هل الحرب
قادمة؟
حسن ملاط
11 أيار 2013
عندما جاء كيري إلى وزارة الخارجية الأمريكية، كانت أولى
مساهماته حول ما يجري في سوريا أن صرح أن مؤتمر جنيف هو القاعدة التي ينطلق منها
كل حل للقضية السورية. وأضاف أن الأسد هو جزء من الحل. وهذا الكلام يخالف ما كان
يتحدث عنه أوباما في ولايته الأولى. وقد فهم المراقبون أن السياسة الأميركية سوف
تتغير بأن تتقرب أكثر من الرؤية الروسية للحل. ولكن الكلام الأمريكي بدأ بالتغير
على استحياء، وذلك للتقرب من المعارضات السورية، التي يرفض أكثرها التفاوض مع
الرئيس السوري.
اتجه الأمريكيون إلى توحيد المعارضة، وكان مؤتمر الدوحة
الذي نتج عنه الإئتلاف الوطني، والذي انتخب معاذ الخطيب رئيساً له. ولكن لم يتمكن
الأخير من التفاهم مع رفاقه حول الأولويات، ما أدى إلى استقالته السريعة. أما
الجيش الحر فقد آثر التغريد وحيداً، في الوقت الذي تخلى عنه المسؤول عن تسليحه وإمداده
بالمعونات، ما أدى إلى تخلي المئات من المقاتلين عنه وانضمامهم إلى جبهة النصرة
الحسنة التسليح والتدريب. جبهة النصرة التي توحد على معاداتها النظام والأمريكيون
والأوروبيون والإيرانيون وحلفاؤهم اللبنانيون. وقد أعلن الأمريكيون أن هذه الجبهة
إرهابية ويجب محاربتها، رغم الطلب الملح من المعارضة السورية تأجيل الصدام مع هذه
الجبهة إلى ما بعد الإنتصار على النظام. في هذا المجال، صرح الرئيس أوباما في عمان
أن الأسد أخل بتعهداته. نفهم أن هناك تعهدات أعطاها الرئيس السوري للأمريكيين ولم
ينفذها. ولا نعتقد أنها تخرج عن ضرورة محاربة النصرة.
كل ما تقدم كان مترافقاً مع الرفض المطلق للأوروبيين
والأمريكيين لتسليح المعارضة السورية، بحجة الخوف من وصول السلاح إلى المكان
الخطأ. وهذا بدوره أدى إلى تقدم النظام وحلفاؤه في الكثير من الجبهات. هذا التقدم
للنظام على الأرض، لم يُزعج الأمريكيين، بدلالة عدم السماح بتسليح المعارضة حتى
الآن.
هل تقدم النظام يملك دلالات مفصلية؟
التقدم كان على جبهة حمص وريفها، وكذلك في بعض ريف دمشق.
والمعروف أن المنطقة التي تُشكل الخزان البشري للنظام هي منطقة الساحل التي تضم
اللاذقية وطرطوس وريفهما. وهذه المنطقة تفقد فعاليتها إذا لم يتمكن النظام من ضم
حمص وريفها لها حتى يؤمن الإتصال مع دمشق العاصمة. فالنظام يفقد شرعيته في حال
فقدانه العاصمة دمشق. نستنتج بان المناطق التي تقدم فيها لا يمكنه التخلي عنها،
لأنه في حال التخلي عنها فذلك يعني هزيمته المعلنة. أما فقدانه المنطقة الساحلية
فتعني القضاء عليه. من أجل ذلك لا نرى التقدم الذي يحرزه النظام في هذه المناطق
يُعتبر تغييراً في ميزان القوى، إنما هو فرز للقوى وتموضعها.
ولكن لا بد من التأكيد أن الحشد الكبير الذي قام به
النظام والإيرانيون وحلفاؤهم كان ضرورياً لشرعية استمرار النظام.
في هذا الوقت تدخلت إسرائيل في غارتيها على دمشق. فهل
صحيح أن الهجوم الإسرائيلي كان يستهدف إضعاف النظام لصالح المعارضة؟ المؤكد أن هذا
الكلام بعيد عن الحقيقة بشكل مطلق، حيث أن العدو الصهيوني لا يزال يرى أن بقاء
الأسد على سدة الرئاسة في سوريا يؤمن للعدو مصالحه الأمنية والاستراتيجية، بالرغم
من "ممانعة" النظام ومقاومته". إن ما يرفضه الصهيوني هو أن تكون له
حدود مشتركة مع القاعدة (جبهة النصرة). فهو يعرف كيف يتصرف مع النظام ولكنه لا
يعرف كيف يتعامل مع القاعدة. من هنا علينا فهم القرار الأمريكي بعدم تسليح
المعارضة. فالأمريكي لا يفكر إلا بمصلحة العدو.
لم كان الهجوم الإسرائيلي إذن؟
نحن نعتقد أن الهجوم على دمشق التي تحميها إيران
وحلفاؤها كان رسالة "عنيفة" لإيران. فالإسرائيلي الذي يهدد بالهجوم على
طهران من أجل تدمير النووي الإيراني هو بحاجة لمعرفة كيفية تصرف الإيراني إزاء أي
هجوم يقوم به العدو. والإيراني ليس بعيداً عن هذا التفسير. فرئيس الأركان الإيراني
هو الذي رد على الهجوم الصهيوني عندما أعلن أن المقاومة سترد على الهجوم
الإسرائيلي. ولكن عندما رأت القيادة الإيرانية أن هذا الكلام سيورط إيران بمواقف
وممارسات غير مدروسة تراجعت عنه. والصهيوني من جانبه، أكد للقيادة السورية أن
هجومه موجه للإيرانيين وحلفائهم وليس للقيادة السورية. لذلك أعلنت القيادة السورية
أنها سترد على أي هجوم جديد. لا نعلم إن كان الإسرائيلي قد أخطرهم أنه لن يقوم
بهجوم جديد.
إن ما يريح الإيراني والسوري هو أن يصرح حليفهما عنهما،
بحيث أنه لا يتبوأ مركزاً رسمياً. فبإمكانه أن يصرح بما يريد. فتصريحه يمكن أن
يعطي اتجاهاً من دون أن يلزم الإيراني أو السوري. كما أن تصريحه يحمل الكثير من
المصداقية التي تعودها الناس منه. كما أنه بإمكانه أن يبرر تقاعس النظام السوري
والإيراني عن الرد.
أين الحرب ضمن الصورة الحالية؟
إن ما يحدد انفجار الحرب الإقليمية من عدمه، هي
التحضيرات التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا من أجل المؤتمر الذي سيحل
المعضلة السورية. فالأطراف الفاعلة في القضية السورية هم روسيا وإيران وحلفاؤها مع
النظام بمجابهة السعودية وقطر وتركيا وحلفاؤهم الأمريكيون والأوروبيون. الطرف الذي
لا يمكنه أن يخسر في سوريا هو إيران. لذلك فإن أي استبعاد لإيران عن المؤتمر سوف
يؤدي على أغلب الظن إلى انفجار الأوضاع التي ستؤدي حتماً إلى خلط جميع الأوراق.
هذا لا يعني تراجع الولايات المتحدة عن ضرورة استبعاد إيران. إنما يعني أن على
إيران استخدام جميع إمكاناتها لإجبار أمريكا على التراجع.
هل بإمكان أمريكا التراجع؟ نحن نعتقد أن أمريكا التي
تمكنت من الإتفاق مع إيران حول الملف الأفغاني وحول الملف العراقي لا يمكنها
التنازل لإيران في شرق المتوسط. إن وضعاً كهذا سيجعل من إيران لاعباً رئيسياً في
جميع المنطقة، بما فيه الخليج. وهذا سيؤدي حتماً إلى تغيير الإتجاه الذي أكدته
أمريكا بأنها ستتوجه إلى المحيط الهادىء. هذا الوضع المستجد سيمنع أمريكا من
التوجه إلى حيث تكون قريبة من منافستها الأولى، الصين، وغير بعيدة عن منافستها
العسكرية، روسيا.
ليس أمام إيران إلا التهديد بما تهرب منه أمريكا: الحرب.
14% من الأمريكيين وافقوا على التدخل في سوريا في حال ثبت استخدام الكيماوي، مقابل
61% ضد التدخل في جميع الأحوال. إن إعادة انتخاب أوباما جاءت على خلفية إنسحاب
أمريكا من العراق وأفغانستان وعدم زج الجيش الأمريكي في أية حرب جديدة. هذه هي
الورقة الرابحة بيد الإيراني. فلن يتنازل عنها.
ما هو المتوقع؟
عندما تريد أمريكا من إيران أن تخرج من سوريا ومن شرق
المتوسط، فعليها أن تعوضها في مكان آخر. هل يكون بديل شرق المتوسط شرق آسيا،
المنطقة المرتبطة تاريخياً بإيران؟ هذا هو المرجح. لا نعلم إن كان التصريح
الإيراني عن علاقات حسن الجوار مع باكو يأتي من ضمن هذا السياق. حيث أننا نعلم أن
إيران كانت تؤيد أرمينيا في خلافها مع أذربيجان، بالرغم من أن أكثرية الأذريين هم
من الشيعة. فهل هذا مؤشر إلى اتجاه نحو تحسين العلاقات وإعادة الحياة إلى العلاقات
الحميمة مع آسيا الشرقية الإسلامية التي منها العديد ممن يشتركون مع الإيرانيين
عرقياً.
يمكننا القول أن المنطقة دخلت بازار الحلول بعد إعلان
كيري – لافروف. وهذا الوضع هو الذي يبشر بالتصعيد مع البيع والشراء. الشعوب هي
دائماً من يدفع الثمن. كان الله بعون السوريين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق