ابو نزهة "القصير":
القطع مع الوعي؟
القصير، بلدة سورية كبيرة، منسية
مثل جميع القرى التي تشبهها في سوريا. لم يسمع أحد بهذه البلدة إلا أخيراً، بعد أن
أصبحت قبلة النظام وحلفائه. ومن عسر حظ هذه البلدة أنها كانت بلدة معظم أهلها من
أهل السنة والجماعة. وهذا يعني، حسب تصنيف النظام و حلفائه، بلدة معادية. وحيث
أنها تقع بين حمص ودمشق، فمن الضروري أن تكون بيد النظام. وحيث أن أهلها قد شعروا
بكرامتهم بعد بدء الأحداث في سوريا فقد تمردت على هذا النظام مثل جميع البلدات
والمدن التي يشعر أهلها بكرامتهم. من أجل ذلك، لا بد من غزوها. وعليه فقد حشد
النظام وحلفاؤه أكثر قواتهم تدريباً حتى يقضوا على هذه البلدة الآمنة، إما
بالمجازر، كما في بانياس، أو بالتهجير مثل معظم البلدات والمدن السورية. والسلاح
موجود بفضل الروس والإيرانيين. والنظام السوري يستخدم فقط المدافع الثقيلة
والصواريخ الباليستية من طراز سكود والطائرات المروحية أو الحربية من طراز سوخوي
وميغ، كل هذا من أجل قصف السكان المدنيين.
لماذا القصير؟ في حال لم يتمكن
النظام من ربط دمشق، العاصمة، بالمنطقة الساحلية، حيث القاعدة الآمنة للنظام، فمن
المحتم أن النظام سيخسر العاصمة. وبذلك سيصبح النظام ضعيفاً على الصعيد الدولي ومن
دون مصداقية، وبذلك يكون انتهى. لذلك فإن الإحتفاظ بالعاصمة هي مسألة مركزية. من
هنا تأتي أهمية القول بأن النظام مستعد للتضحية بألف إيراني ومقاوم من أجل
الإحتفاظ بالقصير.
القصير بالنسبة للنظام هي مسألة
موت وحياة بكل ما للكلمة من معنى. أما بالنسبة للمعارضة فهي ليست أكثر من ربح موقع
أو خسارته. هذه القصير، مثلها كمثل ريف دمشق، ليس للنظام من خيار إلا السيطرة على
هذه المواقع. فالمعركة بحقيقتها هي معركة دمشق والقصير هي من تفاصيل هذه المعركة.
في التفاصيل: منذ فترة من الزمن،
أعلن النظام أنه سيسترد القصير وأنذر أهل القصير والمسلحين الموجودين داخلها.
السؤال هو لماذا لم يتم تسليح القصير بأسلحة نوعية تمكنها من التصدي للطائرات
والصواريخ التي تساقطت عليها بمعدل خمسين قذيفة في الدقيقة الواحدة؟ والجواب ليس
معقداً. المعركة التي تُخاض في القصير هي معركة للقضاء على المسلحين في هذه البلدة
لأن الجميع قد حدد مسبقاً أن المسلحين هم من الإسلاميين. والأطراف الذين يهمهم
القضاء على هذه الفئة هم فقط الأميركيون والأوروبيون والروس والإيرانون وحلفاؤهم
والنظام، وحلفاء أميركا من الأعراب الذين امتنعوا عن تسليح المعارضة.
مما تقدم يتبين أن جميع الأطراف
أجتمعت على تصفية أهل القصير وحلفائهم، ولكنهم لما يتمكنوا.
من هم الإسلاميون الذين تريد جميع
هذه الأطراف تصفيتهم؟
يقولون لنا أن هؤلاء هم من القاعدة
وأخواتها. والقاعدة وأخواتها، هم فقط من حارب أمريكا لأكثر من عقدين من الزمن. أما
إيران، فقد حاربت أمريكا كلامياً وحالفتها عملياً.
هناك حربان كبيرتان خاضتهما
أمريكا، هما في أفغانستان والعراق. أما الحرب الأولى فقد كان العسكر الإيراني في
طليعة القوات الأمريكية التي جاءت تحارب حركة طالبان. فإيران هي حليفة أمريكا في
هذه الحرب. أما جائزتها فكانت نائب الرئيس الأفغاني وهو فارسي شيعي.
أما الحرب الثانية التي حالفت فيها
إيران الإدارة الأمريكية، فهي حرب العراق. فقوات المعارضة العراقية للرئيس صدام
حسين، والتي جاءت من إيران، دخلت بغداد على الدبابات الأمريكية. وقد احتفظت إيران
وأمريكا بالتحاف حتى الآن حيث يمثل المالكي تقاطعاً أمريكياً إيرانياً. وحتى بعد
قيام التظاهرات ضد سياسته المذهبية والتي لازالت مستمرة منذ أكثر من شهرين، دافعت
الولايات المتحدة عن حكمه واعتبرته ديموقراطياً. أما إيران فقد استدعت جميع
الأحزاب الشيعية ووجهت لها الأوامر بضرورة دعم المالكي وتجديد تكليفه في رئاسة
الوزراء. علماً أن هذا التوجيه يتناقض مع توجيه المرجع الأعلى في النجف،
السيستاني، الذي اعتبر أن تصرفات المالكي فئوية ومذهبية ومن الممكن أن تؤدي إلى
تقسيم العراق.
أما الحرب الثالثة الكبرى، فهي تلك
التي تُخاض في الربوع السورية ضد أعداء أمريكا من التكفيريين. فإيران تعلن على
الملأ أنها تحارب هؤلاء ولكنها لم تقل لصالح أمريكا. وإيران وحلفاؤها محقون، حيث
أن هذه الحرب تخاض لصالح أمريكا وروسيا والنظام السوري وأؤلئك الذين لا يحبون أن
يكونوا على خطوط تماس مع القاعدة.
هكذا تحارب إيران أمريكا. أما عن
العقوبات الأمريكية على إيران فهي ليست جدية بما يؤدي إلى خنق إيران كما يدعي
البعض. النفط الإيراني تشتريه الصين والهند واليونان وكوريا الجنوبية وتركيا. هذه
الدول جميعها من دون استثناء هي من حلفاء الولايات المتحدة.
أمريكا لا يضيرها التحالف مع
إيران، شريطة أن تكون بالشروط الأمريكية. لا ننسى أن إيران قبل ثورة الخميني التي
كانت معادية لأمريكا، كانت شرطي الخليج لصالح الولايات المتحدة. فإذا كانت أمريكا
مستعدة أن تعترف لإيران بولايتها على جميع الشيعة في العالم، عندها يعود التحالف
كما كان أيام الشاه.
كيف القطع مع الوعي؟ عندما يخوض
الإنسان حرباً غير عادلة، لصالح غيره، يصبح مضطراً للإلتجاء إلى القاموس الذي يربط
عصبية الإنسان بغريزته. المقاومة تمثل وعي الأمة. والمقاوم تكون المقاومة وعيه.
ولكن عندما على البعض استحضار كل عصبية التاريخ منذ 1400 سنة أو أكثر حتى يدفع
المقاوم من أجل أن يصبح مقاتلاً غريزياً يكون قد قطع مع الوعي. ولكن أمتنا بحاجة
إلى الوعي، ولا تحتاج للعصبية، التي وصفها الرسول عليه السلام بأنها منتنة!