافة
مبادىء أخرى إذا أظهرت التجارب صحتها.
حديثنا هذا يختص بالروضات، وخاصة الكبرى والصف الأول
بشكل رئيسي والصف الثاني جزئياً. ذلك أن الطريقة التي نتبعها تجعل الطفل في نهاية
الصف الأول قارئاً، ومن دون أي تحفظ.
المبدأ الأول: تعليم الحروف الهجائية بشكل مباشر وظاهر explicite وليس بشكل ضمني implicite
الحروف في اللغة العربية والفرنسية تعبر عن أصوات. وهي
تُكتب من اليمين في العربية ومن اليسار في الفرنسية. وهذه الحروف تُسمى رواسم
وترتبط بصوتها الذي يُسمى صوتم. في الفرنسية الصوتم من الممكن أن يأتي من اندماج
عدة حروف وهذا يُسمى الروسم المركب.
أ- اتصال الروسم – الصوتم: في العربية هذا التعليم
أسهل بسبب الحركات التي يُدرس الحرف مع حركته مباشرة. أما في الفرنسية فتعليم voyelles سهل لأنها تمثل أصواتاً.
ولكن الصعب هو تعليم consonnes لأنها ساكنة. يمكن تجاوز هذه الصعوبة بتقنية الكلمات
التي تنتهي بحرف ساكن مثال تلفظ l كما في الكلمة nul وهكذا. على كل حال ما
يجعل هذا التعليم ممكناً هو تعلم الطفل بجدارة كيفية ربط الرواسم والصواتم، لأنها
الطريقة الوحيدة التي تتيح للطفل قراءة كلمات جديدة.
ب- دمج الأحرف أو الرواسم: على الطفل أن يعلم أن
الحرف يُقرأ تبعاً للحركة، وأن الحركة تدخل على جميع الرواسم. أما في الفرنسية
فعلى الطفل أن يعلم أن voyelles تدخل على جميع ال consonnes والعكس يصح أيضاً. كذلك
مع الصواتم المركبة مثل on و ou و in و en ...
ت- حركة الأحرف: على الطفل أن يدرك أن تغير مكان
الروسم أو الصوتم يغير الكلمة والصوت أيضاً. مثال: pa و ap أو pi po pu ...إلخ. يمكن استخدام
الحروف المتحركة من أجل سرعة فهم الطفل، أو الحروف الممغنطة...
ث- معرفة الإتجاه: فالقراءة بالعربية تبدأ من
اليمين. أما بالفرنسية، فهي تبدأ من اليسار. وهذه فكرة مهمة من أجل توجيه نظر
الطفل. فالتعود على هذه الفكرة المكانية تؤدي إلى تسريع القراءة.
ج- التمييز للحروف المتقابلة: q p و b d . الطفل الذي لا يجيد
القراءة لا يعرف التمييز بين هذه الحروف، كما أن دماغ الطفل غير مهيأ لمعرفة التمييز
بينها. وما يزيد الأمر صعوبة هو صعوبة التمييز بينها باللفظ. لذلك علينا اللجوء
إلى الكتابة لتمييز هذه الحروف التي نسميها: lettres en
miroir.
المبدأ الثاني: مبدأ التدرج المنطقي
وهذا يختص باللغة الأجنبية أكثر منه بالعربية. حيث أن
الرواسم (المؤلفة من حرف واحد أو أكثر) تلفظ بطرق مختلفة مثال ذلك: ca و ce و ch . فإذا اتخذنا قراراً
بتعليمه هذه الرواسم بشكل مبكر، فهذا يعني وكأننا أخذنا قراراً بتشويش ذهن الطفل.
لذلك وجب أن يكون هناك تدرجاً منطقياً بتعليم الرواسم والصواتم.
أ- انتظام
العلاقة روسم – صوتم: علينا تعليم العلاقة روسم – صوتم بالنسبة لانتظامها
إحصائياً. الأكثر انتظاماً نعلمها أولاً مثال v فهي تُلفظ دوماً بنفس
الطريقة وليس الحرف g الذي يُلفظ بطريقتين مختلفتين.
إن الأطفال الذين يجيدون العلاقات المنتظمة بين الرواسم
والصواتم يجيدون بسرعة أكثر العلاقات غير المنتظمة irregulier، شريطة أن يكون التعليم
بشكل مباشر explicite.
ب- تردد
الرواسم والصواتم: المقصود هو ضرورة تعليم الرواسم التي تتردد في اللغة أكثر من
غيرها، لضرورة تعلم الكلمات. وهذا في العربية والأجنبية.
ت- سهولة
لفظ consonne عندما تكون وحدها: علينا تعليم الحروف الصامتة التي
يمكن لفظها مثل: f و ch وليس حرف l أو b مثلاً.
ث- تعقيد
البنية المقطعية: من الصعب قراءة مقطع فيه العديد من الأحرف الصامتة مثل strict لذلك يجب أن يكون
التعليم: CV ثم VC ثم CVC ثم CCV ثم CCCV ... C تعني consonne و V تعني voyelle .
ج- عدم
إمكانية الفصل في الرواسم المعقدة: علينا أن نعلم الطفل أن هذه الرواسم هي وحدة لا
يمكن فصلها مثل: en an au eau ... لذلك علينا إظهارها بنفس اللون أو على أنها كتلة
غير منفصلة في الأحرف المتحركة: lettres mobiles .
ح- الأحرف
الصامتة muette: هذا تعقيد إضافي، لذلك فبعض الكتب حلت هذا الإشكال بكتابة
الأحرف التي لا تُلفظ بخط هافي، وذلك حتى يعلم الطفل ضرورة عدم لفظها.
خ- يقترح
دو هايين ضرورة تعليم الطفل الكلمات التي تتردد كثيراً، حتى وإن كانت غير منتظمة.
وهذا يعني حفظه لهذه الكلمات وليس قراءتها لأنها تتناقض مع مبدأ القراءة.
د- دور
أجزاء الكلمة: وهو مهم في تسهيل معاني الألفاظ في الفرنسية. فعندما نجزىء الكلمة
إلى مكوناتها يسهل الوصول إلى المعنى: incomparable فالجذر الذي يحمل المعنى:
compare أما in و able فهي morphemes حُملت معنىً
معيناً. هكذا يمكن للطفل أن يدخل إلى المعنى سريعاً.
المبدأ الثالث: التعلم النشط الذي يربط القراءة والكتابة
إن تشكيل الكلمة وكتابتها يسهل القراءة على مستويات
متعددة. ففي الفرنسية يوجد صعوبات في الإملاء ناتجة من حيث أن العلاقة بين الروسم
والصوتم ليست دائماً بسيطة. فهناك الكثير من الكلمات كتابتها غير منتظمة. نقول
يكفي أن ينتبه الطفل إلى الكلمات الكثيرة الإستعمال مثل : sept dix
est … وبعض الرواسم المعقدة مثل eau tion… حتى يتمكن من أن يتجاوز صعوبات الكتابة المعقدة
نسبياً.
كما أن الدراسات أثبتت أنه عندما يستخدم الطفل الأحرف
المتحركة ويكتب في الفضاء وهو مغمض العينين ثم يمرر يديه على الأحرف النافرة، تصبح الإملاء سهلة،
لأن العلاقة روسم – صوتم تكون قد سهلت.
على كل حال، علينا أن نبدأ بالكلمات التي لاتحوي عدم
انتظام. حتى نصل إلى الكلمات المعقدة.
المبدأ الرابع: مبدأ الإنتقال من الواضح explicite إلى المضمر implicite
تسهيل آلية القراءة السريعة، أي الإنتقال من القراءة
البطيئة الواعية، مع مجهود إلى قراءة سريعة وسلسة. عندما تصبح القراءة آلية ينتقل
الطفل إلى التفكير في المعنى.
فتعليم القراءة يتضمن مرحلتين:
الأولى: التعليم الواضح explicite ، وتكون في السنة الأولى عندما يتعلم علاقة الروسم –
الصوتم.
الثانية: التعلم المتضمن implicite والذي يمتد لعدة سنوات
حيث يتقن المتعلم جميع القواعد. ينتهي مفعول هذه المرحلة بقدر ما يقرأ المتعلم.
فكثرة القراءة هي التي تختصر هذه المرحلة. فعلى الأهل والمدرسة أن يتعاونا ليصبح
ابنهم قارئاً. وذلك بتخصيص نصف ساعة من المطالعة اليومية، وهذا يتطلب تأسيس مكتبة
للطفل في البيت. أما المدرسة فتطلب من الأطفال تمارين شفهية وكتابية يومية، تقرير
عن مطالعة الطفل، إنشاء مكتبة في الصف بحيث يتعود الطفل على أخذ كتاب للمطالعة، أو
الإطلاع على الكتب لاختيار أحدها...
المبدأ الخامس: الإختيار المنطقي للأمثال والتمارين
الأمثال والتمارين التي يطرحها المدرس على الطفل يجب أن
تكون منتقاة بعناية، بحيث يكون المعيار المنطقي لهذا الإختيار يتناسب مع مستوى
الطفل. فالطلب يجب أن يتضمن كلمات يفهمها الطفل، بحيث يستوعب المطلوب القيام به
بسهولة تامة.
أ- العلاقة مع ما يتعلمه الطفل: يجب أن تكون
الكلمات مشكلة من الرواسم والصواتم التي تعلمها الطفل، وليس بالكلمات التي يحفظها
كمرحلة أولى. لذا علينا الإبتعاد عن الكلمات غير المنتظمة.
ب- إبعاد الأخطاء: يجب عدم كتابة كلمات مغلوطة لأن
الطفل سيحفظها. يمكننا إختيار كلمات غير موجودة لتعليم الطفل الفروقات بين بعض
الرواسم المتشابهة. مثال b و d فنكتب boule و doule فالثانية لا معنى
لها. أو مثل موجود balle و dalle .
ت- التمييز بين صوت الحرف وإسم الحرف: هذا ما
يقترحه دو هايين. أما أنا فلا أوافق على هذا الكلام، حيث علينا تعليم الحرف كما
يمر معنا فقط. ولكن لا ماتع بعد أن يتقن الطفل القراءة أن نعلمه أسماء الحروف.
ث- علينا باستمرار تغيير الأمثال والتمارين، وذلك
حتى لا يتعود الطفل على أن يحل هذه التمارين بشكل آلي. فالعمل الآلي لا يساعد
الطفل على تعلم القراءة ولا على إتقان اللغة.
المبدأ السادس: الإلتزام النشط بين الإنتباه والفرح
الأبحاث العصبية المتعلقة بالتعلم تمكنت من استخلاص
قواعد بسيطة تعدل السرعة وقوة الحفظ. يوجد على الأقل ثلاثة عوامل تلعب دوراً
أساسياً.
أ- الإلتزام النشط للطفل: الطفل السلبي لا يتعلم
إلا نادراً، أو لا يتعلم أبداً. المعارف الراهنة تقول بأن الطفل حتى يتعلم عليه أن
يكون متحفزاً، مهتماً ونشطاً. لذلك علينا تحفيز الطفل بسؤال أو تمرين عليه هو أن
يجد الإجابة. كما أنه يجب علينا التنبيه إلى أن السؤال يكون من مستوى التلميذ، أي
لا تتعذر الإجابة عليه.
ب- الإنتباه: علينا أن نفتح التلميذ على أفق واسع
نوحي للطفل أنه سينفتح عليه في حال الإهتمام الجدي بتعلم القراءة.
ت- الفرح: ما يسهل التعلم هو مكافأة الطفل على
مجهوده الذي يقوم به. وعلينا التنبيه أن المكافأة المجانية غير مفيدة. إن شعور
الطفل بأنه ينال الإعجاب والتقدير سوف يضاعف جهوده. علينا الإبتعاد عما يحبط
الطفل. فالخطأ من الطفل لا يكون سبباً لإحباطه. ولكن نقوم بتصحيح الخطأ بروحية أن
كلاً منا معرض أن يخطىء، ولكن علينا تصحيح الخطأ والإنتباه أكثر. فالوقوع بالخطأ
طبيعي.
المبدأ السابع: التكيف مع مستوى الطفل
المعلم الجيد هو الذي يعرف مستوى أطفاله والذي يطرح لهم
تحديات تتلاءم مع إمكاناتهم. ثم ينقلهم إلى مستوى أعلى. وهكذا يكون الطفل مسؤولاً
عن تعلمه.
في حال تعلم الأطفال تشكيل الكلمات، لا مانع من نقلهم
إلى مستوى أعلى، وإلا سيصابون بالضجر وبعدم الإهتمام بما يطرحه المعلم لأنه لا
يثير اهتمامهم. فالمتعلم هو الذي يحدد مسيرة المعلم في الصف.
من هنا ضرورة التقييم المستمر، عندها يمكن للمعلم أن
يلائم إيقاعه مع الكفايات التي اكتسبها التلاميذ. وبذلك يتمكن أيضاً من تشخيص
الصعوبات التي تعترض تعلم الأطفال. ولا بأس من تعويد الأطفال على "التقييم
الذاتي". هذه الممارسة لها انعكاسات إيجابية جداً على تعلم الأطفال، حيث أنها
تؤكد استقلالية الطفل. وبذلك تنمي شخصيته. وقد ركزنا كثيراً على أن تنمية شخصية
الطفل هي شرط للتعلم. هكذا أثبتت نتائج التحليل النفسي عند الأطفال، هذا العلم
الحديث نسبياً.
إن ما تقدم يفرض أن يكون الصف مشكل من أطفال متشابهي
المستوى والقدرات. ونعني بذلك أن يكونوا من أوساط متجانسة.
هل تعلمون أنه يمكننا وبكل حرية أن نطلب من الطفل أن
يختار التمرين الذي يريد أن يحله؟ من أهم ما يتركه هذا العمل من انعكاسات هو خلق
التفاعل واللحمة في صفنا. أليس هذا شرطاً للعمل الجماعي في صفوفنا؟ كما أنه مطلوب
من أجل تأكيد استقلالية الطفل وتنمية شخصيته.