لا بد من خطوة إلى
الوراء!
حسن ملاط
6/4/2013
انهار الإتحاد السوفياتي، القطب المواجه للولايات
المتحدة، من دون أن تطلق الأخيرة أي رصاصة باتجاهه. وهذا الإنهيار لم يكن بسبب
مؤامرة قادها غورباتشيف، الرئيس الأخير، أو من حوله. ولكن السبب الرئيس كان
التناقض بين نظرة النظام عن نفسه والممارسة الفعلية لأركان هذا النظام. كان
الإتحاد السوفييتي يعتبر نفسه اشتراكياً، ويدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها.
ولكن الممارسة الفعلية كانت تقوم على نظام مخابراتي يصادر حرية الشعوب وبيروقراطية
تتمثل بكبار موظفي الحزب والدولة تتمتع بخيرات الشعوب السوفياتية دون غيرها،
وتصادر حرية الشعوب التابعة لحلف وارسو. يضاف إلى ذلك الفساد المستشري في جميع
أركان دول الإتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو التي تتبنى سياساته. لذلك ما أن انهار
الإتحاد السوفياتي حتى انهارت جميعها.
التناقض بين المفاهيم والممارسات الفعلية تؤدي إلى
انهيار المنظومة القائمة، سواء كانت امبراطورية أو دولة أو حزب أو منظمة ... إلى
آخر ما هنالك.
إن حديثنا عن هذا الموضوع كانت مناسبته هو التغيير
الحكومي في لبنان. لم يكن أحد يتوقع التغيير الحكومي في هذا الوقت بالذات. فالدول
الأوروبية وأمريكا كانت جميعها تدافع عن الإستقرار الحكومي في لبنان بالرغم من
الصفة التي كانت تضاف إلى هذه الحكومة بأنها حكومة حزب الله. وكلنا يعلم أن
أوباما، الرئيس الأمريكي، لم ينس حزب الله في زيارته الأخيرة لكيان العدو. فهو
يريد القضاء على الحزب لأنه منظمة إرهابية حسب زعمه، بسبب انتصاره مرتين على العدو
الصهيوني. ورغم هذا الدعم الغير مسبوق للحكومة فقد سقطت. والتفسير المنطقي لهذا
السقوط هو التناقضات الداخلية لهذه الحكومة.
والتناقضات هي على أكثر من مستوى: منها ما بين الكتل
المؤلفة لهذه الحكومة، ومنها ما هو بين كل طرف من أطراف الحكومة، ومنها ما بين
شعارات هذه الحكومة والممارسة الفعلية لها. والأهم في كل ما ذكرنا هو ضرورة التركيز
على أزمة الطرف القائد لهذه التشكيلة الحكومية.
حزب الله، هو الطرف الأفعل في هذه التشكيلة الحكومية،
كما أنه يتميز بالتماسك القوي التي تفتقر إليه جميع الأطراف الأخرى. من هنا، فإن
أي تشويش يلحق بموقف الحزب سيكون له تأثير جدي على التماسك الحكومي.
رفعت هذه الحكومة شعار النأي بالنفس عن ما يحدث في
سوريا، الدولة الأكثر تأثيراً في الوضع اللبناني. ولكن هذه الحكومة لم تلتزم بذلك،
لأنها سمحت لأطراف لبنانية أن تتدخل في الوضع السوري، وهو ما يحصل في شمال لبنان
أوما يحصل في شرق هذا البلد. وكان تدخل حزب الله المعلن هو الأكثر فعالية بسبب اشتراك
الحزب بحكومة النأي بالنفس وبسبب إعلان أرفع مصدر في الحزب عن هذا التدخل، في
الوقت الذي تعلن الأطراف الأخرى عن عدم تدخلها.
ما الذي يقال في هذا المجال؟
ورد في البيان الوزاري للحكومة المستقيلة الشعار الذهبي
"الجيش والشعب والمقاومة". وفي التفصيل أن المقاومة هي للدفاع عن لبنان
إزاء أي تدخل إسرائيلي. والحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة هي هادئة منذ ال2006.
وقد حصل استخدام سلاح المقاومة في المعارك الداخلية، كما يُقال في 2007، علماً أن
التعهد كان بعدم استخدام السلاح إلا في قتال العدو الصهيوني. وتقول المصادر أن
السلاح يستخدم اليوم ضد الشعب السوري وإلى جانب النظام الذي يقتل شعبه.
هذا ما يُقال. فأين صدقية شعار المقاومة من أجل الدفاع
عن لبنان؟
إن ارفضاض الكثير من مؤيدي المقاومة عنها بسبب تدخلها
إلى جانب النظام السوري، كان هو العامل الأهم في انهيار الإئتلاف الحكومي في حكومة
الميقاتي.
المقاومة حتى تستقيم على شعاراتها لابد لها من الإلتزام
بها. فالدفاع عن المظلومين يستدعي تأييدها للذين ثاروا على الظلم، أو في أبعد تقدير
الوقوف على الحياد. ففي بساطة تامة، ثار الشعب السوري على حكامه، فليستمر بمعركته
حتى ينجح أو ينهزم، فهو من اختار الثورة. أما النظام، الذي اختار التصدي بالسلاح
للمظاهرات السلمية، فليكمل معركته ضد شعبه الذي كانت خياره من دون أن يفرضها عليه
أحد. أما القول بالحرب العالمية على سوريا فهذا غير دقيق. فالدقيق هو أن هناك حرب
عالمية في سوريا، أطرافها روسيا وإيران من جهة وقطر والسعودية من جهة ثانية بتأييد
فعلي من تركيا وغير فعلي من أمريكا وأطراف أوروبية.
فإذا كانت هذه الحرب التي تُخاض في سوريا سوف تؤدي إلى
انهيار لبنان، فالأحرى بالأطراف اللبنانيين أن يبتدعوا ما يجعل بلادهم لا تتأثر
بشكل مدمر بما يحصل في محيطها. أما الأحزاب التي ترفع شعارات معينة فعليها أن تفتش
عن الطريقة التي تفعل شعاراتها وتحضير الأرضية الصالحة لنجاح هذه الشعارات. وأهم
ما يمكن أن يُقام به في هذا المجال هو الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن أن نعُيد
للمقاومة جمهورها العريض. وكيف يمكن تفعيل المقاومة. وكيف نحول مجتمعنا إلى مجتمع
مقاوم.
ليس من الفطنة في شيء أن نقضي على أقدس ظاهرة أنتجها
مجتمعنا: المقاومة. إنها ضرورة إزاء هذا العدوان الصهيوني المستمر. فحمايتها مهمة
يومية يجب أن يقوم بها كل مؤمن بحق شعوبنا بالحياة. وعلى كل مؤمن في مجتمعنا أن
يُساهم بكل ما يمكن أن يقوم به من أجل حماية استمرار هذه المقاومة. هذه المقاومة
أهم بما لايقاس من استمرار النظام السوري أو عدم استمراره. فالرهان يكون دائماً
على الشعوب. الشعب السوري استقبل من لاذ به في 2006، وليس بناءً على أوامر من
نظامه. فهو استقبل شعب المقاومة.
لم يفت الأوان على الإستدراك. على الجميع الحفاظ على
الشعارات التي استقطبت تأييد الشعوب في البلاد العربية والإسلامية. المقاومة هي
التي تجمع. على الجميع أن يُفعل هذا الشعار خدمة للإستقرار في بلدنا، وحفظاً
لمصالح أمتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق